الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

المرجعية الدينية

التاريخ يصنعة العظماء

 

 

 

هذا هو الحسين

(الفصل الاول)

محمد كاظم الجادري - ابو ميثم الحياوي
فيينا - النمسا

(ولاتحسبن الذين قتلو في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)

منذو الخلق الاول لأبينا آدم (ع) مرت العديد من الانعطافات التاريخية التي كان لها الأثر ألأكبر في صياغة الانسان نحو الكمال والصلاح. وكان ابطال هذا الرحلة المضنية والشاقة هم الانبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام)

ونحن نعيش واقعة الطف كربلاء لابد من ألقاء الضوء على كربلاء. هطلت في ارضها سحابة الدم الحر الشهيد فأنبتت أجيال الشهداء الثوار و هاهي اصداء الصوت الأبي الذي أطلقه الحسين بن علي ابن ابي طالب (عليهما السلام) تترددفي وادي الطفوف وتقرع مسامع الأجيال وتطوف في ربوع التاريخ إعصارا يعصف بالطغاة وبركان دم يهز عروش الظالمين ويوقظ الضمائر الحرة هاهو صوته يدوي ويملأ مسامع الزمن : - (لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا أقر اقرار العبيد). ان رجل التاريخ اللامع هذا واسطورة الملاحم والكفاح وكلمة الآباء والشرف هو الحسين فمن هو هذا الحسين ؟ (ع) وما هي معالم هذه الشخصية الفذة العملاقة : - هو الحسين السبط بن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) بن عبد المطلب بن هاشم وأمه فاطمة الزهراء (ع) بنت محمد رسول الله (ص) ولد الحسين (ع) الشهيد في المدينة المنورة في الخامس من شعبان السنة الرابعة من الهجرة وقيل الثالث من شعبان ولد الحسين (ع) فاستقبله الأسرة النبوية بروح الحب والحنان فسماه رسول الله (ص) (حسين) نشأ وترعرع في احضان رسول الله (ص) وبين امير المؤمنين علي (ع) وفاطمة الزهراء (ع) فارتضع أخلاق النبوة وشب على مبادىء الرسالة الاسلامية العظيمة مبادء الحق والعدل والاباء آحاطه رسول الله في طفولته بمشاعر الحب والحنان وكان يحمله وأخاه الأكبر(الحسن) (ع) على صدره الشريف ويصرح أمام أصحابه ويعلن عن هذا الحب الآبوي الكريم ويقول (اللهم إني أحبهما وأحب من أحبهما) ويقول في عبارات اخرى (أن ابني هذين ريحانتاي من الدنيا) وكان رسول الله ذات يوم يصلي والحسن والحسين عليهما السلام يتناوبان على ظهره الشريف فباعدهما الناس عن ظهره فقال (دعوهما بأبي هما وأمي من أحبني فليحب هذين) وهكذا يعرف بالحسين الشهيد (ع) في طفولته ويشخص مقامه للامه لئلا تعتذر يوما عن الجريمة الكبرى بحقه. هذا هو الحسين في قلب رسول الله وفي عرفه وشريعته وقد نشأ في بيت من أكرم بيوتات الاسلام وأعزها وهوبيت رسول الله (ص) وتربى على خلقه ومبادئه فكان مثال الورع والتقوى وقدوة الاخلاص والزهد والعبادة قوي الشخصية شجاعا غيورأ على الاسلام والأمة ذات شخصية قيادية عظيمة شديد التمسك بالحق قوي الارادة لاتأخذه في الله لومة لائم فبهذه الصفات العظيمة وبهذه الشخصية العبقرية وبهذا المكانة الاجتماعية الفريدة صار الحسين (ع) قوه فعالة في ضمير التاريخ الاسلامي واراده حية تؤثر عبر الاجيال لقد نحت له هذا المجد العظيم تمثالا في قلوب كل حر أبي يعرف للانسانية حقها وللمبادىء والقيم قيمتها فهو مثال الحر الأبي ومثال الثائر المنتصر للمستضعف المظلوم وهو احد القربى الذين أمر الله سبحانه وتعالى بحبهم حيث قال في محكم كتابه الشريف (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزدله فيها حسنا) وهو أحد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس حيث قال تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) هذا هو الحسين بن علي بن ابي طالب عليهما السلام فهو شعار مدرسة وتيار كفاح وجهاد رسالي وسياسي فريد في تاريخ الاسلام لذلك ان دوره كبيرا وأثره عظيما فقد كان قوة دافعة ومحركة في احداث التاريخ الاسلامي وخصوصا الجهادي منه على مدى أجيال وقرون عديدة ولم تزل نهضة وحركته ومبادئه تتفاعل وتؤثر في ضمير الامة ووعيها.

السياسة الاموية وواقع الانحراف الذي خطط له الطاغية معاوية وتبناه بشكله المرعب فور موته بتولي ابنه يزيد الحكم الموروث أن منح يزيد السلطة ليقود الامةالاسلامية ويخطط لمستقبلها ويحدد مسارها معناه الإنهاء العملي للوجود الاسلامي على الأطلاق وردة واقعية عن مبادىء السماء وعودة للجاهلية ولكن في ثوب جديد فيزيد هذا كما تؤكد المصادر التاريخية يغلب عليه طابع الشذوذ في شتى أفكاره وممارساته ومشاعره وان يزيد لم يتوفر له أي انفتاح واع على الرسالة الاسلامية وأهدافها العليا التي تحقق أرقى صياغة للانسان كفرد وكعضو في المجتمع ومن الجدير بالذكر ان يزيد بن معاوية هو بن ميسون النصرانية الذي ربى في حجرها وعند قومها النصارى ويحدثنا التاريخ على نشاطات مشبعة بروح الانحراف عن الاسلام مما كان بن معاوية ابن اكلة الاكباد يمارسها على مسمع ومرأى من كثير من المسلمين في بلاد الشام كاللهو الماجن واللعب الخليع وشرب الخمور ومنادمة الفتيات والغناء وكان يلبس كلابه أساور الذهب واشتهر بالمعازف والصيد واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب والدباب والقرود وما من يوم يمر الا يصبح فيه مخمورا. قرر معاوية أن ينصب ابنه يزيد هذا الوزغ المنحط خلقيا خليفة على المسلمين ويأخذ له البيعة بنفسه خلافا للآعراف والآحكام الاسلامية المتبعة في تعين الخليفة فأثار هذا القرار الرأي العام الاسلامي وخصوصا الشخصيات الاسلامية البارزة كالحسين (ع) وعبد الرحمان بن ابي بكر وعبد الله بن عمر وشخصيات أخرى. ذلل معاوية الصعاب وأحكم القبضة بكل ما أوتي من وسائل المال والدهاء والارهاب ونقل ا لسلطة ورئاسة الدولة إلى ولده يزيد الفاسق مما حفز الامة للثورة وجعلها تتهأ لخلع يزيد الحاكم المفروض عليها وطبيعي عندما تشتد المحن وتتوالى الشدائد ويطوق الامة طوق الارهاب والتسلط السياسي الجائر تتجه الانظار الى رجال المعارضة وقادة الرأى التي تحمل روح الثورة والتضحيه وتعيش من أجل المبادىء والقيم ولم يكن في الامة يومها من رجل كالحسين بن علي (عليهما السلام فهو سيد قريش وسبط الرسول وأبن امير المومنين وخير رجال الامة علما وورعا وكفاءة وخلقا وليس في المسلمين من يجهل مقامة الشريف أولا يعرف شخصيتة ويزيد يعرف تعلق الامة بالحسين (ع) وشدة الحسين وعنفه وروح الوثبة والثورة فيه فكتب في الايام الاولى من تولية السلطة وبعد هلاك الطاغية معاوية رسالة الى الوليد بن عتبة بن ابي سفيان والي المدينة آنذاك كتابا جاء فيه : - أما بعد فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذا شديد ليس فيه رخصة حتى يبايعوا) استلم الوليد رسالة يزيد وقرأ فيها نعي معاوية وعلان البيعة ليزيد وتكليفه بمهمه سياسية كبرى استدعى مستشاره مروان ليبلغه نبأ هلاك معاوية وعلان البيهة ليزيد وفي كيفية مواجهة الحسين وتنفيذ قرار يزيد فأشار عليه مروان أرى ان تدعوهم الساعة وتأمرهم بالبيعة فأن خلعوا قبلت منهم وان أبو ضربت أعناقهم) فارسل الوليد عبد الله بن عمر بن عثمان وهو غلام حدث الى الحسين (ع) وابن الزبير يدعوهما للحضور فقالا انصرف الآن نأتيه. لم يكن هذا الاستدعاء اعتياديا ولم يكون الحسين ليغفل عنه ؟ وماذا يريد الوليد في هذا الساعة أحسه الامام الحسين وابن الزبير بخطورة الموقف وأدركا أن امرا جديد قد حدث وظن الحسين (ع) ان الطاغية معاوية قد هلك فبعث الينا لياخذ بالبيعة منا قبيل ان يفشوا في الناس خبر هلاك الطاغية معاوية وهكذ استقبل الحسين (ع) الخطة الاموية وتهيأ للمواجهة وأدرك المباغتة وعرف لغة التعامل مع هذا الحزب ثم قال (لا أتيه إلا وأنا قادر على الامتناع) ثم بعث الحسين الشهيد الى أهل بيته وحاشيته فاجتمع من حوله ثلاثون فارسا فكانوا كوكبة ابطال ورجال ثورة ثم سار الى الوليد ومعه حرسه ورجاله مستعدا للدفاع متأهبا للمواجهة بهذه الروح وبتلك العزيمة وبالموقف الشجاع وبالتحدي والرفض ومن الوهلة الاولى قرر الحسين (ع) ان يجابه تسلط يزيد ويرد على الموقف السياسي الخطير فهو يعرف يزيد ويدرك عمق المأساة ويعلم ان لابد من السيف والدم والثورة والجهاد وسحب الصفة الشرعية من هذا المتسلط الطاغية بأي ثمن كان، فليس في نفس الحسين (ع) الثائر الشهيد رضى ولا مهادنة وليس في لغته ضعف ولا وهن فبين جنبيه قلب علي بن ابي طالب وفي يده سيف الحق وفي نفسه نفحة النبوة وعزة الإمامة وشرف الرجولة سار الحسين ليحدد الموقف ويعلن القرار ويحسم النزاع ويقول كلمة الرفض وهو يمثل إرادة الأمة وينطق بلسان الشريعة ومن حوله حاشيته وأهل بيته موحيا بالمواجهة وملوحا بالموقف الصعب ومهددا بالعنف والثورة سار موكب الحسين حتى وصل ديوان الوليد وقد حضر مروان ابن الحكم.

فاقتحم الموكب الحسيني مجلس الوليد وروح الرفض والتحدي ظاهرة على الحسين الشهيد(ع) وأجلس حرسه ورجاله في موضع بحيث يرون مكان ويسمعون قوله لئلا يؤخذ غدرا أو يهاجم على حين غرة ثم احتاط للأمر وأعد رجاله وحرسه للوثوب والهجوم ووضع كلمة سر بينه وبينهم. بدأ الحوار بعد ان سلم عليهم وجلس عليه السلام وأخبر الوليد الحسين بموت معاوية وعرض عليه البيعة ليزيد فقال الحسين أيها الامير ان البيعة لاتكون سرا ولكن اذا دعوت الناس غدا فادعنا معهم , فقال مروان لا تقبل أيها الامير عذره وحتى لم يقبل فاضرب عنقه فغضب الحسين (ع) ثم قال ويلك يا ابن الزرقاء أنت تضرب عنقي كذبت والله ولؤمت. ثم اقبل على الوليد وقال إنا أهل النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وبنا فتح الله وبنا يختم ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا احق بالخلافة والبيعة ثم خرج و انفض المجلس وانصرف الحسين عائدا الى أهله وقد عزم على الجهاد وتأهب للمواجهة ثم قرر التحرك واعلان الثورة وان يتخذ مكة المكرمة مقرا للانطلاق وميدانا للتحرك. وخرج الحسين من المدينة المنورة ورفضه للسلطة اليزيدية واعلانه للثورة على يزيد ويجيب على تساؤلات الكثيرين ويحدد هوية الحركة ومعالم الانطلاقة واسس المواجهة مع النظام الاموي الجديد فقد ارسله رسالة الى اخيه محمد بن الحنفية وقد جاء في نص الرسالة : - لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأسير سيرة جدي وأبي) ويوضح سبب رفضه لبيعة يزيد بقوله : - (يزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع لمثله) فالاسلام يشترط في القائد الذي يقود الامة ويمسك بزمام الأمور أن يلتزم بقواعد القسط والعدل ويحترم قوانين الشريعة وإرادة الأمة ويلتزم بسيادة القانون ويتجرد عن حب التصلط واستغلال المنصب وجعله طريقا للاثراء والمتع والاستئثار. فقد كان الحسين (ع) يرى القيادة أداة ووسيلة لوضع الأمة على طريق الهدى والصلاح والعمل على تربية الانسان وبناء شخصيته وتنظيم الحياة وتطويرها نحو الخير والكمال. فهو يعلم انه القادر على هز الحكم الاموي وتفجير البركان تحت عرش يزيد وانه القادر على كلتا الحسنتين النصر او الشهادة وأن يختط للأمه درب الجهاد والثورة على الحاكم الظالم فان انتصر سيقيم عدل الاسلام ويطبق أحكام الشريعة وقيم الحق التي نادا بها وان استشهد فسيبقى شلال الدم المقدس يجري عبر وديان الحياة يخصب الثورات ويسقي أغراس الشهادة لقد كان الموكب القليل العدد العظيم الارادة الذي زحف به الحسين من مدينة جده الرسول الخالد محمد (ص) إلى مكة المكرمة ليقرر هناك مستقبل المسيرة الخالدة ولقد اجتمعت الكوكبة من ال البيت النبوي (ع) حول الحسين وسلكت درب الكفاح الطويل فقد اصطحب الحسين (ع) معه أخوته وأبناءه وبني أخيه وجل أهل بيته ولم يغادر الحسين المدينة المنورة حتى زار قبر جده رسول الله (ص) زيارة المودع الذي لا يعود فقد كان يعلم أن لا لقاء له مع مدينة جده ولن يزور قبره بعد اليوم وسيكون اللقاء في مستقر رحمة الله لن يلقي جده إلا وهو يحمل وسام الشهادة وقف الحسين الى جوار القبر الشريف فصلى ركعتين ثم وقف بين يدي جده العظيم محمد (ص) يناجي ربه (اللهم هذا قبر نبيك محمد (ص) وأنا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الأمر ماقد علمت اللهم اني احب المعروف وانكر المنكر وأنا أسألك ياذا الجلال والاكرام بحق القبر ومن فيه الا ما اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى) وهكذا كانت عزيمة الحسين (ص) اصرارا ومضاء قرار الرجال وحزم القائد الذي لا يلين اتجه ركب الحسين نحو مكة وسارت الكوكبة الرائدة في طريق الجهاد والشهادة ساره الحسين (ع) ومعه نفر من اهل بيته وأصحابه وبرفقته نساؤه وأبناؤه وأخته زينب الكبرى وهويقرا قول الله تعالى (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين). المسافة شاسعة والارض مديدة ورمال الصحراء توقدها حرارة الشمس اللافحة وقطار الحسين (ع) يخترق قلب الصحراء ويجتاز كثبان الرمال ولوافح الحصى وهكذا سارت كواكب الفداء وطلائع الجهاد تيمم وجهها شطر البيت الحرام لتنتهي إلى أرض الطفوف كربلاء إلى مثوى الخالدين ومنار الاحرار يقودها الحسين سالكا الدرب الذي اعتاد الناس سلوكه متحديا السلطة والقوة والمطاردة.

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1426هـ