نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

الثقافة الحسينية/ الفصل الرابع: نظرات نقدية في أدوات الثقافة الحسينية

الفصل الرابع

نظرات نقدية  في

أدوات الثقافة الحسينية

 

 عن الإعلام الولائي

 من الملاحظ أن الإعلام الإسلامي الشيعي الولائي منحسر عن الساحة الإعلامية، وأقصد بالإعلام الشيعي هو ذاك الذي يعبر عن الرؤية الإمامية ويطرح فكر أهل البيت (ع) بكل جرأه وصراحة، ودون استحياء من أحد.

لقد أخذ العطاء الشيعي يتنامى ولكن في اتجاه آخر هو الاندماج في المجتمعات الأخرى قلباً وقالباً، وهذا بحد ذاته ليس مرفوضاً لمشروعيته من جهة وواقعيته من جهة أخرى، ولكن من المؤسف أن نرى كل من تتوفر له الإمكانيات المادية لا يدّخر وسعاً في الانسياق والاتجاه نحو العطاء العام تاركا الخصوصية الفكرية لأهل البيت (ع)، إننا نشعر بعمق غياب الاهتمام الإعلامي الذي يدعو لأهل البيت (ع) ويعبر عن رؤاهم للحياة، ومقاماتهم وفضائلهم التي فاضت بها كتب التاريخ الشيعية منها والسنية على حدّ سواء، إنها تنادي هل من مفجر لها ليشرب بها عباد الله ؟، و أما الغلو في الاستحياء من الآخرين مما يبعد مجتمعاتنا عن أهل البيت (ع) لهو الأمر المرفوض ..

وفي هذا الصدد أود أن أنوه على نقطتين :

الأولى: علينا تجاوز  مرحلة الحصار والحرب ضد الشيعة، التي ولدت في وعينا عقدة الحصار، فاعترافنا بأننا نعيش أزمة الحصار يعدّ نصف الحل لتجاوز تلك المرحلة، وبالتالي علينا أن نبدأ بالانطلاقة الجديدة خصوصاً أمام هذه التحديات الجديدة لأجيالنا من الشباب، وتجاوزها ليس مستحيلاً، فإننا نلاحظ أن الكثير من الحركات الإسلامية الشيعية استطاعت أن تخطو خطوات مهمة في المجال السياسي أو العسكري، ولكن ذات الحركات لم تحقق في مجال الإعلام الشيعي الذي ينشر فضائل أهل البيت (ع) ويبين ماكانتهم نصف ما حققته في المجالات الأخرى .. والحل من وجهة نظري أن نبدأ بذلك، ولا شك فإن التوفيق الإلهي سيكون إلى جانبنا، ولنبدأ بطرح الأفكار على كل من له الشأن أو القرب من أي جهة تستطيع أن تعمل ولو بالشيء القليل في هذا المجال .

النقطة الثانية : نوع الخطاب، لقد قصدت فيما ذكرت أن نخرج من حالة الاستحياء من العالم الخارجي، لا شك أن الدنيا خلعت ثوبها القديم ولبست ثوباً عولمياً إن صح التعبير، ولكن ذلك لا ينبغي أن يحيدنا عن العطاء باستخدام ألآت العولمة لبث المضمون النوعي لفكر أهل البيت (ع) ..

نوع الخطاب الذي أقصد هو بث الثقافة الولائية لآل البيت (ع) وهي التي تتحدّث عن حقيقة الرسول وأهل بيته ومكانتهم التكوينية والتشريعية، والالتصاق بالأوراد والمأثورات عنهم (عليهم السلام) في جميع مناحي حياتنا ولكافة فئاتنا العمرية، ابتداء بالطفل الرضيع وانتهاء بدفنه ميتاً، والحديث عن فكرهم عليهم السلام ورؤاهم لمشاكل العالم، وأن لا نتجاوز أقوالهم في حالات الإشغالات المعرفية الراقية،  والتسلّح بهذا النوع من الثقافة له أثر كبير لا يستهان به، فهو حصن منيع ضد الغزو الثقافي والمؤثرات الخارجية المختلفة، ودافع قوي نحو العمل والنجاح، إضافة إلى مباركة الله تعالى وتوفيقه.

وهذه بعض الأحاديث التي تقرّب مفهوم الثقافة الولائية :

قال رسول الله (ص) : ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال : فإني سائلكم عن اثنين عن القرآن وأهل بيتي.

وقال (ص) : اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس ولا تهتدي إلا بالعينين .

وقال (ص) : حب آل محمد يوماً واحداً خير من عبادة سنة ومن مات عليه دخل الجنة.

المسألة الحسينية

إن القضية الحسينية والإمام الحسين (ع) بما يحمل من رمزية وثقلاً قيمياً هائلاً، هو موقع قوة ونقطة مضيئة في تاريخنا، وثورته هي الثورة الأنصع التي قدمت تضحيات للدفاع عن الحق ولإصلاح الإنسان، وبالتالي فهي قوة جاذبة في الإعلام الولائي، وفي نظرة عابرة لتصريحات غير المسلمين من المفكرين والباحثين، نجد مدى قدرة قضية الإمام الحسين (ع) على الجذب والإعجاب.

تقول الكاتبة الإنجليزية فريا ستارك : "لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء".

ويقول الباحث الإنجليزي جون أشر في كتابه (رحلة إلى العراق) : "إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي..".

وفي كلمة معبرة يقول الكاتب الانجليزي توماس لايل في كتابه دخائر العراق) : "ولم يكن هناك أي نوع من الوحشية أو الهمجية، ولم ينعدم الضبط بين الناس فشعرت في تلك اللحظة وخلال مواكب العزاء ومازلت أشعر بأنني توجهت في تلك اللحظة إلى جميع ما هو حسن وممتلئ بالحيوية في الإسلام، وأيقنت بأن الورع الكامن في أولئك الناس والحماسة المتدفقة منهم، بوسعهما أن يهزا العالم هزاً فيما لو وجها توجيهاً صالحاً وانتهجا السبل القويمة ولا غرو فلهؤلاء الناس واقعية فطرية في شؤون الدين..".

فينبغي أن تكون قضية حاضرة في شعورنا، لكي ننشرها في العالم كله، ليعيش كربلاء ويعيش ثورة الإمام الحسين (ع).

الطموح الإعلامي

إننا نجد أنفسنا نفكر ببساطة عندما يكون مبلغ مطلبنا وأمنياتنا أن نستخدم التقنيات الجديدة كخدمة إعلامية لمبادئ كربلاء وقيمها، فنرضى عن أنفسنا إذا استخدمنا النقل المباشر عبر شبكة الإنترنت بالشكل المحدود أو عندما تتبنّى قناة أرضية ساعة من الزمن التغطية الإعلامية لفعاليات عاشوراء، أو عندما تخصص إحدى الصحف صفحة واحدة لتكتب عن الإمام الحسين وثورته.

لعل ما أودى بنا إلى أن نستأنس بهذا القدر من استخدام الإعلام الحديث لقضية عاشوراء هو الحال الذي عليه أغلب أتباع أهل البيت (عليهم السلام) من اضطهاد وسلب للحقوق، لكن ليس ذلك كافياً كمبرر ولا يمكن أن يكون مسكّناً لهواجس إلا فاقدي الطموح، بينما ينبغي أن نطير بطموحنا إلى أفق رحيب جداً، كما يطير الطائر بجناحيه.

ولابد أن نتهم أنفسنا أيضاً ولا نوقع اللوم بكامل ثقله على الظروف المحيطة، علينا أن نوجّه النقد لهممنا، لطريقة تفكيرنا، لتفككنا الذي يلقي بظلاله على كافة مشاريعنا، ومنها الكربلائية .

ولكي نتخطّى تلك البساطة، علينا أن نفكّر بطريقة تناسب متطلبات الواقع في السياسة الإعلامية لقضية الإمام الحسين (عليه السلام)، فإن في القضية الحسينية امتياز ذاتي وبعد إلهي، ذلك الامتياز هو عمق القضية و أصالتها و حقّانيتها و مبدئيتها ويميزها لون قيمها، والبعد الإلهي هو أنها قضية عالمية ليست لفئة معينة بل جاءت للإنسان و لرفع كرامته وتمكين سيادة الحق في الأرض من خلال جهود الإنسان ونشاطاته. فلابد أن يكون الطموح بقدر القضية التي نحملها من جهة، وبقدر التحديات التي يفرضها الواقع من جهة أخرى. 

إننا نجد تلك القضايا التي ترتبط بمصالح دولة خاصة أو بمصالح مصنع من المصانع أو بمتجر ما، كيف يخطط أصحابها لها، لكي تغزوا العالم بأسره من خلال الإعلام بكافة وسائله، وذلك ليس لأن الوسائل الإعلامية متوفرة فحسب، وإنما بسبب السياسة الإعلامية الطموحة التي تريد أن تدخل خبراً معينا أو فكرة أو سلعة ما، إلى كل بيت، فتنطلق تلك الدمية من أمريكا لتنتشر لدى أطفال كل العالم بما فيهم أطفال المسلمين، فمن منا لم يعرف (وال ديزني) مثلاً ؟، فإن لم يتعامل معها، فإنه قد سمع بها .. وأمثال هذه كثيرة جداً ..

فقضية الإمام الحسين (ع) تحتاج منّا أن نفكّر في نشرها عالمياً عبر خطط بهذا المستوى، و لا أعتقد أن هناك أحداً سيصغي لقضية كربلاء لن يداخله التأثر والإعجاب بمبادئها وقيمها التي خطتها وتريد أن تخطها في الوجود الإنساني ككل، فضلاً عن الاقتناع والإتباع.

فلا يكفي أن نصل إلى وسائل الإعلام بالقضية الحسينية، وإنما لابد أن نوصلها لكافة الناس، لأن الإعلام وسيلة لتكون بين أيدي الناس، فأعداد الصحف والمجلات لا حصر لها، فكيف نرضى بصفحة واحدة في صحيفة محدودة التداول؟ .. والقنوات القضائية تغزوا الفضاء والأرض، فكيف نقنع ببث ساعة هنا وساعة هناك على قناة أرضية محدودة المشاهدة؟ وكيف نرضى عن بث مباشر على شبكة الإنترنت لا يتحمل إلا عدد محدود في المشاهدة ؟ والإنترنت شبكة عالمية عنكبوتية، تنشر خيوطها في مساحة واسعة من المستخدمين.

فعندما ندرس السياسة الإعلامية التي اتبعتها السيدة زينب (عليها السلام) لإيصال أحداث كربلاء ورسالتها في الناس، وهي امرأة وحيدة في زمن لا تتوفر فيه أي وسيلة إعلامية، فمبلغ الفرد إيصال مقدار صدى صوته للناس، ولكنها تغلبت على ظروف تلك الحياة وأوصلت رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) لكل بقعة حطّت بها عبر مسيرة السبي، ووضعت في كل بقعة علامة تدل على ذلك، فسواء في العراق الذي أبلغت أسواقه، أو القصر الذي جلجلت فيه بصوتها الشجاع، أو القرى والمدن التي مروا بها مثل حلب في سوريا والمدينة المنورة، بل ووصلت إلى مصر، فكان لها أنصار وكان لها متعاطفون.

إذاً الخطوة التالية في التفكير في إعلاميات القضية الحسينية هي أن نوصلها إلى الناس كافة ولو سماعاً .. فهي بداية لتأخذ مداها العالمي في التأثير ،كما أراد لها الله عز وجل والإمام الحسين (عليه السلام) أن تكون هداية وتحرر للبشرية جمعاء.