ملحمة بطولة وجهاد عز.. |
الدور البارز للمرأة في الثورة الحسينية – السيدة زينب (عليها السلام) نموذجاً رسالياً |
إن قيادة الإمام الحسين (عليه السلام) تلك الثورة العظيمة في يوم عاشوراء لم تكن خبط عشواء وهوىً عابر مع حماسة نفسية، بل كانت عن وعي متكامل وشرعية هادفة، أيدته عليها الإرادة الإلهية، وساندته القدرة الربانية، واتفقت مع منطق السنن التاريخية، فكانت ثورة ربانية بعيدة عن كل نقص، معصومة عن كل خطأ، حاوية لكل خير، هادفة لكل نفع.. فهي ثورة متكاملة في جميع أجزائها، بشكل يتناسب مع تكامل شخصية الإمام القائد، وعصمته عن الخطأ. والحسين المعصوم (عليه السلام) لا يقف إلا المواقف المعصومة عن الخطأ، ولا يقود ثورة إلا وتهدف المصلحة الرسالية العامة، وينال فيها رضا الله ورسوله. ومن هذا المنطلق نتعرف على الحسين عندما سالم، والحسين عندما حارب، وفي كلا الحالين كان ثائراً، فالثورة لا تكون فقط في الحرب المباشر، بل ربما تهيئة الأجواء وتحضير الساحة التي تضغط على العدو، وتركيز القاعدة التي يمكن أن تثبت أمام تحديات العدو، تكون أبلغ تأثيراً وأكثر قوة وفاعلية من الحرب المباشر في البداية. وهذه استراتيجية بالغة النفع حتى في عصرنا، حيث تتحرك الحروب بنسبة (75) بالمئة في خط إعداد الساحة، وتحضير الجو الملائم مما تتحرك في خط الصراع الحار، الذي تتحرك فيه الأسلحة في كل مكان. ومن خلال التكاملية في سلسلة الثورة لا يعقل من الإمام (عليه السلام) أن ينسى إعداد العدّة لما بعد الثورة خصوصاً في زمن التشويه الإعلامي ووسائله المتقدمة نسبياً آنذاك، لذلك قام الحسين (عليه السلام) ومن قبله جده وأبيه وأمه (عليهم السلام) في إعداد السيدة زينب (عليها السلام) إعداداً رسالياً مسبقاً يتناسب مع المهمة الجهادية الإعلامية التي سوف تتحملها في الثورة، ولأهمية دورها المرسوم لها، كانت بحاجة إلى بعض المقومات والخصائص المعينة في بناء شخصيتها المتكاملة القادرة على الثبات في أداء مسؤوليتها الربانية الشاقة التي أنيطت بها والتي منها: الاستيعاب الكامل لفلسفة الثورة، الوعي في التحرك، الإشراف على عائلة الحسين (عليه السلام) الصبر على شدة البلاء، الإرادة القوية، القدرة على المحاججة، المتكة في التعبير، الموهبة في الخطابة، الصلابة في التبليغ، والفكر النافذ المؤثر.. وغيرها. وهذه الصفات المتكاملة لا يمتلكها إلا نوادر الرجال والنساء، لذلك أصبحت (عليها السلام) ولا زالت قدوة وقيادة شرعية مخلصة وكفوءة لجميع المسلمين رجالاً ونساءً. فكانت المجاهدة الصابرة، بطلة الحرب النفسية، تواصل قيادة الثورة الحسينية بعد استشهاد أخيها (عليه السلام) بالقوة والواقع المتغير فكانت تحمل قوة الثورة، وتمتلك صفات قائدها الثائر، معبأة بإرادة التضحية، ومستعدة للشهادة على أرض الواقع الجهادي كما حصل مرات عديدة في حمايتها للإمام زين العابدين (عليه السلام)، وكانت (عليها السلام) لسان حال الحسين الناطق البليغ – في المحور الأفقي الاجتماعي الممتد في الأمة، والتي لم تضعف ولم تستكن عن نصرة أهداف الثورة، وتوضيح حقائقها للناس. وكانت (عليها السلام) ثورة إعلامية ثائرة لا تهدأ، تستقطب الجميع، وتستغل كل زمان ومكان مناسبين لتوضيح أسباب الثورة، وقداسة أهدافها ورجالها، وتكشف حقائقها ومعالمها، حتى تستطيع أن تهيئ الظروف السياسية المناسبة، وتوفر الأجواء الإعلامية الملائمة، التي يمكن من خلالهما أن تتحرك ضد العدو، وتتمكن من تجميع الطاقات المؤمنة الموالية الصادقة من جديد، التي بإمكانها أن تثبت أمام تحديات الظالمين. أقامت (عليها السلام) في المدينة تواصل جهادها بعزم وتصميم على أداء رسالتها، فكانت تؤلب الناس على الطلب بثأر الحسين (عليه السلام) وخشي عامل المدينة من وجودها أن تفجر ثورة في المدينة ومكة، لأن ابن الزبير رفع شعار الطلب بثأر الحسين (عليه السلام) وهياج المدينة يدعم ثورته ضد يزيد، وأعلن ابن الزبير خلع يزيد ودعا الناس إلى ذلك وكتب عامل المدينة إلى يزيد يحذره من خطر دعوة زينب (عليها السلام) وجاء الأمر من يزيد بلزوم إخراجها، ولكنها أعلنت أنها لا تخرج حتى يُراق دمها، ثم اجتمع إليها نساء بني هاشم وتلطفن معها في الكلام، حتى هاجرت هجرتها الثانية، وهي تشق طريقها بالعزم والتصميم على المضي في جهادها. وهي وقفت أفضل المواقف الجهادية، عندما صدعت بالحق أمام سلطان جائر، وعندما كانت تمثل جبهة الحق والعدل والحرية، مقابل جبهة الاستكبار والظلم والطغيان، وهي عزلاء من كل شيء إلا من سلاح الإيمان واللسان. فلولا خوضها (عليها السلام) الحرب الدفاعية المبدئية الشرعية من أجل كشف التشويه والزيف والتضليل ولولا متابعة الإمام زين العابدين (عليه السلام) وبطلة كربلاء زينب (عليها السلام) وغيرها من الامتدادات الموالية للحسين (عليه السلام) عملهم في نصرة الثورة الحسينية من بعده بطريقة جهادية إعلامية علمية توعوية هادفة ومستمرة لولاهم جميعاً لضاعت ثمرة الثورة واندثرت دماء الشهداء وجهاد الأنبياء واختلت الموازين الرسالية وسلبت الحقوق الإنسانية، ولتوجهت المسيرة البشرية نحو الهاوية الإلحادية، ولكانت صفحات التاريخ سوداء مظلمة، لأنها دون قيم ومبادئ سامية. |
شبكة النبأ المعلوماتية/ ملف عاشوراء 1425هـ |