الصفحة الرئيسية التاريخ يصنعه العظماء

 

بيان صادر عن القسم الثقافي في الحوزة العلمية الزينبية بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لرحيل سلطان المؤلفين وداعية اللاعنف المرجع الديني الأعلى الإمام الشيرازي (قدس سره)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطاهرين..

قال تعالى: ( قل فلله الحجة البالغة) سورة الأنعام.

في الثاني من شوال نعيش الذكرى السنوية الثانية للمصاب الجلل والفاجعة الأليمة وهي رحيل (رائد اللاعنف) في زماننا المعاصر، تلك الفاجعة التي تعد – بحق – خسارة كبرى للمجتمع الإنساني بوجه عام، وللعالم الإسلامي خاصة، حيث كان يحمل راية ( اللاعنف) في زمن طغى العنف والارهاب على العالم بأسره، فقد تدارس مبدأ (اللاعنف) في كثير من محاضراته وتأليفاته بشكل مستفيض، في كتبه العديدة، من الفقه السياسة وفقه الإجتماع والاقتصاد والاسرة والمرور، وكتاب الصياغة الجديدة للعالم، والسبيل، والعولمة، والكتاب الذي خصصه بهذا العنوان أي (اللاعنف في الإسلام) وقد ذكر مئات الشواهد والأ مثال على  أن الإسلام دين السلام والرحمة والعفو والصفح والتسامح واللين واللاعنف، ومنها اللاعنف في القرآن، اللاعنف في الحديث الشريف، واللاعنف في سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) واللاعنف عند الإمام علي، والإمام الحسن والإمام الحسين (عليهم السلام) واللاعنف عند سائر الائمة إلى الحجة (عليهم السلام) وقد ذكر لكل واحد روايات وأحاديث عديدة، وأضاف فصول متعددة للكتاب منها، فصل: اللاعنف في المجتمع، اللاعنف السياسي، من معالم اللاعنف، اللاعنف والمرأة، وكما كان (رائد اللاعنف) في الوقت نفسه، كان (سلطان المؤلفين) والمصلح الكبير، وقد جمع الأضداد، فقد كان الإمام الراحل (اعلى الله درجاته) في عصرنا أحد أبرز مصاديق الحجة البالغة، حيث قال الله تعالى (قل فلله الحجة البالغة) فكان حجة على أصدقائه وأعدائه في تعامله معهم، وقد جمع الصفات الحميدة، والأخلاق الحسنة، فامتاز بها على سائر نظرائه من العلماء والزهاد، وقد أقرن العلم بالعمل، والفقه بالجهاد، والزهد بالتصدي للحياة، والعبادة بالإخلاص، والشجاعة بالرحمة، واللاعنف بالمثابرة، والحزم باللين، والصمود بالعطف، والفكر بالتنفيذ، والقول بالفعل.

كما أنه كان بشوشاً في المعضلات، صبوراً في المصائب، هادئاً في الشدائد، ثابتاً في الزلازل، يعفو عند المقدرة، سخياً في الشدة، وردة أمام الضعفاء، صمصاماً في وجه الطغاة، يرفق بالصغير و يوقر الكبير، سبّاقاً لزمانه، متفوقاً على أقرانه، فقد جسد مفاهيم القرآن وتعاليم الدين، وسيرة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الطاهرين (عليهم السلام) وقد سعى جاهداً لترسيخها في نفسه ونفوس الآخرين، فقد قضى الإمام الراحل (قدس سره) عمره الشريف الحافل بالجد والعطاء والنشاط المتواصل من أجل الإصلاح ليس للمجتمعات الإسلامية فحسب، بل للعالم بأسره، عبر تأسيسه مئات من المراكز الدينية والثقافية والفكرية والاجتماعية والخيرية في مختلف مناطق العالم الإسلامي وغير الإسلامي، وقد ألّف ما يربو على الألف ومائتي كتاب و كُرّاس في شتى ميادين العلوم والمعارف، وعلى ذلك فقد تميز التراث الفكري الهائل الذي خلفه الإمام الراحل (قدس سره) بالشمولية والتنوع وسعة الأفق والوعي بمتطلبات العصر والنظرة الثاقبة والواقعية في متطلبات الجيل الصاعد والشباب الطالع، في بيان وطرح الحلول للمشاكل المتفاقمة في عالمنا الحالي وزماننا المعاصر من البطالة والعزوبية والفقر والحرمان والعنف والإرهاب والأمراض النفسية والإجتماعية، حيث كتب (رضوان الله عليه) موسوعته الفقهية الشاملة في مختلف مجالات العلوم ومن جملتها فقه الصحة وفقه البيئة وفقه النظافة و فقه العولمة و... إلى جانب أبواب فقهية كلاسيكية: من باب التقليد إلى باب الديات...

وكان (رضوان الله عليه) يسعى جاهداً الى إعادة القيم الإسلامية الى مجتمعاتنا المتفسخة وترسيخ روح الوحدة والاتحاد بين صفوف المسلمين، وصولاً الى الأمة الواحدة التي ذكرها القرآن الكريم قائلاً:

1- ( و إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاتقون) المؤمنون:52

حيث حرّض سماحته على توحيد الأمة الإسلامية من المحيط إلى المحيط و إزالة الحدود الجغرافية الوهمية و المصطنعة داخل الجسد الواحد أي بين البلاد الإسلامية.

2- ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن) النحل: 125

كان (قدس سره) يدعو إلى عقد الندوات والمؤتمرات الفكرية لمناقشة الرأي الآخر، و تلمّس وجه الحق مشدداً سماحته على أهمية احترام الرأي الآخر مهما كان ذلك.

3- ( و أمرهم شورى بينهم) الشورى: 38 ؛ ( .... و شاورهم في الأمر...) آل عمران:159

و قد دعا إلى الإدارة الشوروية لشؤون الأمة و قضاياها الكبرى و المصيرية من قبل علمائها و حكمائها، غير متجاهل لشرط رضا الأمة، و إحرازه من طريق الانتخابات الحرة و النزيهة.

4- (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) الأعراف: 157

حيث كان يسعى جاداً لتوعية الأمة بضرورة خلق مناخات و إيجاد أجواء الحرية الإيجابية الكاملة لجميع المسلمين في حدود و ضوابط الشرع المقدس، و التي تراعى فيها حريات الآخرين، فقد ذكر في كتاب الصياغة الجديدة 100 نموذج للحريات الإسلامية منها حرية تأسيس محطة فضائية وتلفاز وراديو إلى بناء الجسور و المستشفيات و الكليات و إصدار الصحف و المجلات و...

5- (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات:10

وقد أكّد على ضرورة إحياء الأخوة الإسلامية و توثيق عرى التضامن بين المسلمين بمختلف ألسنتهم و مدنهم و ألوانهم، و نبذ العنصريات الباطلة و غير الشرعية.

نعم لقد كان سماحته (قدس سره) يدعو إلى تطبيق كل الآيات القرآنية بشكل عام، و هذه الآيات الخمسة بشكل خاص على أرض الواقع بين المجتمعات الإسلامية من قبل المسلمين لإسعادهم في الدنيا و الآخرة، و لهداية البشرية جمعاء، و كان الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) يوصي المثقفين الجامعيين و الحوزويين من المسلمين بكتابة ونشر وتوزيع ثلاثة مليارات من الكتب.

1-   مليار كتاب لزيادة وعي المسلمين بحقيقة الإسلام الحنيف الذي جاء به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من دون زيادة أو نقيصة أو تحريف.

2-   مليار كتاب لرد الشبهات و الاعتداءات التي توجه ضد المسلمين.

3-   مليار كتاب لتعريف الغرب بالإسلام و مفاهيمه السامية و شمولية تعاليمه.

نعم إنه بحق الحجة البالغة علينا جميعاً في تعاملنا مع الأحداث الواقعة و تحمّل المسؤوليات أمام الله و الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و القرآن والدين الإسلامي الحنيف.

و بهذه المناسبة الأليمة - الذكرى الثانية لرحيله (رضوان الله تعالى عليه) - نرفع أحر آيات العزاء و المواساة لولي الله الأعظم الإمام الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه الشريف) و إلى المرجع الديني الكبير الفقيه المحقق سماحة الإمام السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله الوارف) و إلى أبناء الإمام الراحل و ذويه، كما نعزي الحوزات العلمية، و مراجع الدين العظام و السادة العلماء الأعلام، وكافة المسلمين في العالم.

 (و إنا لله و إنا إليه راجعون)

القسم الثقافي

في الحوزة العلمية الزينبية المقدسة

غرة شوال 1424 هجرية

 

 
  الصفحة الرئيسية التاريخ يصنعه العظماء