الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

مشروعية البكاء الحسيني وعطاءه

رفعت الواسطي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)

في القرآن الكريم قصص يتأمل من خلالها المرء مايجري في واقعنا الاسلامي من مقولات متعددة ربما تأخذ جانبا من التجني على من وقعت عليهم الاحداث وكانوا فيها النموذج المتفاني المتفرد في طرح مفهوم الشهادة والتفاعل مع حركة الحياة كما أرادها الله تبارك وتعالى.

حركتنا لاتخلوا من تفاعلات وصور تفسر وفق ثقافة وسايكولوجية المتلقي . سواء كان من هذا الفريق أو ذاك بالاضافة الى ان الحركة ذاتها تاتي بغير ما اريد لها ان تصيب الهدف.

عندما نتناول البكاء الحسيني في التعبير عن حالة انسانية مترجمة للمأساة التي تعرض لها سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) ، من المفترض احالة القضية في التحليل من حيث الاسباب والدوافع الى أهم مرجعين هما القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. وقد وجدت ان الاية القرآنية المباركة المستهل بها مقالي هذا وهي من سورة يوسف عليه السلام هي الدليل الامثل لمشروعية البكاء على الحسين جيلا بعد جيل.

فصفوة البشر هم الانبياء ، رسل التوحيد والعدل بين البشرية جمعاء. لايمكن ان تكون رسالتهم مثار استفهام خارج المنطق الانساني بفطرته. واهم مفرداته للتعرف عليه هو انسانية الانسان حتى عد ان هذا المفهوم هو من تعريفاته. فلكل منا حالات من التعبيرعن انسانيته بين الفرح والحزن بين الضحك والبكاء بين الخير والشر . وقد يثير علامات استفهام تعجبية او استنكارية من يخالف الطبيعة البشرية فالقسوة مثلا غير محببة لدى الاسوياء من الناس .

في قصة يعقوب وحزنه على فقده ليوسف ( عليهما السلام) اشارة من بين اشارات كثيرة يمكننا الوقوف عندها ليست في قضية البكاء الحسيني انما في موضوعة الامامة ومقاماتها عند الله تبارك وتعالى. قال يعقوب (ياأسفى على يوسف) هو يعلم ان يوسف حي يرزق لم يمت وأسفه ليس على مماته لان الموت حق ولكنه تأسف على فراقه ليوسف وبطريقة غير محببة للنفس البشرية فاخوته كادو به كيدا والقوه في غيابت الجب. والبكاء هو الحالة المعبرة عن هذا الحزن بل والاستنكار ايضا على فعلتهم الشنعاء. بكاء يعقوب واسفه ادى به الى اصابته بالماء الابيض

وفقده لبصره ، هل يعقل ان نبيا النموذج المثالي للناس يؤذي عضوا من اعضاء جسده؟ .

القضية هي انسانية نتيجة للرحمة التي ملأت قلب يعقوب (عليه السلام) فهو كظيم من الحزن.

كذلك لدينا الحديث القدسي في ايذاء الانسان كيف يتعامل معه رب العزة [ من آذى لي عبدا أعلنت عله حربي] الله تبارك وتعالى يعلن حربه ضد من يؤذي الانسان فكيف اذا اعطيت لهذا الانسان مواصفات اخرى تميزه عن الاخرين والبشر متفاوتون في المواقف والمقامات كل حسب درجة عطائه.

لدينا في هذا المقام سيرة النبي المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان كله رحمة لهذه الامة المبتلاة. كان بكاء الحسنان في مرحلة طفولتهما يؤذي النبي وقد صرح في ماروي عن سيرته المباركة انه يقول للصديقة الطاهرة اسكتيهما فان بكائهما يؤذيني.

الفلسفة التي من ورائها نبكي سيد الشهداء ليست حالة مذهبية يرسخها المنبر الحسيني لان اسم الحسين بذاته هو عامل مهيج ومحفز لمشاعر الانسان السوي ،بحيث تكون علاقة روحية بين المتلقي لمأساة الحسين عليه السلام وبين بركة السماء له ان دموعه قد وصلت الى حالة من الفهم والاستيعاب لماذا البكاء على الحسين بصورة متجددة جيلا بعد جيل؟.

تأريخ علمائنا الاعلام نقرأ عنهم مثلا ان العالم الفلاني كان يجهش بالبكاء لمجرد ذكر اسم الحسين. وهذا في رأي المتواضع هو ايضا من باب مقامات الامام الحسين عليه السلام لان ماورد من فضله في السنة النبوية المطهرة يجعلنا نقف موقف المتحير كيف نحلل هذه الحالة

( يابني ان لك مقاما عند الله لن تناله الابالشهادة) خطاب النبي الاكرم لسيد الشهداء يوم ان اخذته الغفوة في قبر جده (صلى الله عليه وآله وسلم) .

والحديث النبوي الشريف ( ان لمقتل ولدي الحسين حرارة في قلب كل مؤمن ومؤمنة) لم يقل في قلب كل مسلم ومسلمة لان المقام مقام الامام ولابد لمن يستجيب للامام المعصوم في الشدة والرخاء انما هو ممن قد استجاب لدعوة النبي يوم الغدير ، وقد ذكر المؤرخون عبارة المهنئين للامام امير الؤمنين عليه السلام (بخ بخ لك ياعلي لقد امسيت ولي كل مؤمن ومؤمنة)  الامامة لاتتعلق بواجبات المسلم انما واجبات ومسؤوليات المؤمن المضاعفة لان الامر لايحتمله الا من اختبر ايمانه .

لهذا نجد ان انصار الامام الحسين عليه السلام لم يتجاوزا المئة قبالة جيش نظامي . ترى المقام هنا مقام الذي استجاب للفتح الذي دعاهم اليه الحسين أم مقام من بكى على قاتليه لانهم سيدخلون النار بسببه؟ ان الذي بكى قاتليه جدير بالامة بكاء قتيلها الشهيد وباعتراف نبوي محمدي رسمي ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة).

الوصول الى الثواب

في مقام الاشارة الى مشروعية البكاء الحسيني  نخلص الى ان ثواب هذا العمل هو الاجر العظيم عند الله تبارك وتعالى في العالم الاخروي للآسباب التالية:

1- (ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لمايحييكم) حياة الامة لابد لمن يعي حقيقة التعبير عنها باعتبار ان الفتن ستكون متلاحقة دون انقطاع عنها وان العارف هذا هو من يقودها الى الحياة التي ارادها الله ورسوله وخروج الامام الحسين كان واضحا في اهدافه (جئت لآمر بالمعروف وانهى عن المنكر واسير بسيرة جدي رسول الله). وسيرة جده المصطفى هي احياء الامة . فبكائنا الحسين الشهيد هو بكاء من خسر الحياة التي ارادها لنا باعتبار اننا جميعا نموت بعد حياة قصيرة قبالة ماينتظر. ولذلك نقرأ عبارات متوالية عن أهل البيت عليهم السلام ونرددها بوعي او دونه (ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما).

2- الآية المباركة أعلاه كان موقف رسول الله واضحا في مصاديقها من سيرته المباركة ومنها يوم المساومة حين جاءه عتاة قريش يساومونه على الحياة الجديدة وقال قولته المعروفة (لو وضعوا الشمس عن يميني والقمر عن يساري على ان اترك هذا الامر ماتركته حتى يظهره الله أو اهلك دونه). وقد مضى الحسين الشهيد على نفس المبدأ بقوله (والله لااعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر اقرار العبيد يابى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون) . ثم قالها مدوية الى يومنا هذا ( هيهات منا الذلة).

3- الآية المباركة }ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين{ كل آية قرآنية مباركة في موضع مصاديق المؤمنين جسدها أميرهم علي بن أبي طالب عليه السلام ومن كانوا معه هم الثلة الذين ماخالفوا وصية رسول الله اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي حتى كان يوم العاشر من محرم الحرام عام 61 للهجرة تتويجا لروح المواقف الخالدة في سفر الحياة. ولذلك قول الحسين الشهيد ( مارأيت اصحابا اوفى من أصحابي ولا أهل بيت أبر من اهل بيتي) .

4- السلسلة الطاهرة من اهل البيت عليهم السلام أوصوا اتباعهم الموالين ( احيوا أمرنا أهل البيت رحم الله من أحيا امرنا) ورسالة الاسلام اختصرت بتعريف واحد انها دين الرحمة لهذا دعوا لمن يحي امرهم بكلمة طيبة هي خلاصة الاسلام ( الرحمة) رحم الله من أحيا امرنا ومن أهم معالم هذا الاحياء هو اظهار الحزن على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام. من هنا ندرك اسلامية عاشوراء بل انسانية ذلك اليوم الخالد لاشيعية الاحياء والمراسم. فمن عرف الاسلام حقا انفتح قلبه على مصيبة كربلاء التي ارتبط سفرها بمسيرة الانبياء والمرسلين عليهم.

5- المعرفة الاسلامية والانسانية الحقة بمشروع التوحيد والعدل الالهي ورحمة الاسلام هي من سمات نهضة الامام الحجة المنتظر عجل الله ظهوره الشريف فلا يمكن الفصل بين نهضة الامام الحسين وبين الجمهورية العالمية للامام الحجة وكلنا ندعي الانتماء الى الخط المناصر له فيكون عاشوراء غير مقتصر على الشيعة الامامية في المنظور الفكري وان كنا ندعي ذلك من اتباع اهل البيت وهذا في رأيي تجني عليهم واساءة لسيرتهم المباركة لذلك علينا ان نعي حقيقة احياء امرهم ومراسم عاشوراء وفلسفة البكاء على الامام الشهيد وكل مايعبر عنه من علاقة مترجمة لاي تعاطف وموالاة لهم عليهم السلام.

6- كلما عشنا هذه التفاعلات الوجدانية والفكرية من حيث الفهم وأساليب التعبير عنه كلما ازددنا تهذيبا لانفسنا وتقربا الى الله تبارك وتعالى وسنلمس بركات هذا العمل في الحياتين الاولى القصيرة والآخرة الخالدة وهنيئا لمن حظي بنعمة حسن العاقبة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1428هـ