لقد انقسم العالم بين حقاً وباطل وبين قاتلاً ومقتول، منذ ان
أقدم قابيل على قتل أخيه هابيل، بغير وجه حق وأصبحت تلك الحادثة
بداية الصراع العالمي، بين الخير والشر واستمرت خطط الاغتيالات
السرية والعلنية ،لا يحدها شيء وراح أبناء الأدعياء يتجرؤون على
الأنبياء وأبناء الأنبياء، بالقتل تارة وبالنفي تارة أخرى.
فبني إسرائيل قد أكثروا القتل في الأنبياء، وراحوا يقتلوهم بدم
بارد ومن ثم يتجولون في الأسواق، وكأن شيء لم يحدث ولم تنتهي سلسلة
القتل، بانتهاء مسيرة الأنبياء بخاتمهم الرسول الأعظم صلى الله
عليه وآله، بل امتدت أياديهم الخبيثة لأبنائه ووصيه عليهم السلام،
فالقتلة من بني إسرائيل استمرت مسيرتهم من خلال أحفادهم، الذين
قادوا المسيرة الإجرامية فكانت خطة نصرانية أموية مشتركة، ودوراً
خفياً من وراء ستار حكومات الطلقاء وأبناء الطلقاء لتنفيذ مشروعهم
الخبيث .
لقد كانت الدولة البيزنطية متغلغلة في حكومة معاوية بن أبي
سفيان، لأقصى حد وقد استعان بها لتمرير اغتيالاته السياسية
المتكررة، لشخصيات ذات نفوذ قوي على الساحة الإسلامية، فهو الذي
استعان بالدولة البيزنطية في قتل الإمام الحسن عليه السلام، فراح
ينسق سياسيا بينه وبين ملك الروم لقتل الإمام الحسن عليه السلام،
وذلك عن طريق إرسال سماً فتاكاً سريع التأثير، فامتنع ملك الروم من
إرسال السم لعلمه بخطر السم فاّلح عليه معاوية وكتب إليه : ((ان
الرجل الذي أريد قتله هو ابن الرجل الذي خرج في أرض تهامة وقد خرج
الان يطلب ملك أبيه )) فأرسل إليه ما أراد .(1) والواضح من هذه
الرواية ان معاوية وملك الروم النصراني، قد جمعهم مشترك واحد وهو
بغض الرجل الذي خرج في أرض تهامة، ويقصد الرسول الأعظم صلى الله
عليه وآله، وجمعهم هدفاً واحد أيضا وهو الاشتراك في التخلص من
أولاد الأنبياء، وهذا يدل على كفر معاوية وابتعاده عن الدين
الإسلامي .
وورث يزيد معاوية واتبع سياسة أبيه الإجرامية، وامتدت علاقاته
مع الروم وتوثقت أكثر من أبيه، وقام معهم بتنفيذ المشروع المشترك
لقتل الأنبياء وأبنائهم عليهم السلام، والمتتبع لحياة يزيد بن
معاوية يلمس التأثير النصراني الرومي عليه، فهو ولد وتربى في
أحضانهم وتشَرب بعقائدهم، فهو ابنهم البار وخادمهم المطيع ، وقد
اشتهر بلعبه الشطرنج وهي لعبة حرمها الإسلام، وهي من التراث
البيزنطي لم يألفها العرب في مكة والمدينة إلا الشام، لأنها كانت
ضمن المستعمرات البيزنطية (2) .
ولا ننسى دور سرجون الرومي النصراني، الذي كان مستشاراً ليزيد
وهو الذي أشار على يزيد ان يعين ابن زياد والياً على الكوفة، من
أجل القضاء على الإمام الحسين عليه السلام ،(3) ولم يكن يزيد فقط
من يحمل الخلفية الرومية البيزنطية، فهناك أيضا ابن زياد الذي كانت
أمه مرجانه مجوسية، عرفت بالبغي وقد فارقها زياد وتزوجها شيرويه
وتربى عبيد الله بن زياد في بيت لم يكن مسلماً (4) .
لقد كانت الدولة الرومانية البيزنطية تشكل خطراً على الدين
الإسلامي، وتستهدفه وبالخصوص أبناء الرسول الأعظم صلى الله عليه
وآله، لأنهم يمثلون الإسلام الصحيح والنقي، فاتبعت خطة للتخلص منهم
واستعانوا في ذلك ببني أمية، وذلك لما اشتهروا به من الخبث
والخيانة، ولا نستبعد ان يكون هناك مخطط أكبر من ذلك للروم، في قتل
الإمام الحسين عليه السلام خصوصاً بعد ان عرفنا، مخطط ملك الروم
المشترك مع معاوية لقتل الإمام الحسن عليه السلام .
وبذلك يتضح لنا ان معركة كربلاء، وإرهاصاتها قد اشترك فيها
الروم وبني أمية ومن تربى في بيوتهم، وكان هدفهم التخلص من الإمام
الحسين عليه السلام، الذي ثار على صنيعتهم يزيد، وأطلقها صرخة
مدوية في العالم قائلاً (( إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ،
ومختلف الملائكة ، وبنا فتح الله وبنا ختم الله ويزيد فاسق شارب
الخمور ، قاتل النفس المحرّمة ومعلن بالفسق ، ومثلي لايبايع مثله
)) .
لقد حدّد الإمام الحسين عليه السلام صفات الحاكم، الذي تجب
الثورة ضده ، فهو الحاكم الذي يشرب الخمور ويسمح بها في البلاد ،
ويركب الفجور ، ويمارس العهر والدعارة ويقتل النفس المحرمة
بالتعذيب أو بالسيف ! وكان يزيد مثالاً لذلك (5) .
أن هذه الصفات التي قالها الإمام الحسين عليه السلام، في يزيد
هي الصفات التي يرضى عنها الروم وتنال استحسانهم، فهي تريد حاكم
ينفذ لها رغباتها ويقتل الإسلام والمسلمين، وحركة الإمام الحسين
عليه السلام هي حركة ثورية ،لإصلاح ما أفسدته بني أمية وأبنائها
الطلقاء، ومن وراءهم الدولة الرومانية التي كانت ومازالت تحارب
الإسلام والمسلمين، والإمام الحسين عليه السلام أراد ان يحق الحق
ويزهق الباطل وذلك واضحاً من خلال قولته الشريفة ((الاترون إلى
الحق لايعمل به ، وإلى الباطل لايتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء
الله محقاً )) .
لقد كان الإمام الحسين النموذج الإلهي الأسمى، ويزيد كان
النموذج الشيطاني الأسوأ ، لقد ظن يزيد وأسياده الروم أنهم بفعلهم
قد محو ذكر الإمام الحسين عليه السلام ،ومنهجه التصحيحي الذي يخالف
فكرهم الإجرامي الأعمى، ولكن الإمام الحسين عليه السلام بقى وسيبقى
في ذاكرة الوجدان الإسلامي الثوري، في ضمائر الأحرار والثوار على
مر العصور، وإلى ان يظهر قائم آل محمد صلى الله عليه وآله ويطهّر
الأرض منهم، ويملئها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أبناء الحسين وعلى
أصحاب الحسين وعلى فكر الحسين الذي أصبح شعلة الثوار في كل زمان
ومكان .
الهوامش
1) مختصر تاريخ العرب
2) عظمة الإمام الحسين (ع) فاضل الفراتي
3) كربلاء بين الحقائق والأوهام
4) عظمة الإمام الحسين (ع) فاضل الفراتي
5) كتاب عاشوراء للسيد هادي المدرسي
alaradimohd@hotmail.com |