ها نحن أمام موسم جديد تُحيى فيه قضية الإمام الحسين بن علي بن أبي
طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) الذي استشهد من أجلها في العاشر من
محرم بأرض كربلاء المقدسة عام 61هـ.
وفي هذا الموسم الذي ينطلق منذ الليلة الأولى من شهر محرم الحرام،
سيكون العنصر الأكثر بروزاً فيه هم (الخطباء) الذين ستعلو أصواتهم عبر
ميكرفونات المساجد والحسينيات على مدار الساعة، وكلهم يخطب في مستمعيه
بهدف نشر الوعي والثقافة إعلاء لكلمة الإسلام التي ضحى من أجلها الإمام
الحسين (عليه السلام) بجسده وأجساد ثلة من عظماء المؤمنين.
سيتناول كل خطيب موضوعات معينة خلال هذا الموسم الحسيني. بعضهم سبق
أن حَضَّر موضوعاته، والآخر سيتركها على الله! وقليل منهم من سعى
لمعرفة حاجة الناس لمناقشة بعض الموضوعات التي تهمهم وتقلقهم من خلال
سؤالهم واستفتائهم عن أجندة الخطابة الحسينية في محرم الحرام.
هذا العام نتمنى من خطبائنا الأجلاء عدم مناقشة موضوع التطبير،
وندعوهم لبحث الحالة الأخلاقية عند جيل الشباب، وتحبيبهم إلى الدين
والتدين، وتوجيه الآباء والأمهات والأبناء والبنات بما يتفق والشريعة
الإسلامية في خصوص هذا الموضوع.
قبل أسابيع؛ استوقفت امرأة ثلاثينية سيارة أحد أصدقائنا، لتصعدها
عنوة، وتجلس بجواره بالإجبار، طالبة منه أن يوصلها إلى المكان الذي
يختاره!! أخبرته أنها مطلقة، وأخبرها أنه متزوج ويخاف الله عز وجل..
طلبتْ منه إعطاءها كل ما في محفظته من نقود أو تصرخ في الناس مدعية
تحرشه بها.. مدت يدها إلى محفظته واستولت على أكثر من ألف ريال هي كل
ما تبقى من راتبه.. كان يرتجف من هول الموقف، ترجاها أن تترك له جزءاً
من المبلغ لأولاده.. لم يهمها وخرجت بالمال من سيارته، وسرعان ما اختفت
عن نظره.. (أقول ربما في سيارة أخرى)!!
ما نتحدث عنه ليس مبالغة ولا تهويل.. ما نتحدث عنه؛ هو انحدار
أخلاقي شنيع وارتفاع في معدل الجريمة لا يُستهان به له مسبباته
الكثيرة، على رأسها؛ البطالة المتفشية والتي تتحمل الدولة المسؤولية
فيها كاملة، في الوقت التي تُصرف الملايين من الريالات على أمورٍ لا
طائل منها بالنسبة إلى المواطن.
إلى جانب ما يبث عبر شاشات التلفزيون من مشاهد الإثارة وتبرير
العلاقات غير المشروعة، وما يجري في الإنترنت من تعبئة لا أخلاقية
يمارسها الشباب بين بعضهم البعض.
أضف إلى ذلك النقص التربوي البيِّن الذي يتجلى في عدم متابعة
الأبناء في دراستهم وصداقاتهم وسلوكهم، وكل ما يهم بعض أولياء الأمور؛
الثرثرة في الهاتف، والمبيت في الديوانيات والقهاوي، والتسمر أمام
شاشات تداول الأسهم طوال اليوم.
إن ما يمر به المجتمع الخليجي على وجه الخصوص هو حالة من الانفلات
الأخلاقي الذي يبدو أنه يتعدى كونه دون الظاهرة الاجتماعية، وبدأ يخرج
من التكتم والتستر إلى حالة شبه علنية يساعده في ذلك سرعة التطور
التقني والاستخدام السيئ لهذا التطور.
يا معشر الخطباء.. أعود لأقول: ليس هذا تهويلاً، بقدر ما هو تحذير..
وإن كان بينكم من ينكر وجود مثل هذه الحالة، فليترك عنه عدم التخلف في
حضور الولائم، وعدم التقيد بالنظام بقطع صفوف الناس عنوة في الفواتح
والأعراس، وليسأل أبناءه وجيرانه وشباب مجتمعه.. وليحاورهم ويقترب منهم
أكثر مما يقترب لمن يدفعون الأخماس ويقبلون الجباه، وليبحر في الإنترنت
قليلاً باتجاه غير اتجاه، ليكتشف ما لم يكن في البال.
أيها الخطباء.. إننا نشعر بضرورة التركيز على قضايا الشباب، والحالة
الأخلاقية في المجتمع باستثمار قضية الإمام الحسين (عليه السلام)
وثورته ضد فسق يزيد وفجوره في تنوير الجيل الشاب وتوعية الآباء
والأمهات والمعلمين بواجباتهم ومسؤولياتهم.
*رئيس تحرير موقع قطيفيات، مدير تحرير مجلة
القرآن نور |