من أفكار الإمام الشيرازي (قدس سره)

  كيف تتكون الأحزاب؟..

 أصل تكون الحزب، إنما هو من وجود الفوارق النفسية بين الناس، فكل جماعة وأمة وقبيلة وشعب، لا بد وأن يوجد بينهم أناس لهم صفات نفسية متمايزة، وكفاءات خاصة، وتلك الصفات تدعو أولئك الأفراد إلى (الأنانية) تارة، وإلى (المشاركة الوجدانية) أخرى؛ وبهذا يجمع ذلك الإنسان حول نفسه جماعة، يصبهم في اتجاهه، إما لإشباع رغبته في السيادة والأنانية، أو لجعلهم خدمة الناس، بالقيام بحوائجهم، لحسّه بالمشاركة مع الناس في أحزانهم وآلامهم وآمالهم، وهذا ما يصطلح عليه بالمشاركة الوجدانية.

  نظام الأحزاب في الدولة، يسبب:

1- توفير الحريات للناس؛ حيث أن كل حزب يخاف من الحزب الآخر، فيعمل جهده لإصلاح شأنه، وخدمة الناس، لئلا يتقدم الحزب الآخر عليه، وبذلك يعيش الناس أحراراً، لا يتمكن من أن يكبتهم أحد، ولا يتعامل معهم إلا في إطار القانون.

2- يصل الناس في ظل مثل هذه الأنظمة إلى أهدافهم وحاجاتهم؛ وذلك لأن الحزب يعمل جاهداً لإرضاء حاجة الناس، لئلا ينفرط منه أحد إلى الحزب الآخر؛ فهو نوع تنافس، يسبب ظهور الكفاءات، ودرء المظالم والتقدم بالبلاد إلى الأمام؛ ولذا قال السياسيون: إن الأحزاب السياسية المتعددة، تسبب للجماهير تنسم الحريات، والتعبير عن آرائها، وإبداء رغباتها، والوصول إلى أهدافها.

ومن الواضح أن مثل هذا النظام، يقوم على حزبين أو أكثر، والأكثر يجب أن يكون بقدر تحمل الأمة؛ فإنه كما قد يكون الحزب ديكتاتورياً، فكذلك قد تكون كثرة الأحزاب فوضى، وفي النظام المتعدد الأحزاب يتعين أن تكون الجولة الانتخابية حرة وصريحة، وإذا أسفر الانتخاب عن فوز فريق على الآخر، انقطع التنافس والتصارع، ولم تكن هنالك أحقاد، وينتهي الأمر بوضع كل حزب يده في يد الآخر، في صداقة تامة، وإلى جولة انتخابية أخرى، ويبدأ الجميع، الفائز وغيره، بالعمل في إطار القانون.

مراقبة الحكومة

إن الديمقراطية (الاستشارية) أفضل أساليب الحكم، لأنها تهيئ الجو الكامل للحرية، وفي الحرية تظهر الكرامة الإنسانية من جانب، والكفاءة الإنسانية من جانب آخر فتنمو الملكات، وتبرز العبقريات ويعمل النقد البريء على إظهار عيوب الاستنباطات، ومؤاخذة التطبيقات للقوانين، وبذلك يظهر في الحياة الأصلح فالأصلح، وهو يوجب إعطاء الإنسان حاجاته ويقدم الإنسان إلى الأمام لأن التنافس البريء سوط لتقديم الإنسان، كما أن المراقبة الدائمة من الرقباء، توجب سد الإنسان خلله، وستر عيوبه، خوفاً من السنة النواب في أروقة المجلس، تقف السلطة التنفيذية موقف الحذر، كما أن النواب لا بد لهم من العمل الجاد المثمر، لأنهم جاءوا إلى المجلس من أجل ذلك. وإذا حادوا سقطت حرمتهم عند الجماهير، وفضحتهم الصحافة المسؤولة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وانقطع أملهم في انتخاب الأمة لهم في المستقبل.

الاستعداد للمستقبل

ورد عن الإمام الحسن المجتبى (ع) قوله: (إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)، في هذا الحديث الشريف دعوة صريحة للإنسان بأن يسمو ويرتفع دائماً، ويؤثر الأهداف الكبيرة على الأهداف الصغيرة.

وهذا لا يعني إهمال الأهداف الصغيرة، بل القيام بها والعمل على تحقيقها، لكن على أن لا تكون لها الأولوية.

وإذا تنازع الهدفان - ومورد التنازع ناشئ من محدودية عمر الإنسان ومحدودية طاقاته وما أشبه - فتُقدّم الأهداف الكبيرة الأهم.

وتتجلى الأهداف الكبيرة في حاجات المستقبل الواسعة، بينما تظهر الأهداف الصغيرة في حاجات الإنسان المؤقتة؛ والمستقبل هو البرنامج الذي يضعه الإنسان لتحقيق أهدافه الكبيرة.

من هنا كان لزاماً على الإنسان أن يكون على استعداد تام لاستقبال الغد والتكيّف معه، وربطه بالحاضر والماضي حتى لا ينقطع المستقبل عن الماضي والحاضر.

وعالمنا اليوم يشهد حركة قوية وسريعة نحو المستقبل في كافة أوجه الحياة، وهذه الحركة توجب تغيراً شديداً، فيجب أن نكيّف أنفسنا مع هذا التغيير حتى نمتلك ناصية المستقبل، خصوصاً أن مضمون المستقبل مختلف جذرياً عن حاضرنا.

ومواكبة المستقبل تتم عبر الريادات ورصد الاحتمالات والتخطيط السليم والقرارات الصائبة التي يتخذها روّاد الأمة وعلماؤها في مختلف الاختصاصات في الهندسة والطب والزراعة والصناعة حتى يأتي البناء متكاملاً من حيث تكوينه.

طبعاً ليس كل الناس المعنيين بالمستقبل حساسين للغد، لكن على هؤلاء الذين يتطلعون للمستقبل ويعملون من أجله أن يصبحوا قوة فاعلة في وسط المجتمع، تحركه دائماً باتجاه المستقبل المشرق. فهؤلاء يصنعون المستقبل من خلال رؤيتهم الثاقبة لما سيجري في الغد، ومن خلال دفعهم المتواصل للأمة بهذا الاتجاه.

فهم يُطلعون الأمة على ما سيجري في المستقبل، فتتكيّف الأمة على نحو تستطيع امتلاك ناصية المستقبل.

 القرن الحادي والعشرون وتجديد الحياة

من الضروري الاهتمام بحق الإنسان في العيش بحرية دون أغلال وقيود لا مبرر لها، فالقوانين التي وضعها الغربيون ومن إليهم باسم النظام ونحوه، قد أخذت على الإنسان كل مجالاته.. فهل تقييد كل إنسان بالجنسية والإقامة والهوية وما أشبه يعد من الحرية أم من الكبت؟

وهل تقييد كل شيء من الكسب والتجارة والزراعة والصناعة والسفر والإقامة والعمارة باجراءات روتينية، من الحرية في شيء؟

وعلى أي حال، فهم قد سلبوا الحرية تارة باسم القوانين والحكومات وما أشبه، وتارة باسم العرف والعادة وما إلى ذاك، في حين يقول القرآن الكريم (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) الأعراف، 157.. وعلى سبيل المثال: نرى الآن بعض الحكومات تضع عراقيل أمام الزواج، من مثل السن القانوني وهو غير السن الاقتضائي، ومثل: عدم تزويج شاب بشابة من بلدين مختلفين - وما إليه كما أن العرف لا يلاحظ احتياج البنت إلى الزواج وكذلك الشاب، بل يضع شروطاً قاسية في أحيان كثيرة، من قبيل المهر الكذائي والدار الكذائية، وغير ذلك مما يثقل كاهل الشاب ويعيقه عن أمر مهم مثل الزواج، ولذلك نرى هناك الملايين من الشبان والفتيات قد عزفوا عن الزواج - قهراً - مما يقوي احتمالات السقوط في وحل الجريمة والمحرمات المختلفة.

الشورى أساس العلاقة

لكل فرد الحق في أن يعلم بما يجري في حياة الأمة من شؤون تتصل بالمصلحة العامة للجماعة حسب قوله تعالى: (أمرهم شورى بينهم) فإنه يشمل كل فرد في الأمة، كما لكل فرد في الأمة بعد توفر الشروط الشرعية فيه تولي المناصب العامة والخاصة والوظائف المختلفة، ولا تسقط هذه الأهلية أو تنتقص تحت أي اعتبار عنصري أو طبقي أو لغوي أو جغرافي أو ما أشبه، فإن المسلمين تتكافئ دمائهم وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم، كما ورد في الحديث عن رسول الله (ص).

والشورى أساس العلاقة بين الحاكم والأمة، فإذا لم يكن النبي (ص) موجوداً ولا الإمام المنصوب من قبله حاضراً فمن حق الأمة أن تختار حكامها بإرادتها الحرة المطلقة تطبيقاً لهذا المبدأ.

كما للأمة الحق في محاسبتهم وفي عزلهم إذا حادوا عن الشريعة فمتى توفرت الأكثرية في إنسان كان ذلك حاكماً، وما لم تتوفر يشار إلى غيره.

ذهب الطغاة وبقيت كربلاء

الإسلام بمعناه القرآني يهدف لإنقاذ الإنسان من براثن العبودية والظلم والجهل والفقر والمرض.. وابتليت البشرية بهذه المشاكل بسبب ابتعادهم عن أحكام السماء وتعاليم الأنبياء ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) فاللازم أن يجعل موسم عاشوراء منطلقاً لنشر تعاليم الأنبياء الداعية إلى الحياة الطيبة عبر تطبيق الشورى والحرية والاخوة والسلام.

إن الطبيعة البشرية والفطرة السليمة مجبولتان على قبول الحق واتباع مناهجه، والمعاند قليل وشاذ، لذا فالواجب علينا أن ننشر القيم السماوية والمبادئ الحسينية بكل ما نملك من وسائل وطرق.

سنة الله في الحياة إعلاء راية الحق وإظهاره وإزهاق الباطل، لذا ذهب الطغاة وبقيت كربلاء حية نقية، ومصدراً للإشعاع الديني والفكري، ومنبعاً للأخلاق والفضيلة، وبقيت كربلاء نبراساً للأحرار وسراجاً للأمم ومدرسة لتربية العلماء والمبلغين وحملة الأقلام.

من الضروري على الخطباء والهيئات الإدارية في الحسينيات أن يهتموا بمستوى مجالسهم حتى تكون مستوى مجالس الإمام الحسين (عليه السلام) منبعاً للفكر والوعي حيث تتضمن تحليلاً للأحداث والوقائع، وبدون ذلك لا يمكن للمجتمع أن يفهم أسلوب الحياة ويقاوم الأخطار المحدقة به، ويلزم أن يكون المستوى الفكري للمنبر عميقاً ليتحصّن الشباب عند هبوب رياح الإنحراف، فإن المستوى السطحي كثيراً ما لا يعطي الفكر القوي فيؤدي إلى الانحراف فإذا استثمرت المجالس الحسينية - باعتبارها تثير الكوامن العاطفية في النفس وتملك قدرة التوجيه العقلي المؤثر في تغيير السلوك الإنساني - في قضاء حوائج الناس وإيجاد التكافل الاجتماعي وإنجاز الخدمات الاجتماعية والفردية، لقضيت عشرات الألوف من الحاجات الاجتماعية والخيرية كل عام.