الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

المرجعية الدينية

التاريخ يصنعة العظماء

 

 

 

أقلام متناظرة تحبّر صفحات (المنبر الحسيني) بدواة الرأي والرأي الآخر

نضير الخزرجي

قد لا نستطيع قراءة افكار المرء وتوجهاته من اللقاء الاول، لكننا نستطيع الوقوف على جوانب من افكاره وتوجهاته واطروحاته من خلال مطالعة مؤلف واحد نستشرف فيه تطلعات صاحبه ومديات توجهاته الفكرية.

هذا ما نكتشفه من خلال قراءة كتاب «المنبر الحسيني.. دوره ومستقبله» الصادر عن مؤسسة الامام الخوئي بلندن، الذي اشرف على تحريره واعده السيد عبد الحسن الامين رئيس تحرير مجلة النور ونشرت في العدد 158، والذي جمع مدارس عقيدية وتيارات فكرية وسياسية مختلفة في توليفة متناغمة وربما متشاكسة، تناولت القضية الحسينية وابعادها الاعلامية المتمثلة بالمجالس والمنابر الحسينية التي تعد من اجلى مظاهر الاعلام الحسيني المنتشر في اصقاع الارض، هذا الاعلام الخارج من رحم كربلاء، المنفتح على اطر اجتماعية من داخل المدرسة الامامية وخارجها، والخارج الى رحاب عوالم غير مسلمة فهمت الحسين عليه السلام قيمة اصلاحية نموذجية كلما جلاها الزمن تجددت، واذا ما قرأت المرة تلو الاخرى تألقت، تناجي المسلم المقهور وتحاكي الاخر المغدور متماهية مع الذات البشرية غير المؤدلجة، العفوية في مسارب البحث عن النجاة من بين براثن العتاة.

ترى من اين جاء مفهوم عاشوراء الذي ترخي فيه الآهات سدولها، والأنات نزولها؟

يقول المحرر المشرف: «عاشوراء لغة قد لا تعني شيئا آخر غير اليوم العاشر من أي شهر، ولكن عاشوراء الذكرى المتفق عليها اسلاميا انها العاشر من المحرم الشهر الاول في السنة الهجرية القمرية. ولهذا اليوم في التاريخ ذكرى تتصل بواقعة كربلاء التي استشهد فيها الامام الحسين (ع) ... والشيعة الاثنا عشرية يحتفلون بهذه الذكرى بطريقة مخصوصة، حيث تقام مجالس العزاء على امتداد العشرة الأولى من ايام محرم الحرام، وقد تمتد احيانا الى العشرين من صفر ذكرى اربعين الامام الحسين (ع) الذي صادف عودة اهل بيته الى المصارع بعد أخذهم سبايا الى الكوفة ثم الى الشام".

و نتساءل مع المحرر: ما هي قصة هذه المجالس؟ وفي اي البلاد تقام؟ وما هي طبيعة الطقوس التي تمارس فيها؟ وما يثار حولها من نقاش داخل صفوف الشيعة الامامية انفسهم؟

هذه التساؤلات وما يتفتق من بين ثنايا اجاباتها من اثارات واستفهامات هي محور الكتاب المتوزع على 277 صفحة والذي اصطف بين  طياته المرجع والمفكر والاديب والاكاديمي والخطيب والسياسي والشاعر، الاسلامي بأفكاره والعلماني بتوجهاته، والبرزخي بمواقفه، في جولة تحاورية فوق صفحات مجلة «النور»، صهلت فيها جياد الاقلام وتشابكت فيها اسنّة الأفهام بين من ينظر للمنبر الحسيني ومن يؤرخ له ومن يشرع، ويتسقط الفروع من بين زحام الاصول، مؤصلا للنص ومؤطرا للفرع، فازدحمت الاسماء على اختلاف مشاربها فكانت حسنة من حسنات الكتاب.

ومن الاسماء التي سجلت حضورها في هذا الميدان الحسيني الذي لا ينضب رواؤه ولا يخمد اواره، بحسب تسلسل ظهورها على صفحات الكتاب: الدكتور علاء الجوادي، الدكتور ابراهيم بيضون، الدكتور ابراهيم الحيدري، الشاعر شوقي بزيع، الدكتور محمد بحر العلوم، الدكتور محمد علي الشهرستاني، السيد عبد المجيد الخوئي، السيد محمد حسين فضل الله، الشيخ عبد الحسين صادق، السيد غياث طعمة، الشيخ احمد الوائلي، الدكتور هادي العلوي، السيد علي مكي، السيد منير الخباز، الشيخ محمد السند، الدكتور عبد الله الحامد، الشيخ محمد باقر الايرواني. وشارك الجمع في التعقيب او الرد كل من الدكتور زهير غزاوي، وعامر عبد الله الكوفي، وعبد الهادي الصالح والشيخ ابراهيم النصيراوي.

استل المؤلف المسائل المتعلقة بالمنبر الحسيني من كتاب استفتاءات الامام الخوئي (قده) لتكون مرجعا تشريعيا يعود اليها القارىء اذا اعيته الحيلة في تلمس طريقه الشرعي وهو يمارس شعيرة من الشعائر الحسينية، وينتهج بها الخطيب الذي يتسلق اعواد المنبر خاطبا قلوب الناس قبل عقولهم، وارواحهم قبل اجسادهم.

مأسسة المنبر الحسيني

الدكتور الجوادي تناول في ورقته ما جاء في الباب الثاني من استبيان شارك فيه جمع من اصحاب الفكر والقلم، فتطرق الى عوامل بقاء العزاء الحسيني واهدافه والوظيفة الاجتماعية له، مشكلا على بعض الخطباء الذين تغيب الدقة في تعاطيهم لواقعة كربلاء، مؤكدا في الوقت نفسه اهمية مأسسة المنبر الحسيني وتخليصه من الجهد الذاتي الذي يقصر عن النهوض بالاعباء، مع الاستفادة من تجربة الشيخ محمد رضا المظفر في العراق، في تأسيس مدرسة للخطابة في ثلاثينيات القرن الماضي.

وعرج الجوادي على الشعائر والطقوس التي تمارس في هذه الذكرى، فتجاذب اطراف الحديث عنها من جانبها الفقهي واختلاف موقف الفقهاء منها، مثل شج الرؤوس.

ولما كان محور الكتاب هو المنبر الحسيني، افاض الجوادي في ورقته الحديث عنه، مثبتا القول انه: "لم تكن لتتحقق اهداف ثورة الحسين في كربلاء ما لم تمارس مؤسسة المنبر الحسيني لدورها".

الباب الأول من الكتاب الذي حمل عنوان «العزاء الحسيني» شارك فيه الدكتور بيضون والحيدري وبزيع  بالابحاث التالية: «نص التاريخ ونص العزاء»، "قراءة تاريخية اجتماعية في نشأته» و«دم الشرق الذي لا يتخثر".

قراءة جديدة

وتناول الدكتور بيضون الاستاذ في علم التاريخ جانبا من الحوادث التاريخية المتعلقة بثورة الامام الحسين، و هو كعادته لا يمر على الحدث دون ان يترك اثره فيه نابشا التاريخ معاينا اياه بنظرته الفاحصة حتى وان خالف برؤاه ما اجمعت عليه جماعة خطباء المنبر الحسيني، ولذلك فهو يدعو الى قراءة جديدة للقضية الحسينية وعدم اقتصار ذلك على المؤرخين مناشدا خطباء المنابر "الخروج من دائرة التحريض، الى مستوى التعاطي الثوري مع اطروحة الحسين، فلا ينبغي - وعن حسن قصد - قتل النموذج، ذلك بقي مشعا، وفيه مخزون الثورة المتجدد، وتراثها ماضيا وآتيا".

الدكتور الحيدري استاذ العلوم الاجتماعية قرأ مراسيم العزاء الحسيني قراءة تاريخية اجتماعية في نشأتها وعوامل تطورها واستمرارها، منتهيا الى ان "مراسيم العزاء الحسيني ارتبطت بتاريخ المعارضة السياسية في الاسلام وتحولت الى شكل من اشكال الرفض والاحتجاج ضد الرؤية الأيديولوجية الرسمية التي نمت وترعرت في واقع اجتماعي مرفوض، الذي كان سببا في نشأتها وتكوينها وتغذيتها وانتشارها منذ قرون عدة، حتى تحولت الى ضرب من ضروب المقاومة العلنية احيانا والخفية الملجومة احيانا اخرى".

ونظر الشاعر بزيع الى عاشوراء من كوة الوجدان الشيعي الشعبي، مؤكدا ان واقعة الطف في 61 هجرية: "ليست مفتوحة على الماضي فحسب بل على الحاضر والمستقبل" و "ان البعد الرمزي الذي تجسده فاجعة استشهاد الامام الحسين واصحابه في واقعة كربلاء يفتح الحدث على مصراعيه ويشرّعه على تأويلات شتى تتخطى حدود المناسبة وتخترق حدود الزمن الذي تنتسب اليه".

الباب الثاني كان غنيا باجابات مجموعة من رجال الفكر والقلم توجه اليهم المحرر بمجموعة من الاسئلة على هيئة استبيان في خمسة محاور تعرضت الى عوامل بقاء العزاء الحسيني واهدافه ووظائفه الاجتماعية، والاشكاليات التي تثار حول بعض خطباء المنبر الحسيني عند استعراضهم لاحداث الثورة الحسينية، والوسائل الناجحة لخلق مدرسة خطابية  حضارية يتخرج منها الخطباء ليواكبوا التطورات، وما يثار من علامات استفهام حول بعض الممارسات عند احياء العزاء الحسيني، فيما تعرض المحور الاخير الى الوسائل الكفيلة بحماية الشعائر الحسينية من الاستغلال والتشويه.

واقتنص المحرر بحسه الصحافي رؤوس ما ورد في الاجابات، فكانت التالي:

- الدكتور محمد بحر العلوم: «لن ينتهي ما دام هناك ظالم ومظلوم»، "اصبح وسيلة للوعي والارشاد»، «البعض يعتبر منع التطبير طمرا للقضية الحسينية".

- الدكتور محمد علي الشهرستاني: «ابقاؤها قوية حتى يبقى الاسلام قويا»، «ما يؤذيك قد لا يؤذيني وعلى المكلف تحديد موضوع الإيذاء»، "عاشوراء قد يستغلها البعض للقفز على كرسي الحكم".

- السيد عبد المجيد الخوئي: «المرجعية صمام الأمان من استغلال شعائره» و"لا يمكن ترك القديم الا بوجود البديل الأفضل".

- الشيخ عبد الحسين صادق: «تعبر عن كفاح الحالمين بالحرية والعدالة»، «بقاء كربلاء وتعاليمها حية في الوجدان»، «مادتها الفكرية والخطابية تتفاعل مع ثقافة العصر".

- السيد غياث طعمة: «طاعة الأمر أهم عوامل استمراره»، «تعبير عن وجدان الأمة في كل حين»، «لا بد من عمل مؤسساتي ومعاهد متخصصة في هذا المجال".

- الشيخ احمد الوائلي: «العقيدة تلعب دور الروح فيها» ، «المجالس يمتد تاريخها الى أيام الرسول»، «المطلوب انشاء مؤسسة لمنهجة الأنشطة الدينية".

- الدكتور هادي العلوي: «مواكب العزاء كانت بمبادرة من البويهيين»، «من وسائل التثقيف الشعبي»، «المطلوب فتوى جماعية تعتبر اللطم من المحرمات".

- السيد علي مكي: «دعاة التصحيح والتجديد» ، "يريدون كلماته جوفاء لا تجسد مظلومية اهل البيت".

- السيد منير الخباز: «ترسيخ مبادىء الحسين وتجذير أهدافه»، "نقابة للخطباء ولجنة لإعادة تأريخ الواقعة".

- الشيخ محمد السند: «الهوية الحقة للدين الحنيف»، "لا تتحقق الحرمة بمجرد الضرر".

- الدكتور عبد الله الحامد: «تطوير اساليب التعبير عن المأساة عاطفيا وثقافيا وفكريا»، "ذكرى نحييها أم نموذج نحياه".

- الشيخ باقر الايرواني: «هدفه الحفاظ على الخط الأصيل للاسلام»، "تمحيص الحدث المنقول للتأكد من سلامته".

وكان من الطبيعي ان تثير بعض الاجابات ردود فعل، وهو ما عليه الباب الثالث، اذ وصلت المحرر ردود متباينة كتباين الأجابات، وان سخنت عواطف بعضها لدوافع عقيدية ومذهبية، وكان لا بد ان تصل مثل هذه الردود بلحاظ ان الأمين لم يتعاط في تناوله للمنبر الحسيني مع شريحة واحدة، فتكون ذات اتجاه واحد، وهذه واحدة من خصوصيات الأمين ومن معالم الكتاب نفسه.

وعمل المحرر في هذا الباب ما عمله في الباب الثاني، من استنطاق النقاط المهمة من بين ثنايا الأسطر:

- الدكتور زهير غزاوي: «ترك تراثا هائلا ومتميزا من الأدب والفلسفة والسياسة وعلم الكلام»، «لبناء مدرسة اهل البيت والحفاظ عليها»، "ترسخ شكلا ومضمونا عبر الزمن".

- عامر عبد الله الكوفي: «مؤسسة جامعة تعنى بشؤونه وتنهض بمسؤوليته»، «لخلق الانفعال الايجابي تجاه قضايا الحق»، "الارتقاء الى مستوى طموح شبابنا المثقف".

- عبد الهادي الصالح: «حسينية الطفل»، "بناء جيل المستقبل".

- الشيخ ابراهيم النصيراوي: «لم ينحصر لقب سيد الشهداء بفرد»، "اللطم تحدٍ للظلم والطغيان".

وكان ختام الكتاب جوانب ادبية لفؤاد جابر كاظم، تناول المسرح الاسلامي بعامة والحسيني بخاصة.

في واقع الامر ان كتاب «المنبر الحسيني .. دوره ومستقبله» يضيف جديدا الى المكتبة العربية والاسلامية، بخاصة مع الحرص على استعراض الاراء المتشاكلة منها والمتباينة وعدم الوقوف الى سماط من الرأي  دون استعراض السماط المقابل من الرأي الآخر، وافساح المجال امام الاقلام المتناظرة لتحبّر صفحات المعرفة بدواة الرأي والرأي الآخر.

الرأي الآخر للدراسات / لندن

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1426هـ