ملحمة بطولة وجهاد عز.. |
العراقيون يحيون ذكرى الطف الحسين يوحد اللغات والأديان والقوميات!! |
تقرير: عباس سرحان عدسة : محمد الصواف |
(خاص شبكة النبأ المعلوماتية) منذ ساعات الصباح الأولى يبدأ العراقيون رحلة جديدة مع الماضي والحاضر ويتطلعون إلى المستقبل.. إنهم يضعون أزمنة شتى في سلة نهار واحد، صفة مزجتها التجارب مع دمائهم، فأصبحت من طباعهم التي لا يمكنهم التخلي عنها ، وهي دون شك صفة شعب ترك بصماته الواضحة في تاريخ البشرية بما كتبه من ملاحم حية في سجل الإنسانية الكبير... أصحاب المحال التجارية يفتحون أبواب محالهم منذ الصباح دون أن ينسوا إلقاء نظرة فاحصة على يافطات سوداء كتبت عليها عبارات الحزن بوضوح ، علقوها على أبواب تلك المحلات ، وكثيرا ما تسمع وأنت تتجول في شوارع المدن العراقية أصوات حزينة تنطلق من مكبرات للصوت ينعى أصحابها الحسين الشهيد وصحبه الذين استشهدوا في الطف قبل مئات السنين... احتضان شديد للماضي وتعلق به حد العشق.. العراقيون يعترضون على هذا التصنيف، فالحسين (ع) ليس ماض بالنسبة لهم ، بل هو الخلود بعينة، فهم يرونه حياً ممتداً مع الزمن امتداد القيم النبيلة والرسالات الإلهية ، لأنه وهب دمه رخيصاً من أجل قيم إلهية عظيمة ... هو بالنسبة لهم مستقبل يزيدهم تعلقاً بثابت مبدأي قوي أسهم بشكل كبير في الحفاظ على اتزان السفينة العراقية حين تلاقفتها أكف الرياح العاتية من جهات شتى على مدى السنوات القاحلة التي عصفت بالعراق قديماً وحديثاً ، فحين تشتد المحن يقف الحسين ليلوذ به المسحوقون بأكف الظلم ، وحين يسيل الدم العراقي من وريد الأبناء والأخوة ويسبي الظلَمَةُ النساء، يصرخ في وجدان العراقيين صوت يصمت له الجميع ، إنه يذكرهم بدم الرضيع ، و أبي الفضل ودم الحسين، مثلما يذكرهم بالسبي الذي تعرض له نسوة البيت الطاهر فتهون لدا الباذلين تضحياتهم.. عند أبواب الحسين وأخيه العباس وقف عشرات الشباب ومن مختلف الأعمار ، بينهم صغار ربما لم تتجاوز أعمارهم عقد من الزمن.. وقفوا رافعين الأكف وهم يهتفون بأصوات حزينة: (ياحســـــين) .. ويجيبهم آخرون: ( ياشهيـــــــد... يامظلوم).. مشهد يختصر الحزن العراقي الممتد على كل مديات القهر... وأنا أسمع هذا العويل العراقي الملقى بطريقة أخرى تكسرت الأصوات عند مسامعي للحظات ، فاستعادت ذاكرتي صورة الأضلاع المتكسرة المختلطة ببعضها ، والأجساد المبعثرة في تلك المقابر الجماعية التي كانت كربلاء أخرى شهدتها أرض لا يريد لها الطغاة أن تودع طفوفها... إنها موعودة بطاغوت يخلفه آخر دون هوادة!! على إحدى واجهات المرقد المطهر للإمام الحسين(ع) علق العراقيون لافتة كبيرة كتبوا فيها: (لبيك نحن أولادك ياحسين) ... تساءلنا عما أراده كاتبها من وراء اختياره لهذه العبارة، فأجابنا بعضهم : (إنها تجديد للبيعة التي في رقابنا للإمام الحسين... سرنا على نهجه في أشد الظروف قسوة ، وحين كانت مقاصل الجلادين تعمل في رقابنا على مدار الساعة، وهانحن نجدد هذه البيعة في أول محرم نحييه دون تهديد ورصاص)!! مواكب تتلوها أخرى تتوافد على مداخل المرقدين الطاهرين .. تعددت في بعضها القوميات والملامح والأزياء... فهؤلاء إيرانيون ، وأولئك باكستانيون، وأفغان.. ولكن توحد فيها ووحدها حب الحسين.. فهو لا يُنطق بلغة أخرى .. إنه ( الحسين) في كل اللغات.. إنه قومية تنتمي للإنسانية الكبرى فلاتعرف التفصيل والتجزئة... وليس فيها مقاسات ومحاباة وأفضلية.. مقاسها الأوحد: ( الأكرم هو الأتقى).. هذه هي قومية الحسين وهذا هو انتماؤه، لذلك يبكيه الناس من مختلف الأديان والطوائف والقوميات.. في الطريق إلى مركز مدينة كربلاء فتح سائق التاكسي التي أقلتنا إلى هناك جهاز التسجيل في سيارته لينطلق صوت النعي الحسيني حزينا شجياً، بينما بدا يستمع إليه باهتمام واطمئنان ذكرني بما قاله مواطن عراقي آخر التقيته في وقت سابق، فسألت السائق: ( هل كان بامكانك الاستماع الى ما تستمع إليه الآن قبل عام؟ طالعني باستغراب واضح ، وربما أخفى عني أسئلة رآها محرجة قبل أن يخبرني بما تعرض له في إحدى سيطرات السلطة من متاعب ومضايقات بينما رجالها يبحثون عن ( الحسين) !! هكذا قال صاحب التاكسي ، رجال صدام كانوا يبحثون عن الحسين في جميع السيارات التي تمر بهم أيام محرم الحرام في الأعوام الماضية ولكنهم لم يستطيعوا أن يدركوا أنه في ضمائر الناس وفي وجدانهم .. ثم أضاف: ( كانوا يخافون من الأشرطة الصوتية التي تخص ذكرى عاشوراء لأنهم اختاروا السير على نهج يزيد ، وطالما خشي يزيد الحسين وأمر جنده أن يطوقوه في الصحراء فيمنعوه من السير في أي مدى ، إلا مداه هو، فأبى الحسين أن يكون يزيدياً لأنه محمدي علوي).
|
شبكة النبأ المعلوماتية/ ملف عاشوراء 1425هـ |