هناك مناسبات إسلامية كبرى أوجدها الله تعالى لتذكير المسلمين
بأنهم امة واحدة ، وان التفرق والتشتت حالات طارئة يجب التخلص منها
، في حين ان الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق هو المطلوب منهم في كل
عصر ومصر، ومن هذه المناسبات الحج حيث يجتمع الشيعي والسني والزيدي
والاباضي والظاهري على صعيد واحد وفي أيام محددة وبلباس واحد
يدعون ربا واحدا آخذين مناسكهم من نبي واحد ، وإذا حدث أن عاد
هؤلاء الى بلدانهم متفرقين متشتتين فذلك سوء تدبير كبير وإضاعة
فرصة وتقصير ، وواقعة كربلاء والذكريات الأليمة المرتبطة بها هي
الأخرى مناسبة كبرى للمسلمين كي يتوحدوا وينسوا خلافاتهم خاصة
وانهم متفقون على أن الامام الحسين عليه السلام يمثل الحق المحض
ويزيد بن معاوية يمثل الباطل المحض، وان خروج الامام كان لطلب
الاصلاح في امة محمد صلى الله عليه واله وليس لاصلاح فئة او مذهب
أو فرقة، ونحن نعيش هذه الأيام الذكرى الأليمة لاستشهاده عليه
السلام مع كوكبة مؤمنة من الرجال قلما يجود الزمان بمثلهم ، وقد
أراد الله تعالى لهذه النهضة المباركة ان تبقى حية وتستمر في ضمير
الأمة حتى وصلت أصداءها الآن الى بلاد الغرب كافة إذ لا نجد مدينة
غربية تخلوا من ذكر الحسين وبلغات عالمية مختلفة .
ونحن كأمة جعلنا نهضة الحسين عرضة للإفراط والتفريط بدل
الاستفادة منها في توحيد الصفوف وجمع الأمة على كلمة سواء ،
فالحسين ليس إماما لمذهب ولا رئيس فرقة إنما هو سيد شباب أهل الجنة
وإمام الأمة ولا يحق لجماعة ان تحتكره لنفسها كما ليس من الإنصاف
قيام جماعة أخرى بالتفريط في أمره حتى تنساه تماما وتقلل من أهمية
نهضته وتدعو الى إخماد ذكره وتساوي قدره مع باقي الناس .
ولكي لا يقال بان الحسين بُعث لأناس غير أناسه وبُعث لزمان غير
زمانه على الجميع ان يستفيد من تضحياته ونهضته التوحيدية ،
والاستفادة منه في تجاوز الأخطار وبناء المجتمع الإسلامي المثالي
وتقديمه كنموذج للعالم اجمع حتى يقال بان المسلمين لم يضيعوا
آثار التضحيات الجسام التي قدمها الامام وأصحابه في واقعة كربلاء.
فالامام الحسين ليس موضع خلاف وإنما هو موضع مبارك لتوحيد
الأمة، لاسيما انه لم يخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرج لطلب الاصلاح
في امة جده، والأمة تضم جميع أطياف المجتمع كما ان جيش الامام ضم
التركي والعربي والعثماني والعلوي والكوفي والحجازي ، واختلطت
دماءهم الزكية في يوم عاشوراء لتسجل أعظم ملحمة عرفها التاريخ.
و يجب ان تتظافر جهودنا ايضا لتقديم رسالة الحسين الى المسيحي
واليهودي والبوذي والهندوسي علما بان الامام موجود في أدبيات هذه
الأديان وقد أشاد بثورته الكثير من رجالات العالم ينتمون الى مختلف
الاتجاهات الفكرية والدينية ، فالحدث عالمي ويجب ان نرقى به الى
مستواه اللائق به ، فالحسين ليس البكاء البحت ولا لبس السواد فحسب
بل هو التضحية والبذل والعطاء مع انه ما بُكي مثله في التاريخ ولم
يُرث احد مثله قط سابقا ولاحقا .
نعم نحن لم نستفيد من نور الحسين بالصورة الصحيحة لاسيما ان خطه
هو خط رحمة ومحبة وسلام وحركته حركة سلمية وانه لم يبدأ القوم
بقتال ولم يأمر أصحابه بالبقاء معه للذود عنه بل انه أذن لهم
بالتفرق عنه في جنح الظلام على ان يأخذ الواحد منهم بيد واحد من
أهل بيته وطلب ان يتركوه وحيدا مع القوم معطيا للإنسانية درسا
بليغا وموقفا عمليا في حقن الدماء .
ان هذه الحركة السلمية التي حولها أعداءه الى دماء وقتل وسلب
ونهب هي نفسها التي اختطها الامام الحسن السبط عليه السلام الذي
حقن دماء المسلمين في صلحه المشهور وهي نفس الحركة التي بدأها
الامام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي عمل المستحيل لتفادي
الحروب المفروضة عليه في الجمل والنهروان وصفين وهي نفس حركة
الرحمة التي ورثها من جده نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة والسلام .
نعم انها حركة الأنبياء والرسل والصالحين وقد توارث هذه الحركة
السلمية أبناءه الأئمة من بعده فلم يدع منهم احد الى عنف أو إيذاء
الآخرين ، فالحسين ارفع شأنا من دنيا يصيبها أو كرسي حكم لا يدوم
لصاحبه فالحسين نور الله والله متم نوره رغم محاولات الطغاة منذ 14
قرنا إطفاء هذا النور الساطع ، فالحسين مثل الحج يتجدد كل عام وفي
كل ارض وبجميع اللغات وبنفس الحرارة والحماس لينادي بأعلى صوت : هل
من ناصر ينصر هذا الدين ؟.
هاهو الحسين يأتي كل عام في محرم يدعو الناس الى التوحد في امة
جده وهذه راياته وأعلامه ترفرف على كل ارض تذكر العالم بشرفه
وكرامته التي حباه الله تعالى بها لتضحيته الفريدة في سبيله ،
ومحرم يذكر العالم كل عام بمصير الطغاة والمتجبرين قديما وحديثا ،
وعلينا ان نهب لنصرته ولا نتقاعس عن نجدته ولا نزيد في مظلوميته
بتحجيم نهضته وتحويلها الى طقوس معينة يتشبث بها البعض وينأى عنها
البعض الآخر .
فسلام عليك سيدي يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا .
aabbcde@msn.com |