على مستوى الحدث العراقي لم تكن إجراءات القمع
والظلم والتعسف التي وجهت لسماحة الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) من
قبل النظام البائد في العراق اعتباطاً ولا عبثاً كما لم تكن لهواً أو
مزحة، فقد أدركت أجهزة الإجرام التابعة لحكومة الاستبداد التي جثمت على
صدر العراق لأكثر من ثلاثة عقود عجاف أن سماحة الإمام الشيرازي (قدس سره)
ومن خلال مشروعه الحضاري الإسلامي الذي منطلقه من أرض العراق أنه (قدس
سره) توسم سبل التغيير والإصلاح وطريق الخلاص والارتقاء وبوسائل حضارية
إنسانية عالية المضامين لاتخرج عن الإطار الشرعي وتحضى في نفس الوقت
بدرجة عالية من الاحترام والتقدير والمقبولية عند أصحاب الأديان والمذاهب
والمدارس الفكرية والسياسية والاجتماعية الأخرى.
ممّا يشكل (قدس سره) ـ في نظر أولئك ـ عقبة كؤوداً
أمام المخطط الإجرامي الممنهج في دوائر أعداء الإسلام وعلى وجه الدقة ما
يخطط له أصحاب أنفاق الظلام والتطرف، ولا يخفى أن هؤلاء الأعداء لا
ينتمون إلى دين واحد و لا ينطلقون من مكان واحد لكنهم يتوجهون إلى هدف
واحد هي ضرورة اجتثاث مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وقتل وإبادة
أتباعها والسعي إلى تدمير شعب العراق والقضاء على مقدراته وممتلكاته
وثرواته.
وشخَّصت دوائر الإجرام العفلقية في العراق أن
شخصية دينية مرجعية وسياسية محنكة واجتماعية عاملة وجهادية مبدئية
وحضارية شاملة وتغييرية ثابتة مثل سماحة الإمام الشيرازي الراحل الذي هو
أحد فروع الأسرة الشيرازية العريقة والمعروفة بمواقفها البطولية
والجهادية والوطنية العالية والتي أنجبت رجال علم وشموخ وثبات كآية الله
العظمى الميرزا محمد حسن الشيرازي (قدس سره) المعروف بالمجدِّد الذي قاد
ثورة التنباك في إيران التي دحرت فيها قوات الإمبراطورية البريطانية
العظمى التي لم تكن تغيب عنها شمس حين غزت جيوشها أرض إيران.
وآية الله العظمى الميرزا محمد تقي الشيرازي (قدس
سره) الذي فجَّر ثورة العراق الكبرى في عام 1920م ووقف بشعبه العراقي
الأعزل الذي لايتجاوز عدد نفوسه خمسة ملايين نسمة في وجه أعتى
إمبراطورية في ذلك الوقت واستنقذ العراق من أنيابها الفتاكة فنال العراق
استقلاله وذهبت أحلام المستعمرين أدراج الرياح.
وفي هذا المقام وهذه العجالة لا ينبغي إلا أن نذكر
نجماً لامعاً وشهاباً بارزاً من الأسرة الشيرازية الكريمة أيضاً هو
المفّكر الإسلامي آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) الذي حفل
سجله بالجهاد المتواصل والعطاء العلمي والاجتماعي وحتى آخر لحظة في حياته
التي ختمت بمشهد ضرج فيه بدمه الزاكي إثر اغتياله من قبل مرتزقة إجرام
البعث العفلقي في العراق، لذا فإن دوائر الظلم في العراق خرجت بقناعة
مفادها أن الإمام الشيرازي الراحل شخصية غير عادية لا تميل إلى الخنوع
والاستكانة أو المهادنة والمساومة وإنما لهذا الرجل مشروع وأفكار تغييرية
تستند على قاعدة من الوعي والعمل الجاد والثبات في طريق تحقيقه.
من ذلك كله دأبت الحكومة البائدة في العراق وبكل
جد واهتمام على شن الحرب الإعلامية والسياسية والاجتماعية وعلى صور
وأشكال مختلفة منها تلفيق الاتهامات المتعلقة بشخص الإمام الراحل (أعلى
الله درجاته) وكتبه ومشاريعه وأفكاره ورفاقه ووضع العيون والجواسيس على
بيته لمراقبة تحركاته، ومعرفة الشخصيات التي تفد إليه وإصدار قراراً بمنع
بعض كتبه من الطبع لما في هذه الكتب من التوعية والترشيد الفكري وعرض
الأزمات وأسبابها وسبل القضاء عليها.
وكان من جملة ما منع من كتب الإمام الشيرازي
الراحل سلسة (التعريف بالشيعة) التي كانت تطبع وترسل مع الحجيج في موسم
الحج إلى الديار المقدسة، ومن أجل التقريب بين المسلمين وتعريف بعضهم إلى
بعض وإزالة الاتهامات التي اختلقها المستعمرون وأذنابهم ضد الشيعة.
كما منع طبع الرسالة العملية ومناسك الحج والدورة
الفقهية وإحراق بعض كتبه بعد مصادرتها من المطابع ومنع الناس من اقتناء
كتبه، وإنزال عقوبات باهظة بمن يعثر على هذا الكتب عنده لذا اضطر الناس
إلى دفن هذه الكتب في بيوتهم بعيداً عن أعين الرقباء.
كما لاحقت الأجهزة القمعية في ذلك الوقت أصحاب
المطابع التي كانت تطبع كتبه، وتهديد بعضها بالإغلاق وسجن بعض من أصحاب
المطابع، مما جعل بعض المطابع تعتذر عن طبع كتبه.
وعمدت تلك الأجهزة الظالمة إلى مصادرة مجموعة من
كتبه المخطوطة والتي تربو على الثلاثين والرسائل والبرقيات التي كانت
تأتيه من داخل العراق وخارجه والرسائل التي كان يكتبها سماحته (أعلى الله
درجاته).
ولم يكتفوا بهذا بل منعوا أصدقاءه من السفر إلى
الحج وسائر السفرات خارج العراق وعرقلة المعاملات الإدارية التي يحتاجون
إليها، حيث أعلنها أحد المسؤولين لأحد رفاق الإمام الراحل بصراحة: (إن
وجودكم بقرب (السيد) يضع علامة استفهام عليكم في كل الوزارات الرسمية
ويعرقل سير أموركم في الدوائر)، والأكثر من هذا أن ألقي القبض على بعض
زملائه وزجّهم في داخل السجون، وكان من أبرزهم أخوه: آية الله الشهيد
السيد حسن الشيرازي وفضيلة الخطيب المجاهد الشيخ عبد الزهراء الكعبي.
كما عملت تلك الأجهزة على منع طلاب العلوم الدينية
من حضور درسه، والناس من الحضور في صلاة الجماعة التي كان يقيمها صباحاً
وظهراً وعشاءً. إلى غير ذلك من الأعمال الإرهابية والتعسفية التي كان
نتاجها هجرة الإمام الشيرازي أعلى الله مقامه من أرضه وأرض أجداده وصدور
قرار الحكم بالإعدام عام 1972م نشر حينها في جريدة الحزب الرسمية
(الثورة).
وقد امتازت الفترة الزمنية التي قضاها الإمام
الشيرازي الراحل على طولها في البلاد التي هاجر إليها بالفعاليات
والنشاطات التوعوية والتبليغية والجهادية التي تصب بشكل كبير وواضح في
فضح النظام العفلقي في العراق وكشف مؤامراته ضد العرب والمسلمين وما
يرتكبه من جرائم وأعمال وحشية ضد شعب العراق المظلوم هذا في جانب.
وفي الجانب الآخر كانت تلك الفعاليات والنشاطات
تهدف فيما تهدف إليه إلى تقويض سلطة ذلك النظام ومحاولة هز عرشه وتحشيد
الجهود المعنوية والمادية لمكافحته بقوة الكلمة وبكلمة القوة وضمن الطرق
الشرعية التي اعتمدها أهل البيت (عليهم السلام)، ويتضح ذلك في مشاهد
ومواقف عديدة منها دعمه الكبير للحركات الإسلامية الجهادية التي عملت في
العراق.
ومن هذه الجهود التي قام بها (أعلى الله مقامه)
تعرية الحزب الحاكم من أي منطلق مبدأ يغرر به الناس يوجب من خلاله شرعية
تأسيسه وعمله والانضواء تحت لوائه وهذا العمل يعتبر ـ بنظر النظام البائد
ـ من أشد الجنايات التي يعاقب عليها أي شخص مهما كانت درجته العلمية أو
حضوره السياسي والاجتماعي وموقعه الديني ولمجرد التفكير به فكيف
بممارسته.
وقد عبر (قدس سره) عن رأيه في ذلك الحزب القمعي من
خلال كتبه وبياناته ومحاضراته ولقاءاته فيقول في إحداها:
إن أي شخص يريد أن يتناول سيرة نظام حزب البعث
الحاكم في العراق سيعجز عن الوصف الكامل والدقيق لهذا النظام، ولا أعني
بذلك وصف هيكله العام، أو الأفراد المنتمين إليه، أو الجهة التي ساعدت في
نشأته، فكل ذلك سهل يسير على الباحث، ولكن الشيء العسير هو الإحاطة
الكاملة بالأعمال الإجرامية التي مارسها أفراد هذا الحزب بحق أبناء الشعب
العراقي المسلم، من التعذيب وقتل النفس التي حرمها الله، وهتك الأعراض،
وسلب الأموال والممتلكات، وكذلك قيامه بعمليات التهجير الواسعة ضد أبناء
شعبنا المظلوم، وما إلى ذلك من الأساليب التي يعجز القلم عن كتابتها،
واللسان عن سردها.
ويقول (أعلى الله مقامه) لم يتوقف هذا النظام عن
ظلم الشعب العراقي بجميع فئاته عرباً وأكراداً، شيعة وسنة، بل حتى
الأقليات الصغيرة لم تسلم من حقده وظلمه وجوره، إنّما تعدى في ظلمه حدود
العراق والشعب العراقي فعم ظلمه الشعوب الأخرى، فحربه التي شنها على
إيران أحد دوافعها الرئيسية هو حقده على الإنسانية بصورة عامة وعلى
الشعبين المسلمين العراقي والإيراني بصورة خاصة.كذلك دخوله في مؤامرات
سرية و ـ بعض الأحيان ـ علنية مع القوى الكبرى المعادية للإسلام، لضرب
الشعب العراقي المسلم، وضرب نهضته الإسلامية المتوقدة. ومن هذه المؤامرات
السرية تعاونه بصورة سرية مع الكيان الصهيوني لضرب الإسلام والمسلمين،
ومن مؤامراته العلنية تحالفه مع نظام الشاه لضرب الأكراد في شمال العراق.
من هنا كانت فتواه الشهيرة التي أطلقها قبل ربع
قرن من سقوط صدام وجاء فيها:
ليعلم العراقي الكريم، إن كل مساعدة لهذا الحزب
الكافر بالله واليوم الآخر، إنما هو بمثابة إهدار لدماء الشهداء الذين
قتلهم البعث، منذ حكمه الأسود، وتمديد لفترة أخرى لبقائه، وقد أخذ في
السقوط.
ولم يكتف الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) بفضح
وكشف جرائم النظام العفلقي الذي أهلكه الله تعالى على ما في ذلك النشاط
من فائدة كبيرة، بل حدَّد (أعلى الله مقامه) سبل التغيير التي على
المجاهدين في العراق أن يسلكونها لإحداث التغيير في العراق وعلى المنهج
الشرعي المتطابق مع الأعراف والقوانين والإنسانية فقد لفت (قدس سره)
الأنظار إلى أن هناك عامل مهم جداً في تحقيق النصر والغلبة على الظالمين،
فإنه لا يكون ذلك إلا إذا بدأنا بأنفسنا، إذ أن نغيّر ما بأنفسنا أوّلاً
كما قال تعالى ((إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)).
فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال:
«إن الله عز وجل بعث نبياً من أنبيائه إلى قومه، وأوحى إليه: أن قل
لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا أناس كانوا على طاعتي فأصابهم فيها سرّاء
فتحولوا عما أحب إلى ما أكره، إلا تحولت لهم عما يحبون إلى ما يكرهون.
وليس من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على معصيتي فأصابهم فيها ضراء
فتحولوا عما أكره إلى ما أحب إلا تحولت لهم عما يكرهون إلى ما يحبون. وقل
لهم: إن رحمتي سبقت غضبي، فلا تقنطوا من رحمتي؛ فإنه لا يتعاظم عندي ذنب
أغفره، وقل لهم: لا يتعرضوا معاندين لسخطي، ولا يستخفوا بأوليائي، فإن لي
سطوات عند غضبي لا يقوم لها شيء من خلقي».
ويرى (قدس سره) أنه عندما نغير ما بأنفسنا من شر
وسوء عند ذلك سيرفرف النصر على رؤوسنا أينما توجهنا، كما يلزم مضافاً إلى
ذلك الإعداد النفسي والثقافي، والتنسيق الدقيق، والحذر، والحزم، والصبر،
والمبادرة، ومخالفة النفس، والدفاع، والصمود حتى النصر، أو الشهادة، فقد
ورد في رسالة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى محمد بن أبي بكر
ما نصّه: «واعلم يا محمد بن أبي بكر، أني قد ولّيتك أعظم أجنادي في نفسي
أهل مصر، فأنت محقوق أن تخالف على نفسك، وأن تنافح عن دينك ولو لم يكن لك
إلا ساعة من الدّهر»، وهكذا يأتي النصر، أما إذا لم نعمل على تغيير
أنفسنا ـ والعياذ بالله ـ ولم نسع لتوفير مقومات النصر فإن الفشل ـ لا
سامح الله ـ سيصيبنا. فالدفاع عن النفس والأهل والأرض والوطن واجب في
سبيل الله وفي سبيل المستضعفين، وهو ما يسمى في الإسلام بالجهاد.. والسعي
لإزاحة هؤلاء الطغاة عن كرسي الحكم جهاد من أجل إعلاء كلمة الله وإنقاذ
المستضعفين.
وفي أطروحته في التغيير يقول (أعلى الله مقامه):
إذا أردنا أن نغيّر ملامح العراق المأساوية ونوجد
واقعا جديدا مفعما بالأمل والسعادة والاستقرار فلابد أن نغير الخطوط التي
رسمها الاستبداد، ونرسم خطوطا واقعية تعتمد على الحرية والتعددية
والاستقلال والاكتفاء الذاتي وحكم الأكثرية والأخلاق الفاضلة والحفاظ على
حقوق الناس ومصالحهم وحماية مقدساتهم، فإن للتغيير مقومات ينبغي
مراعاتها، منها:
حكومة الأكثرية:
يلزم أن تحكم العراق حكومة استشارية منتخبة من
أكثرية الشعب، فإن كثيراً من هذه الاضطهادات هي نتيجة أن الأقلية هي التي
سيطرت على الحكم في العراق لعشرات السنين، وأخذت تتحكم في مقدراته وتفرض
آراءها وأفكارها على الأكثرية المضطهدة.. فالأكثرية الشيعية في العراق
التي نسبتها تناهز 85% من مجموع السكان قُمعت ومنعت من حقوقها ومصالحها
ومعتقداتها، مع أنها هي التي حررت العراق من سيطرة الأعداء مرارا عديدة
وضحت من أجل الدين والوطن بالغالي والنفيس.
التعددية:
ويقول (قدس سره) على حكومة العراق المستقبلية أن
تتمتع بالقدرة الواقعية المنبثقة من الشعب، وهذه القدرة تعتمد بشكل أساسي
على وجود الأحزاب والمنظمات الحرة والمؤسسات الدستورية والعشائر التي
يحركها نظام التعددية، فلا قدرة واقعية بدون وجود تعدد الأحزاب حتى
تتنافس هذه الأحزاب بكفاءة وتراقب الحكومة لكي لا تنحرف.. أما الاستبداد
فإنه حكم هش لا يمتلك القدرة الواقعية وإن امتلك القوة العسكرية، فإن
«المستبد متهور في الخطأ والغلط» كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام).
الحرية:
أما في مجال الحريات فيقول (أعلى الله مقامه) يرى
إن على الدولة أن تمنح كافة الحريات للناس في كل الأبعاد ـ ضمن الإطار
الإسلامي ـ من حرية العقيدة والرأي والزراعة والاكتساب والتجارة والصناعة
والدخول في الوظائف والسفر والإقامة والعمارة وحيازة المباحات ونصب محطات
الراديو والتلفزيون وإيجاد المطابع وإنشاء الأحزاب والمنظمات وإنشاء
المصانع والمعامل وإصدار الصحف والجرائد والمجلات والانتقال من بلد إلى
بلد بنفسه أو بكسبه إلى غير ذلك، وبذلك تلغى كل القيود وكافة أنواع الكبت
من الهويات الشخصية والجنسية والجواز وإجازة الاستيراد والتصدير، وما
أشبه، فكل إنسان حر في كل شيء ما عدا المحرمات وهي قليلة جداً، فهمة
الدولة ـ في حركة البلد الاقتصادية ـ أن تكون مشرفة فقط على سير العمل
وعدم انحرافه لا أن تتدخل في كل شيء.
القوانين الإسلامية:
من الضروري السعي لتطبيق كافة القوانين
الإسلامية، حيث إن هذه القوانين الحيوية تتوافق مع فطرة الإنسان وتتلاءم
مع مصالحه وتسهل عليه حياته، وهي أسهل بكثير من القوانين المستوردة من
الغرب والشرق، كما يلزم تطبيق القوانين الإسلامية بشكل شمولي لا أن يطبق
بعضها ويترك البعض الآخر، فإن القوانين الإسلامية متداخلة. وأيضا لابد من
التدرج في التطبيق حتى يستطيع الناس أن يتكيفوا معها ويفهموا ثقافتها.
ومن هذه القوانين الحيوية:
1: قانون الأمة الواحدة.
2: قانون الأخوة الإسلامية.
3: قانون «الأرض لله ولمن عمرها».
4: قانون الإلزام.
5: قانون «الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم».
6: قانون بيت المال.
7: قانون «من سبق».
أما القوانين غير الإسلامية فهي عادة قوانين جامدة
لا تخدم الإنسان، بل تعقد حياته ولا تتوافق مع فطرته مما تقوده نحو
الشقاء والبؤس. قال تعالى: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً ضَنْكاً)).
اللاعنف:
إن الدولة تحتاج إلى أكبر قدر من الالتفاف الشعبي
والشرعي حولها ومعاونتها والدفاع عنها، فإذا اتخذت الحكومة سياسة العنف
وإراقة الدماء والسجون والتعذيب وما أشبه، سارت في طريق الزوال فينقلب
الأعوان أعداءً والأنصار خصماء، فإن الناس لا يصبرون على قتل أولادهم
وإخوانهم وآبائهم وذويهم وأصدقائهم، فيأخذون في ذم القاتل وترصد عثراته
وينصرفون إلى هدم كيانه وإسقاط شرعيته وإثارة الرأي العام ضده.
ومن اللازم على الدولة الإسلامية إعلان العفو
العام عن كل من أجرم قبل قيام الدولة، وهذا الأمر في غاية الأهمية من
ناحية وفي غاية الصعوبة من ناحية ثانية، فإن العفو العام يسبب اطمئنان
الناس إلى الحكومة القائمة مما يؤدي إلى تعاونهم مع الحكومة، وهذا يعني
انتشار الاستقرار والأمن، والحكومة خصوصا في أول أمرها بحاجة إلى التعاون
الواسع من الناس، وعدم العفو يوقع الحكومة في مشاكل لا تعدّ ولا تحصى،
حيث إن القتل والملاحقة لا تبقى في دائرة خاصة بل تتعداها إلى دوائر أوسع
وأوسع.
هذا بالإضافة إلى أن من مصاديق عدم العفو هو:
مصادرة الأموال، وملاحقة الأفراد، وكله يوجب تكوين الأعداء، وأحيانا يسقط
أولئك الأعداء الحكومة، مضافاً إلى أن عدم العفو يوجب تأليب الإعلام في
سائر البلاد على الحكومة الفتية مما يسبب فقدان شوكتها وضياع سمعتها،
وهذا ـ العفو العام ـ هو الأصل وإذا كان استثناء فاللازم أن تقدر بقدر
أقصى الضرورة، كما وكيفا، وقد عفى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن
أهل مكة وقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وعفا أمير المؤمنين (عليه
السلام) عن أهل الجمل في قصص مشهورة.
ولأنه عرف بملكته الفائقة في تحليل سير الأحداث
ومعرفة خفايا الأمور ونظرته الثاقبة للحاضر والمستقبل استشرف سماحته
(أعلى الله مقامه) سقوط الطاغية صدام منذ بعيد ففي السابع من جمادى
الآخرة من عام 1400هـ قال (قدس سره):
إن البعث في العراق ـ اليوم ـ يلفظ أنفاسه
الأخيرة، ولذا أخذ يقتل من نفس زمرته ومن المسلمين الأخيار والعلماء
الأبرار:
ويقول (قدس سره) في أحد كتبه العديدة التي كتبها
عن العراق: مما لا شك فيه أن حكومة البعث ستسقط بإذنه تعالى، فقد روي في
الروايات أن حبل الظالم قصير وان طال.
وقد بيّن سماحته (أعلى الله مقامه) الخطوط العامة
لمستقبل العراق بعد زوال الطاغية بإيجازات دقيقة ورائعة والغريب في الأمر
أنها تبدو وكأن قائلها يعيش بيننا فيقول (أعلى الله مقامه):
الذي يبدو للنظر أن هناك عدة مسائل يجب الاهتمام
بها لحل مشاكل العراق مستقبلاً بعد سقوط حكومة البعث في العراق، منها:
1: إن الحكومة القادمة يجب أن تكون بيد الشيعة؛
لأنهم الأكثرية، وحتى لو قيل: إن هذا الحاكم الفلاني هو إنسان طيب ومسلم
وملتزم حتى بالمستحبات، فلا ينبغي أن ننخدع بذلك، بل يجب أن يكون حاكم
البلاد شيعياً لأن الأكثرية في البلاد هم الشيعة، وإن القانون الإلهي
والقانون المتعارف عليه دولياً يقرّ بذلك، نعم من الضروري أن نعطي
للآخرين حقوقهم بقدر تمثيلهم في الشعب.
2: تصعيد الإعلام، وبيان ذلك لكل العالم بأن
العراق يجب أن يكون حاكمه شيعياً، فينبغي أن يكون الطرح شجاعاً من غير
خوف أو وجل وعلى مستوى واسع، فيطرح هذا الرأي على البقال والخباز
والمهندس والموظف والعسكري وعلى غيرهم من شرائح المجتمع، وهؤلاء هم الذين
يمثلون (الوحدة القاعدية) وهم جماهير الناس، وحين تكون لهم مطالبات دينية
أو دنيوية فانها توجب الضغط على القوى الكبرى أو الدولة في سياستها خاصة،
إيجاباً أو سلباً أو تعديلاً. وأسلوب الضغط على الجماهير وان لم يكن بشكل
خاص، إلا أنه بالنتيجة يؤثر على الرأي العام ككل، وبالتالي الضغط على
أصحاب النفوذ والقوى، فإذا كانت الدولة استشارية تتفادى سخط الرأي العام
وترضخ لمطالبه، وإذا كانت ديكتاتورية فهي تتجاهل الرأي العام وبالتالي
ستكون نتيجتها السقوط الحتمي، إن الإعلام والتأثير على الرأي العام سوف
يوجد تكاتفاً واسعاً في الرأي وسيكون بالنتيجة سدّاً بوجه القوى الكبرى،
التي تمنع من تحقيق ذلك، وقد قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):
«من جهل وجوه الآراء أعيته الحيل».
ولأنه (قدس سره) يرى أن الرأي العام قادر على أن
يؤثر في القرارات المتخذة سواء كانت بحق أو باطل، يقول :
ينبغي علينا كسب الرأي العام، فقضيتنا قضية حق
أمام باطل، لذا نحتاج في هذه المرحلة إلى الإعلام المركّز والصحيح.
ويؤكد سماحته على أنه يجب أن يكون الحكم في العراق
قائماً على أساس إعطاء الناس حقوقهم في إبداء الرأي بحرية، وأن يعمل
بالشورى والمشورة، وأن تعطى للأحزاب الإسلامية حرية العمل والتنافس، وأن
يكون لها الحق في نقد الحكومة، وحينذاك سوف لا تكون الحكومة قادرة حتى
على قتل خمسة أشخاص بالباطل، كما رأينا ذلك بأعيننا، حينما كانت التعددية
الحزبية ـ على علاتها ـ هي الحاكمة، أما إذا انفردت بالسلطة حكومة
دكتاتورية فسيؤول وضع العراق من سيئ إلى أسوأ.
إن المتتبع لسِفْر الإمام الشيرازي الراحل (قدس
سره) يجد أن له موقف حينما يتطلب موقفاً وأن له عمل حيثما يستوجب منه
عملاً. إذ كان (أعلى الله مقامه) دؤوباً في متابعة أمور المسلمين في
العالم في مختلف مناطق التوتر من فلسطين ولبنان وأفغانستان وتركيا وكشمير
وإندونيسيا وإفريقيا وروسيا وأذربيجان وأيضاً الجاليات المسلمة في دول
المهجر، وله في هذه البلاد وغيرها من الدول مواقف عديدة قبال ما شهدته من
أحداث، كما وكانت له الأيادي البيضاء الأبوية الحانية التي انتشرت من
خلال المئات من المؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية والخيرية التي
توزعت على أنحاء مختلفة من العالم.
وكان العراق بواقعه المؤلم وشعبه المظلوم وأحلامه
الذبيحة يعيش في ضمير الإمام الراحل (قدس سره) ويسكن قلبه ويؤلمه، فهو
بلد الإيمان والأئمة ومذهب أهل البيت (عليهم السّلام) ومحل الصبا والشباب
والعلم والمرجعية، لذا كان العراق في صلب اهتمامات ونشاطات وحركة الإمام
(أعلى الله مقامه) قبل وبعد مجيء حكم البعث الحاكم في العراق.
لكنه ولإحساسه بالخطر المحدق بأرض الرسالات
والأنبياء وعلي والحسين (عليهم السّلام) تحرّك (أعلى الله مقامه) في أول
قدوم الحكم العفلقي البغيض بكل قوة ومثابرة للتصدي لهذه العصابة المشؤومة
ولعل أبرز هذه التحركات سطوعاً على الساحة السياسية العراقية دعمه قضية
الأخوة الأكراد في شمال العراق، حينما ضغطت عليه السلطات البعثية لإصدار
فتوى بوجوب الجهاد ضدهم حيث أفتى سماحته بعكس ذلك، وحرم على مقلّديه
محاربة الأكراد لكونهم مسلمين، ثم أرسل وكلاء إلى المنطقة الكردية للقيام
بخدمة الناس هناك، وطبع كراسات تناول هذا الأمر ومواضيع سياسية أخرى
باللغة الكردية أرسلت إلى المنطقة.
وكان للإمام الشيرازي الراحل (أعلى الله مقامه)
موقفاً واضحاً رفض فيه واستنكر حملات تهجير العراقيين والإيرانيين الذين
كانوا مقيمين في العراق طوال عقود من الزمن، وقد وجه (قدس سره) حينها
بياناً إلى المهجّرين تضمن عشرين بنداً جاءت كإرشادات هامة حول إعادة
ترتيب المهجّرين لأوضاعهم التعليمية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، كما
قام بحملة واسعة جداً لإرسال المعونات إليهم من دولة الكويت وكذا في
التهجير الثاني عام 1980م.
وقد تكفل مبعوثو السيد باثني عشر ألف مهجر حيث
أخرجوهم من مخيمات اللاجئين وساعدوا عوائلهم بمختلف أنواع المساعدة، إذ
كان من المقرر بناء مدينة لهم بكامل ما تتطلبه من مؤسسات وطرق ومواصلات
ومدارس ومستشفيات إلا أن بعض العوائق الخارجية منعت من البدء بالمشروع
الإنساني الضخم.
ومن ذلك كله سجّل تاريخ الكفاح والنضال الذي خاضه
شعب العراق العزيز بأحرف من نور مواقف سماحة الإمام الشيرازي الراحل (قدس
سره) في الانتفاضة المباركة التي أشعلها أهل العراق في غمرة توهج الأمل
المتوقد في ضمير المؤمنين والمؤمنات بالوعد الإلهي لخلاص الإنسانية جمعاء
من الظلم والقهر والحرمان. حيث الخامس عشر من شعبان ذكرى المولد العظيم
للإمام الحجة بن الحسن المهدي )عجل الله تعالى فرجه الشريف) حيث انطلقت
في تلك الأيام المباركة من سنة 1411هـ حشود المحرومين والمقهورين
والمستضعفين ليتنسموا نسائم الحرية والخلاص ويرتشفوا من نهر العدل
والرحمة قطرات تنطق ألسن حبسها شجا المستبد وتبرد قلوباً عطشى للأمن
والهدوء والسلام.
ومواصلةً للمسيرة الثورية.. التي ابتدأها الإمام
المجدد الشيرازي الراحل (قدس سره) منذ أول سنين شبابه وأداءً لمسؤوليات
الفقيه المرجع، هب الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) لمعاضدة الانتفاضة
الشعبانية التي قامت على أعتاب الحرب العدوانية الظالمة التي شنها نظام
صدام الهالك على دولة الكويت حيث هبت جموع الشعب ضد أشرس نظام دموي عرفه
التاريخ المعاصر. فقد أعلن (قدس سره) تعطيل دروسه (بحوث الخارج) صباحاً
وعصراً بعد أن ألقى خطاباً توعوياً حول قضية العراق. وبدأ ممارسة
مسؤولياته الثقيلة كمرجع من مراجع المسلمين.نتذكر ومن وحي الذكرى بعضاً
منها:
مع انطلاقة الشرارات الأولى للانتفاضة المباركة
أصدر (قدس سره) بيانات عديدة يؤكد فيها ضرورة التصعيد الثوري ضد النظام
حتى إسقاطه.. ومن أبرز هذه البيانات البيان الصادر من سماحته (قدس سره)
مع الأيام الأولى لاندلاع الانتفاضة المباركة في التاسع عشر من شهر شعبان
لسنة 1411هـ والذي جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ
الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) القرآن الكريم
... الآن وحيث أخذت بوادر الفرج تلوح في الأفق،
وحيث أن الشعب العراقي في حالة انتفاضة ضد النظام الحاكم الذي أذاق الأمة
الويلات، والذي لم يكن منذ تسلمه السلطة بالحديد والنار إلا نظاماً غير
إسلامي وغير إنساني... الآن وحيث قد تداعت أركان النظام الجائر فإن من
الواجب أن يتوحد الشعب العراقي بكافة فصائله وتياراته وطوائفه وقومياته
وعشائره للإطاحة بالنظام ـ أولاً ـ وللمحافظة على وحدة العراق شعباً
وأرضاً بشماله وجنوبه ووسطه والحيلولة دون أية محاولة لتقسيمه ـ ثانياً ـ
ولصياغة مستقبل العراق وحكومته حسب آراء أكثرية الأمة كما قال الله تعالى
(أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) دون أي تدخل للقوى الخارجية ـ ثالثاً.
كما يجب على الجيش العراقي الأبي أن يلتحق بالأمة،
وعلى كافة الموظفين أن يتركوا وظائفهم ويشاركوا في العصيان الشامل كما
يجب على الجميع مقاطعة النظام في كافة الأبعاد، والامتناع عن دفع الضرائب
والرسوم المالية، حتى يأذن الله تعالى بالسقوط العاجل للنظام الحاكم (وَما
ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ).
وختاماً.. فإن اللازم على عامة الناس مراعاة النظم،
والحفاظ على الأمن، والاستمرار في الإضرابات والمظاهرات، حتى سقوط
الحكومة الجائرة، وأن لا يكفوا عن ذلك مطلقاً مهما قدم النظام من تنازلات
أو وعود، قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا
وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا).
(اللهم أنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها
الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك،
والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة).
كما وجّه (أعلى الله مقامه) في الثاني من شهر
رمضان المبارك بياناً مهماً آخر إثر تفاقم الوضع الإنساني والسياسي العام
في العراق لا سيما بعد ضرب النجف الأشرف وكربلاء المقدسة جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله سبحانه: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى
يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا
إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ).
السلام على الأخوة المؤمنين في خارج العراق ورحمة
الله وبركاته... وبعد:
إن العراق يشهد ـ اليوم ـ انتفاضة شعبيّة شاملة
انبثقت من صميم الأمة وبهدف استعادة الحرية المصادرة، والكرامة المهدورة،
والحقوق الضائعة، والاستقلال المنشود.
ومن الطبيعي أن يواجه الشعب مصاعب وعقبات عديدة
وهو يحاول الإطاحة بنظام لا يتورع عن استخدام شتى أنواع الأسلحة
التدميرية الفتاكة ضد الشعب الأعزل... ذلك النظام الذي سفك أنهاراً من
الدماء البريئة طيلة حكمه لمدة أكثر من عشرين سنة خاصة في الأيام القليلة
الأخيرة في مختلف مدن العراق، والذي سحق حتى أبسط الأعراف الإنسانية
عندما تعدى على المدن المقدسة وضرب النجف الأشرف وكربلاء المقدسة ـ حيث
مرقد الإمام علي (عليه السلام) ومثوى الإمام الحسين (عليه السلام)، وحيث
توجد الحوزتان العلميتان العريقتان لأكثر من ألف سنة، وحيث يتواجد
العلماء الأعلام ومراجع التقليد العظام وفي طليعتهم آية الله العظمى
السيد الخوئي ـ حفظهم الله تعالى ـ.
ومهما ارتكب النظام من مجازر وجرائم فإن سقوط
الحكومة الظالمة هو المحتم، وبمواصلة الأمة للصمود سترجع ـ بإذن الله
تعالى ـ للعراق عزته وسيادته وكرامته عبر تحكيم (رأي الأكثرية) و(تعددية
التجمعات والفئات والقوى الصانعة للقرار في الدولة).
ومن اللازم على المؤمنين خارج العراق في هذه
الفترة المصيرية أن يلتزموا بأمور:
1ـ عقد مجالس الدعاء والتضرع إلى الباري سبحانه
وتعالى في المساجد والحسينيات وغيرها بشكل مكثف خاصة في أيّام شهر رمضان
المبارك الذي تفتح فيه أبواب الرحمة وتتنزّل فيه الملائكة، ذلك أن أزمّة
الكون جميعها بيده سبحانه وتعالى وقد قال جلا وعلا (قُلْ ما يَعْبَؤُا
بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ).
2ـ القيام بمظاهرات واعتصامات متتالية أمام
السفارات العراقية وغيرها، وعقد مؤتمرات متتابعة للتنسيق والتعاون على
إسقاط النظام الحاكم، وتحريك الرأي العام العالمي عبر شتى وسائل الإعلام.
3ـ الضغط الشديد على كافة دول العالم لسحب
الاعتراف بحكومة العراق الظالمة، والاعتراف بحق الشعب العراقي في تقرير
مصيره.
4ـ مطالبة كافة المؤسسات الإنسانيّة والدينيّة في
العالم كي تتحرك للحيلوية ـ وبمختلف الطرق ـ دون وقوع المزيد من المجازر
الدموية في العراق، ولاستنكار ضرب المدن المقدسة.
5ـ تشكيل لجان الإغاثة لإيصال المواد الغذائية
والطبيّة وسائر الأوليات إلى الشعب العراقي الذي يعاني من حصار شديد
فرضته الدولة حتى على الخبز والدواء وحليب الأطفال...
وعلى الجميع أن يساهم في دعم لجان الإغاثة والتي
تكون من مهامها أيضاً: إمداد المجاهدين وعوائلهم بكافة الضروريات وقد قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من سمع منادياً ينادي يا للمسلمين فلم
يجبه فليس بمسلم).
6ـ إقامة مجالس الفاتحة على أرواح الشهداء الذين
دافعوا دون دينهم وبلادهم وأرواحهم وأعراضهم وأموالهم فوقعوا صرعى في حرب
غير متكافئة بين النظام الذي يملك مختلف الأسلحة التدميرية والأمة التي
لا تملك إلا التوكل على الله سبحانه والإرادة الجازمة لإنقاذ دينها
وبلادها من براثن الظالمين (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ).
والأمثل بالله سبحانه وتعلى أن ينقذ العراق من هذه
المحنة القاسية عاجلاً سريعاً أنه سميع الدعاء (أَمَّنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ
الأَرْضِ).
.. وقد ترجمت البيانات إلى اللغة الكردية
والفارسية.. ووزعت داخل وخارج العراق، ونشرتها بعض الصحف في لندن وبيروت
وغيرها. وبعثت ممثلياته في سوريا ولندن وغيرهما حوالي ألف برقية إلى
المؤسسات الدولية ورؤساء الجمهوريات والأمين العام للأمم المتحدة..
ورؤساء الوزراء وغيرهم.والتحقت مجموعات من شبابه بالمجاهدين.وشكلت لجنة
لنقل الأخبار إلى العالم.واستمر سماحته (قدس سره) بإلقاء الخطابات
الثورية لمساندة الانتفاضة والتعبئة لها. كما أصدر فتوى لصرف أموال
الحقوق الشرعية للانتفاضة.
وشكلت عدة لجان لإرسال المعونات إلى اللاجئين،.
وتحركت الشاحنات الكبيرة كل يوم محملة بالمواد الغذائية والطبية والحاجات
الضرورية إلى اللاجئين وأرسل سماحته (قدس سره) أربعين طناً من المواد
الغذائية تبرع بها أحد التجار المقربين منه.
وتشكلت في مدينة قم المقدسة وحدها ست لجان من
الحسينيات وغيرها.. وقد قدرت المعونات التي بعثها سماحته إلى اللاجئين في
وجبة واحدة أكثر من معونات فرنسا بعشرين مرة، علماً بأن فرنسا بعثت طائرة
واحدة محملة بخمسة وأربعين طناً من المواد الغذائية والطبية.. كما وأجاز
صرف (زكاة الفطرة) للاجئين من داخل العراق وكل الخمس من الحقوق الشرعية.
كما وبعثت وفود إلى محافظتي خرمشهر وبستان للتبليغ
، والإرشاد والخدمة.. ونشطت هذه الوفود في إسكان اللاجئين وتغذيتهم
ومعالجة مشكلاتهم. كما أرسل عدة بعثات طبية لإسعاف اللاجئين الجرحى
والمرضى. وشكلت دورة دراسية لتربية جمع من اللاجئين لاعدادهم لعراق
المستقبل.
وألقيت محاضرات كثيرة على اللاجئين . وصدرت
منشورات ونشرات دورية حول الانتفاضة . وعقد (أعلى الله مقامه) في كل يوم
وليلة جلسات طويلة للحوار حول القضية العراقية، وتحليل مختلف جوانبها.
وبعث وفداً رفيع المستوى للاشتراك في مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد
في بيروت، وأجرى وكلاؤه ومقلدوه مقابلات صحفية وإذاعية وتلفزيونية تجاوزت
الـ(150) مقابلة خلال ثلاثة أيام فقط- في بيروت- لمساندة الانتفاضة
وتعرية حاكم العراق، كما وعرضت على الجماهير ثلاثة أفلام حول الانتفاضة
والتي وصلت من الداخل.. وكان لها الأثر الكبير في إلهاب مشاعر الجماهير
وتحريكها نحو مساندة الانتفاضة.
كما وبعث (أعلى الله درجاته) المساعدات المادية
للمجاهدين في الداخل والخارج لمساعدة الانتفاضة.
وإثر اعتقال الإمام الخوئي (قدس سره) هبّ الإمام
الشيرازي الراحل (قدس سره) لنصرته ونصرة الحوزة العلمية في النجف الأشرف
وأصدر بياناً بهذا الشأن، وفي نفس اليوم بعث برقيات إلى مختلف الشخصيات
وأجرى اتصالات مكثفة للدفاع عن المرجعية المظلومة في العراق.
والآن وبعد زوال الطاغوت بقوة الله وإرادته وفي
غمرة بهجة الخلاص من الكابوس المرعب ليس لنا إلاّ أن نستحضر مواقف العزة
والكرامة والشموخ التي سطّرها أعزة العراق وأبطاله لا سيما الذين ضحوا
بأرواحهم الطاهرة ودمائهم الزاكية فداءً لدينهم ووطنهم ومبادئهم ومن أجل
عراق آمن وزاهر ينعم أهله بالخير والاستقرار ويأمل مستقبلاً حافلاً
بالعطاء والإنجازات ويوفر لأجياله القادمة الغد المشرق والواعد والوضّاء.
وفي نفس الوقت ندعو الأحبة أبناء شعب العراق
الأعزاء بجميع أديانه وقومياته ومذاهبه إلى الحفاظ على وحدة العراق أرضاً
وشعباً والانضواء تحت كل ما يخدم المصلحة العامة وخدمة الفقراء
والمحرومين والمحتاجين ورفع البؤس والفقر وعسر الحاجة عن كاهلهم وتقديم
المساعدة الممكنة للمرضى واليتامى والأطفال المشردين والذين لا أهل لهم.
والالتفات إلى المشاكل والأزمات العديدة التي أوجدها حكم النظام البائد
والعمل الجاد والسعي لحثيث لحلها أو التقليل من حدتها.
ومن المهم أيضاً الاهتمام بالسبل الكفيلة التي
ترتقي ببلدنا الطيب ليكون بلد الدستور والقوانين والمؤسسات والذي تحترم
فيه حرية الرأي والتعبير في أجواء التفاهم والحوار الهادف الذي يراد به
الحقيقة والإلتقاء والتوافق تحت مظلة عراق حر أبي كريم.
سائلين المولى عزّ وجلّ أن يرحم العراق وأهل
العراق ويرحم شهداء العراق ويلهم ذويهم الصبر والسلوان، ولن ينسى أحد أن
العراق بدماء أبنائهم الغالين وتضحياتهم ووفائهم وجهاد أهل العراق
الخيرين قد وصل إلى مرفأ السلام والخير العميم.. والله الموفق والمستعان.
قال الله تعالى:
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ
وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) التوبة/ 105 |