الصفحة الرئيسية التاريخ يصنعه العظماء

 

بيان سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)

بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لرحيل الإمام المجدد

آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين وصلوات الله وسلامه على اشرف بريته أجمعين محمد المصطفى وعترته الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم الى يوم الدين.

ورد في الحديث الصحيح عن أبي عبدالله الإمام الصادق (عليه السلام): (العلماء ورثة الأنبياء)(1).

لقد كان الأخ الأكبر آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (اعلى الله درجاته) مصداقاً ظاهراً لهذا الحديث الشريف. إذ أن الأنبياء ــ على نبينا وآله وعليهم السلام ــ من أظهر ما فيهم من الصفات الخيرّة أنهم يستفيدون من كل طاقاتهم في سبيل الله عزوجل ولا يعبأون بشيئ من مباهج الحياة الدنيا على حساب الله تعالى، وقد سار ــ رضوان الله عليه ــ ومنذ نعومة أظفاره على هذا النهج، فقد كان يجنّد كل قدراته في سبيل الله سبحانه، ولا يعتني بشيئ من الدنيا على حساب الله، بل كان على العكس تماماً.

ولعل من ما لمسه منه ــ رحمة الله عليه ــ القريب والبعيد هذه الخصوصية وذكريات من التقوا به خلال عقود عمره المبارك والمعطاء في هذا المجال تعد بالمآت.

ويغنى عن ذكر شيئ من ذلك ما حفظ عنه جمهرة غفيرة من العلماء والخطباء والاساتذة والمؤمنين من تلكم الخصال، مما لايزالون يتذاكرونه في شتى الازمنة والبقاع.

إنما الذي يجدر ذكره هنا ــ ونحن في الذكرى السنوية الثانية لرحيله الأليم ــ ما كان يضمره ويلهج بذكره ويواصل من أجله: قضايا المسلمين ومآسيهم في كل مكان سواء في البلاد الإسلامية أم في غيرها، وخاصة العقود السوداء التي مرّ بها العراق الجريح، ومأساة فلسطين الدامية والمستمرة، وأفغانستان، وغيرها، قال الامام الصادق (عليه السلام):

«المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه، وجد ألم ذلك في سائر جسده»(2).

أما العراق المظلوم ــ بلد المقدسات مراقد الأئمة من أهل البيت الإمام أميرالمؤمنين والإمام الحسين والإمام الكاظم والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري ــ صلوات الله عليهم أجمعين ــ ومزار مولانا بقية الله الأعظم ــ عجل الله تعالى فرجه الشريف ــ فقد كان ــ رحمة الله عليه ــ يعد العدة لمثل هذا اليوم بكتبه، و بياناته، وجلساته مع مختلف شرائح الشعب العراقي من علماء، ومثقفين، وسياسيين وتجار.

فمن اللازم الإهتمام بما كان يؤكد عليه ــ ضمن تأكيداته ــ من الأمور التالية:

1) وحدة العراق بجميع قطاعاته وفئاته وقومياته من عرب وأكراد وتركمان، وذلك تمهيداً للوحدة الإسلامية الشاملة انطلاقاً من قوله تعالى: « (إن هذه أمتكم أمة واحدة)(3) وقوله عزّ شأنه (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)(4)».

2) أن يكون القرآن الحكيم والسنة المطهرة الثابتة عن النبي وأهل البيت ــ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ــ المصدر الوحيد للدستور العراقي. قال الله تعالى (إن الحكم إلا لله)(5) وقال سبحانه (ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون.... و من لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الظالمون... ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون(6)).

3) أن تكون الأكثرية هي الملاك في الإنتخابات والحكم وسائر المجالات المشروعة ــ مع منح الأقليات حقوقها الشرعية كافية وكاملة ــ والأكثرية هي البند الأهم من البنود الأربعة للديمقراطية التي يفهمها العالم وينسجم في عراقنا الجريح ــ اليوم ــ مع قانون السماء، قال الله عزّ شأنه (وأمرهم شورى بينهم)(7).

4) تبني اللاعنف، والمطالبة بالحقوق المشروعة عبر الطرق السلمية وتحكيم الحوار البنّاء، والتفاهم الصريح واللّين، انطلاقاً من قول الله جل وعلا (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن)(8).

وقد استمرت سيرة الرسول الأكرم وأميرالمؤمنين وسائر أهل البيت ــ عليهم الصلاة والسلام ــ على ذلك في كل مجال. فلم يخوضوا معركة إلا للدفاع، ولم يبدءوا القتال أبداً، وتركوا الحرب فور ترك المقابل، قال الله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله)(9) الى غير ذلك.

وإنني أرفع أكف الدعاء والضراعة الى الله القريب المجيب، ليمدّ الشعب العراقي الكريم ــ وعامة شعوبنا الإسلامية ـــ بعون منه، وينقذهم مما ألمّ بهم وهم مقبلون على غد رغيد، وبناء سعيد، وأسأل سيدنا ولي الله صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أن يرعى الأمة الإسلامية جميعاً، والشعب العراقي خاصة في هذا الظرف الحرج، برعايته، لتنجوا الى ساحل الإستقرار والرفاه والخير، كما وعد (عليه السلام) في التوقيع الرفيع (إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم)(10) وأن يتغمد الله تعالى الفقيد الكبير الراحل بواسع فضله وإحسانه ويحقق آماله التي طالما ثابر من أجلها ويديم أهدافه النبيلة في العراق خاصة والعالم الإسلامي وسائر الشعوب التي تعاني من مشكلات عامة والله هو الولي المستعان.

صادق الشيرازي

1 / شوال المكرم / 1424

 


(1) وسائل الشيعة / كتاب القضاء / ابواب صفات القاضي / الباب 1/ الحديث 2.

(2) الكافي / ج2 / ص166.

(3) سورة الانبياء (ع) / الآية 92.

(4) سورة آل عمران / الآية 102.

(5) سورة الانعام / الآية 57.

(6) سورة المائدة / آلايات 44، 45، 47.

(7) سورة الشورى / الآية 38.

(8) سورة النحل / الآية 125.

(9) سورة الانفال / الآية 61.

(10) الاحتجاج للطبرسي ج2، ص323.

 
  الصفحة الرئيسية التاريخ يصنعه العظماء