ملحمة بطولة وجهاد عز..

عودة إلى صفحة عاشوراء >>

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

 
 

دور الشهادة في التغلب على أصعب القيود وأكبر المشاكل

 

عن الإمام علي (عليه السلام) (إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإنك إن جزعت عليك المقادير وأنت مأزور..).

لا يخلو الإنسان – كل إنسان – من المشاكل، فيعيش تحت تأثير عدد كبير من القيود والضغوط والابتلاءات والفتن والمحن التي تفرضها عليه طبيعة الحياة الدنيا.

فيعيش شتى أنواع المعاناة ويواجه مختلف الابتلاءات، ويصطدم بالعديد من المشاكل والمنغصات.. حتى يصل إلى حالة مكابدة مستمرة، ومشقة دائمة وكدح متواصل، بسبب الضغوط والقيود العامة التي تواجهه، فمن صبر من مؤمن أو كافر فله أجره كل حسب المصلحة إما في الدنيا حيث إذا تغلب على مشاكله وواجهها بشجاعة وهدوء فلا بد من نتائج باهرة وراحة بال بعدها، أو الأجر في الآخرة للمؤمن أما الكافر ربما تحمّله للمحن أصبح سبباً في هدايته أما الجزوع الخرق فمعلوم حاله في الدنيا قبل الآخرة فلا يرضيه شيء، متذمر دائماً لا يتحمل شيئاً ومثله يضيع الدنيا والآخرة.

ومن هنا يأتي الإيمان ودوره في الصبر، لأن الصبر أحسن حُلَلِ الإيمان وأشرف خلائق الإنسان، فليس الإيمان كلمة تقال، إنما هو حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر وجهد يحتاج إلى احتمال، وتضحية تحتاج إلى استعداد.

ولهذا ترى الشهيد المتسلح بسلاح الإيمان لا يعيقه شيء من قيود المشاكل وضغوطات الحياة حتى الموت الذي يرهب الجميع بحقيقته التي لا مهرب منها فأينما نكون يدركنا الموت، ترى الشهيد لا يهاب الموت، لأنه مستعد للقاء الله تعالى، ومحب للوسائل الموصلة إليه، ومحب للشهادة والتضحية في سبيل الله وإعلاء كلمته سبحانه.

وقوة عقيدة المسلم ووعيه لها، والثبات عليها في كل حين، وحريته في أداء مناسكها ودعوة الناس إليها.. هي التي تجسد كرامته وعزته، وسعادته في الدنيا والآخرة، فهو يحيا بحياة العقيدة، والعقيدة حية لا تموت. وإن أفضل طرق الحرية الإنسانية، طريق العبودية والطاعة لله عز وجل.

ومن يتطبع على عزة الحرية، ويتربّ على كرامتها، ويعتز بها يكن حراً في جميع أحواله وأفعاله وأقواله، يكن حراً في جهاده وتضحيته، وحراً في تقرير مصيره، وحراً ولو كان في قعر السجون... فإذا لم تكن الحرية مع الحياة، فلتكن الحرية مع الممات! لأن الذي يموت على الحرية يحيا بموته.. والذي يعيش بدون حرية، هو ميت الأحياء.

فالإنسان المؤمن يختار – في ظروف مناسبة – أفضل الطرق وأقصرها وأضمنها وأشرفها وأبقاها ألا وهو سبيل (الشهادة) الموضوعية المقدسة من أجل نصرة القيم والمبادئ.

فالقتل في طاعة الله، وفي سبيل نصرة الإسلام، أفضل من العيش الذليل، والركون إلى الظالمين.

فالشهادة حالة علاجية نموذجية لكل قيود الحياة، حين يستعصي العلاج وإنها آخر الدواء في الكي والشهادة لا تعالج قيود الفرد المسلم فحسب، وإنما تكون علاجاً أيضاً بفك قيود الأمة المسلمة المستضعفة المحرومة من أبسط حقوقها! وهي أيضاً تحرر المسلم الفقير والغني على السواء، كما وتحرر العالم والعامل، والضعيف والقوي من جميع القيود الحياتية.

وهي التي تعلّمنا كيف نقف في وجه الظالمين والمستكبرين ونتحداهم عندما تستنفذ الوسائل الأخرى تأثيرها.

والشهادة تمثل أعلى درجات الإيمان وأصدق الأعمال، وعلاقة متبادلة بين الشهيد وربه، فهي بيعة صادقة لله، ووعد معه، واختيار واصطفاء منه سبحانه.

وليست الشهادة خسارة أو مأساة تحل بالأسرة أو الجماعة أو الأمة، فينهدم فيها التخطيط، وتضيع فيها الأماني، وتبعثر فيها الطاقات، وتضمحل فيها الغايات كما يقال في الانتحار، بل الشهادة هي إحدى الوسائل الشريفة لتحقيق النصر الرسالي، الذي يهون معه كل شيء. ودم الشهيد في سبيل اله يكون عاصفة روحية معنوية قوية، تتغلغل في بحر الضمائر الإنسانية، وتلهب المشاعر والأحاسيس البشرية، وتربط بينها الوشائج الأخوية، وتبعث فيها الوعي الإسلامي والسياسي والحركي والاجتماعي، وتجعلها مؤهلة للمشاريع الجهادية وحاملة للقوة الاستشهادية! ثم تخلص الأمة من كل قيودها وروابطها الدنيوية، وتكون أمة جديدة غير ما كانت عليه قبل أن تقدّم شهداء.

فدم الحسين سيد الشهداء (ع) في كربلاء، أوقد مشعلاً مبدئياً مضيئاً لا ينطفئ، والتهم الظلام الدامس الذي حجب العيون عن رؤية الحق المتلبس بالباطل، وأوقد جذوة الضمير الإنساني الحي، وحرره من قيود الحياة العامة، بعدما أثقله قيد حب البقاء في الدنيا، وإن مسيرة سيد الشهداء (ع) لن تتوقف، وإن نهجه الاستشهادي لن يموت، كما أن نهر الدم الزكي في كربلاء لا يمكن للرمل أن يطميه، وللزمان أن ينسيه، مادام للمجاهدين في سبيل الله، والحاملين لقوة الشهادة دم يجري فيه.

شبكة النبأ المعلوماتية/ ملف عاشوراء 1425هـ