أهل البيت (ع) هم أمان أهل الأرض، وهم
سفن النجاة، وهم خزان علم الله، وهم الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس و
طهرهم تطهيراً، وهم وصية رسول الله(ص)، وهم حجج الله على البرايا، وهم
الأداء على الله تعالى.
من تمسك بهم نجا و من تخلف عنهم غرق
وفنا، و لولاهم لساخت الأرض بأهلها، ومن أراد أن يتصل بالله فما عليه إلا
أن يتقرب ويتوسل بهم، فهم حبل الله و صراطه المستقيم.
و من يعرف أهل البيت حق معرفتهم فإن نفسه
تهواهم وتقترب منهم وتقتدي بهم وتتبع نهجهم، ويسعى جاهداً لديمومة هذا
الخط، ويسعى جاهداً لنشر فكرهم وتراثهم ومناقبهم.
ويعد سماحة الإمام الشيرازي قدس سره
الشريف ممن عرف أهل البيت بهذه الصورة، ولهذا فقد ارتبط بهم و تمسك
بحبلهم وسعى جاهداً مجاهداً لنشر مبادئهم وذلك عبر ما يلي:
أولاً :
الدعوة للتأليف في مجال أهل البيت (ع)
فكم هي المؤلفات التي ألفت حول أهل البيت
(ع) ؟
ربما يقول البعض إنها كثيرة جداً!
و لكن الإمام الشيرازي ذا الطموح والهمة
العالية وصاحب القلم السيار لا تملئ عينه هذه المؤلفات ويعدها بسيطة جداً
حيث يقول : ( و مع الأسف لم أجد كتاباً عن أحوال النبي (ص) بقدر الموسوعة
التي ألفت عن (غاندي) زعيم الهند، حيث كتبوا حوله (ثلاثمائة) مجلد.
كما لم نجد الكتب التي ألفت حوله (ص)
بقدر ما كتب حول (الاقبال) المعروف، فقد كتبوا حوله خمسة ألاف كتاب
ودراسة، فهل نعرف حوله (ص) خمسة آلاف كتاب؟ و هو (ص) لا يمكن أن يقاس
بأحد أو يقاس به أحد!!) (1)
و الإمام الشيرازي حينما يكتب حول أهل
البيت فإنه يبحث في سيرتهم بحثاً دقيقاً مستخلصاً منه أهم الدروس و
العبر، كما أنه يدرس التاريخ بعين بصيرة و روح جديدة، و يدرس خطبة
الزهراء دراسة فقهية موسعة، و إليك هذا المثال :
فاطمة
الزهراء أفضل أسوة للنساء
فقد كتب حولها هذا الكتيب الصغير في حجمه
العميق في محتواه حيث تحدث فيه عن جهادها (ع) بكل ما في الكلمة من معنى و
قد ذكر في ذلك صوراً رائعة، كما تحدث قدس سره عن مشاركتها في الحقل
السياسي مستلهماً ذلك من كلمتها العظيمة ( وطاعتنا نظاماً للملة ) و
اعتبر أن طاعة المعصومين (ع) نظام للأمة، كل ذلك في كتيب لا تتجاوز
صفحاته (103 ) صفحة، و لكنه حافل بمواقف البطولية و القيم الرسالية .
الحسن و
الحسين إمامان
و كراس آخر لا تتجاوز صفاحته (32) صفحة
يتحدث فيه قدس سره عن دور السبطين، و ذلك عبر تبصير الأمة بما تعانيه
الأمة من إنحرافات سياسية مثمثلة في سيرة الحاكم آنذاك ( معاوية ) و
ضرورة مواجهة هذا الإنحراف الذي كان يمثله يزيد بن معاوية، و هو بهذا
يرسم لنا آلية الإصلاح و ضرورته.
كما قام قدس سره بتحرير بعض المجلات
الخاصة بأهل البيت (ع) منها: ( صوت العترة ) و ( ذكريات المعصومين).
ثانياً :
مؤسسات و مراكز باسم أهل البيت (ع)
و قام قدس سره بتأسيس العديد من المؤسسات
و المراكز الدينية و ربط اسمها باسم أهل البيت(ع) و كان يهدف من ذلك إلى
تخليد هذه الأسماء و ليتأسى مرتادوا هذه المراكز باسم صاحب المركز، و
الجدير ذكره أنه لا توجد مؤسسة واحدة تحمل اسمه رضوان الله عليه، وقد
اقترح عليه البعض بتخليد اسمه على بعض الحوزات أو الحسينيات أو المساجد و
لكنه كان يفضل أن يكتب أسم من أسماء أهل البيت (ع) لذلك المركز.
و من المراكز التي أنشأها رضوان الله
عليه و خلد فيها ذكر أهل البيت نذكر :
في الكويت :
مدرسة الرسول الأعظم (ص) ، مكتبة الرسول
الأعظم(ص)، مسجد الرسول الأعظم (ص)
في إيران :
مدرسة الرسول الأعظم (ص) ـ قم المقدسة،
مدرسة الإمام الرضا (ع) ـ مشهد المقدسة، مكتبة الإمام علي بن أبي طالب
(ع) ـ قم المقدسة، مكتبة الزهراء (ع) ـ قم المقدسة .
و غيرها كثير من مساجد و حسينيات و
مستوصفات و جميعها باسم أهل البيت (ع).
ثالثاً :
بناء الرجال و المبلغين عن أهل البيت (ع)
حتى ينتشر الفكر في بقاع الأرض لابد من
رجال أكفاء يبلغونه و ينشرونه في أرجاء المعمورة، و يتجلى هذا جلياً في
سيرة الإمام الراحل فقد تربى على يديه العديد من الخطباء و المحاضرين
البارعين و المفوهين الذين أحدثوا تغييراً ملحوظاً في المنبر الحسيني من
حيث كيفية الإلقاء و نوعية المادة الملقاة، وقد لاقت إطروحات الخطباء و
المحاضرين إقبالاً جماهيرياً منقطع النظير.
و يعتبر الخطباء الذين تتلمذوا في مدرسة
الإمام الشيرازي من وراد الخطابة الحسينية الحديثة، و كذلك كان لهم الفضل
في بث فكرة الاحتفالات و الندوات بين صفوف المجتمع و ذلك منذ ما يقارب
على خمسة وعشرون عاماً.
رابعاً :
العادات الأسبوعية
من الأفكار التي بثها الإمام الراحل في
صفوف أتباعه هي أن يكثروا من العادات و كانت هذه هي إحدى وصايا الإمام
العشر ( في كل بيت عادة أسبوعية )، وعندما طرح الإمام هذه الفكرة تعجب
البعض منها و لكنها سرعان ما أصبحت عادة تميز بها مجتمع الكويت.
إن الإمام الشيرازي لم يرغب أن تكون
ذكريات أهل البيت وقتية، و ذات زمن محدد بل أرادها أن تكون مستمرة طيلة
العام، ولهذا يقول أنه ( لو عقد المجلس للنبي (ص) وفاطمة الزهراء عليها
السلام و أحد عشر من الأئمة (ع) الذين استشهدوا، لرثاء كل واحد منهم
ثلاثة أيام في ذكرى شهادتهم كان (39 ) خدمة ) (2)
خامساً:
الاهتمام بمناسبات أهل البيت (ع)
لا يعني الاهتمام بالمناسبات مجرد
الإحياء فقط ـ و إن كان هذا مطلوباً ـ و إنما يعني إحياء المناسبة بصورة
مميزة و بصورة تستقطب الجماهير، وبطريقة ترسخ مفاهيم المناسبة في
أذهانهم، وهذا ما سعى إليه الإمام الراحل حيث ابتكر طريقة الاحتفالات
بمناسبة ميلاد أمير المؤمنين (ع) و كان لها صداها في العراق يومذاك.
إضافة لهذا فقد أعطى عنواناً معيناً لبعض
المناسبة و منها مولد الرسول الأكرم (ص) حيث أطلق عليه عنوان أسبوع
المولد الشريف، وكتب في ذلك كتاب تحت هذا المسمى يقول في مقدمته : (إن
هذا الكتاب أسبوع المولد الشريف كتبته لأجل إلفات المسلمين إلى ضرورة أن
نجعل أسبوع ميلاد الرسول الأعظم من ثاني عشر ربيع الأول إلى ثامن عشر منه
أعيادا وأفراحا لنقوم بواجب الولاء أولا ونملأ فراغ النفس والجسم ثانيا
ونتبع ما يوجب السعادة الدنيوية والأخروية ثالثا).
وقد وضع الإمام الراحل برنامجاً متكاملاً
لهذا الأسبوع منه ما يتعلق بالجانب الفردي،وآخر يتعلق بالجانب الرسمي، و
الجانب الاقتصادي و الثقافي ، و الجانب الاجتماعي و الأخلاقي و يختتم
الإمام برنامجه بقوله: (ثم ان ما ذكرناه في هذا الكتاب أسبوع المولد
الشريف هي خطط بدائية واللازم على العاملين الواعين أن يمدوها بأفكارهم
ويوسعوها ويعمقوها وأن يجعلوا الإطارات المناسبة لكل ذلك حتى تصلح
للتطبيق والمسئول عنه سبحانه أن يجعل هذا الكتاب لبنة في بناء صرح
الإسلام وهو الموفق المستعان)
وقد اقتدى أتباع الإمام بمنهجه في إحياء
المناسبات وخصصوا عشرة كاملة تختص بالسيدة الزهراء وأطلقوا عليها العشرة
الفاطمية و ذلك في شهر جمادى الأولى حيث ذكرى وفاتها عليها السلام .
وهكذا ينبغي علينا أن نفكر في هذا الأمر
لنجعل من مناسبات أهل البيت (ع) مناسبات تحي ذكرهم و تنشر معارفهم و أن
نخصص لكل معصوم عنوان معين يتناسب مع دوره والمرحلة التي نعيشها.
الإمام
الراحل و السيدة الزهراء (ع)
للإمام الراحل علاقة خاصة مع أهل البيت
(ع) و ذلك من خلال ما ذكرناه سابقاً، إلا أن علاقته بأمه الزهراء هي
علاقة مميزة ( و يكفينا لفهم هذه العلاقة أن نعرف أن آخر ما كتبه في آخر
لحظات حياته الشريفة كانت كلمات فيها صلوات الله عليها، حيث وجد غائباً
عن الوعي و في يده ورقة كانت مقدمة لكتاب جديد رام تأليفه عنها عليها
الصلاة و السلام. كما يكفينا أن نعرف أن سفره العظيم ( من فقه الزهراء
عليها السلام ) الواقع في ستة أجزاء من موسوعة الفقه، كان أعظم سفر فقهي
استدلالي من سيرتها ظهر في الوجود حتى الآن ) (3)
و هكذا نخلص إلى القول أن إمامنا الراحل
قد اصطبغت حياته بصبغة أهل البيت (ع) و عشقهم و تفانى في خدمتهم من خلال
أعماله الخالدة، وهذا يحتم علينا كأتباع لهذا الإمام العظيم أن نسير
بسيرته، و أن نسعى لخدمه أهل البيت (ع) عبر قلمنا أو مالنا أو تأسيس
مراكز و هيئات و لجان تهتم بأمرهم و تحي ذكرهم .
(1) الشيرازي، آية الله
العظمى السيد محمد الحسيني، السيدة أم البنين (ع)، ص 10، الطبعة الثالثة
1423 هـ، هيئة خدام المهدي (ع).
(2) الشيرازي، آية
الله العظمى السيد محمد الحسيني، رسالة المساجد والحسينيات، ص 13، الطبعة
الخامسة 1414، مؤسسة الزهراء (ع).
(3) الشيرازي، آية
الله العظمى السيد محمد الحسيني، فاطمة الزهراء أفضل أسوة للنساء، ص6،
الطبعة الخامسة 1424 هـ، هيئة خدام المهدي .
[email protected] |