الصفحة الرئيسية  |  الأعداد السابقة  |  أنت تسأل ونحن نجيب  |  الأرتباطات  |  أرشيف الأخبار الثقافية  |  شارك في الكتابة  |  اتصلوا بنا  |  الرجوع الى صفحة المقالات الواردة >>

 

رحلة الى الأقصى

 

أهلا سيدي كنت في انتظارك ..منذ زمن بعيد و أنا أنتظر ها هنا.. ما الذي جعلك تتأخر هكذا؟؟ أهي مشاغل الحياة؟؟لنبدأ الرحلة الآن و أود أن أخبرك بأن الرحلة لن تكون مسلية كما قد تتوقعها و لكن هل أنت مستعد لإنهاء الرحلة حتى النهاية؟؟ هل أنت متأكد؟؟ ان ثقتك كبيرة يمكننا الآن المضي يا سيدي لست هنا لأكون مرشدتك و لكن عيناك سترى ما لا يقوى لساني على الإخبار به..

ها قد وصلنا الى المسجد الأقصى انه يظهر من بعيد ان جميع من ساروا معي في هذه الرحلة طلبوا مشاهدته أولا ..لحظة أتسمع هذا؟؟من خلف أسوار المسجد الحزين ارتفع أنين و عويل ..أصوات متضاربة مهمهمة بكلمات غير مفهومة..العبارات غير معروفة..مرادفاتها غير معلومة.. العنوان غير مهم.. كلمات الحزن و الأسى ..القهر و الألم ..مهما اختلفت مرادفاتها فمعناها واحد.. قد تجدها في دمعة طفلة صغيرة سرقت من بين أيديها لعبتها الوحيدة.. قد تجدها في دموع القهر تنزف من عين رجل جروه جرا ليهدموا منزله الصغير.. ليهدموا ذكرياته و أحلامه ..طفولته و شبابه.. و يقتلوا معه جذوره..قد كان كالصخرة المرابطة في منزله..قد كان كالشجرة الضاربة عروقها في أرضه..قد كان و قد كان.. فماذا بات؟؟
لا تخف يا سيدي ان كنت مكانه سنسلمك متران من القماش لتصنع منها خيمة تأوي إليها و أطفالك. و إن أردت منحناك شرف السكن بجوار القدس تتطلع الى الشياطين و هم يلهون و يلعبون .. يشترون مساجد المسلمين ليحولوها الى مكاتب و معابد.. إن لم تمت برصاصات الغدو فلك أن تمت قهرا و يدك مغلولة وراء ظهرك.. لن تستطع المحافظة على وطنك منزلك أبنائك أو حتى تربة شارعك..
ما عاد الهواء تتنفسه تلك الصدور الأبية و ما عادت تلك التربة الطاهرة تسجد عليها الجبين المسلمة.. لقد لوثت الهواء أنفاسهم الكريهه و غدت السموم تحيط بكل مكان..منذ قديم الزمان و الأرض هي الأرض الأبية أمانة في أيد طاهرة لتمتد عليه أيد الأخطبوط يجوب بأذرعه الطويلة كل مكان و ينفذ سمه في كل زمان ..
الزمن عام 1948 المكان مدينة الأنبياء ..القاتل ليس للأسماء بيننا مكان.. ليكن أي انسان يستولي على الديار ليكن ديفيد أو شمعون أو حتى شارون ..الضحية ؟ دعني أتحقق من الضحية .المعذرة ما عادت الوجوه تتضح اختلطت المعالم بالدموع و الدماء و الأقسى من ذلك حين تختلط بالذل و المهانة..
دعنا نتحقق من تلك الجثث قد يكون منهم من نعرفه..ما عدت أستطيع عد الأجساد المترامية هنا و هناك ..قد تكون تلك امرأة جديلتها تقول ذلك.. و هذا قد يكون طفل أو شاب ما عادت عيناي تقويان على التمييز اختلط اللحم بالعظام و اختنقت الدموع في المآقي....هذا غريب إنني أعرف الجميع في هذه المذبحة على الرغم من تشوه الوجوه..لكن كل العيون و الأنوف و الشفاه متشابهة ..أنا متأكدة بأني أعرفهم جميعا على الرغم من عدم مقابلتي لأحدهم في حياتي كلها..

ما عاد للحزن مكان .و ما عاد للكلام من مكان هرب الكلام الى بعيد أخذ كلماته من حلقي و طار .. الذئاب المتوحشة تنبح في كل مكان و الرعب يتملك الجميع أو تقوى يا سيدي على العدو أم أن قدماك ما اعتادت عليه؟؟ عليك أن تعدو فالرصاص لا يعرف المزاح و القنابل لا تعرف الملل ..إنها مسالة نسبية أما أن تعدو أو تموت لا ثالث لهما..لست في فيلم سينمائي يحرج البطل في نهاية الفيلم معافى و إن واجهته آلاف الرصاصات .. إنها حقيقة ستشعر بالألم الحقيقي و مذاق الدم في فمك ان تلقيت رصاصة مطاطية.. ستكون كخيط من النار يقتطع أوردتك و لن تستطع الصراخ يا سيدي لأن صراحك يعني أن يكشفوا أمرك و هذا يعني موتك .. أو رأيت العذاب تتألم فلا تقوى على الصراخ..

ارتفعت أصوات كثيرة من تلك المقبرة العتيقة و تراقصت أرواح الشهداء أمام المسجد الأقصى تحميه من ظلم العداة.. و ارتفع أنين المسجد الحزين و ذراعيه ملفوفة بالشوك تقطر دم لا ينقطع.. هل ترى الدماء سيدي أم أن عيناي أصابهما التعب و الارهاق؟؟

سيدي قد أصابنا الإرهاق فعلا و يمكنك النوم..فلتنم و الأبواب موصدة و بندقيتك تحت وسادتك..أو تعلم كيف تستعمل البندقية؟؟ عندما تستيقظ صباحا ستستمع إلى ترانيم أغانيهم المزعجة تعكر نقاء جوك الذي طالما صدح بأصوات الأذان حينها تعلم بأن الشياطين قادمون.. عندما تجف الأوراق على أغصان الشجر و تتوقف الطيور على أغصانها الميتة حينها تعلم بأن الشياطين قادمون .. حين تتوقف الأنهار عن الجريان و الطيور عن التغريد و الأطفال عن الابتسام حينها تعلم بأن الشياطين قد وصلوا ..

قد وصلوا ليزيلوا زهرتك التي زرعتها على شرفتك.. قد وصلوا ليقتلعوا شجرتك التي أنبتها على مشارف حديقتك.. قد وصلوا ليحرقوا ابتسامتك من أطراف شفتك.. قد وصلوا ليحرقوا أسم وطنك من على خريطتك .. قد وصلوا..

وصلوا ليختطفوا سارة و محمد من أحضان أمهاتهم و يحرقوا مسجدا اشتعلت قلوبهم غيظا من صوت أذانه جاؤا كالنار يحرقون الأشجار و الأغصان و الأجساد والأفئدة ..لترتفع أدخنة ذلك الحريق الى السماء و تتكاثف غيوم سوداء فوق الأقصى..سوداء بقدر ما تحمله من غضب و ألم..سوداء بقدر ما تحمله من سخط و أسى فتبكي السماء مطرا غزيرا عله يطهر ما بالأرض من تدنيس .. تبكي محمد الدرة و محمد أبو عاصي .. و العالم يشتري صمته و يبيع أرضه ..ان تاجروا يوما بتربة الأرض يشترون به الدموع ذكرى مميتة و كرامة مدفونة بعد موتها في قبر سحيق ..جثة قد تعفنت فوجد الدود فيها خير مأوى ..فصل جديد من المذلة لرد كرامة جيل مضى ومن أجل كرامة جيل سوف يأتي!!

ان كنتم تملكون الأوراق و الأقلام فاحسبوها يا بني يهود قطرة دم واحدة من جسد محمد سنطلبها بألف جندي .. احسبوها إن كنتم تملكون الأوراق و الأقلام يا بني يهود دماء الشهداء طوق من نار في أعناقنا تضيق خناقا علينا كلما ازداد صمتنا.. و ما عاد صمتنا يقوى على المزيد..كل ما في الوجود قد يضجر من نفسه يوما و هاهو ذا صمتنا قد ضجر .. قد امتلأت المدينة القديمة بالشياطين.. فأكفكم ملطخة بدماء شهدائنا الزكية و أكتافكم مرصعة بالنياشين ..

سيدي هل استيقظت من نومك؟؟ هل أزعجتك بهلوستي؟؟لا عليك إنني دائمة الهلوسة ..أتريد زيارة المدينة القديمة ؟؟هل يمكنني الحديث عنها قبل أن نصل إليها؟؟

كان تراب المدينة عند مواضع السجود يعبق عطرا حتى جاءت ليلة الظلم عنوانها و العذاب حاضرها و الموت مستقبلها.. أتت ليلة حالكة , السواد يستمد منها سوادا..و الألم يستمد منها عذابا.. و تعلمت لأول مرة الطيور كيف أن تصمت .. و الابتسامات كيف أن تبكي.. و الأطفال كيف أن يموتوا قبل أن يولدوا ..و بدأ السواد يحيط بكل مكان و امتلأ هواء المدينة بزفير مسموم تحتنق معه الصدور..و تعلم الطفل كيف يحمل حجرا. و الخباز كيف يحفر قبرا.. و تحولت المدارس الى ثكنات عسكرية و الحدائق الى مقابر جماعية و الموت هو الموت في كل مكان..يتربص الجميع و ابتسامته تتردد في كل مكان ..رائحته تفوح في كل مكان حتى في مساجد الصلاة ..
تغيرت ألوان الجدران ورسمت لمسرح الجريمة ألف عنوان ..ان اقتربنا منها قليلا يمكننا قراءتها ..إن دنونا منها أكثر يمكننا فهمها ..عبارات منددة بالاحتلال مكتوبة بقلم فريد من نوعه .. و لكنني لم أرى في حياتي حبرا أحمر لا يزيله الماء!!!

أتريد يا سيدي أن تدنو أكثر من مسرح الجريمة أم إن رائحة الموت في كل مكان قد أرعبتك .. لا تحشى شيء فقط و أقترب .. لا تحشى شيئا فلا يوجد من حولنا سوى الجثث لا يوجد حي.. لم أكن أعلم يا سيدي بان هذا هو سبب خوفك..انظر الى الكتابات على الجدران تشرح درجات التدرج في القتل..الحريق الدخان ثم الموت..مالك يا سيدي أ أصابك الصداع أم الإعياء ..نعم قد يكون هذا بقايا رأس أحدهم تناثرت أشلائه في كل مكان .. أو قد يكون جزء من أطراف جسده قد تقطع فما عدت أعلم أهي كف أم قدم .. انها معادلة صعبة حين تشعر بالألم يحيط بجسدك و هو مضرج بالدماء فلا تعود تعلم أكفك الذي قطع أم قدمك ..

أتجب إنهاء الزيارة ها هنا أم انك ما عدت تحتمل الرؤية أكثر من هذا ؟؟

إن كنت تود المتابعة فعليك ان تسير على أطراف أصابعك فقد نمر على مجموعة من الشياطين من أين جاءت؟؟ ومن أين تأتي إلا من سقر .. هناك من بعيد مسرح الجريمة التي استشهد فيها محمد الدرة و من فوق رأسه رأينا على الحائط عبارة كتب عليها( ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ) أتعلم يا صاحبي أنا لم أري تلك العبارة من قبل على هذا الجدار و يحيل لي إنها كتبت بدمائه الطاهرة.. أما زالت قدماك تقويان على مواصلة تلك الرحلة أم انك تود العودة؟؟ ألا تريد أن ترى أجزاء من المساجد المحروقة و المقابر التي أزيلت ليبنى فوق أجساد الشهداء مكاتب .. أتريد البقاء أم انك اشتقت لمنزلك و مكيفك .. أتراك تقوى على المسير أم انك تود العودة؟؟

هذا ما توقعته انك تود العودة صحيح و لكنك ستعود يوما لتكمل المسير!! حسنا يمكنك الذهاب الآن و لكن اعلم انك رقم مليار الذي جاء هنا ليتفرج ثم يعود لمنزله و الجميع وعدوني بالعودة مرة أخري و أنا أنتظرهم منذ 1948 و لكن أحدهم لم يظهر بعد.