يقول الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في زيارة ابي عبد
الله الحسين صلوات الله عليه:
اَلْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ الْعَظيمِ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ
اَيُّهَا الْعَبْدُ الصّالِحُ الزَّكيُّ اُودِعُكَ شَهادَةً مِنّي
لَكَ تُقَرِّبُني اِلَيْكَ فِي يَوْمِ شَفاعَتِكَ، اَشْهَدُ
اَنَّكَ قُتِلْتَ وَلَمْ تَمُتْ بَلْ بِرَجاءِ حَياتِكَ حَيِيَتْ
قُلُوبُ شيعَتِكَ، وَبِضِياءِ نُورِكَ اهْتَدَى الطّالِبُونَ
اِلَيْكَ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ نُورُ اللهِ الَّذي لَمْ يُطْفَأْ
وَلا يُطْفَأُ اَبَداً، وَاَنَّكَ وَجْهُ اللهِ الَّذي لَمْ
يَهْلِكْ وَلا يُهْلَكُ اَبَداً، وَاَشْهَدُ اَنَّ هذِهِ
التُّرْبَةَ تُرْبَتُكَ، وَهذَا الْحَرَمَ حَرَمُكَ، وَهذَا
الْمَصْرَعَ مَصْرَعُ بَدَنِكَ لا ذَليلَ وَاللهِ مُعِزُّكَ وَلا
مَغْلُوبَ وَاللهِ ناصِرُكَ، هذِهِ شَهادَةٌ لي عِنْدَكَ اِلى
يَوْمَ قَبْضِ روُحي بِحَضْرَتِكَ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
يستشهد الامام الحسين عليه السلام فى مثل هذه الايام بعد أن
ألقى على الأمة الاسلامية دروسا خالدة ما بعدها دروس: دروسا فيها
عز الدنيا و سعادة الآخرة،، فيها طمأنينة النفس و راحة الضمير،
فيها الوصول الى الحق و الزلفى الى الله تعالى، فيها كل ما يؤدى
بالفرد و المجتمع الى ذروة الكمال. فالحسين مدرسة لكلّ المستضعفين
في ثورتهم على المستكبرين.والحسين إمام لكلّ العاملين على إقامة
حكم الحقّ واالعدل لذلك خطر لي أن أثبت هُنا هذه الابيات المناسبة
للمقام مِن القصيدة العينية للجواهري:
فداء لمثواك من مضجع * تنور بالأبلج الأروع
بأعبق من نفحات الجنان * روحا ومن مسكها أضوع
ورعيا ليومك يوم الطفوف * وسقيا لأرضيك من مصرع
وحزنا عليك بحبس النفوس * على نهجك النير المهيع
وصونا لمجدك من أن يذال * بما أنت تأباه من مبدع
ويا عظة الطامحين العظام * للاهين عن غدهم طلع
تعاليت من مفزع للحتوف * وبورك قبرك من مفزع
تلوذ الدهور فمن سجد * على جانبيه ومن ركع
شممت ثراك فهب النسيم * نسيم الكرامة من بلقع
وعفرت خدي بحيث استراح * خد تفرى ولم يضرع
وحيث سنابك خيل الطغاة * حالت عليه ولم يخشع
وخلت وقد طارت الذكريات * بروحي إلى عالم ارفع
وطفت بقبرك طوف الخيال * بصموعة الملهم المبدع
كأن يدا من وراء الضريح * حمراء مبترورة الإصبع
نعم تمتاز نهضة الامام الثائر الحسين بن علي عليه السلام عن
بقية النهضات والثورات أنها كانت نهضة دينية بحتة لا يشوبها شائبة
الملك والسلطنة وما شابهها من الاغراض الدنيوية الرخيصة. لقد شاء
الله تعالى أن يثور سيد الشهداء ضد الطغيان لاعلاء كلمته وابقاء
شريعتة، فقام ناهضا في سبيل انفاذ أمره عزوجل، وضحى بدمه الزاكي
ودماء الطيبين من ذريته وذويه وأصحابه.
كان أوّل من أتى على ذكر الحسين (ع) بعد فاجعة كربلاء هو
الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، فقد زار قبر سيّد
الشهداء، وهناك ذرف دموعاً سخينةً صادقةً. وانقلبت تلك الدموع
عاصفةً على مرّ التاريخ. كان الذين يجهلون قدر هذه الدموع، يردّدون
أقوال اليزيديّين، في ذمّها وذمّ صاحبها.
ولكن.. في آتي الأيّام، سيتّجه عشّاق درب الحسين نحو كربلا، حيث
يذرفون الدموع، ويؤدّون مناسك الشهادة، ويصونون دم الحسين حيّاً
مشتعلاً بالثورة، ويصونون درس الشهادة ناطقاً للأجيال القادمة، فلا
ينسى الناس ثورة أبي الثوار الحسين عليه السلام، على الظلم
والظالمين..
لهذا، ولهذا وحده كان بنو أميّة وبنو العباس يحظرون زيارة قبر
الحسين (ع) وقبور الشهداء الآخرين. ولكن.. فرغماً عن سعي الأعداء
والأجراء، فقد ارتفع على أرض كربلاء صرح عظيم، وأقيمت على تربة
الشهداء بيوت خالدة للعبادة، وبقي نور الشهادة مشعّاً على مدى
الأزمان، وبقي عهد الشهادة نشيداً يتردّد في الأسماع. وعن جعفر بن
محمد عليه السلام قال: الحسين عليه السلام للنبي صلى الله عليه
وسلم: يا رسول الله ما لمن زارنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه:
من زارني حيا وميتا أو زار أباك حيا وميتا أو زار أخاك حيا وميتا
كان حقيقا على الله أن يستنقذه يوم القيامة.
يقول الامام المهدى عليه السلام في زيارة الناحية المقدسة:
أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ أقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ،
وَأَمَرْتَ بِالمَعرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ
والعُدْوَانِ، وأطَعْتَ اللهَ وَمَا عَصَيْتَهُ، وتَمَسَّكْتَ بِهِ
وَبِحَبلِهِ، فأرضَيتَهُ وَخَشيْتَهُ، وَرَاقبتَهُ واسْتَجَبْتَهُ،
وَسَنَنْتَ السُّنَنَ، وأطفَأْتَ الفِتَنَ.وَدَعَوْتَ إلَى
الرَّشَادِ، وَأوْضَحْتَ سُبُل السَّدَادِ، وجَاهَدْتَ فِي اللهِ
حَقَّ الجِّهَادِ، وكُنْتَ لله طَائِعاً، وَلِجَدِّك مُحمَّدٍ (
صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِه ) تَابِعاً، وَلِقُولِ أبِيكَ
سَامِعاً، وَإِلَى وَصِيَّةِ أخيكَ مُسَارِعاً، وَلِعِمَادِ
الدِّينِ رَافِعاً، وَللطُّغْيَانِ قَامِعاً، وَللطُّغَاةِ
مُقَارِعاً، وللأمَّة نَاصِحاً، وفِي غَمَرَاتِ المَوتِ سَابِحاً،
ولِلفُسَّاقِ مُكَافِحاً، وبِحُجَجِ اللهِ قَائِماً، وللإِسْلاَمِ
وَالمُسْلِمِينَ رَاحِماً، وَلِلحَقِّ نَاصِراً، وَعِنْدَ البَلاءِ
صَابِراً، وَلِلدِّينِ كَالِئاً، وَعَنْ حَوزَتِه مُرامِياً.
تَحُوطُ الهُدَى وَتَنْصُرُهُ، وَتَبْسُطُ العَدْلَ وَتنْشُرُهُ،
وتنْصُرُ الدِّينَ وتُظْهِرُهُ، وَتَكُفُّ العَابِثَ وتَزجُرُهُ،
وتأخُذُ للدَّنيِّ مِنَ الشَّريفِ، وتُسَاوي فِي الحُكْم بَينَ
القَويِّ والضَّعِيفِ. كُنْتَ رَبيعَ الأيْتَامِ، وَعِصْمَةَ
الأنَامِ، وَعِزَّ الإِسْلامِ، وَمَعْدِنَ الأَحْكَامِ، وَحَلِيفَ
الإِنْعَامِ، سَالِكاً طَرائِقَ جَدِّكَ وَأبِيكَ، مُشَبِّهاً في
الوَصيَّةِ لأخِيكَ، وَفِيَّ الذِّمَمِ، رَضِيَّ الشِّيَمِ،
ظَاهِرَ الكَرَمِ، مُتَهَجِّداً فِي الظُّلَمِ، قَويمَ
الطَّرَائِقِ، كَرِيمَ الخَلائِقِ، عَظِيمَ السَّوابِقِ، شَرِيفَ
النَّسَبِ، مُنِيفَ الحَسَبِ، رَفِيعَ الرُّتَبِ، كَثيرَ
المَنَاقِبِ، مَحْمُودَ الضَّرَائِبِ، جَزيلَ المَوَاهِبِ.
حَلِيمٌ، رَشِيدٌ، مُنِيبٌ، جَوادٌ، عَلِيمٌ، شَدِيدٌ، إِمَامٌ،
شَهِيدٌ، أوَّاهٌ، مُنِيبُ، حَبِيبٌ، مُهِيبٌ. كُنْتَ للرَّسُولِ (
صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ ) وَلَداً، وَللقُرآنِ سَنَداً،
وَلِلأمَّةِ عَضُداً، وفي الطَّاعَةِ مُجتَهِداً، حَافِظاً للعَهدِ
والمِيثَاقِ، نَاكِباً عَن سُبُل الفُسَّاقِ، وبَاذلاً
للمَجْهُودِ، طَويلَ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، زاهِداً في الدُّنيَا
زُهْدَ الرَّاحِلِ عَنْها، نَاظِراً إِلَيها بِعَينِ
المُسْتَوحِشِينَ مِنْها. آمَالُكَ عَنْها مَكفُوفَةٌ، وهِمَّتُكَ
عَنْ زِينَتِهَا مَصْرُوفَةٌ، وَأَلحَاظِكَ عَن بَهْجَتِهَا
مَطْرُوفَةٌ، وَرَغْبَتِكَ فِي الآخِرَة مَعرُوفَةٌ، حَتَّى إِذَا
الجَورُ مَدَّ بَاعَهُ، وأسْفَرَ الظُّلْمُ قِنَاعَهُ، وَدَعَا
الغَيُّ أتْبَاعَهُ.
الحسين (ع) واستحباب التعزيه له و البكاء عليه في مصادر اهل
السنه والجماعه
أخرج الترمذي عن ابن عمر: أن النبي (ص) قال: إن الحسن والحسين
ريحانتاي من الدنيا.
أخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي بكرة: أن النبي (ص) قال: إن
ابني هذين ريحانتاي من الدنيا.
أخرج الترمذي وابن حبان عن أسامة بن زيد: أن النبي (ص) قال:
هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما وأحب من يحبهما.
أخرج الطبراني عن عقبة بن عامر: أن النبي (ص) قال: الحسن
والحسين سيفا العرش وليسا بمعلقين.
أخرج البخاري في الأدب المنفرد، والترمذي وابن ماجة عن يعلي بن
مرة: أن النبي (ص) قال: حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحب حسينا،
الحسن والحسين سبطان من الأسباط.
أخرج أحمد وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة: أن النبي (ص) قال:
من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني.
أخرج الطبراني عن عائشة أن النبي (ص) قال: أخبرني جبرئيل، أن
ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن
فيها مضجعه.
أخرج أبو داود والحاكم عن أم الفضل بنت الحرث أن النبي (ص) قال:
أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا - يعني الحسين -
وأتاني بتربة حمراء.
أخرج البغوي في معجمه من حديث أنس أن النبي (ص) قال: استأذن ملك
القطر ربه أن يزورني فأذن له، وكان في بوم أم سلمة، فقال رسول الله
(ص): يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل أحد، فبينما هي على
الباب إذ دخل الحسين، فاقتحم فوثب على رسول الله (ص) فجعل رسول
الله (ص) يلثمه ويقبله، فقال له الملك: أتحبه؟ قال: نعم، قال
الملك: إن أمتك ستقتله، وإن شئت أريك المكان الذي يقتل فيه، فأراه،
فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمه فجعلته في ثوبها.
قال ثابت: كنا نقول أنها كربلاء.
وأخرجه أيضاً أبو حاتم في صحيحه وروى أحمد نحوه.
وروى عبد الرحمن بن حميد وابن أحمد نحوه أيضاً، لكن الملك فيه
جبريل، فإن صح فهما واقعتان. وزاد التاني أيضاً أنه (ص) شمها وقال:
ريح كرب وبلاء. والسهلة بكسر أوله رمل خشن ليس بالدقاق الناعم. وفي
رواية الملا وابن أحمد زيادة في المسند ما قالت: ناولني كفاً من
تراب أحمر، وقال: هذا من تربة الأرض التي يقتل بها، فمتى صارت دماً
فاعلمي أنه قد قتل. قالت أم سلمة: فوضعته في قارورة عندي وكنت
أقول: إن يوماً يتحول فيه دماً ليوم عظيم. وفي رواية عنها: فأصبته
يوم قتل الحسين وقد صار دماً.
وفي أخرى: ثم قال - يعني جبرئيل -: ألا أريك تربة مقتله؟ فجاء
بحصيات فجعلهن رسول الله (ص) في قارورة، ثم قالت أم سلمة: فلما
كانت ليلة قتل الحسين سمعت قائلاً يقول:
أيها القاتلون جهلاً حسينا أبشروا بالعذاب والتذليل
قد لُعنتم على لسان ابن داو د وموسى وحامل الإنجيل
قال: فبكت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دماً.
أخرج الترمذي أن أم سلمة رأت النبي (ص) باكياً وبرأسه ولحيته
التراب فسألته فقال: قتل الحسين آنفاً.
(اقول معلقا على هذا الحديث الشريف ما احرى بالمسلمين من غير
الشيعة ان يستنوا بسنة رسول الله (ص) فيبكون ويقيمون العزاء في
عاشوراء).
يحدث عمر بن سليمان عن الاعمش، عن سعيد بن جبير قال: كان ملك من
الكروبيين يقال له فطرس بعثه الله مبعثا فأبطأ وكان يسرح مع
الملائكة، فكسر الله جناحه وطرحه في جزيرة من جزائر البحر، فلما
كان صبيحة ولد الحسين بن علي بعث الله جبريل مع ألف من الملائكة
إلى النبي صلى الله عليه يهنئه بولادة الحسين، فمر جبريل بذلك
الملك - وكان بينهما خلة - فقال: يا روح الله الامين أين تريد ؟
فقال: أريد النبي التهامي وهب الله له مولودا في هذه الليلة
لاهنئه. فقال له: ألا تحملني معك لعله أن يسأل ربه أن يرد علي
جناحي فأسرح مع الملائكة كما كنت أسرح. فحمله معه، ثم أتى النبي
صلى الله عليه فهنأه بولادة الحسين ثم قال له: يا محمد هذا ملك من
الكروبيين بعثه الله مبعثا فأبطأ فكسر الله جناحه ثم طرحه في جزيرة
من جزائر البحر، وهو يسألك أن تسأل ربك أن يرد عليه جناحه فيسرح مع
الملائكة كما كان يسرح. فقام النبي صلى الله عليه فصلى ركعتين ودعا
والحسين ملتف في خرقة، ثم قال له: قم فامسح جناحك على هذا المولود.
فقام فمسح جناحه، فرد الله عليه جناحه، فنهض الملك يسرح، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: أين تريد ؟ فقال: أسرح مع الملائكة كما
كنت أسرح. فقال النبي صلى الله عليه: ان جبريل أخبرني بقتل ابني
هذا واني سألت الله أن يجعلك خليفتي عند قبره، فلا يزوره زائر ولا
يصلي عند قبره مصل الا أخبرتني بذلك لتأتيه بشارة مني، فهو عند
قبره إلى يوم القيامة، ولا يزوره زائر ولا يصلي عليه أحد الا أتاه
بذلك.
عن الربيع بن منذر الثوري، عن أبيه قال: سمعت الحسين بن علي
يقول: من دمعت عيناه فينا دمعة أو قطرت عيناه فينا قطرة أثواه الله
بها في الجنة حقبا.
روي عن أُمّ المؤمنين ام سلمة رضي الله عنها أنـّها قالت:
خرج رسولالله صلّي الله علیه وآله من عندنا ذات ليلة
فغاب عنّا طويلاً، ثمّ جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت
له: يا رسول الله، ما لي أراك أشعث مغبراً؟ فقال: أُسري
بي في هذا الوقت إلی موضع من العراق يقال له كربلا فرأيت
فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلمأزل
ألقط دماءهم فها هي في يدي، وبسطها إلی فقال: خذيها واحتفظي
بها. فأخذتُها فإذا هي شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة
وشددت رأسها واحتفظت بها. فلمّا خرج الحسين علیه السلام من
مكّة متوجّهاً نحو العراق كنت أُخرج تلك القارورة في كلّ
يوم وليلة فأشمّها وأنظر إليها ثمّ أبكي لمصابه، فلمّا كان
اليوم العاشر من المحرّم وهو اليوم الذي قُتل فيه الحسين
علیه السلام أخرجتها في أوّل النهار وهي بحالها، ثمّ عُدت
إليها آخر النهار فإذا هي دمٌ عبيطٌ.
وروي عن محمّد بن سيرين (من مشايخ السنة) قال: لَمْ تُرَ
هذه الحُمرة في السماءِ إلاّ بعد قَتْلِ الحسينِ علیه السلام.
وروي سعد الإسكاف، قال: قال أبو جعفر علیه السلام:
كَانَ قَاتِلُ يَحْيَي بْن زَكَرِيَّا وَلَدَ زِناً،
وَقَاتِلُ الْحُسَيْنِ بْنِ علی وَلَدُ زِناً وَلَمْ يَحْمَرَّ
السَّمَاءُ إِلاَّ لَهُمَا.
وروي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة (من محدثي السنة)عَنْ علیّ
بْنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ الْحُسَيْنِ علیهِ
السَّلاَمُ فَمَا نَزَلَ مَنْزِلاً وَلاَ ارْتَحَلَ مِنْهُ إِلاَّ
ذَكَرَ يَحْيَيبْنَ زَكَرِيَّا وَقَتْلَهُ. وَقَالَ يَوْماً:
وَمِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا علی اللَهِ أَنَّ رَأْسَ يَحْيَيبْنِ
زَكَرِيَّا أُهْدِيَ إلی بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي
إسْرَائِيلَ.
و ابن تيمية على الرغم من نصبه وعداوته لاهل البيت عليهم السلام
وشيعتهم يعترف بقوله: والحسين رضي الله عنه قتل مظلوماً شهيداً،
وقتلته ظالمون معتدون. والحسين رضي الله عنه أكرمه اللهُ تعالى
بالشهادةِ في هذا اليوم (أي يوم عاشوراء)، وأهان بذلك مَن قتله أو
أعان على قتلِه أو رضيَ بقتلِه، وله أسوةٌ حسنةٌ بِمَن سبقه من
الشهداء؛ فإنَّه (هو) وأخوه سيِّدَا شباب أهل الجَنَّة، وكانا قد
تربَّيَا في عزِّ الإسلامِ، لَم ينالاَ من الهجرة والجهاد والصَّبر
على الأذى في الله ما ناله أهلُ بيتِه، فأكرمهما اللهُ تعالى
بالشَّهادةِ تكميلاً لكرامتِهما، ورَفعاً لدرجاتِهما. وقتلُه
مصيبةٌ عظيمةٌ، والله سبحانه قد شرع الاسترجاعَ عند المصيبة بقوله:
{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ } )).
واقول ماقاله الله تعالى (ستكتب شهادتهم ويسالون).
ثورة الحسين النبراس الخالد
إن ثورة الحسين (عليه السلام) لم تكن ثورة وقتية لتموت بعد
زمان، وإنما كانت ثورة الحق ضد الباطل، وثورة العدالة ضد الظلم،
وثورة الإنسانية ضد الوحشية، وثورة الهداية ضد الضلال، ولذا كان من
الضروري، امتداد هذه الثورة مادامت الدنيا باقية، ومادام يتقابل
جيشا الحق والباطل والهداية والضلالة، وهذا هو سرّ تحريض الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الكرام المسلمين على الاحتفال
بذكرى عاشوراء طول الدهر، ومنه اتخذ المسلمون مجالس العزاء
والحفلات التأبينية بمختلف أشكالها، طول الزمان، وإلى هذا يشير ما
ينقل من أنه: (كل يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء).
لم تكن المشكلة التي ثار لأجلها الإمام الحسين (ع) مشكلة تسلّط
الحاكم الجائر فحسب بل كانت مشكلة ضياع الأحكام الشرعية والمفاهيم
الإسلامية. فكان المخطط الأموي يقضي بوضع الأحاديث المدسوسة وتأسيس
الفرق الدينية التي تقدّم تفسيرات خاطئة ومضلّلة تخدم سلطة
الأمويين وتبرِّر أعمالهم الإجرامية، ومن هذه المفاهيم الخاطئة
التي روّج لها المشروع الأموي: الاعتقاد بأن الإيمان حالة قلبية
خالصة لا ترتبط بالأفعال وإن كانت هذه الأفعال إجرامية.. لأنه لا
تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. الاعتقاد بالجبر:
لذا قال معاوية عن بيعة يزيد مبرّراً: "إن أمر يزيد قضاءٌ من قضاء
الله وليس للناس الخيرة من أمرهم". الاعتقاد بأن التمسك بالدين في
طاعة الخليفة مهما كانت صفاته وأفعاله. وأنّ الخروج عليه فيه شقّ
لعصا المسلمين ومروق عن الدين.. لذلك أدرك الإمام الحسين خطورة
المشروع الأموي على الاسلام. فكان لا بد له من القيام بدوره الالهي
المرسوم له لينقذ الأمة من هذا المخطط المدمّر. فوقف في وجه يزيد
فاضحاً أكاذيب الدولة الأموية حتى قضى شهيداً في سبيل إعلاء كلمة
الله تعالى. وقد تركت شهادته بما تحمله من طابع الفاجعة صدمة قوية
في نفوس المسلمين أيقظتهم من غفلتهم وأعادت الأمور الى نصابها ولم
يعد يزيد ومن جاء بعده سوى مجرمين مغتصبين للخلافة لا يمثلون
الاسلام في شيء. فثورة الأمام الحسين (ع) ثورة نادرة، امتازت بها
الأمة الاسلامية دون سائر الأمم. ولو كانت لبقية الأمم لاستدرّت
منها طاقات تؤهّلها للسيطرة على الأرض. ولكن الأمة الاسلامية
تبخسها لهبوط مستوى الوعي في قيادتها، فلا تستفيد منها بالمقدار
الممكن ورغم أنها تهدر هذه الطاقات المعنوية الهائلة يجب عليها
إبقاء هذه الثورة حيّة طريّة في واقعها، عسى أن تؤوب إلى رشدها في
يوم من الايام، فتستنتج مواهبها لبناء كيانها من جديد. |