التغيير والإمامة
تتبنى العقيدة الاسلامية فكرة وعملية التغيير وفق اطر
معرفية وقيمية تتجاوز في مفاهيمها الظروف الاجتماعية والتاريخية
التي يراد تغييرها، وتبني موقفها من امكانية التغيير الجذري للخروج
من واقع فاسد باتجاه الخلاص من واقع منحرف اهدر انسانية الانسان
ليحقق مطامع ضيقة، وفي ضوء عنصر الزمن يصبح التغيير موقفا مستقبليا
يحرك الامة باتجاه الزمن القادم وفي الوقت نفسه يحميها من النكوص
والارتداد، مستوعبا في ذات الوقت ذلك التفاعل المتبادل بين الانسان
والمستقبل، حتى يصبح المستقبل نتاجا لعمل الانسان، باعتبار ان
الزمان يسير نحو غاية او هدف يجسد قيمة جهد الانسان عبر حركة
التاريخ.
ولما كان التغيير يمثل فكرة الصراع بين الاسلام كفكر كوني
يمثل مشروعا حضاريا، وبين النزعات والاتجاهات القبلية الساعية الى
تهميش كونية العقيدة الاسلامية وكونية الامة عن طريق الفصل بين ما
هو روحي وما هو حضاري، وهذا ما سيدفع الامة الى تجاوز معيارية
الملك القبلي المتمثل في العصبية القبلية ومبدأ الانصياع والرضوخ
للواقع الفاسد، للوصول الى المعايير الاسلامية الداعية الى التحرر
من ربق الانحراف والتبعية والانية، هذا المعيارية التي تتجسد في
الامامة موقفا وعنوانا، وبذا تصبح الامامة هي القيادة الفاعلة
والرئيسية لعملية التغيير، فتعمل على توجيه الامة بالاتجاه الصحيح
والشرعي للقيام بحركة التغيير المرجوة باعتبار ان الامامة حقيقة
تاريخية تتجاوز في مفهومها المنظور القبلي الضيق والذي يعد اهم
عناصر الانحراف اذ تسعى الاتجاهات القبلية الى وضع الولاء للقبيلة
مقابل الولاء لله عزوجل. من هنا يصبح الملك مغتصبا للحقيقة
التاريخية من بين ايدي الامة لصالح السلطة القبلية، ومتنكرا
للامامة التي تمثل المشروع المستقبلي للامة خلال حركة التاريخ،
ولما كانت عملية التغيير لاتمثل انفعالا عطفيا، او فورانا مؤقتا،
وهي تستلهم حركة التاريخ وتتجذر عند اصول الشريعة الالهية
فبالتاكيد لن ترضى بغير الامامة قيادة باعتبارها حقيقة تاريخية،
ونص تشريعي.
وكما ان عملية التغيير تستلهم التاريخ والتشريع والمجتمع،
فهي في الوقت نفسه تتجلى في الفعل الانساني الذي قدم عطاءه لتحقيق
الامل المنشود، وقد اعتبرت الشريعة ان التضحية بالنفس قيمة عليا
يستحق بها الانسان اسمى عطاء الاخرة فكانت الشهادة عنوانا انسانيا
للتعبير عن اقصى ما يقدمه الانسان في سبيل عقيدته، فكانت شهادة
الامام الحسين عليه السلام تجسيدا لاقصى قيم العطاء، كما كانت
تجسيدا للشريعة حد الفداء. لقد استوعبت شهادة الحسين كل القيم
التاريخية المثلى والتي سعت اليها منذ هبوط ابينا آدم عليه السلام
لتحقيق انسانية الانسان في العيش كريما وفق نظام كوني يعتمد على
الانسان الخليفة في تحقيق غايات الشريعة السماوية.
فلسفة الانتظار
تقدم العقيدة الاسلامية فكرة الانتظار من منظور تأثير
الانسان في حركة التاريخ، وتاثيره بالمستقبل الذي يصبح بالتالي
نتيجة لوعي الانسان بموقفه المستقبلي، بلحاظ العلاقة المتبادلة بين
الانسان والمستقبل، وحيث ان الانتظار هو جهد انساني لتحقيق غاية
عليا، فهو من جانب آخر يمثل استعدادا جهاديا في مواجهة مستمرة مع
الانحرافات النفسية والعقائدية والاجتماعية، ومن هنا يمكن فهم
عملية الانتظار من موقف ابستمولوجي، بعيدا عن الافكار الطوباوية
وحتى المثالية، واذا كانت ثمة مثالية في فكرة الانتظار فانها ليست
من المثاليات التي تضيع بين متاهات الفلسفة الوضعية الماركسية
اومزالق مثالية هيجل. فالموقف الاسلامي وبخاصة الشيعي الامامي
الاثنا عشري ينطلق من حقيقة تاريخية أن الامام المهدي عليه السلام
انسان حقيقي وكائن واقعي ولد في حقبة تاريخية ولايزال حيا وموجودا
في التاريخ (الغيبةالكبرى) وهذا الوجود مكنه من معايشة حركة
التاريخ، والتفاعل معها والتاثير بها، ما جعلة يستوعب كافة مراحل
نشوء وانهيار الحضارات على مسار حركة التاريخ.
ومن هنا يصبح الانتظار قيمة تمثل واقعية مثالية تتجاوز
مفاهيم العقل والتاريخ لتحقق حركة الامة باتجاه تحقيق غايات
الشريعة مستلهمة في ذلك النصوص القرآنية الواعدة بنصرة الله
للمؤمنين، مؤكدة على ربط الجهد الانساني في الحياة الدنيا بالاخرة
ما يقدم زخما للانتظار وتطلعا نحو المستقبل. فالانتظار لم يعد مجرد
امل في تحقيق الخلاص بقدر ما هو حكما شرعيا يوجه الامة للتفاعل مع
حركة التاريخ في استلهامها لثورة الامام الحسين بن علي عليهما
السلام، كمشروع تغييري يهيأ الامة، وينشر ثقافة الامل والتطلع
المستمر نحو الافضل ما سيساعد على انتشال الامة من مهاوي الانحطاط
لتحقيق الخلاص، فالانتظار ليس موقفا ميتافيزيقيا مجردا عن الواقع
الانساني، بل هو موقف عقائدي يتوالد عنه تهيؤ الامة لعصر الخلاص
بقيادة الانسان الخليفة، الانسان المعصوم، الذي يمثل القيمة العليا
للمخلوق الكوني، والانتظار ايضا موقف حضاري يؤكد على النظرة
الحضارية للاسلام نحو المستقبل، وهذا يعكس قيمة الحضارة الاسلامية
التي لا تتحرك نحو المجهول، ولا تفقد مقوماتها بمرور الزمن با انها
تتحرك نحو غاية عليا، والانسان المؤمن يصبح مدركا للغاية التي
يتحرك نحوها التاريخ.
*الرأي الآخر للدراسات - لندن
المملكة المتحدة – لندن
albayatiws@hotmail.com |