نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

الثقافة الحسينية/ الفصل الثالث: رؤية تاريخية.. انفعالات الثقافة في المسيرة الحسينية

انفعال الثقافة .. تأثر الأصحاب مثالاًً

 

عندما نبحث الانفعال وندّعي أن هنالك انفعالاً عميقاً للثقافة في المسيرة الحسينية، فهذا يعني أننا لابد أن نرى أثره في المتلقين بشكل مباشر لخطاب الإمام الحسين (ع) قبل أن نلقي الضوء على الأثر الذي لحق الثورة .

الذين التحقوا بالركب الحسيني كما ينقل التاريخ لم يكونوا كثرة ،بل كانوا قلة، وكان عددهم اثنان وسبعون رجلاً، والقلة هنا نسبية، لأن الواقع الذي كان سائداً آنذاك واقعاً يعاني من بعده عن روح الإيمان، ومنفصل بفعل سياسة معاوية عن مناقب آل البيت (ع)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد كان الظرف حرجاً وصعباً من حيث الظلم السائد والقمع الذي كان يمارسه الأمويون في حق العباد، وخصوصاً من يخالفهم الرأي، فعدد (اثنان وسبعون) رجلاً لم يكن قليلاً بالنظر لتلك الظروف، ولكن هذا لا يعني إيجاد عذر للأغلبية الذين لم يستجيبوا لدعوة الإمام (ع) .

ولقد كان أولئك الرجال يتصفون بصفات عظيمة، فقد كان فيهم العلماء والوجهاء والمؤمنين المخلصين، فقد كانوا صفوة نوعية من مجتمع آيل للانهيار .

أما انفعالهم فقد كان واضحاً وصارخاً، ترجمته ردود أفعالهم أمام الدخول في معركة تسلب الأرواح، فهذا انفعال علي الأكبر في قوله : ( إذاً لا نبالي بالموت أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا)، و هذا العباس يقول مخاطباً الإمام الحسين (ع) : (لا والله لا نفارقك يا أبا عبد الله حتى نفديك بالأرواح ونقيك بالأنفس) .

ومسلم ابن عقيل في الكوفة في قصر ابن زياد وليس بينه وبين الموت إلا لحظات، عندما قال له ابن زياد : كأنك تظن أن لكم في الأمر شيئاً، فقال له مسلم بكل ثقة : ( لا والله ما هو بالظن ولكنه اليقين) . كما ترجم تلك الحقيقة زهير ابن القين ذلك الوجيه في قومه بعد الخطاب الحسيني الذي ألقاه في مسيرهم، يقول : ( قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك .. والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنّا فيها مخلدين، إلا أن فراقها في نصرِك ومواساتك، لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها).

وهنالك الكثير ممن أبدوا انفعالهم الواعي بوضوح الرؤية والإيمان بها، ومن تلك المواقف التي ظهر فيها التأثر بوضوح، عندما وصل كتاب الإمام الحسين (ع) لحبيب ابن مظاهر الذي جاء فيه : (فإن كنت يا حبيب تروم أن تحضى بالسعادة الأبدية فبادر إلى نصرتنا)، فكان انفعالاً ثلاثياً، فحبيب نهض للخروج قائلاً : ( أفديه بنفسي وأهلي وولدي)، واستشرى الانفعال  إلى زوجته عندما قالت له : ( يا حبيب إن لم تمض إلى نصرة الحسين لألبسن ملبوس الرجال وأمضي إلى نصرته ..)، وتعداهما إلى العبد الذي أمره حبيب بالانتظار عند الخيل ليأتيه للخروج، فلمّا أبطئ حبيب سمع العبد يقول للجواد : (والله لئن لم يأت صاحبك ويركبك لأعلون ظهرك وأمضي لنصرة سيدي ومولاي الحسين) . فقلما نجد تلك الإنفعلات في عمقها ووثوقيتها في هذا الزمن المحدود، فكانت ردود فعل صادقة عبرت عن استيعاب للرؤية واستعداد للتضحية في سبيلها، وقد لخصها برير ابن خضير المقاتل، بقوله : (والله إن بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم).

بعد أن رأى الإمام الحسين (عليه السلام) من أصحابه هذه المواقف التي تدل على عمق الإيمان ووعي المبدأ والتمسك به في أصعب الظروف، قال قولته المشهورة فيه : (أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً)، فكانت وساماً أبدياً يبين مدى انصهارهم في قيادتهم الربانية، وقد جسّد هذا التفاعل الواعي بين القيادة والأتباع قول الله تعالى : (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)[1].


[1] سورة يوسف ، آية 108