عندما نريد أن نستلهم من الإمام الحسين (عليه السلام) الدروس
والعبر ، كونه قدوة المؤمنين وإمامهم المفترض الطاعة ، لا يمكننا أن
نتجاوز حادثة كربلاء ، لأنها مثّلت المفصل الحقيقي بين الحق والباطل
بوضوح تام لا لبس فيه ، ولأنها كانت مرحلة الذروة للصراع المبدئي
والأزلي بين قوى الخير وقوى الشر ، وقد أوضحت كربلاء بكل تفاصيلها
المعالم الأساسية لكل مواجهة بين الحق والباطل لكل مراحل التاريخ
التي تلتها و ستبقى إلى يوم القيامة كذلك ، وفي كل بقاع العالم ،
لينهل منها طالبوا الحق والحرية أسسهم ومبادئهم ، لذلك قيل في الشعار
المدوّي : (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء)، شعار عبّر عن مدى اتساع
قيمة (القدوة) في حياة المسلمين لكربلاء لتشمل كل الزمان من دون
انقطاع ، وتستوعب كل الأرض بلا حدود ، وما ذلك إلا من صفات النور
الذي يخترق الأمكنة والأزمنة ، وأهل البيت عليهم السلام هم النور
وكلامهم نور.
ومن أجل التشرّب بالفكر الرسالي الذي أبدعه الإمام الحسين (عليه
السلام) في كربلاء ، ينبغي أن نستلهم المبادئ من الخطاب الذي رافق
هذه الثورة الكبرى منذ انطلاقتها وحتى نهايتها ، ذلك الخطاب الذي
ألقاه الإمام الحسين (عليه السلام) في الناس بمختلف أصنافهم ، وألقاه
في الوقائع والأحداث المتلاحقة منذ بداية إمامته وحتى استشهاده
الشريف.
الدارس لكربلاء يلاحظ بوضوح أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم
يهمل مسألة توضيح الخطوات العملية التي كان يقوم بها والمواقف التي
كان يتخذها ، بالكلام والخطب ، وقد كان ذلك عبارة عن بث الوعي في
الناس ، لكي يكونوا أمام المعرفة المشفوعة بالبرهان ، لأن من الطبيعي
أن ينقسم الناس إلى أقسام تجاه تلك المواقف الشجاعة والمفصلية ، فمن
يلتحق بركب المسيرة الحسينية المباركة سيكون التحاقه عن وعي ومعرفة
فيكون بعد ذلك جديراً بأن يتصف بمواصفات الملتحقين مع الإمام الحسين
(عليه السلام) وسيكون جديراً بالثواب المترتّب عليه والنهاية
الآخروية التي ستهدى إليه ، كما أن معرفة المخطاب سيكون الإتجاه
الرافض والمتخلّف عن المسيرة الحسينية كذلك جديراً بأن يتصف بمواصفات
المتخلفين عنها ، وسيكونون مستحقين للعاقبة التي تنتظرهم في الآخرة ،
فالخطاب هو الذي يلقي الحجّة البالغة لكلا الإتجاهين الملتحق
والمتخلف.
أمّا إذا قرأنا الواقع اليوم فإن التشخيص سيقودنا إلى أن هنالك
نقصاً واضحاً واعوجاجاً كبيراً في مسألة الخطاب الاسلامي الذي تقدّمه
الحركات الإسلامية والتجمعات التي تسعى إلى إحياء معالم الدين مقتدية
بالإمام الحسين (عليه السلام) ، فإن الاقتداء بأصل المبدأ والسعي
لإقامة الحق ونشره شيء ، وتمثّل الأسلوب الأمثل للوصول إلى الهدف شيء
آخر ، فالخطاب الإسلامي المعاصر بحاجة إلى أن يقتدي بالخطاب الحسيني
في أساليبه ، وفي احترامه للعقل المسلم ، ليرتقي بالمجتمع المتلقي
إلى ما ارتقى إليه أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) ، ليصلوا إلى
مرحلة المشاركة الواعية في المشهد الحركي الإسلامي ، فقد قال الإمام
الحسين عليه السلام لأصحابه بعد أن دنى وقت المجابهة : (أمّا بعد:
فإنّي ﻻ أعلم أصحاباً أو فى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ
ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً، ألا وإنّي أظنّ يوماً
لنا من هؤلاء، ألا وانّي قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس
عليكم منّ ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً.) ، ولكنهم لم
يتراجعوا عن نصرة الحق وعبّر كل بطريقته عن مدى فدائه للدين وللإمام
، لأنهم على وعي للمقاصد التي خرج من أجلها الإمام ومقتنعين بحقيقتها
، لذلك فإنهم مستعدون لأن يبذلون فيه مهجتهم كما بذل هو مهجته في
الله تعالى.
ومن جهة أخرى فإن المجتمع الإسلامي كأفراد مدعوّ إلى أن ينفتح على
الخطاب الحسيني ليعي أسراره التي صنعت عظمته ، وليعي الأهداف
الحقيقية التي كان يسعى إليها الإمام (عليه السلام) ، لكي يضمن
الإلتزام بها في شتّى مواقفه.
www.mosawy.org |