(كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء) يمكن تقييم إيجابيتها من خلال
تطلعنا إلى كربلاء لنتابع هذه السيرة التي تميزت بالبطولة بأعلى
درجاتها، وبالمأساة بأقسى مظاهرها، نتطلع إلى هذه النماذج الإسلامية
الطيبة الصالحة التي باعت نفسها لله، من أجل إعلاء كلمة الله، ومن
أجل الإسلام كله... نتطلع إلى ذلك كله ونريد أن نبقى مع عاشوراء في
كل جيل، وفي كل زمان ومكان، وننطلق منها، من خلال أنها الملحمة
الإسلامية التي أعطت الإسلام من كل موقف من مواقف أبطالها، ومن كل
كلمة من كلمات الإخلاص في تاريخها، ومن كل قطرة من دمائها، أعطت
الإسلام حيوية وعمقاً وامتداداً، وأشارت إلى المسلمين في كل جيل إلى
أن يقفوا من خلال وحي كربلاء، التي كانت من وحي الإسلام، أن يقفوا في
مواجهة الاستكبار كله، والظلم كله، فلا يمكن لإنسان يعيش مع الحسين
(عليه السلام) روحه ورسالته أن يقبل ظلم ظالم، أو أن يذل نفسه لأي
مستكبر.
ومن هنا علينا أن نحيي عاشوراء في كل تفاصيل حياتنا، لا أن نعيش
في كربلاء التاريخ فحسب، فإن لكل جيل كربلاءه، ولكل زمن عاشوراءه،
ولكل ساحة من ساحات الصراع نموذجاً للحسين (عليه السلام) ونموذج
ليزيد في مواجهة الحق والباطل. ولذا فإن علينا أن نظل في معركة
الواقع نعيش كربلاء، لا أن تبقى مجرد قصة للتاريخ.
ولذلك فلا بد لكل جيل أن يكتشف الحسين (عليه السلام) في داخله،
وأن يكتشف يزيد في داخله، من أجل أن يقف مع الحسين (عليه السلام) وهو
يتطلع إلى كل الواقع ليقول (ألا ترون أن الحق لا يُعمل به وأن الباطل
لا يتناهى عنه) وليقف مع الحسين ليقول: (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد
ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منّا الذلة) وأن يقف ضد يزيد
وهو يكفر بالله ورسوله ويستحل كل محرم.
لا بد لنا أن نتابع المسيرة العاشورائية بواقعنا بتغيير ما
بداخلنا وأنفسنا إلى الأفضل وإلى قمة الإخلاص، كما أن الحسين (عليه
السلام) انطلق من أجل أن يغير واقع الإنسان في نفسه وحركته، وواقع
المجتمع في حكمه، ليكون الحكم للإسلام صافياً نقياً، كما هو الحسين
(عليه السلام) في صفائه ونقائه.
وعلينا أن نعرف أن الحسين (عليه السلام) إذا لم يكن قد انتصر
مادياً في مرحلته، فقد انتصر على مدى الزمن. ولذلك فلا بد لنا عندما
نواجه كل أعداء الله، وكل أعداء الإنسانية، أن لا نيأس إذا لم تكن
عندنا القوة التي نستطيع بها التغلب عليهم فعلاً، بل علينا أن نخطط،
وأن نحرّك الخطط من أجل أن يأخذ كل جيل من هذه الخطة ما يستطيع أن
ينفذه حتى ننتصر، ولو في المستقبل البعيد.
ولا بد أن يبقى الحق في عقولنا، وقلوبنا، ومواقفنا، وأن نتطلع في
كل مرحلة من المراحل إلى كل الواقع الإسلامي الذي تدور فيه المعركة
بين العزة والذلة، في موقف الإسلام أمام الكفر، أو في موقف
المستضعفين أمام المستكبرين.
وقد قام أبطال عاشوراء، رجالاً ونساءً وأطفالاً، بمسؤوليتهم في
مرحلتهم تلك بأتم وجه وحفظوا نقاء الإسلام وقدموا الدماء الزكية
والأنفس الطاهرة ولم يأخذهم في الله لومة لائم وخطوا مرحلة الابتداء
بثبات ووفاء فما كان من الله جل وعلا إلا أن رفع ذكرهم في العالمين
واصطفاهم وانتجبهم واختارهم لقربه.
فعلينا نحن أن نقوم بمسؤوليتنا في مرحلتنا هذه كل حسب طاقته وأن
نتقمص شخصيات كربلاء كل حسب ظروفه رجالاً من الشيوخ والشباب ونساءً
وأطفالاً وأن نتشبه بهم عسى أن ندرك ولو بعضاً من مزاياهم كما قال
الإمام علي (عليه السلام) (ألا إنكم لا تستطيعون ذلك، ولكن أعينوني
بقوة وسداد...) |