في منظر مهيب قل مثيله هبت مئات الآلاف من الأجساد والارواح
المؤمنة وهدرت أصوات الحشود الهائلة التي شاركت في شعيرة(ركضة
طويريج) ظهيرة يوم العاشر من محرم الحرام لتملأ فضاءات كربلاء
المقدسة والعالم الاسلامي خشوعا ورهبة في هذا اليوم الذي استشهد
فيه الامام الحسين (ع) قبل مئات الاعوام دفاعا عن مبادئ الاسلام،
مبادئ الحق والفضيلة والايمان.
وقد انطلقت هذه الجموع الغفيرة بعد صلاة الظهر من منطقة باب
طويريج باتجاه شارع(الجمهورية) هذا الشارع الواسع الذي يتجاوز عرضه
ثلاثين مترا وطوله مئات الامتار ومع ذلك فقد غص بأجساد الزوار
وأهالي كربلاء الذي تدفقوا من كل حدب وصوب لكي يسهموا في احياء هذه
الشعيرة المقدسة (ركضة طويريج) بعد ان حرمهم منها النظام الخلوع
عشرات السنين في سلوك لا يمت للإسلام والمسلمين بصلة، لكن ركضة
طويريج وغيرها من شعائر الحسين(ع) عادت الآن أقوى مما كانت علية
عددا ومشاركة، فقد ملأت فضاءات كربلاء المقدسة مئات الرايات
واللافتات المحملة بشعارات الاسلام والملحمة الحسينية الخالد،
ومنها (لبيك يامحمد) و(لبيك ياحسين) و(يا لثارات الحسين) وقد حملت
الجموع العلم العراقي تعبيرا عن حبها لهذا الوطن الجريح الذي عاث
به الدكتاتور المخلوع فسادا واستمر من بعده الارهابيون الجدد الذين
لا يتورعون عن سفك دماء الابرياء من العراقيين في محاولة يائسة
منهم لإعادة عجلة التأريخ الى الوراء.
لقد انطلقت الركضة من منطقة باب طويريج واستمرت الاجساد والجموع
الكبيرة بالتدفق باتجاه منطقة المخيم ثم دخلت مرقد الامام الحسين
واخيه العباس (ع) وانتهت في منطقة المخيم التي قام فيها جيش يزيد
بحرق خيم عوائل الحسين وصحبه الاكرمين (ع) وقد شارك في هذه الركضة
عدد غفير من النساء المؤمنات اللواتي دوّى صوتهن عاليا وهو يصرخ
بنصرة الامام (ع) وتدفقت جموع غفيرة للرجال من باب مرقد العباس (ع)
باتجاه تقاطع الجمهورية حيث تلاقت الحشود الراكضة في امواج بشرية
متتالية عند هذه النقطة التي غصت بآلاف الاجساد، وكانت أصوات الحق
والايمان تهدر عالية (يـــا حســين يـــــا حســــين يـــــا
حســـــين، لبــيــك يامــولاي).
وقد تخلل هذه الحشود مجموعة( التشابيه) وهم زمرة من الرجال ذوي
الملابس الحربية(الحمر) بكامل عدتهم يمثلون جيش الظلم والطغيان،
جيش يزيد بن معاوية وهم يتقدمون لحرق الخيام وأخذ السبايا من آل
بيت الرسول الأكرم(ص)، وقد تواصلت هذه الشعيرة المقدسة على مدى
ساعتين ولن يعيقها أي عائق مهما كان نوعه اذ كانت مشاعر الايمان
بالفكر الحسيني وبمآثره الخالدة المتجددة متأججا في نفوس المشاركين
جميعا في الركضة رجالا ونساءً وأطفالا بل وحتى شيوخا ومرضى
ومعاقين، وفي أكثر من مرة غصت الشوارع بهذه الحشود لدرجة انها
توقفت في بعض الاحيان من شدة الزحام لتواصل ركضها من جديد هاتفة
باسم الحسين (ع) بصوت هادر هو صوت الايمان، صوت الحرية، صوت الحق
الذي لم يخش أحدا قط، انه الصوت الحسيني الباقي بقاء الدهور.
وهكذا عاشت كربلاء المقدسة أيام عاشوراء مدججة بالايمان وحافلة
بالشعائر الحسينية المقدسة وعابقة بأريج الطهر ومطوقة بشعاع الفكر
الحسيني الوقاد، هذه هي مناقب أهل البيت وهذه هي جموعهم الهادرة
التي لا تتوانى عن بذل الغالي والنفيس من أجل نصرة الحسين(ع) ونشر
مبادئ ملحمته في عموم ارجاء العالم الى أبد الآبدين.
|