الخطاب الموجّه للمجتمع والذي تعتمده الحركات ليس من صنيعة القادة
في بعده القيمي ولا يتّجه نحو ما تتجه إليه شعورهم واستحساناتهم أو
حتى أفكارهم الخاصّة، فلا بد للخطاب من منهجية واضحة وذات شرعية لدى
المتلقّي لذلك الخطاب، وهنا ونحن في المجتمع الإسلامي فالمرجعية
الأساس هي مرجعية الدين الذي يعتمد القرآن الكريم والسنّة المطهّرة
في صياغته، وعندما يخلوا الخطاب من الشرعية في مرجعيته فسوف يكون
لعبة في أيدي الرؤساء يميل في كل حين مع ميول كل شخص منهم.
والأهداف التي يعتمدها مطلقي الخطاب الحركي لابد أن تحكم بهذا
القيد وتعزز به، لكي لا يسمح للحركة بالإنحراف عن أهدافها الأساس،
ولكي تنال حضّاً من الإقتناع والمقبولية في المجتمع أو لا أقّل فهي
تلقي الحجة البالغة على من يتخلّف، وهذه الخطوّة من الممكن أن تعطي
انطباعاً متفهماً لدى الآخرين.
إن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يشير إلى هذه المسألة
وأهميتها بشكل دائم عند تركيزه على المرجعية القرآنية ومنهجية الرسول
الأعظم (ص) في خطاباته المتكرّرة، وذكرها بشكل خاص بعدما كتب له أهل
الكوفة ليكون لهم إماماً وحاكماً، فبعث لهم برسالة مع سفيره مسلم بن
عقيل (رضوان الله تعالى عليه)، يخبرهم باستجابته وجاء فيها ـ كموضع
للشاهد ـ : (فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط،
الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله والسلام).
في هذه الرسالة أسّس الإمام للضوابط التي ينبغي أن تتوفّر في
القادة والأئمة، وهي الإيمان بالدين الإسلامي، وتحكيم القرآن الكريم،
والمواصفات الذاتية للقادة وهي التي نذرت نفسها للعمل في ذات الله،
فبهذا يمكن للمجتمع أن يمتلك المقاييس التي على أساسها تؤسس الأهداف
وتتحرك المسيرات، وهذا الأمر يترك للعقل أن يقارن بين ما يسلكه يزيد
بن معاوية من فساد وإفساد، وما يسلكه الإمام في طريق الله تعالى،
فيسدّ الطريق على كل أصحاب ادعاء بأن أهداف الإمام ونهجه لا يمثلان
الحق، ويلقي الحجة البالغة على الناس، ولو بعد حين.، ويدمغ بهذا الحق
فيمن ادّعوا أن (سيدنا يزيد، قتل سيدنا الحسين) !
هذا في جانب التأسيس للخطاب لكي يكون عند الناس وعي المقاييس بمن
يمثّل الحق دون سواه، أمّا من جانب الفعل والممارسة فالإمام (عليه
السلام) كان حريصاً على أن يشفع خطاباته بما يعززها ويبرهن على صدقها
من الآيات القرآنية، ومن أقوال الرسول الأعظم التي سمعها الناس، وكان
يذكّر بمكانته كإمام يمثل المرجعية في ذاته من خلال ما سمعوه من
الرسول (ص) أو بلغهم قوله في فضل الإمام ومكانته، فهو الذي كان يكرّر
قوله تعالى : (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في
الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)، وهو الذي كان يقول (أسير بسيرة
جدي وأبي علي بن أبي طالب ..) وكان يكرر (سمعت جدي رسول الله يقول
..) لبيان الحقائق والإستدلال عليها.
لذلك فإن القبول بالأهداف ووعيها من قبل المجتمع يرجع لما تحمله
تلك الأهداف من قيمة معبّرة عن الحق، لا معبرة عن كاريزما الشخصية
القيادية أو المؤثرات الأجوائية أو العواطف الجوفاء، من أجل ذلك يقف
الإمام الحسين (عليه السلام) بكل قوّة وثقة ليقول : (فمن قبلني بقبول
الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا صبرت حتى يقضي الله بيني
وبين وبين القوم بالحق ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين)، فالإمام
يرجع القبول به لقبول الحق، ولا يبالي بحضوة دنيوية فإنه (ع) يحتسب
أمره عند الله تعالى منطلقاً من إيمانه بالآخرة وبعدل الله تعالى يوم
( يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر : 10].
أمّا النتائج التي حصدها الإمام من تأسيس أهدافه وفقاً للمرجعية
الشرعية، فقد ضمن أصحاباً أوفياء بذلوا حياتهم من أجله، وألقى الحجة
البالغة على المتخلفين، وأشعل الثورات بعد ذلك مهتدية بنور أهدافه
الرابانية، بل وكانت تلك الخطابات المؤصّلة مادّة للباحثين إلى يومنا
هذا، أظهرت الحقائق التي حاول أعداء الدين اخفاءها.
www.mosawy.org |