كتب عباس دشتي: أقامت حسينية الرسول
الأعظم (عليه الصلاة والسلام) مجلساً تأبينياً بمناسبة الذكرى الثانية
لرحيل المرجع الديني الكبير الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي والذي
كان يعد من العلماء والفقهاء والمفكرين.
وتطرق المشاركون بالاحتفال الى مكانة
السيد الشيرازي وكيف استطاع ان يشق طريقة الى المجد عن طريق ترسيخ
الشريعة الاسلامية وتطبيق السنة النبوية الشريفة والتمسك بفقه اهل البيت
عليهم السلام.
وحضر الاحتفال السيد محمد رضا الشيرازي
نجل المؤبن الذي تلقى التعازي كذلك السيد احمد الشيرازي نجل المرجع
الديني السيد صادق الشيرازي كما حضر التأبين النائب د. حسن جوهر والنائب
السابق عباس الخضاري ود. صالح الصفار رئيس هيئة الامناء والمساجد بجامع
الامام الصادق (عليه السلام) وعدد من رجال الدين والشخصيات.
وأشار الشيخ عبد الرسول الفراتي الى ان
الناس اموات ولكن اهل العلم احياء كما اشار الى ذلك الامام علي (عليه
السلام) مشيراً الى ان هناك اسماء لا تموت ولا يقرب منها الافول تبقى
دائماً في ذاكرة التاريخ وهي اسماء لامعة ساطعة الا وهي اسماء العلماء
حيث انه بالعلم يحيا الانسان وينتقل من الظلمة الى النور فهم القادة
والنبراس.
وأضاف لاشك ان احياء علم من علماء هذه
الامة ومعلماً وقائداً هو بمثابة تكريم للعلم والعلماء خاصة ان هذه
الشخصية تتسم بالنهج الانساني والاسلوب الحياتي المميز.
واوضح الكابتن خليل الصالح بأن السيد
محمد الشيرازي لم يكن علما من علماء الدين فقط بل انه استطاع بعلمه
الواسع وافقه البارز ان يبحر في كافة مجالات الثقافة الانسانية اضافة الى
ما كان يتجلى به من سعة الصدر والصبر والحلم والاخلاق وخاصة سعيه الى
التجديد الذي كان احد سماته المميزة، لذا كان السيد الشيرازي اعجازا
بشريا حيث استطاع تأليف الف ومائة كتاب وموسوعة.
وألقى عبد الحسين سلطان كلمة اشار فيها
الى ان العلماء هم ورثة الانبياء والمرسلين وهم امتداد للرسالة الربانية
التي اوصى بها الانبياء وعليه كان هؤلاء يسعون لانارة الطريق امام
الانسان، وكان السيد الشيرازي احدى النعم الالهية للبشرية من حيث العلم
والمرجعية بل انه كان اباً ووالداً لمن كان حوله في صفاته وعطفه وكان
معلما ومدرساً وقائداً يحمل هموم الامة في جنبيه لنصرة المظلوم كما انه
وضع المنهج في التجديد والتغيير للشباب ولمن يود مقارعة الظالمين كما انه
جسد اخلاق الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم واهل البيت عليهم
السلام كما كان صلباً امام الاعداء.
فالسيد الراحل والمرجع الديني الكبير كان
مدرسة ومنهجا ورسالة لاحياء الامة دون موقع جغرافي حيث بدأ في كربلاء ثم
الكويت واخيراً في قم ومن هنا كان على الانسان ان يتورع ويتعظ من المحاور
التي كان السيد الشيرازي يتمسك بها الا وهي الالتزام بالتقوى والاخلاق
والعمل الدؤوب والمثابرة.
والقى ازهر خفاجي كلمة حول مكانة السيد
الراحل وكذلك الشاعر السيد محمد رضا القزويني ثم استكمل الاحتفال بالخطيب
الحسيني السيد محمد باقر الغالي.
كما اقامت حوزة الرسول الاعظم (صلى الله
عليه وآله وسلم) احتفالاً آخر لتأبين السيد الشيرازي حيث قام السيد احمد
الشيرازي باستقبال المعزين وحضر كل من النائبين صلاح خورشيد وصالح عاشور
والسيد صباح شبر وعدد كبير من رجال الدين والشخصيات والقيت بعض الكلمات
والشعر حول السيد الشيرازي.
والتقت (الوطن) مع الحاج جميل كمال امين
عام مؤسسة سيد الشهداء (عليه السلام) ودار معه الحوار التالي:
من
هو الامام الشيرازي الراحل؟
ـ لقد كتبوا عن الامام الراحل الكثير من
المقالات وسطروا له عددا من الكتب بل وبعض المجلدات، ولكن قد يكون لدي
تعريف آخر قد اضيف شيئاً جديدا لما كتبوه، فقد كان المرجع الكبير احد
ابرز ملامح النهضة الثقافية والعلمية في القرن الحاضر بل كان يمثل رمزا
للبطولة والتضحية، بطلا في الجد والعمل الدؤوب، مشعلا في الهمة والنشاط
لاخر لحظات مفارقته الدنيا، عملاقا في البحث والاستنتاج العلمي، غزيرا في
عطائه وتأليفه، يمتلك ـ رحمه الله ـ روحا من تلك الارواح العالية والتي
تمنيناها برهة من الزمان لنتقمص منها تلك الصفات الراقية، كان ميزانا في
شحذ الهمم وتشويق الاخرين للعطاء وخدمة دينهم، بهذه العين والنظرة
المختصرة جدا ارى هذا الرجل الذي فارقنا جسده قبل سنتين ولازمتنا روحه
العذبة على مر اللحظات.
ما هي
اسقاطات الامام الشيرازي على الواقع الاجتماعي والديني في الكويت؟
ـ لقد عاش الامام الراحل بين ظهرانينا
قرابة عقد من الزمن فقد دخل الكويت بثيابه المتواضعة التي خرج بها فلم
يدخر درهما ولا دينارا، ولكنه ورث اجيالا اهتدت على يده تدين له خلقا
وكمالا، بل ما زالت تموجاته الفكرية والاخلاقية باقية حتى اللحظات، تشهد
له اطياف المجالس الحسينية التي اسسها والمساجد التي انشأها والكتب التي
سطرها والزرافات الشبابية وغيرها من طبقات المجتمع المتنوعة التي اهتدت
على يديه، والمؤسسات التوعوية والمكتبات الثقافية والحوزة العلمية التي
ما زالت ترفع رأسها شموخا وعطاء وافتخارا بمؤسسها الراحل ـ قدس سره
الشريف.
بصماته الدينية لن تنمحي من عقول تلك
الاجيال التي تكهربت بفكره النير وعطائه المبدع على مر السنين، فقد ترك
تراثا في الكويت يصعب على منافسيه ان يجاروه، فلقد رحل عن الكويت وهي
تبكيه حسرة ونكدا بعد ان خلق نسيجا مترابطا من الاجيال الواعدة حملت
تعاليم الاسلام الحقيقية لتنفع بها مجتمعها ووطنها.
للامام
الراحل تراث ضخم من التأليف والكتابة، فهل يمكن ان تعطينا نبذة عنه؟
ـ كما هو معلوم اولا ان الامام الشيرازي
هو صاحب اكبر موسوعة فقهية في التاريخ حيث لم يسبقه احد في ذلك، بل يعد
معجزة القرن الحالي في التأليف فقد ناهزت مؤلفاته الالف ومائة وستين
كتابا وكتيبا وموسوعة توزعت على شتى المواضيع واتسمت بغزارة المادة
وبساطة الاسلوب ويكفي انه انفرد بموسوعته الفقهية التي ناهزت المائة
وخمسين مجلدا في مختلف فروع الفقه.
ولكن اهم ما كان يميز قلمه المبارك
وكتاباته القيمة فكره البعيد المدى، ورغبته الشديدة لتوعية اكبر قطاعات
ممكنة من ابناء امته بل تعدى الامر لان يفكر ويؤلف لهداية غير المسلمين
وتعريفهم بقيم هذا الدين العظيم وكانت تلك احدى امنياته قبل ان يلاقي ربه
مجاهدا صابرا.
كما كان يركز على استنهاض الهمم وتفجير
الطاقات وتشجيع الآخرين لتأسيس المؤسسات بل كان يمتاز بنظرته الثاقبة
واحاطته الشاملة بأمور المسلمين واستعلام اوضاعهم وما يجري في بلادهم
فكان دائم السؤال من زواره على اختلاف اطيافهم واجناسهم عن احوالهم وامور
معيشتهم.
هل لك ان تحدثنا عن الجانب الجهادي في حياة الامام الشيرازي الراحل؟
ـ لقد نشأ الامام الراحل بجانب نشأته
العلمية الحوزية نشأة جهادية في مدينة الجهاد والتضحية كربلاء المقدسة
مدينة سيد الشهداء (ع) فقد بدأ بالتصدي لامور المرجعية منذ اوائل حياته
العملية ومنحت له زعامة الحوزة الدينية لما تميز به من نبوغ واجتهاد
وجهاد ومثابرة ادهش العقول، ولم يرق ذلك لطغاة عصره ولا لمناوئيه حيث
بدأت الهموم والغيوم الداكنة تحوم حوله بعد سنوات من مقارعة طغاة البعث
ورموز النظام العفلقي الكافر حتى صدر بحقه حكما بالاعدام بعد ان هاجر الى
الكويت ليستكمل مسيرته الجهادية ثم استقر اخيرا في مدينة قم المقدسة حتى
فاضت روحه المباركة الى بارئها وهو في اوج عطائه.
لقد كان البعد الجهادي في حياة الامام
الراحل سمة لا تنفك عنه وبخاصة انه كان يحمل فكرا يدعو دائما الى التغيير
والتجديد ودفع الفرد المسلم لان يرتقي بأمته الى مصاف المجد والرقي.
كما تدين له المئات من المؤسسات الدينية
والعلمية والثقافية وغيرها ـ في انحاء العالم ـ ذات الاطياف المتنوعة
والاهداف المتعددة بالولاء والفضل لما افاض عليها من مشورة تأسيس ودعم
معنوي ومادي بحسب قدراته وامكانياته وكفى بذلك عطاء وجهادا.
انفرد الامام
الراحل بكتاباته عن مواضيع الساعة ومواكبتها... وابرز ما كتب حول
العولمة... فما اضاف في ذلك؟
ـ الحديث حول رؤى سماحته حول العولمة
حديث يطول وذي تفريعات ولا نستطيع لضيق المقام ان نسهب في جميع نظرياته
حول الموضوع ولكن يمكن ان نشير الى ان الامام الراحل ـ قدس سره ـ اوضح
بشكل جلي وجه المقارنة بين ما يدعيه الغرب من تشبث بأساسيات العولمة التي
سلبت منها العدالة والاخلاق على الصعيد الانساني وتقمصت الجشع والاحتكار
اضافة الى زيادة معدلات البطالة في الجانب الاقتصادي بل، اي باختصار ان
مفهوم العولمة حسب المنظومة الغربية تتمحور حول الماديات فقط.
مقابل ذلك اوضح سماحته ان الاسلام لا
يمانع التطور والانفتاح على كل ما هو ايجابي مع التلازم التام والتركيز
على الجانبين الروحي والمادي معا، فالاسلام اساسا رسالة عالمية (ان هو
الا ذكر للعاملين)، بل اثبت سماحته ان الاسلام دين عولمة بنص القرآن
والسنة النبوية المطهرة، ولكن تلك العولمة التي تستند الى الاخلاق والدين
واحترام حقوق الانسان.
عن الوطن
الكويتية |