ملحمة بطولة وجهاد عز.. |
الشهادة ليست نهاية الحياة بل حياة جديدة خالدة |
|
الموت حقيقة واقعية لا مجال لإنكارها، بل لا بد على كل حي أن يتذوقها، فكل من عليها فانٍ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإنكار. وأيضاً رهبة الموت والخوف منه شيء واقعي ولا مجال للتحايل عليه، وإن كانت هناك تفلسفات للتخفيف من حدته إلا أنها لا جدوى فيها فسبحان من قهر عباده بالموت. ولكن الله الذي بيده ملكوت كل شيء باستطاعته تربية الإنسان، وتنبيهه للاستعداد للموت بل عشق الموت والبحث عنه للوصول إلى الخلود والحياة الدائمة كما في التصور الإسلامي. فالموت يمثل جسراً معلقاً بين نوعين من الحياة هما الحياة الدنيا والحياة الآخرة، يؤكد ضمناً على أنه ليس تلاشياً للوجود، بقدر ما هو توسيع لإطار هذا الوجود. والموت يحتل موقعاً حساساً في النسق العقيدي القرآني، بحيث يصبح ليس فقط ضرورة وجودية رابطة بين وجودين، وإنما ضرورة منطقية أيضاً!، ذلك أنه يستحيل تصور فكر ثنائية الحياة، وتمايز النشأين بدون تصور فكرة الموت الجسر. فالحياة الدنيا لها طابع الزوال والوهم والخيال، والحياة الآخرة لها طابع البقاء والثبات والاستمرار وهذا التأكيد من القرآن على وجود الحياة الآخرة لا نفع فيه ما لم يكن للإنسان واسطة إليها، وإلا لم يتمكن الإنسان أن يتمتع بنعيم الخلود. وفي هذا التصور لا يعد الموت موضوعاً كريهاً للإنسان، وينغص عليه حياته، ويضع لها حداً ونهاية، بل يصبح مرغوباً محبوباً، نظراً لأنه يقربه أكثر من غايته التكاملية القصوى، التي هي منتهى آماله، والمطلوب هنا ليس الموت لذاته، وإنما المطلوب قهر الشعوب بالخوف إزاء الموت، نظراً للنتائج السلبية المتمخضة عن هيمنة هذا الشعور بالخوف من الموت على الإنسان. وكثير من الأحيان يتوقف كل الجهاد الإنساني – في الاتجاه الذي يرفع الظلم من الحياة، ويقيم الحق والعدل في الحياة – على التغلب على الموت. والتغلب على الموت يحتاج إلى جهد مزدوج (الأول) جهد معرفي إيماني، يرتقي بالفكر الإنساني من مرتبة الاستسلام لهذه الحياة الوهمية، المسماة بالحياة الدنيا، إلى مرتبة الحياة الحقة وهي الحياة الآخرة، ولا شك أن إخلاد الإنسان للحياة الدنيا ينسيه الآخرة، والشيء الوحيد الذي ينقذه من هذا الإخلاد، ومن هذه الغفلة هو حضور الموت في حياته. فإن تذكر الموت باستمرار من شأنه أن يعزز حضور الآخرة ويوعي الإنسان أكثر بحقيقة الحياة الدنيا، فكما أن اليقين بالآخرة وما ينتج عنها يؤدي إلى قهر الخوف من الموت، ويفسح بالطريق إلى مواجهته، وبالتالي التوافق معه، فإن حضور الموت نفسه في الحياة يعزز الوعي العقائدي بالآخرة، فعن الإمام الصادق (ع) إن ذكر الموت يميت الشهوات، ويقطع منابت الغفلة، ويقوي القلب بمواعد الله، ويرق الطبع، ويكسر أعلام الهوى، ويطفئ نار الحرص ويحقر الدنيا. وعلى كل الموت هو بمثابة تعليق لكل الإمكانيات الإنسانية، وهو بمثابة تلاشي لمرحلة الخيارات والعمل، الموت يظهر وكأنه المحصلة النهائية للإمكانيات المستنفذة في الحياة، المحصلة النهائية لخياراته، فهو لا يأخذ القدرة على الخيار معه، وإنما يكتفي بنتائج الخيارات التي اعتمدت مع الموت. لا سبيل للتراجع وتزول كل فرص التراجع إلى الوراء بعد الموت الإمعان في الإخلاص للحقائق، وعند الإسلام يتصور مفهوم الموت على شكلين: 1- موت سلبي يرفضه الإسلام وهو الموت الذي يبحث عن الإنسان المطلوب – من بين الناس – عندما يقترب أجله المحدود، فيداهمه ويهاجمه ويقع عليه، فيقطع عمره، وينهي دوره في الدنيا إلى الأبد، وهو في غفلة عن هذا المصير. وسبب مرفوضية هذا النوع من الموت لأنه يمحي الاسم والمسمى، ويخفي الذكر والذكرى، والمظهر والجوهر، وهو في حالة غفلة وجهالة ونسيان، والذي يغفل عن الموت فإنه يغفل عن مستقبله الأبدي الذي لا يتغير. 2- موت إيجابي: يحبه الإسلام ويمدحه وهو أن يكون الإنسان الواعي هو الذي يبحث عن الموت الشريف ويختاره في ظروف مناسبة، ويكون على استعداد كامل له ولما بعده من حياة، وله القدرة على مهاجمته واقتحامه بنفسه وإرادته، وبكامل وعيه ومعرفته، من أجل أن يحظى بكنزه ويشرب من كأسه، فيهريق دمه، ويُسقط جسمه، وتخمد أنفاسه في سبيل الله، عندما يستقبله أو يقع عليه، فترحب به الجنة، وتستقبله الحور العين وتتزين له الآخرة فهو ينظر إليها ما يفتر، قد حالت شهوتها بينه وبين لذة العيش. وهذا هو سر حب الشهداء للموت إلى حد الهيام والوله، فهذا الإمام الحسين (عليه السلام) يقول إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما) وهناك أقوال من الأبطال في كربلاء في تعابير راقية لمضامين الاُنس بالموت كهذا القول (إني لآنس بالموت من الطفل بثدي أمه) وحينما سُئِلَ علي الأكبر (عليه السلام) عن الموت في سبيل الحق وإعلاء كلمة الله فجوابه جواب العاشق للموت قائلاً هو أحلى من العسل أو (الشَهْد) وشتان ما بين الموت على الفراش والموت في سبيل الله. |
شبكة النبأ المعلوماتية/ ملف عاشوراء 1425هـ |