أطلق الكلدانيون على المعبد الذي يتوسط رستاق ـ الناحية ـ
نينوى ورستاق عقر بابل اسم (كرب ايلا) ومعناه بالآرامية ـ حرم
الأله ـ أما مؤرَّخو الفرس فقد كان لهم رأي وهو ان لفظة ـ
كاربالاـ بمعنى محل العبادة والصلاة، وكانت من أعمال طسج النهرين
أي قضاء النهرين لوقوع هذه الأراضي بين خندق سابور ونهر بلاكوباس ـ
أي نهر الفرات القديم ـ وكان هذا الطسج خاضعاً إلى الاستانة المسمى
بهقباد الأوسط أي الولاية الوسطى. وبعد أن فتح المسلمون العراق سنة
14 هـ. بقيادة سعد بن أبي وقاص بعث عامله خالد بن عرفطة مع فيلق من
جيشه فدخل كربلاء وفتحها عنوة ثم اتخذها مقراً لجيشه، وبعد ان شيّد
المسلمون مدينة الكوفة عام 17هـ. رحل الجيش عنها.
ثم أستبدل المسلمون اسم الاستانة إلى كور بابل ـ وبمرور الزمن
تم تخفف لفظة كرب ايلا إلى لفظة كربلاء وأصبحت مسلمة تابعة لكور
بابل بعد هذة التطورات سكنها بعض القبائل العربية ممتهنين الزراعة
في ضياعها لكثرة العيون التي كانت منتشرة في أطرافها وخصوبة
تربتها. أما أسمائها في التأريخ
فلم يرد ذكر لكربلاء باسم الحائر أو الحير من قبل وقعة الطف أو
أثناء هذه الوقعة،أو بعدها بزمن يسير. إذ ان الأحاديث النبوية
المنبئة بقتل الحسين(عليه السلام) بأرض العراق تضمنت كل الأسماء
عدا اسم الحائر. فمنها ما ورد فيه اسم كربلاء واسم نينوى، وأرض
الطف، وشط الفرات، وشاطئ الفرات، ولا واحد منها ورد فيه اسم الحائر
أو الحير مع أنها جاءت بأسماء هذه الأرض كلها. يقول اللغويين:
(والحير بالفتح، شبه الحضيره، والحمى، والبستان، منه الحير
بكربلاء.
وفي أخبار الإمام الصادق عليه السلام نجد اسم الحير في أوائل
القرن الثاني من الهجرة، وقد رأينا فيما سبق أن الطبري في حوادث
سنة 193 يعبر عن كربلاء أيضا بهذا الاسم في أواخر هذا القرن، ولكن
لم يقدر له البقاء طويلاً على ما يظهر كما قدر لاسم الحائر فانقرض
استعمال هذا الاسم وزال مع الزمن إذ لم يعد له ذكر بعد القرن
الثالث والرابع من الهجرة.
وروى الطبري في تأريخه عند ذكر حوادث سنة 12 هـ قال : خرج خالد
بن الوليد وسلك الفلوجة حتى نزل كربلاء
وهكذا أخذت كربلاء بالتوسع والازدهار ذلك لخصوبة تربتها وكثرة
العيون المنتشرة في أرجائها ـ والحضارة التي سادت كانت هي الحضارة
العربية لان الأقوام الذين سكنوها كلهم عرب كانوا يعولون على
الزراعة، ولاتها كانت تتوسط المدينتين العظيمتين الحيرة ذات القصور
عاصمة المناذرة وعين التمر البلدة العامرة ومن حولها قراها
العامرة. وقد عرفت ببلدة العين التي كانت أهم صادرتها التمر، وكان
يومئذ بدء نزول القوافل العربية أرض العراق وسكناهم بها واتخاذهم
خط الحيرة، وعين التمر، الأنبار منزلاً لهم. وذلك على امتداد نهر
الفرات الذي كان يدعى بنهر ـ بالاكوباس ـ واخيراً عرف بنهر
العلقمي. كان يجري في الجنوب الغربي ماراً بطف كربلاء ويذكر النوير
ي في كتابه ـ بلوغ الأدب في فنون الادب ـ قال ان الفرات بعد أن يمر
بهيت ويتجاوز الانبار ينقسم إلى قسمين ثم يأخذ نحو الجنوب الغربي
قليلاً وهو المسمى بالعلقمي ذهب فريق من المؤرخين إلى أن القسم
المحاذي لطف كربلاء قد كلف بحفره رجل من بني علقمة بطن من تميم ثم
من دارم جدهم علقمة بن زراره بن عدس فسمى النهر بالعلقمي.حيث كان
نهر الفرات الذي أطلق عليه مؤرخو العرب المسلمين المتأخرين. نهر
العلقمي كان آثار النهر ظاهرة حتى العصور المتأخرة ثم أندثر عندما
فتح السلطان سليمان القانون سنة 940 هـ نهر السليمانية ـ الذي يطلق
عليه اليوم (الحسينية).
ومما جاء عن الحركة التجارية في كربلاء بعد واقعة الطف ما رواه
سبط ابن الجوزي عن السدي بانه قال: نزلت بكر بلاء ومعي طعام
للتجارة، فنزلنا على رجل فتعشينا عنده، وتذاكرنا قتل الحسين(عليه
السلام)، وقلنا: ما شرك أحد في دم الحسين(عليه السلام)الا ومات
أقبح موتة. فقال الرجل: ما أكذبكم ! انا شركت في دمه، وكنت فيمن
قتله وما أصابني شيء. فلما كان آخر الليل اذا بصياح، قلنا ما
الخبر؟ قالوا: قام الرجل يصلح المصباح فاحترقت اصبعه ثم دب الحريق
في جسده فاحترق. قال السدي : فأنا والله رأيته كأنه حممه.
ويروي الشيخ المفيد قدس سره في كتاب (الارشاد) حديثاً مفاده أن
الامام علي(عليه السلام) عند توجهه الى صفين عام 36 هـ بلغ طف
كربلاء فأخذ ينظر يميناً وشمالاً ثم استعبر وقال : هذا مناخ ركابهم
وموضع قتلهم فسئل ما هذا الموضع؟ فأجاب (عليه السلام): هذه كربلاء
يقتل فيها قوم يدخلون الجنة بغير حساب ثم سار الامام علي(عليه
السلام) دون ان يعرف الناس تأؤيل حديثه حتى كان أمر الحسين(عليه
السلام) وقد مر من كربلاء سنة 61 هـ/680 م وخيم فوق أرضها. |