ملحمة بطولة وجهاد عز.. |
عاشوراء وقفة عز وصمود في وجه الظلم والطغيان |
|
لكل إنسان منطق خاص، وطريقة تفكير خاصة، ولكل معايير ومقاييس يحدد بموجبها موقفه من المسائل والظواهر المختلفة، وللشهيد منطق خاص لا يمكن قياسه بمنطق الأفراد العاديين. فمنطق الشهيد أسمى.. إنه مزيج من منطق المصلح ومنطق العاشق.. منطق المصلح الذي يتضور قلبه ألماً لمجتمعه، ومنطق العارف العاشق للقاء ربه. وذلك يتجلى في شهداء كربلاء وفي سيدهم أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) حيث خرج بثورته في وجه الطغيان لطلب الإصلاح وأيضاً لما آلت الأمور إلى المواجهة مع العدو جعل أصحابه وأهل بيته في حلٍّ منه بأن يذهبوا وينجوا بأنفسهم وأن هؤلاء القوم لا يطلبون سواه. ولكن جواب الأهل والأصحاب كان بمنطق الشهداء لا الجبناء، لا أرانا الله ذلك أبداً، ومنهم قال أنحن نخلّي عنك ولما نعذر إلى الله في أداء حقك؟ أو والله لا نخليك حتى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله (ص) فيك، والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حياً ثم أذر، يُفعل بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حِمَامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك، وإنما هي قتلة واحدة، وهكذا كل واحد وعندها قلّدهم الإمام (عليه السلام) أعلى وسام وأسمى ترقية، إذ قال: لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي..). فمنطق الشهيد منطق الاشتعال والإضاءة، منطق الانصهار والانحلال في جسم المجتمع من أجل بعث الحياة في هذا الجسم، وبعث الروح في القيم الإنسانية الميتة.. منطق تسجيل الملاحم.. منطق النظرة البعيدة جداً. ومن هنا إن ثورة الحسين (ع) وإن أخفقت على الصعيد العسكري في معركة غير متكافئة، فإنها حققت انتصاراً ليس على المدى القريب بإسقاطها الحكم السفياني، بل على مدى الأزمنة، إذ كانت النموذج التي تستلهمه الحركات الثائرة على الطغيان وتختزنه الشعوب في وجدانها عنواناً للحرية والكرامة واستعادة حقوقها المغتصبة. أما كربلاء: التي خططت أدوات الجور لتكون على مساحتها النهاية الموعودة، فلم تكن سوى البداية على طريق طويل، يتواكب حَمَلَة المشاعل جيلاً بعد آخر، وقد أيقنوا أن الأهداف الكبيرة، لا سبيل إلى تحقيقها من دون هذا الدم الكربلائي وهو يصنع القناديل، وتلك الريح الجامحة كالصهوات، والنبضات التي تخترق سجف التاريخ، فلقد وضع الحسين (ع) في استشهاده العظيم، قانوناً للشعوب التي ترفض الانصياع للظلم، وتأبى إلا أن تكون لها الحرية والكرامة والقضية. ومازال دمه الثائر يطارد الطغاة ويدك عروش الظالمين في كل زمن... ويزيد نفسه الذي هو بُعيد كربلاء، إنما سقط في تلك اللحظة ومن هذا المكان بالذات، وما تبقى منه لوقت قصير لم يثبت غير ذلك، وإن تمادى في الترهيب واستباحة المقدسات. لقد جسدت ثورة الطف الكبرى كل أبعاد الرسالة الإلهية العقائدية والعبادية، والاجتماعية، والأخلاقية والسياسية، ومثلت الإسلام بالقول والفعل في أحرج الساعات، وتجلّت فيها أخلاقية حملة الرسالة في أنصع صورة وأروعها، فثورة الإمام (عليه السلام) في يوم الطف جاءت لتعبر عن عرض حماسي ونهضوي ومأساوي، ووعظي، وتبلور للعشق الإلهي، والمساواة الإسلامية والعواطف الإنسانية، وكل ذلك في أعلى أوج ممكن، وبواسطة مختلف صور الأبطال: الشيخ والشاب، المرأة والرجل، الحرّ والعبد، الراشد والطفل والرضيع مع تصوير لكل أبعاد الإسلام. فهي واقعة أرادت التعبير عن التوحيد كما عن العرفان والعشق الإلهي والتسليم والرضا، والتضحية في سبيل الله، أملاً بنيل الحق، في نفس الوقت الذي حملت فيه جانب الاعتراض والتمرد العنيف، ومساندة المحرومين بالإضافة إلى التعبير عن حماسة أخلاقية وإنسانية وشجاعة وحكمة ووعظ، ومساواة إسلامية، وتجل رفيع وسام للعواطف الأخلاقية والإسلامية. |
شبكة النبأ المعلوماتية/ ملف عاشوراء 1425هـ |