لا أحد يدري كم قربت معركة الطف – كربلاء النفوس اللامؤمنة إلى
ناحية الإيمان لكن ما هو معروف أن جمهور المسلمين المتلهف للاحتفاء
بذكرى فاجعة سيد الشهداء (عليه السلام) هي في حالة ازدياد دائم.
فالمسلمون الحقيقيون حين يحتفوا بذكرى معركة كربلاء الأليمة
يشعرون تماماً أنهم في أداء واجب إلهي يصونون عنه ذكرى عزيزة عبر
إحياء مناسبتها وحتى في الظروف السياسية العصيبة يلاحظ كيف يحتفي
المسلمون المؤمنون بهذه الذكرى إكراماً لاسم النبي محمد (صلى الله
عليه وآله وسلم) وآل بيته الأطهار (عليهم السلام).
والجمهور الإسلامي المثقف يتحمل عبأ كبيراً في توضيح ما حدث في
ذاك اليوم الشديد الوطئة على القلوب 10 محرم سنة 61 للهجرة لما حلت
مناسبة إثبات المبادئ الإيمانية على المحك فقد ارتضى أصحاب الحسين
(عليه السلام) أن يموتوا شهداء في معركة معروفة النتائج سلفاً في حين
كان أوغاد ومجرموا معسكر عبيد الله بن زياد قد ارتضوا أن يخرج كل
منهم من المعركة ويشير الناس له بالأصابع بكلمة (قاتل)!
وحتى إذا ما أثمرت مناسبة كربلاء بعد فترة قليلة وظهر التحدي
الكبير على يد حزمة مؤمنة قادها المختار الثقفي (عليه السلام) الذي
ترك تذكاراً عظيماً أن مقولة (بشر القاتل بالقتل) هي صحيحة مائة
بالمائة فقد استطاع المختار (عليه السلام) من إزاحة العصابة الأموية
(مرتزقتها عن حكم الكوفة وقدم ملحمته الإسلامية ضد رموز وجيش ابن
زياد وحاسبهم شر حساب لما هدروه من دماء المسلمين الحقيقيين في معركة
الطف الكبرى.
إن حركة المختار الثقفي (عليه السلام) قد أخذ بالثأر للحسين (عليه
السلام) وأصحابه وبذاك فقد ضاعت على بني أمية محاولة تشويه الإسلام
رغم طيلة عهود حكمهم إذ كان الناس كلما تذكروا المختار (عليه السلام)
تذكروا أن بني أمية هم مسلمون مزيفون لا يمتون للإسلام بأي صلة
حقيقية وهذا ما بقي يزيد من الاختيار المتصاعد والواعي بأن ما حدث
للحسين (عليه السلام) ومعسكره يستوجب الاحتفاء به كل سنة فالأحداث
ليس بقتلاها بل معرفة من كان صاحب الحق فيها.
لقد خاض الإمام الحسين (عليه السلام) غمار الجهاد ضد الظلم الأموي
وكان يعلم جيداً أنه بدون ذاك النضال فإن الإسلام سيمحى من الوجود
على يد الخليفة الجديد يزيد ومن سيأتي بعده ولعل مجيء الإمام (عليه
السلام) إلى كربلاء قد عنى إحياءً لدين المصطفى (صلى الله عليه وآله
وسلم) رغم أن الثمن الذي كان سيدفعه سوف لن يوازيه ثمن أغلى منه من
حيث التضحية المقدمة التي كان معسكره على استعداد لتقديمها.
إن خسران الأجساد من قبل أنصار الحسين (عليه السلام) أحياها الله
سبحانه وتعالى في جنة الخلد كـ(شهداء) لكن خسران المعنوية بين قتلتهم
كانت أكبر لدى الناس في الدنيا ولدى الحساب الآخروي معاً. |