فلسفة الولاء
يمكن فهم فلسفة الولاء، او الانتماء لعقيدة، أو فكرة عبر
حدود عقلانية الموقف التاريخي التي تستمد مصدرها من عوامل علوية
وروحية تؤثر في مسار الحدث التاريخي، وتؤطر الانتماء الى الحركة
الرسالية باعتبار ارتباطها بالوحي، فالمسلم ينتمي للشكل العام
للاسلام الذي يحفظ له دمه وماله وعرضه من الانتهاك، غير ان المؤمن
يكرس الانتماء لمنهج العقيدة والاعتراف باصالتها السماوية من خلال
الانبياء والرسل واستمراريتها في حركة الامامة، فكلا من النبوة
والامامه تشكل صلة الارتباط بين الامة والخالق، وكلاهما يعمل على
تحقيق اهداف الرسالة التي تمثل الخلافة على الارض، والتي غايتها
تحقيق سعادة الانسان.
والانتماء للعقيدة موقف يتشكل عملية ادراك توجيه حركة
التاريخ على الارض اوفي الحياة الدنيا باتجاه الاخرة، وبذلك تتحقق
مقولة أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام: "الدنيا مزرعة الاخرة
". ومن هنا يتحدد الموقف الايماني من مفهومي الامامة والملك
باعتبار ان الامامة تمثل مفهوم الخط الرسالي والاخرى تمثل الخط
المنحرف، فالسلطان المطاع والمستبد العادل كما يتصوره "الماوردي في
الاحكام السلطانية" هي كلها مفاهيم تنبع من الولاء للخط المنحرف
المتمثل في مدرسة الخلافة، في حين ان الامامة تنبع من اصالة
الرساله السماوية والولاء اليها يمثل ارتباطا بالقيم الالهية التي
دعت اليها.
هنا ينكشف لنا ان الولاء يصنف باتجاهين رسالي: اصحاب
الرسول الاعظم الخلص، من قبيل: ابو ذر الغفاري، سلمان المحمدي،
عمار بن ياسر والمقداد الكندي، واصحاب اميرالمؤمنين علي بن ابي
طالب عليهما السلام ومنهم: ميثم التمار، رشيد الهجري، محمد بن ابي
بكر وصعصعة بن صوحان وغيرهم من اصحاب الفداء والشهداء، او اصحاب
ابي عبد الله الحسين في واقعة الطف، عندما تجلى الولاء للعقيدة
ليتكرس بالشهادة التي اصبحت عنوانا ازليا لثورة كونية غيرت حركة
التاريخ باتجاه توثيق الانتصار للحق ممهورا بالدماء الزاكيات، في
حين يمثل الاتجاه الثاني الولاء القبلي في تبنية لمثل منحطة تقوم
على المصلحة الانية المنسلخة عن مفهوم العقيدة السماوية، وحركتها
الرسالية، فعمر بن سعد الذي تخلى عن آخرته لصالح حالة دنيوية
زائلة، قد يحصل عليها او لا وهي الوعد بولاية الري، يمثل حالة
صارخة في الولاء المعاكس للعقيدة السماوية عبر تبنيه قيما دنيوية
منحطة، فهو وان كان يبدو للبعض مخلصا لسيده الا انه يكشف عن قصور
عقائدي عميق، فالاخلاص للسيد لا يمنع من استعمال العقل واستحضار
القيم العليا بدلا من التشبث بمفاهيم تتجرد عن القيم الرسالية،
وهنا وفي حسابات الربح والخسارة تنكشف خسارة ابن سعد لكل شيء حتى
وان حصل على ما يريد من مردود دنيوي اذا قارناه في المعيار المادي
بدم الشهادة، ومعناها الفلسفي والكوني.
الوعي و الولاء
لاشك ان الوعي يلعب دورا كبيرا في ترسيخ الايمان، فالايمان
بالله هو الذي يحرر الانسان من قيود الجمود الفكري والانتماءات
الضيقة، والايمان يعطي الانسان معنى لادراك قيمة الوجود من خلال
الارتباط بالسماء والوعي قيمة تراكمية ترافق الايمان في مراحل
تطوره، وتفهم من خلال رؤيا ابستمولوجية يتداخل فيها الموقف الديني
والاخلاقي والاجتماعي لتنصهر في بوتقة العقيدة مشكلة بالتالي
مدركات الولاء ومحددة الاتجاه الذي يسيرعليه، وهو يرتبط ارتباطا
وثيقا بقدرة الانسان والامة على التغيير، فالمشيئة الالهية في
التغيير ترتبط بقدرة الانسان نفسة باعتباره صانعا للتاريخ: (إن
الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم) الرعد/11، ويمكن
اعتبار حركة انتقال الحر الرياحي من معسكر يزيد بن معاوية الى
معسكر الامام الحسين عليه السلام تعبيرا حقيقيا ومصداقا لذلك، وهو
يمثل قيمة العقل والوعي الادراكي للحدث، كما انه يمثل فهما واعيا
لشكل العقيدة، ومفاهيمها في تقييم الموقف، ففي لحظة نضج الوعي
الادراكي للحر الرياحي، تنكشف لديه حقيقة مواقف الولاء وقيمها بين
ان يكون رساليا او غير رسالي، فكان الوعي دليلا للعبور من حالة
النكوص والتدني، في الموقف الى تجليات الرفعة الولائية للعقيدة
المتمثلة بالامام الحسين بن علي عليهما السلام وهوبذلك قدم انموذجا
عقلانيا للانسان المدرك لقيمة الانتماء لله باعتباره صانعا
للتاريخ، ومؤشرا لمسؤولية الانسان في تحقيق الخلافة المنشودة على
الارض، ومن جانب اخر فان الولاء الحقيقي يشكل قيما اخلاقية ترتب
العلاقة الاجتماعية من منظور العبودية لله الواحد لتكسب الامة
اندفاعا نحو الغاية من وجودها.
الرأي الآخر للدراسات – لندن
المملكة المتحدة – لندن
albayatiws@hotmail.com |