لا شك أن واقعة عاشوراء لها الفرادة والخصوصية الحيوية لتأصيل
الإصلاح في النفوس ومنح الشجاعة والقوة لمعارضة وممانعة كل أشكال
وأنواع الظلم والقهر والاستغلال وإلهام الأجيال بالفكر الواعي
المنفتح على قضايا الحياة والتجديد المستمر والإعداد للمراحل القادمة
من أنواع التحدي والمواجهة.
لأن عاشوراء تحمل في داخلها الحق كله في مواقفها، والعدل كله في
أهدافها، والحركية المسؤولة في حركتها، والروحانية الفياضة في
الإخلاص لله والذوبان فيه، والتضحية في سبيله والمحبة العميقة
الممتدة امتداد الإنسانية في الإيمان.
لذا علينا أن ننظر إلى عاشوراء لا كمجرد عادة شعبية وموسم
للانفعال بالمأساة انفعال سطحي لا تصل إلى فهم الواقعة والحزن
الحقيقي العميق الدال على رفض الظلم وإعانتهم أو مجاراتهم لمصلحة
آنية دون النظر إلى المصلحة العليا للأمة.
فلا بد أن تكون عاشوراء فرصة تأمل وتفكير وحساب ووعي، لا أن تكون
حماساً وبكاءً فقط. - وإن كان البكاء مجزياً – لأن هدف الحسين أعلى
من ذلك وهو حفظ الدين وإيصاله مصوناً إلى الأمة الإسلامية وأجيالها
اللاحقة، لأن كل مواقف الإنسان في السياسة أو الاجتماع أو غير ذلك
كلها تحتاج إلى ركيزة، وهي أن يكون الحق في عقلك وقلبك، وأن تتعمق
عقيدة ومفهوماً ومضموناً، لأن الحركة من خلال السطح دون العمق لا
تجدي.
وإن إطلاق العاطفة بمعزل عن العقل قد يؤدي إلى تكرار المأساة التي
عاشها الحسين (عليه السلام) لأن مأساته (عليه السلام) لم تكن في
فقدان المسلمين للعاطفة تجاهه، فقد كانت كل قلوبهم تخفق بحبه، لكنه
كان حباً أعمى سطحياً، ولم ينطلق من عمق المعرفة والإرادة والمعاناة،
ولذلك عندما تطلّب الأمر منهم التضحية بالمزاج أو المصلحة أو المال
انطلق الحب بعيداً، وتقدمت المصلحة والمزاج.
ونحن نحتاج إلى أن نحب الحسين (عليه السلام) بوعي وعقل ومعاناة،
لا مجرد حب سطحي انفعالي أعمى لا يلبث أن يجمد عندما يصطدم بالواقع
ويعيش التحدي، وهذا يتطلب الوعي لكل المضامين التي انطلقت من خلالها
عاشوراء التي هي مضامين الإسلام.
فالتزاوج بين الحالة العاطفية والحالة الفكرية هو الذي يحقق
للرسالة مضمونها العميق في وعي الإنسان وحركته، وبذلك تتطور الفكرة
إلى إيمان من خلال الفكر المنفتح على الشعور، ويتطور الإيمان إلى حب
أو بغض من خلال انفتاح العقل على القلب. |