الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

المرجعية الدينية

التاريخ يصنعة العظماء

 

 

 

الامام الحسين (ع) .. القدر الازلي

د. اسعد الامارة – السويد

استاذ جامعي وباحث سيكولوجي

ان فهمنا لجوهر انتفاضة الامام الحسين(ع) يبدأ من اكتشاف المغزى الاساس لصدمة الامة الاسلامية وما آلت اليها الامور زمن خلفاء بني أمية وخصوصا ثاني خلفائها، ومدى العجز الذي ابداه العديد من ساير بناء الدعوة الاسلامية من الصحابة وما تركه في نفس سليل بيت الرسول "ص" من صدمة في تدهور الامة، هذا الاثر الصدمي انعكس عجزه نتيجة استسلام الرجال للتدهور خلال حكم بني أمية حتى انه (الامام الحسين ع) حدثهم عن انفسهم، وعن واقعهم، وعن زيف حياتهم، حدثهم كيف انهم استصرخوه على جلاديهم ثم انكفأوا مع هؤلاء الجلادين عليه، هؤلاء الجلادين الذين لم يسيروا يوماً بصدق مع الرسالة الاسلامية، اما الصحابة الذين قبلوا هذا الانكفاء ونكصوا بارتداد نحو التدهور ورضوا بالواقع السئ في بناء اسس للفساد في دولة فتية رغم احساسهم بالدونية زمن حكم بني أمية ظلوا خانعين مستسلمين .

يقول (محمد مهدي شمس الدين) ان فاجعة كربلاء دخلت في الضمير الاسلامي آنذاك وانفعل بها المجتمع الاسلامي بصفة عامة انفعالا عميقاً، ويضيف –شمس الدين – ان من نتائج ثورة الحسين في الميادين التالية :

تحطيم الاطار الديني المزيف الذي كان الامويون واعوانهم يحيطون به سلطانهم، وفضح الروح اللادينية الجاهلية التي كانت توجه الحكم الاموي .

بث الشعور بالاثم في نفس كل فرد، وهذا الشعور الذي يتحول الى نقد ذاتي من الشخص لنفسه يقوم على ضوئه موقفه من الحياة والمجتمع .

بعث الروح النضالية في الانسان المسلم من اجل ارسائ المجتمع على قواعد جديدة، ومن اجل رد اعتباره الانساني اليه .

ان ثورة الامام الحسين ضد الاسلام المزيف عدت البادرة الاولى لتحطيم الاطار الديني الذي بنى عليه الامويون دولتهم وايهام الناس بانهم افضل من يطبق شريعة رسول الله ويكون القرآن مصدرهم في الحكم، حتى انهم اوهموا الجميع انهم خلفاء رسول الله الى يوم الدين، لذا يمكن القول ان ثورة الحسين بن علي بن ابي طالب هي بحد ذاتها ثورة ضد الوعي المستغفل، او هي بحق ثورة تغيير المفاهيم ضد ممن جعلوا لانفسهم بأسم الدين الحق في قمع اي تصحيح يقوم به جماعة من الناس وان كانت محقة في طلباتها .

عندما نقول ان انتفاضة الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) هي انتفاضة الرفض المطلق ضد تسيس الاسلام وتزييفه، لا نجانب الحقيقة كثيرا بهذا القول ولا نفتري على الواقع السائد آنذاك لهذا فهو اتخذ الرفض بلغة الانسان العارف بكل مجريات الامور واكثر من ذلك فانه ابرز خواء الوضع العام السائد خلال تلك المرحلة من الدولة الاسلامية وفساد في معتقداتها وتبرير ذلك الفساد بأسم الدين حصريا، فالامام الحسين "ع" ابرز وجوها عدة في هذا الرفض منها بروز الثورة الاجتماعية ضد الطغاة، وكذلك خلق الرغبة لدى الناس في رفض الواقع الانساني انذاك وما آلت اليه الامور، لذا كان الرجل الوحيد الذي يستطيع ان يفضح الحكام الامويين ويكشف حقيقتهم .

ان ما تركه الامام الحسين في ثورته هذه هو بث روح الوعي لدى الامة المستسلمة للوهن، حتى بات امرها قدراً ازلياً يتوارثه الاجيال منذ استشهاده في تلك الفترة من تاريخ المسلمين . انه يذكرنا ويلح على الاجيال من بعده بان ثمة فرقا بين حكام الزيف الامويين واتخاذهم للدين ستاراً يمارسون من خلاله ابشع الممارسات اللاانسانية بحق الناس والشريعة الاسلامية وبين الموقف الناصع للدين الذي ظل يحمله آل بيت رسول الله عبر الاجيال والقرون، انها فطنة الامام الحسين " ع" الى ان هذا القدر يجب ان يصحح مسار الامة ليس ببقاءه حياً فحسب، بل في استشهاده في ابشع جريمة دونتها لنا ذاكرة الانسانية عبر اكثر من اربعة عشر قرناً من تاريخ الدعوة الاسلامية، وعليه ان الوعي الذي اوجده سيد الشهداء انما هو فعل تخطى المحدود بالتفكير او الفعل او التدين او الانصياع للحكام الفاسدين مهما كانت اصولهم او انتماءاتهم، فهو افسد على الحكام انذاك الاستمتاع بستار الدين والبقاء في سدة الحكم حتى وان استمروا لسنين عديدة بعده ..

استطاع الامام الحسين (ع) في قدَره المحتوم في كربلاء الى الاحتفاظ بهذا التصحيح للرؤية الاسلامية الناصعة بلا شوائب عبر ازلية خالدة لدى كافة المسلمين من جميع المذاهب الاسلامية، لا بل تعداها الى الاديان الاخرى السماوية وغير السماوية وباتوا يستشهدون به بابدع صورة من التصحيح ورفض الظلم .

ان محك ازلية استمرار شعائر انتفاضة الامام الحسين (ع) هو استعادة وعي الناس بما يجري من ناحية، وهو وعي الذات بالانقلاب على التدهور الاخلاقي والاجتماعي زمن حكام بني امية من ناحية اخرى، فالامام الحسين استهدف وعي الامة باجمعها حتى انه استطاع ان يخلق تمايزاً في ادراك الحق من الباطل، وادراك الصحيح من الخطأ، وهو وعي تميز به هو بمعرفته لانتماءه لال بيت الرسول تحديداً وهو بذلك فضح لحكام بني أمية وانبعاث الروح النضالية الرافضة للظلم لدى الانسان المسلم الواعي من جديد بعد عقدين من حكم بني أمية واستنهاض روح الرفض وترك الهمود والاستسلام للتزييف تارة والخنوع تارة اخرى، لذا يحق لنا القول ان نطلق على سيد الشهداء الامام الحسين (ع) بأنه قدر الثورة الازلية في التاريخ الاسلامي خصوصاً، وتاريخ البشرية عموماً .

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1426هـ