نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

من قضايا النهضة الحسينية /أسئلة وحوارات / القسم الثاني

أسئلة في السيرة والثورة الحسينية - 1 -

 

سؤال : هل الذهاب إلى العمل يوم العاشر حرام ؟ وهل يجب التصدق بما كسبه ذلك اليوم ؟

الجواب : ليس حراما ، ولكن يستفاد من بعض الروايات استحباب ترك السعي في الأمور الدنيوية ، وعدم الانشغال بها واستحباب التفرغ لإحياء الذكرى الحسينية ، فقد روى الشيخ الصدوق في الأمالي(1) عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، قال : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبة وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره ، وقرت بنا في الجنان عينه .

كما روى شيخ الطائفة الطوسي رحمه الله بسنده(2) عن أبي جعفر عليه السلام في حديث زيارة الحسين عليه السلام يوم عاشوراء من قرب وبعد ... إلى أن قال : قلت : وكيف يعزي بعضنا بعضا ؟ قال : تقول : عظم الله أجورنا  بمصابنا بالحسين عليه السلام ، وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليه الامام المهدي من آل محمد ، وإن استطعت أن لا تنشر ( لا تنتشر ) يومك في حاجة فافعل ، فإنه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن ، وإن قضيت لم يبارك له فيها ، ولا يرى  فيها رشدا..) .

هذا لو كان عمل الانسان مملوكا له ، كما هو حال من يعملون في ( الأعمال الحرة ) والتجارة لأنفسهم فإنه يحسن بهم في مثل ذلك اليوم أن يتوجهوا لإحياء الذكرى ، ما لم ينطبق على سعيهم للعمل ذاك عنوان ملزم .

وأما بالنسبة لغيرهم وهم الأكثر ابتلاء ، كالعاملين في مؤسسات مملوكة لأشخاص أو تابعة للحكومات ، فلا يستطيع الشخص الغياب في ذلك اليوم من غير أن يأذن له رب العمل ، وإلا كان غير مالك لأجرة ذلك اليوم في المؤسسات والشركات الأهلية والشخصية ، حيث أن مقتضى عقده معهم أن يعمل في الأيام المتعارفة ، باستثناء التعطيلات الرسمية أو ما أذنوا له في التغيب ، وليس العاشر منها ـ بحسب الفرض ـ وإخلاله بهذا العقد بمقدار ذلك اليوم ، يجعله غير مستحق لأجرته ولا يملكها . فلا بد من استئذان رب العمل أو إخباره عن غيابه ذاك واسترضائه في أمر المال أو إرجاعه عليه .

وبالنسبة للمؤسسات الحكومية ، فإن الحكومات غير الخاضعة للفقيه ، وإن لم تملك ـ كما هو المشهور بين المعاصرين من الفقهاء ـ فلا ولاية لها مالكية ولا شرعية (3)، على التعاقد وإعطاء المال ، واستحصال العمل ، إلا أن ذلك لا يسوغ للعامل وهو طرف العقد أن يتملك أجرة في مقابل يوم عمل لم يذهب إليه ، ولم يقم به . ولذا فإنه يشكل أمر تملكه من قبله ، حيث أن الفقهاء قد صرحوا في فتاواهم بأنهم لا يأذنون في الاستلام إلا مع قيام العامل بواجباته بحسب ما ورد في العقد . ولذا لا بد في ذلك من التصدق بذلك المقدار من المال على الفقير المؤمن والأحوط أن يكون بإذن الحاكم الشرعي ( المجتهد ) الذي له ولاية على مجهول المالك .

 

سؤال : من الملاحظ أن الإمام الحسين عليه السلام قال في أثناء خروجه من المدينة كلاما، وأثناء خروجه من مكة كلاما آخر  ، وفي الطريق ..غيره وهكذا في كربلاء  ؟ كيف تفسرون تعدد لحن هذه الكلمات ؟ والمعاني المختلفة فيها ؟

الجواب : مع التنبيه على دقة ملاحظة السائل ، ونظرته الفاحصة نقول :

نعم يلاحظ المتأمل ، أن هناك تعددا في طريقة إجابات الإمام الحسين عليه السلام ، ولعل في النقاط التالية ما يلقي بضوء على السبب :

1/ من المعلوم أن مستويات السائلين للإمام الحسين عليه السلام تتفاوت وتختلف ، فمن الحكمة أن تكون الأجوبة على ( قدر عقولهم ) فليس معقولا أن يجيب شخصا قد تربى على التخاذل ، وآثر الحياة الدنيا ، بأنه لا بد من الثورة على الظالمين ، وأمر الاسلام أعز من أمر الشخص وحياته . ولو أجابه بذلك النحو لما وافق الحكمة . وإنما ينبغي أن يقرب له الهدف الذي ينشده بمقدار ما يستطيع ذلك الشخص تعقل وإدراك الكلام الحسيني .

2/ إن النصوص التي تركها الإمام الحسين عليه السلام من خلال محاوراته أو تلك التي ابتدأ بها الناس ، تنقسم إلى قسمين :

ـ قسم يمكن اعتباره وثائق أساسية تمثل العناوين الرئيسة لكامل نهضته وحركته ، وتلقي الضوء على كل تفاصيلها .وهي بمثابة ( الروايات الحاكمة ) في تعبيرات الفقهاء ، التي تقوم بالشرح والتفسير لغيرها ، ولو خالفتها غيرها فإن هذه الروايات الحاكمة ، هي التي تتقدم ، بغض النظر عن نسبة باقي الروايات إليها .

هنا أيضا في النهضة الحسينية نحن نجد بعض الكلمات له صلوات الله عليه بمثابة هذه الروايات الحاكمة ، وخطابات أو وصايا هي التي تفسر مجمل حركته .

وهناك قسم من كلماته ، لا تعبر عن هذا المعنى المتقدم ، وإنما ربما قيلت في جواب من لم يشأ الإمام عليه السلام أن يخبره بتفاصيل أهدافه . والخطأ الذي قد يقع فيه مؤرخون أو قراء للسيرة هو الخلط بين القسمين من الكلمات ، فيقيسون نهضة الحسين بمقياس الكلمات من القسم الثاني مع أنها لا ينبغي أن تقاس إلا بالنحو الأول .

3/ إن هناك عدة عوامل يمكن الحديث عنها في النهضة الحسينية ، وكل واحد من هذه العوامل كان يتطلب نوعا من رد الفعل ، والتوجيه الخطابي والثقافي ، وكان الإمام عليه السلام بحسب تقديره للظرف يجيب بالنحو المناسب .

 فقد كان من عوامل النهضة الحسينية(4): رفض البيعة ليزيد ، واستجابته لدعوة أهل الكوفة بأن يقدم إليهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وهذه العوامل بينها ترتب في الأهمية ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان أهم العوامل ، جميعا وقد حدد الإمام عليه السلام في بداية خروجه هدفه بأنه يريد هذا الأمر ، وبقي هذا العامل على قوته ودفعه إلى الأخير ، بعدما تعطلت العوامل الأخرى ، فإنه بعدما ظهر للجميع أن دعوة أهل الكوفة ليست بتلك الصورة ، وإن كان الحسين عليه السلام ليس بعيدا عنها ، ولكنه لم يكن ليستطيع أن يغفل آلاف الرسائل الواردة إليه من قبلهم ، بما كان يقوله آخرون أنهم لن يفوا ولن يستمروا ولن يصمدوا وبالتالي فإن عليه أن لا يعطيهم غير الأذن الصماء . هذا لم يكن صحيحا ، وإنما استجاب الإمام عليه السلام إلى بيعة أهل الكوفة وطلبهم منه أن يقدم عليهم .

ولكن هذا العامل لم يكن العامل الأساس ، فقد أشار عليه الكثيرون ومنهم ناصحون له بأن لا يذهب إليهم ، ولم يكن أيضا بالذي يعزب عنه الرأي .

كما أن عامل رفض البيعة لم يكن العامل الأساسي وإن كان أهم من عامل بيعة أهل الكوفة، إلا أنه كان يمكن له أن يتخلص من البيعة باللجوء إلى اليمن أو الاحتماء بالحرم أو غير ذلك مما أشار عليه به عدد من الصحابة .

والخطأ هو عندما تختلط هذه الأمور فيظن البعض أن الحسين إنما خرج استجابة لكلام أهل الكوفة ، فخُدع بهم !! بينما هو يقول أنه إنما خرج لطلب الإصلاح وللأمر بالمعروف .

وقد تحدث الإمام عليه السلام عن كل واحد من العوامل على حدة ، وفي بعض الحالات كان يجمع عاملين في الحديث . كما سيأتي .

من الأمثلة على العناوين العامة وهي بمثابة الأصول الأصيلة للثورة الحسينية ما يلي من الكلمات :

 1/ ما قاله الحسين عليه السلام في جواب الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عندما دعاه إلى مبايعة يزيد أراد الإمام عليه السلام أن ينهي اللقاء بنحو ( دبلوماسي ) فقال له كلاما قبله الوليد وهو ( ان مثلي لا يعطي بيعته سرا ، وانما احب ان تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، ولكن إذا كان من الغد ودعوت الناس الى البيعة دعوتنا معهم فيكون أمرنا واحدا) . وكان يمكن أن ينتهي اللقاء بهذا النحو .. ولكن دخول مروان بن الحكم على الخط اضطر الإمام الحسين عليه السلام أن يكشف آخر سطر في صفحة موقفه :  (أيها الامير ! أنا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة وبنا فتح الله وبنا ختم ، و يزيد رجل فاسق شارب خمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع لمثله ، ولكن نصبح وتصبحون وننتظر وتنتظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة ) .

وهذه الكلمات التي قالها في التالي تختلف اختلافا كبيرا عن ما قاله في البداية ، ففي البداية كان يريد انهاء الأمر وديا من دون ، إعلان موقف صريح وكان الوليد بن عتبة راغبا في حل الأمور بذلك النحو . فلم يكن يريد الاصطدام مع الحسين عليه السلام ، لكن فيما بعد جرت الأمور بنحو جعل الحسين عليه السلام يضع الأمر في إطاره العقيدي ، والسياسي الصريح ، وقال موقفه بأن ( مثلي لا يبايع مثله ) معللا ذلك بأنه ( أهل بيت النبوة بنا فتح الله وبنا يختم .. بينما يزيد رجل فاسق شارب خمر ..) .

2/ وصية الإمام الحسين عليه السلام لأخيه محمد بن الحنفية تعتبر من الأصول التي تكشف عن أغراض وأهداف الحسين من ثورته المقدسة ، فقد كتب  ( بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسين بن على بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية : أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا  شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، جاء ، بالحق من عند الحق ، وأن الجنة والنار حق ، وأن الساعة آتية لاريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأني لم أخرج أشرا ، ولابطرا ، ولا مفسدا ، ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي ، اريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي على بن أبي طالب عليهما السلام ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد على هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيتي يا أخي اليك وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب ) .

وهذه الوثيقة التاريخية ، التي يحصر فيها عليه السلام هدف ثورته بـأنه  إنما خرج لطلب الإصلاح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والسير بسيرة جده وأبيه .. من أهم الوثائق التأريخية التي حفظت للثورة سطوعها وصفاءها .

3/ من المواضع التي جمع فيها الحسين عليه السلام بين أكثر من عامل للحديث عن دعوة أهل الكوفة ، وبين أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمسؤولية ما نقله المؤرخون من  ان الحسين عليه السلام خطب اصحابه و اصحاب الحر بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( أيها الناس ، ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله ، لسنة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول ، كان حقا على الله أن يدخل مدخله ) . ألا وان هولاء  قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، واظهروا الفساد ، وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفئ ، وأحلوا حرام الله ، وحرموا حلال الله ، وأنا أحق من غير . قد أتتني كتبكم ، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فان تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم ، فأنا الحسين بن علي ، وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، نفسي مع أنفسكم ، وأهلي مع أهليكم ، فلكم في اسوة ، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم ، وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم ! والمغرور من اغتر بكم ، فحظكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فانما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) .

وأما القسم الثاني من كلماته عليه السلام ، والتي كانت أشبه بدفع الجواب ، والحديث مع الطرف المقابل بما يقنع به ، فهي كثيرة : منها .

ما قاله الإمام الحسين عليه السلام للمسور بن مخرمة الذي ( نصح ) الحسين بأنه : اياك ان تغتر بكتب اهل العراق أويقول لك ابن الزبير : الحق بهم فانهم ناصروك . اياك ان تبرح الحرم فانهم ان كانت لهم بك حاجة فسيضربون اليك آباط الابل حتى يوافوك فتخرج في قوة وعدة . فجزاه الحسين عليه السلام خيرا وقال : استخير الله في ذلك .

فإن طريقة الحسين عليه السلام في نهضته لم تكن قائمة على الاستخارة ، هذا بناء على أن مقصود الإمام هو الاستخارة المعروفة .

ومثله كلامه عليه السلام مع أبي بكر( عمر ) ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي  ، الذي قال له : يا ابن عم ان الترحم نظارتي عليك وما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك ؟

 قال : يا أبا بكر ما أنت ممن يستغش ولا ُيتهم فقل . قال : قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك و يخذلك من انت احب إليه ممن ينصره فاذكرك الله في نفسك .

فقال له الحسين عليه السلام : جزاك الله يابن عم خيرا فقد اجتهدت رأيك ومهما  يقضى الله من أمر يكن .

 فقال أبو بكر : انا لله عند الله نحتسب أبا عبد الله .

وهكذا قوله لعبد الله بن مطيع العدوي ، الذي استقبله في طريق مكة فقال أين تريد أبا عبد الله جعلني الله فداك ؟ ! قال : ( أما في وقتي هذا أريد مكة ، فإذا صرت إليها استخرت الله تعالى في أمري بعد ذلك ) . فقال له عبد الله بن مطيع : خار الله لك يا ابن بنت رسول الله فيما قد عزمت عليه ، غير أني أشير عليك بمشورة فاقبلها مني . فقال له الحسين عليه السلام : ( وما هي يا ابن مطيع ؟ ) قال : إذا أتيت مكة فاحذر أن يغرك أهل الكوفة ، فيها قتل أبوك ، وأخوك بطعنة طعنوه كادت أن تأتي على نفسه ، فالزم الحرم فأنت سيد العرب في دهرك هذا ، فوالله لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك بهلاكك والسلام . وروى الدينوري : أن الإمام عليه السلام قال لابن مطيع : ( يقضي الله ما احب ) .

ـ ويمكن أن نصنف أيضا إجاباته القائلة بأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنه أمره بأمر ، لا بد أن يمضي إليه لما أخبره الرسول .في هذا الجانب .وليس معنى ذلك أنه لم يكن الخبر حقيقيا ، ولكنه بهذه الطريقة  يقطع النزاع مع أشخاص مثل ابن عباس أو ابن الحنفية بحيث لا مجال مع ذلك للحديث عن الأفضل والأحسن ..

إننا نلاحظ التركيز في بعض الأماكن كان على كلمات بعينها ، باعتبار أن السامعين أقرب إلى فهم تلك المفردات والمعاني ، فمثلا هو عليه السلام في المواجهة العسكرية مع الجيش القادم من الكوفة يركز على أنهم هم الذين دعوه ، وطلبوه ، وهذا أبلغ في الاحتجاج(5) . انظر مثلا إلى خطبته في الجيش المعادي يوم عاشوراء : قال عليه السلام :

فتبا لكم أيتها الجماعة وترحا أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم ..

ولعل هذه الخطبة كانت نهاية نقطة التحول الذي حدث عند الحر الرياحي ، وهو نفسه عندما خطب في جيش الكوفة بعد انتقاله إلى معسكر الحسين عليه السلام ركز على هذه النقاط أيضا فقال :  يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر إذ دعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته وأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع ضرا وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه وهاهم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا أسقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه(6).

سؤال : كيف توفقون بين كون جابر بن عبد الله كفيف البصر في كربلاء حيث كان يقوده خادمه أو غلامه عطية ، وبين كونه قد رأى الإمام الباقر عليه السلام في المدينة وهو صغير فقال شمائل كشمائل رسول الله صلى الله عليه وآله ثم بلغه سلام النبي ؟ فإن كان كفيفا كيف رأى الباقر وإن كان مبصرا حينئذ فكيف كان كفيفا في الأربعين ( العشرين من صفر ) ؟

الجواب : في البداية نحب أن نوضح جانبا من حياة الراوي الثقة عطية العوفي ، فإنه يغمط حقه عادة مع أهمية دوره وربما لا يذكر اسمه في المحافل إلا في مرة واحدة هي كونه غلاما أو خادما لجابر ، ولم يكن غلاما ، وإنما هو تلميذ نجيب لجابر وراو واع لأحاديثه وصاحب مواقف وإليك بعض الكلمات عنه ، ثم نجيب على السؤال الأصلي :

 عطية بن سعد بن جنادة العوفي   توفي سنة 111 هـ

 كان أبوه سعد بن جنادة وهو من بني جديل أول من أسلم من أهل الطائف (7)، وصحب النبي صلى الله عليه وآله ، وروى عنه عددا من الأحاديث (8)، وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله كان ممن عرف أمير المؤمنين عليه السلام ، ووالاه وشارك معه في حروبه ، وروى عنه بعض الأحاديث (9).

وربما كان في أواخر خلافة أمير المؤمنين عليه السلام عندما ولد له ابن ، جاء به إلى الإمام عليه السلام لكي يسميه ، فقال هذه  عطية الله ، وسماه عطية .

ونشأ عطية في الكوفة ، ولذا لقبه بعضهم بالكوفي ( إضافة إلى العوفي ) .وتشرب التشيع من أجوائها ، وممن صحبهم فيها ، ولعل أكثرهم تأثيرا فيه جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري ( أو الكلبي ) .

ولعل الناظر إلى نوعية الأحاديث التي رواها ، وأكثر منها يعرف سر تضعيف رجاليي الجمهور لعطية ، فإنه قد روى حديث الثقلين(10)،  وأن الأئمة اثنا عشر(11)، وحديث سفينة نوح(12)، وتفسير آية ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ) في أهل البيت(13)،  وحديث الغدير ، والمنزلة وسد الأبواب غير باب علي عليه السلام ، وحديث إعطاء النبي صلى الله عليه وآله فدكا ، وروى  خطبة الزهراء الفدكية (14) وروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله في المهدي أنه ( رجل من أهل بيتي )(15).. وغيرها .

لم يكتف عطية فيما يظهر من حياته بمجرد الولاء النفسي والموقف الفكري ، بل كان لديه رؤية واضحة في المجال السياسي ، تجلت في موقفه المضاد للحكم الأموي معتمدا على ما رواه من أصحاب رسول الله ، عنه صلى الله عليه وآله : ( إذا بلغ بنو العاص أربعين رجلا اتخذوا دين الله دغلا وعباد الله خولا و مال الله دولا..)(16).

وهو وإن لم يلحظ له ذكر في أيام الحسنين عليهما السلام ، إلا ما يروى عن ذهابه مع شيخه جابر بن عبد الله إلى كربلاء يوم العشرين من صفر وافتراقه عنه بعد ذلك كما يظهر من ذيل الرواية التي نقلها عماد الدين الطبري في كتابه بشارة المصطفى ، إلا أننا نلاحظ له دورا فيما بعد كربلاء ، فقد شارك بدور فاعل في ثورة المختار الثقفي ، وكان على رأس الجماعة الطليعيين والأقوياء الذين ارسلهم المختار إلى مكة المكرمة ، لانقاذ الهاشميين الذين سجنهم عبد الله بن الزبير بعد أن رفضوا مبايعته ، وعزم على إحراقهم ( !!!) في خندق إن لم يستجيبوا لبيعته .

( ...فقطع المختار بعثا إلى مكة فانتدب منهم أربعة آلاف فعقد لابي عبد الله الجدلي عليهم وقال له سر فإن وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضدا وانفذ لما أمروك به وإن وجدت بن الزبير قد قتلهم فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى بن الزبير ثم لا تدع  من آل الزبير شفرا ولا ظفرا ...

فسار القوم ومعهم السلاح حتى أشرفوا على مكة فجاء المستغيث اعجلوا فما أراكم تدركونهم فقال الناس لو أن أهل القوة عجلوا فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي حتى دخلوا مكة فكبروا تكبيرة سمعها بن الزبير فانطلق هاربا حتى دخل دار الندوة ويقال بل تعلق بأستار الكعبة وقال أنا عائذ الله !!

 قال عطية ثم ملنا إلى بن عباس وابن الحنفية وأصحابهما في دور قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر لو أن نارا تقع فيه ما رئي منهم أحد حتى تقوم الساعة وعجل علي بن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجل فأسرع في الحطب يريد الخروج فأدمى ساقيه . وأقبل أصحاب بن الزبير فكنا صفين نحن وهم في المسجد نهارنا ونهاره لا ننصرف إلا إلى صلاة حتى أصبحنا وقدم أبو عبد الله الجدلي في الناس فقلنا لابن عباس وابن الحنفية ذرونا نريح الناس من بن الزبير فقالا هذا بلد حرمه الله ما أحله لاحد إلا للنبي عليه السلام ساعة ما أحله لاحد قبله ولا يحله لاحد بعده ... )(17).

ولما عادت الأمور إلى سيطرة بني أمية ، وعاث الحجاج في الأرض فسادا يتطلع إلى الرؤوس اليانعة ، ويسكر بمنظر الدماء ترقرق بين العمائم واللحى !! وضج الناس من عموم الظلم ، وشموله ، حتى الذين كانوا محسوبين تاريخيا على بني أمية كبني الأشعث لم يتحملوا ذلك المقدار فكان أن أعلن عبد الرحمن بن الأشعث تمرده على الحجاج ، بعدما جمّرهم في البعوث ، لا يهمه غير الانتصار على عدوه لجلب الغنائم ، ولا يخسر شيئا على التقديرين ، فإن قُتل هؤلاء فقد استراح من ( همّ القلب ) وإن قتل أولئك جاءت غنائمهم وجواريهم !!

وكان عطية من جملة الثائرين .. قال بن سعد ( ..خرج عطية مع ابن الاشعث على الحجاج ، فلما انهزم جيش ابن الاشعث هرب عطية إلى فارس ، فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم : أن ادع عطية فان لعن علي بن أبي طالب والا فاضربه اربع مئة سوط !! واحلق رأسه ولحيته ، فدعاه فأقرأه كتاب الحجاج ، فأبى عطية ان يفعل ، فضربه اربع مئة سوط ، وحلق رأسه ولحيته ، فلما ولي قتيبة خراسان خرج عطية إليه ، فلم يزل بخراسان حتى ولي عمر بن هبيرة العراق ، فكتب إليه عطية يسأله الاذن له في القدوم ، فأذن له ، فقدم الكوفة ، ولم يزل بها إلى ان توفي سنة إحدى عشرة ومئة ..وكان ثقة وله احاديث صالحة ..)

وأما الاجابة على السؤال السابق : فإنه من التتبع للروايات التاريخية ، وفي كتب الحديث يظهر أن هناك عدة احتمالات في وقت فقدان جابر لبصره : ـ ونحن نرجح أنه لم يكن كفيف البصر في يوم الأربعين ـ

الاحتمالات الموجودة :

1ـ أنه كان كفيف البصر في يوم الأربعين ( العشرين من صفر ) سنة 61 هـ .. وقد يستفاد هذا من ظاهر رواية صاحب بشارة المصطفى كما في قوله : ألمسنيه ( القبر ) .. وقوله فيما بعد خذني نحو ابيات كوفان .

2ـ أنه كان كفيف البصر يوم واقعة الحرة ، كما يستفاد من رواية البداية والنهاية(18) التي تنتهي إلى ابنيه  .

3ـ أنه كان كفيف البصر في زمان عبد الملك بن مروان ( من سنة 73 هـ ـ سنة 86 هـ ) ، وبالتحديد في سنة خمس وسبعين عندما حج هذا وذهب إلى المدينة كما ذكره ابن سعد في الطبقات (19) فقد صرح فيه بأنه كان قد كف بصره . وبعدها توفي كما عليه أكثر المؤرخين في سنة  78 هـ .

ـ أن يكون قد كف بصره قبل سنة ( 74 هـ ) وبعد سنة ( 71 ) هـ .

مناقشة الاحتمالات :

أما الاحتمال الأول ، فلا مقتضي للالتزام به إلا ما يظهر من رواية بشارة المصطفى المتقدمة من خلال كلمات ( ألمسنيه ـ القبر ـ وقوله : خذني إلى أبيات كوفان ) وهذه لا صراحة فيها بل لا ظهور في العمى ، فإن الرجل الكبير مثل جابر في ذلك السن المتقدم (حوالي 82 سنة أو 87 سنة ) ، ( إذ أن عمره عندما توفي كان 95 سنة ) يحتاج إلى مساعدة شخص يكون معه ، وهكذا ألمسه القبر ، ثم أخذه إلى طريق كوفان دليلا ومرافقا . وربما يكون ذلك من أثر حالة الحزن الشديد والبكاء المتواصل التي اعترت جابرا إلى حد أنه قد وقع مغشيا عليه على القبر ، لما لمسه .

بل في نفس الخبر الذي نقله صاحب بشارة المصطفى قرائن أخرى تخالف هذه العبارات : مثل قول ( عطية ) عن جابر أنه دنا من الفرات ثم قوله  دنا من القبر ؟ .. وهكذا قوله فيما بعد ثم جال ببصره حول القبر . فكيف يجول ببصره وهو كفيف ؟

ولم يذكر في أي مصدر آخر م المصادر التي تعرضت  لحياة جابر على نحو مستقل أو ضمنا ، أي إشارة إلى كونه كفيف البصر في تلك المرحلة .

على أنه مخالف لما اتفق عليه الرجاليون والمؤرخون من أن جابر بن عبد الله إنما كف بصره في أواخر عمره ( وبعضهم يقول آخر عمره )  ، ولا يقال لمن كف بصره قبل سبعة عشر سنة من وفاته أنه فقد بصره في أواخر عمره .

وهو يصطدم بما ذكر في أكثر المصادر الشيعية ( وبعض المصادر السنية ) من لقائه بالإمام الباقر عليه السلام ، في المدينة فيما بعد ، ونظره إليه وتعرف شمائل النبي صلى الله عليه وآله فيه(20) .

الاحتمال الثاني : يلحق سابقه في الضعف ، ولا دليل عليه سوى رواية محمد وعبد الرحمن ابني جابر . وقد نقله في البداية والنهاية باثبات ( خرجنا مع أبينا يوم الحرة وقد كف بصره ) بينما لم تكن هذه الجملة في رواية محمد بن جابر بنفس النص التي رواها في كتاب الآحاد والمثاني .. أي لم يكن في هذا الكتاب غير نص ( من أخاف أهل هذا الحي من الأنصار فقد أخاف ما بين هذين ووضع يده على جبينيه ) .

إضافة إلى ما سبق ذكره في رد الاحتمال الأول .

الاحتمال الثالث : وهو الذي نرجحه أن جابر بن عبد الله بعدما بقي في الكوفة لمدة من الزمن ، عاد إلى المدينة كما ينص عليه المؤرخون وبقي فيها وفي هذه الأثناء حدثت واقعة كربلاء ، ولا نعرف شيئا عن الاسباب التي منعت جابر عن الخروج من المدينة مع الحسين ( وهي ليست بالضرورة العمى وفقدان البصر ) فإن الحسين عليه السلام لم يدعُ كل  من كان في المدينة للخروج معه بعد موت معاوية ، وإنما خرج مع أهل بيته من المدينة المنورة متجها إلى مكة ، والذين التحقوا به من غير أهل بيته إنما التحقوا به من مكة المكرمة أو من الطريق أو ممن راسلهم في الكوفة أو البصرة.

وبعد الواقعة قدم جابر بن عبد الله إلى كربلاء زائرا ، فوافى هناك الركب الحسيني بما ذكرناه في الحديث عن اللقاء بين ركب السبايا وجابر ( فراجعه في موضعه في القسم الأول).

ثم بعد أن عاد الى الكوفة كر راجعا إلى المدينة وبقي فيها ، وتعرض للأذى الشديد لا سيما في وقعة الحرة ، وفي زمان عبد الملك تعرض لعنت الحجاج الثقفي الذي ولي على المدينة سنة 74 هـ ، فقام يتتبع أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله بالإهانة والإذلال حتى لقد ختم عنق سهل بن سعد الساعدي ، وختم كف جابر بن عبد الله الأنصاري كما ذكر الطبري .

في هذه الفترة أي ما بين سنة ( 71 هـ  وبين سنة 74 هـ ) كف بصر جابر ، وكان قد التقى بالإمام الباقر عليه السلام قبيل هذه الفترة وقبل فقده البصر(21).

تذييل في احتمالات كيفية اللقاء وصوره المختلفة :

* يحتمل أن يكون الإمام عليه السلام قد جاء مع والده لزيارة جابر ، كما في تاريخ دمشق ، وأنه لم يبق جابر بعد ذلك اللقاء إلا بضعة عشر يوما حتى توفي .. يضعف هذا أن في الرواية أن الباقر كان صبيا صغيرا ، مع أنه مع فرض ولادة الإمام الباقر في سنة 58 هـ ، ووفاة جابر سنة 78 هـ يكون عمره حينئذ عشرين سنة ولا يمكن أن يقال لمثله ( صبي صغير ) ، وحتى لو كانت وفاة جابر سنة 74 هـ يكون عمر الباقر عليه السلام ستة عشر عاما ، وكذلك لا يقال صبي صغير لمن كان في مثل تلك السن .

* كما يحتمل أن يكون اللقاء بين الإمام الباقر وبين جابر قد حدث قبل سنة 74 هـ ( والتي هي سنة وفاته أيضا على رأي جماعة من المؤرخين وإن كانت تضعف برواية أخرى تفيد أن لقاءه بعبد الملك بن مروان سنة 75 هـ ) ، فاللقاء تم بينه وبين الإمام حينما كان جابر مبصرا ، وربما يكون في حدود سنة ( 70 هـ ) أو ما بعدها بقليل ، وفيها مثلا قد يكون جابر يجلس للحديث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ويتشوق إلى أداء أمانة رسول الله ، فيقول يا باقر ويا باقر ..إلى آخر ما ذكر في الأحاديث المختلفة ، حتى إذا التقاه وعرّفه رسالة جده وبلغه سلامه ، كان جابر يأتي الإمام الباقر عليه السلام ، ويتدارسان العلم النبوي ، فربما تصور الناس أن الباقر يتعلم منه وإنما كان يعلمه كما في رواية أبان بن تغلب .

وهذا الاحتمال يمكن أن توفق به سائر الروايات ، سواء تلك التي قالت أنه رآه في طريق فيه كتّاب أو أنه قال له يا غلام حيث يكون عمره في ذلك الوقت حوالي ( 13 ) سنة . أو غيرها كالتي ورد فيها أن جابر كان ينظر في الصحيفة التي كان فيها أسماء المعصومين عليهم السلام وكان الباقر يقرأ من حفظه ، وجابر يتابعه بالنظر في الصحيفة فما خالف حرفا.

 

سؤال حول موضوع الشعائر الحسينية العزائية ، وبالذات حول التطبير فقد كثر الكلام حوله بين مؤيد بقوة ، وبين محرم له وناهٍ عنه يشنع على من يقومون به ؟ واخذ الأمر بعدا اجتماعيا مما يخشى معه أن يتحول إلى صراع . فما هو الموقف الشرعي من ذلك ؟  وما هي حقيقة الاختلاف بين المجوزين والمانعين ؟ وكلهم علماء أهل البيت وينتمون لمدرسة واحدة وفقه واحد ؟

الجواب : يمكن أن نقسم الشعائر العزائية الحسينية إلى قسمين :

ـ القسم الأول ما هو متسالم على مشروعيته ( بل واستحبابه ) عند علماء الشيعة ، ومن ذلك البكاء ، واللطم على الصدور ، وما شاكل .

ـ والقسم الثاني : ما وقع فيه الاختلاف ( مشروعية أو استحبابا ) سواء كان ذلك بالعنوان الأولي أو العناوين الثانوية الطارئة . ومن ذلك التطبير ( جرح الرأس بالسيف ) والضرب بالسلاسل وإدماء الظهر .

ولا يرتبط الأمر بوضع سياسي معاصر كما قد يتصور البعض خطأ أنه من يكون ضمن وضع سياسي معين ويؤيد تيارا خاصا فإنه سيلتزم بالمنع ، بينما من يعارض ذلك التيار السياسي يلتزم بالجواز أو الاستحباب . وذلك أن الخلاف في هذه القضية عمره عشرات من السنين . قبل وجود الأوضاع السياسية المشار إليها .

كما أنه لا يرتبط ـ بالضرورة ـ على الظاهر بالنهج الفكري ، الذي رأى بعض تصنيف الفئات إليه ، كما كتب فيه بهذا الاتجاه ، وصنفوا على أساسه القائلين بالمنع من التطبير ( والقسم الثاني عموما ) بأنهم بأنهم دعاة إصلاح ، ورجال تغيير ، وفكرهم ينتهي إلى إنهاض المجتمع الشيعي ، بينما دعاة الاهتمام بهذا النوع من الشعائر ، والقائلين باستحبابه هم رجعيون في الفكر ، وتقليديون في الممارسة ، وليس لهم من الفكر المتطور نصيب !

 أقول : لا يرتبط بذلك بالضرورة فإننا وجدنا تداخلا كبيرا في هذه المسألة ، فإن شخصا مثل المحقق النائيني أعلى الله مقامه ، مع ما هو عليه من الوعي السياسي حتى عد من أوائل الذين كانت لهم نظرية سياسية واقعية ناظرة إلى الأوضاع الحاضرة تجلت في كتابه ( تنبيه الأمة وتنزيه الملة ) وله ممارسة سياسية متطورة ، قال بالجواز والاستحباب .

ومثله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، والذي كان يعد من المجددين في الفقه وغيره ، (ولا مجال للحديث هنا عن التفاصيل ) أيضا مع ما هو عليه من الادارة الاجتماعية الحكيمة، وبعد النظر السياسي ، فإنه ذهب أيضا إلى استحباب ذلك والحث عليه .

وقد أوردنا هذين المثالين للتأكيد على أن الأمر ليس ضمن معادلة الخط السياسي ، كما قد يتراءى بادئ النظر ، وليس ضمن معادلة الواقع المعاش الحديث . هذا كله بالنظر إلى الحكم الأولي .

كما أنه ليس أمرا حادثا ، ولا وليد اليوم ، وإنما كان محور نقاش ، وربما صراع في الحوزة العلمية في النجف الأشرف ، والناظر إلى كتاب شعراء الغري ( النجفيات ) للشيخ علي الخاقاني ، و ( هكذا عرفتهم ) للخليلي ، وغيرها من الكتب التي أرخت للفترة تلك من حياة الحوزة العلمية في النجف يجد بشكل واضح أثر ذلك الاختلاف في الموقف بين فئات الحوزويين .

ولعل تلك الفترة نشطت فيها حركة التأليف في هذا المجال ، واستصدار الفتاوى الموافقة أو المخالفة لكل فريق .

ونحن نقول هذا لكي لا يتصور الجيل الجديد ، أن المسألة حديثة الظهور : فيظن الشباب ـ وهم من الطرفين غيورون على الدين ـ أن عليهم أن يواجهوا بعضهم ، لأن الدين في خطر ، فهذا الطرف المجوز يحارب الطرف المانع بكل ما أوتي من قوة باعتباره ضد الشعائر أو أنه يريد هدم شعارات المذهب وتقويض أسس الطائفة . أو أن الطرف المانع  يحارب الطرف المجوز باعتباره متآمرا مع الأجانب لتشويه صورة الدين ، وأنه داخل في مخطط لالحاق الأذى بصورة المذهب النقية !!

لا ليس الأمر هكذا ، وليست القضية وليدة اليوم . وإنما هي منبعثة من خلال اختلاف طريقة الاستدلال والمقدمات التي يمهدها كل فريق للنتيجة الخاصة به .  ونحن سوف نتعرض إلى عرض إجمالي لأدلة الطرفين بما يتناسب مع وضع هذا الكتاب ، وبما يتناسب مع الفئة  التي يوجه لهم ، وهي في الغالب الفئة الشابة ـ بنين وبنات ـ .

فمما استدل به المجوزون :

1/ أصل الاباحة : فقد تقرر عندهم أن الأشياء على الاباحة ، وأن ( كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام ) ، وهذا الأصل وإن تعددت صيغه ، إلا أن نتيجته : أن ما لم يأت دليل على المنع منه من الله سبحانه أو المبلغين عنه ( كالنبي والأوصياء عليهم السلام ) فإنه مباح . وممارسة العزاء بهذا النحو من الضرب والادماء يشك في تحريمها والأصل عدم التحريم .

قد يقال : أنه قد ورد النهي عن الإضرار بالنفس ، وهذا من الإضرار بها ، ومع وجود النهي لا مجال لتحكيم الأصل .

لكنهم أجابوا : أن مطلق الإضرار بالنفس ـ ولو في مراتبه الدانية ـ لا دليل على حرمته ، وخصوصا لو كان فيه مصلحة عقلائية . نعم لو كان الضرر يعد جناية على النفس بإتلافها أو يعد ظلما لها ، كما لو أدى إلى نقص عضو ، فهنا يكون حراما . وهذا غير متحقق في مظاهر الشعائر فإنهم يقومون بعملهم صباحا وبعد الظهر يمارسون حياتهم العادية . بالاضافة إلى المصالح الدينية المترتبة عليه مما هو واضح .

وواضح أن هذا المقدار من الاستدلال لا ينتج أكثر من الجواز والمشروعية ، لا الاستحباب . لكنهم يضيفون :

2/ أن هذا العمل ـ مثل التطبير والادماء ـ من مراتب الجزع الممنوع إلا في مورد الإمام الحسين عليه السلام فإنه غير ممنوع بل مرغوب ومحبوب . وقد ورد في الخبر بسند معتبر هو حسنة معاوية بن وهب (22) : كل الجزع والبكاء مكروه إلا الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام.

3/ أن هذه الشعائر بما فيها التطبير والإدماء ، من مصاديق إحياء الأمر ، وقد ورد في الروايات كثيرا التوجيه إلى إحياء أمرهم ، ومن مصاديق تعظيم الشعائر ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) . والشاهد على ذلك جريانها منذ فترات طويلة من الزمان بمسمع ومرأى من علماء الطائفة وأكابر المذهب ، ولم يردعوا عنها أو يمنعوا منها , مع توفر الدواعي للمنع ، والقدرة عليه ولو في حدود الفتوى .

وبالتالي فإن هذا العمل وإن لم يأت على الفرض إمضاء خاص بشأنه ، إلا أنه مشمول للعمومات المرغبة في تعظيم الشعائر ، وإحياء الأمر .

4/ ويستشهدون ـ ولو على نحو التأييد ـ  بما ورد في بعض الروايات التي لم تكن نقية السند، إلا أنهم عملوا بها كالخبر الذي نقله العلامة المجلسي في البحار (23) وفيه أن زينب نطحت جبينها بمقدم المحمل ، وكذلك ما ورد عنهم عليهم السلام أنه ( على مثل الحسين فلتشق الجيوب، ولتخمش الوجوه ، ولتلطم الخدود)(24). فإن لطم الخدود وإن لم يلزم منه الإدماء إلا أن خمش الوجوه لا ينفك عن الإدماء . وما ورد في زيارة الناحية المنسوبة(25) للإمام الحجة عجل الله فرجه ( ..ولأبكين عليك بدل الدموع دما ..) فإن ذلك من إدماء العين بالبكاء، ولو لم يكن كل ذلك راجحا ومستحبا لما فعلته العالمة غير المعلمة زينب ولما تعهد به الإمام المعصوم عليهم السلام .

ومما استدل به المانعون :

1/ التشكيك في كون التطبير والادماء من مصاديق الجزع ، أو التألم لما جرى على أهل البيت عليهم السلام وبخاصة على الحسين عليه السلام .فالبكاء هو من مصاديق التألم عرفا ، والضرب على الصدور كذلك وأما الإدماء للجسد فليس كذلك . وحينئذ فلا يشمله ما دل على الترغيب في الحزن لأحزانهم والتألم لأجلهم .

2/ أنه لم يعهد من الأئمة عليهم السلام ، ولا العصر القريب منهم إمضاء عام ولا خاص لهذا النوع من العزاء ، والممارسات .

3/ الالتزام بأن مطلق الإضرار بالنفس حرام حتى لو لم يؤدّ إلى التهلكة أو للجناية على النفس بنقص العضو ونحوه  ويمثلون بأنه لو جئت بشفرة وجرحت نفسك وضعت بعد ذلك دواء ليندمل الجرح، فحتى لو شفيت بعدئذ فهذا حرام، لأنه تعريض النفس للضرر، والإضرار بالنفس ظلم للنفس، وظلم النفس محرم {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} [النحل:118].

والإدماء هو من الإضرار بالنفس فلا يكون جائزا .

 وهنا يختلف المانعون : حيث أن بعضهم لا يلتزم بهذا المبنى ، ولذا يجوزون مثلا الضرب بالسلاسل مع أن فيه إضرارا بالنفس ـ في مرتبة من مراتب الضرر ـ .

 4/ التوسل بالعنوان الثانوي : وهو الوهن الوارد على المذهب على أثر هذه الممارسات ، فهم يقولون أن أعداء المذهب اليوم ، يتربصون به حتى يظهروه على غير حقيقته ، وبروز هذه المظاهر والصور من التطبير والإدماء تسبب وهن المذهب ، وتشويه صورته ، وذلك غير جائز .

فحتى لو فرضنا جوازه بالعنوان الأولي فإنه بالعنوان الثانوي لا يكون جائزا لما فيه من تشويه صورة المذهب ، وتسبيب الوهن عليه .

تلك كانت خلاصة رأي الطرفين وما يمكن أن يستدل به لكل منهما ـ بمقدار ما يحتمله وضع هذا الكتاب والفئة المخاطبة به ـ .

نهاية المطاف :

قد عرفت مما سبق أن كل طائفة من العلماء تعتمد على توجيه معين وتقريب خاص تصل من خلاله إلى نتيجة الجواز بل الاستحباب ، أو المنع وعدم الجواز ، ولنا هنا عدة نقاط ، ربما مرت الإشارة إلى بعضها :

أولها : أن التزام المؤمن بتقليد من يقول بالمنع والحرمة ، ولو لأجل العنوان الثانوي الطارئ ، يعني أن لا يقوم هو بتلك الأمور ، لكن لا يعطيه حق أن يحارب من يقوم بها إذا كان له حجة شرعية بتقليده من يقول بجوازها أو استحبابها .

كما أن التزام المكلف بقول مرجعه القائل بالجواز أو الاستحباب لا يعني فرض ذلك عليه على نحو الوجوب ، ولا يعني أيضا أنه هو الذي يدافع عن الأئمة فقط ، وهو وارث التشيع دون سواه ، وأن الآخرين ليسوا في خط أهل البيت عليهم السلام . وأنه يجب بالتالي زيادة هذه الأمور نكاية بالفريق الأول ‍‍!

ثانيا : أن شعائر الحسين عليه السلام ، على اختلاف طرقها وأساليبها ، يوجد بينها قاسم مشترك . والقاسم المشترك بينها كما يفترض هو أن تساهم في إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ـ وإن اختلف البعض في أن هذا يساهم أو لا يساهم في إحياء أمرهم ـ لكن غرضها الأقصى والقاسم المشترك بينها هو ذاك .. فلا يصح أن يحولها أتباع أهل البيت إلى ساحة معارك داخلية . تنتهي إلى إضعاف أمر أهل البيت عليهم السلام .

 وما نراه من حالات الهجوم والهجوم المضاد من قبل كل فئة للأخرى لا يحقق سوى المزيد من الانتكاس لخط الأئمة عليهم السلام , ولذا فإن الأطراف المختلفة مدعوة لملاحظة هذا الأمر .

إن الفئات الاجتماعية فيها من دواعي التفرق والاختلاف ما يكفيها ، فلا يصح أن  نضيف سببا جديدا هو ما يرتبط بالحسين عليه السلام ، والذي هو نور وهداية ، فنحوله بتخلفنا وجهلنا إلى مصدر للفتنة والتناحر .. كيف وقد ذكروا عليهم السلام بأن ( طاعتنا نظام للملة وإمامتنا أمان من الفرقة ) ؟ .

ثالثا : إنه لا بد من التفريق بين الحكم الأولي والذي لا يخضع لرأي الغير ، ولا يؤثر فيه الزمان ـ ما دام الموضوع واحدا ـ ، وبين الحكم الثانوي الذي ينظر إلى الطوارئ والعناوين اللاحقة . والمجوزون القائلون بالاستحباب ، أيضا يقولون بأنه لا يجوز لشخص القيام بهذا العمل لو كان بالنسبة له يؤدي إلى ضرر لا يتحمل عادة . وهكذا لو كانت الظروف المحيطة بالمجتمع ـ كما لو كان أقلية شيعية في محيط معاد ـ تنتج مشاكل حياتية صعبة ، كالاحتراب الداخلي ، وغيره .. وكانت تلك الشعائر ـ فرضا ـ تسبب في حدوث تلك المشاكل فإنه حتى القائلين بالاستحباب لا يلتزمون به بالنظر إلى هذا العنوان الثانوي الطارئ بالنسبة إلى ذلك المجتمع وفي تلك الفترة الزمنية .

وهكذا يفترض أن القائلين بالحرمة على أساس أن هذه الممارسات تؤدي إلى وهن المذهب والإزراء عليه ، يربطون الحرمة ـ من هذه الجهة ـ بتحقق الوهن ، فلو فرضنا في مكان أنه لا يحصل وهن بل تقوية ، فإنه لا ينبغي أن يلتزموا بالتحريم من هذه الجهة ، مع فرض عدم الاضرار .

والاختلاف في تشخيص الأمور الخارجية أمر شائع ولا يفسد لا للود ولا في الدين قضية.

وهذا يعني أن يفكر الشباب المؤمنون ـ في مناطقنا ـ زادهم الله وعيا وحماسا ، بأن القضية ليست على نحو الاطلاق بين حدي التحريم والوجوب .

 

سؤال : هل كان الحسين ملاحقا من أعوان يزيد ؟ واضطر اخيرا إلى خوض معركة أم كان ثائرا ؟

الجواب : الناظر إلى مجمل حركة الامام الحسين عليه السلام ، يقطع بأنه لم تكن تلك إلا ما عبر عنه ( اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنازعا في سلطان ولا التماسا لشيء من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ، وتقام المعطلة من حدودك فيأمن المظلومون في بلادك ) .

وأنه لم يكن سلام الله عليه إلا ثائرا آثر العز والشهادة على الذل والحياة الذميمة فقال (فليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما ) . وأقسم أنه لا يعطي بيده إعطاء الذليل ولا يفر فرار العبيد .

بل إنه رفض أن يتنكب الطريق الأعظم من المدينة المنورة إلى مكة ، مع أن البعض نصحوه بأن يفعل ذلك كما فعل ابن الزبير ، فلم يقبل منهم . وبعدها من مكة إلى كربلاء خرج جهارا أمام الملأ ، إلا حين كادت أن تحصل المواجهة بينه وبين الحر بن يزيد الرياحي ، الذي اقترح عليه أن لا يدخل الكوفة ، فسار على غير الجادة .

إن الملاحَق أو المنهزم لا يفوت على نفسه فرصة النجاة لو حصلت ، بينما حصل للحسين ، وعُرض عليه العديد من فرص ( النجاة ) .. وكان الحسين عليه السلام لا يبحث عن فرصة لنجاته وإنما كان يريد إنقاذ الدين ، وإحياء ما مات منه حتى لو أدى ذلك إلى أن يكون شهيدا في هذا الطريق .

فما رأى السبط للدين الحنيف شفــا             إلا إذا دمه في كربلا سفكــا

وهذا هو ما لم يفهمه بعض من عاصره ، ولذلك طفقوا يقترحون عليه مرة أن يعتصم بالبيت الحرام حتى ينجو فإنه أعز واحد في الحرم !! ، وأخرى يشار عليه بأن يذهب إلى اليمن فإنهم شيعة أبيه ، وثالثة يشاور في أمر الذهاب إلى جبال آجا وسلمى !! بل أشار عليه بعضهم بأن ( أوَلا تنزل على حكم بني عمك ؟ فإنهم لن يُروك إلا ما تحب !!) .

وعرض عليه عمر بن سعد ذلك ، ولكن الحسين عليه السلام ، ما كان يبحث عن نجاته هو وإنما كان يبحث عن تحقيق هدفه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

 

سؤال : ألا يخشى أن تؤدي كثرة التدقيق في مسائل السيرة ونفي بعضها إلى تقليل ولاء أتباع أهل البيت عليهم السلام ، والتأثير سلبا على الاعتقادات الأخرى ؟ فيكون فتح هذا الباب سيئا لأجل هذه الأثر السيء ؟

الجواب :  نحن نعتقد خلاف ذلك للأمور التالية :

1/ لأننا مأمورون بالمعرفة والوعي في كل قضايانا العقيدية ، وقد رأينا أن الذين ساروا على غير بصيرة ومن دون معرفة كيف انتهى بهم الحال إلى مشاكل في الرؤية والعمل .

 " ومن ذلك ما يقوله أمير المؤمنين (عليه السلام) في إحدى وصاياه لكميل بن زياد:

(يا كميل: ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة) ، ويحذر المعصومون (عليهم السلام) من السير دونما بصيرة، لأن ذلك إضافة إلى أنه تبديد للجهد والطاقة و لا يوصل المرء إلى الهدف إطلاقاً بل يبعده عنه. يقول الإمام الصادق (عليه السلام):

(العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق فلا تزده سرعة السير إلاّ بعداً)(26) ويجعل الإمام الصادق (عليه السلام) مقياس التفاضل بين العاملين، المعرفة، والبصيرة التي تجعل أعمال المؤمن ضمن الإطار الصحيح، فليست كثرة الصلاة والعبادة الخالية عن الوعي دليلاً على أفضلية المؤمن، إنما البصيرة الرسالية التي تعطي كل عمل أبعاده الكاملة في شخصية المؤمن.. فعن ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) قال:

" بعضكم أكثر صلاة من بعض وبعضكم اكثر حجاً من بعض، وبعضكم أكثر صدقة وبعضكم أكثر صياماً من بعض. و أفضلكم أفضل معرفة "

2/ نحن نعتقد أن هناك ارتباطا وثيقا بين المعرفة العلمية ، وبين قوة الاعتقاد وديمومة الولاء لأنه يكون في هذه الحالة ثابتا لا يتأثر بعواصف التشكيك(27)، ولا بحملات الآخرين، وإنما لسان حال المؤمن ( هذه سبيلي أدعو على بصيرة أنا ومن اتبعن ) ، لهذا كان ايمان العلماء بالغيب وما يرتبط به أقوى من إيمان غيرهم ، وكان ( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ ) .

3/ بل هناك ارتباط بين مقدار الثواب والمنزلة الالهية ، وبين الوعي والمعرفة ، فصلاة العالم العارف تختلف عن صلاة غيره(28) وزيارة المعصومين عليهم السلام مطلوبة لكن زيارة الزائر إذا كان ( عارفا بحقهم ) أفضل .

ثم إننا نعتقد أن الكثير مما هو في السيرة ثابت ومحقق ، وينبغي الاعتناء به ، ولكن هناك بعض القضايا مما لا تعد من الأساسيات ، لا ثبوت لها ، وهذه لا يؤثر قبولها وردها كثيرا في ميزان الولاء والاعتقاد . حيث أنها لا تتصل في الغالب بأمور عقيدية وإنما هي تفاصيل في السيرة.

ولو كان المذكور صحيحا ، أن التحقيق والبحث والمعرفة تؤثر سلبا على الولاء والاعتقاد السليم لرأينا أئمتنا ينهون عن التعلم والتعرف والحال أنهم يأمرون به . ولرأينا علماءنا يجتنبونه والحال أنهم يحققون فيه .

بل بالعكس نعتقد أن الانسان كلما ازداد بصيرة ، ازداد بمقدارها اعتقادا وولاء .

 

سؤال : هل كل الشيعة يحيون عاشوراء بنفس ترتيب الأيام المعروفة لدينا ، مثل كون السابع خاصا بالعباس وهكذا ؟ وكيف وضعت هذه الأيام ومن كان واضعها ؟ وكيف كانوا يحيونها قبل هذا الترتيب ؟

الجواب : لا يظهر في الروايات الواردة عن إحياء أهل البيت عليهم السلام لهذه المناسبة توزيع أو ترتيب كالذي نراه اليوم ، فإن الروايات تذكر أنهم عليهم السلام كانت تظهر عليهم آثار الحزن من بداية اليوم الأول من محرم ، حتى إذا كان يوم العاشر فهو يوم المصيبة الكبرى . خصوصا أن من يدخل عليهم من الشعراء كان ينعى الحسين عليه السلام ، وشهداء كربلاء ، ويعطف أحيانا على ذكر نساء الحسين وقضية السبي ، مع أنه لم يأت حتى ذلك الوقت يوم العاشر .

أما في العصور المتأخرة، (فما درج عليه هيكل المجلس الحسيني الأساسي في العشرة الأولى من شهر المحرم من تسلسل حيث يكون موضوع الخطيب في اليوم الأول ـ كما هو عند الأغلب أو الكثير الحديث عن هلال محرم وما يصاحب ذلك من تداعي المعاني وما يصاحب ذلك من حكايات وما كان له من تأثير عند أئمّتنا الأطهار وشيعتهم وأسلوب احتفالهم به وما كانوا يمارسونه من أنماط الحزن لذلك ، هكذا هو اليوم الأول في الجملة .

 وفي اليوم الثاني يتناول الخطيب فضل البكاء على ما جرى من فواجع في واقعة الطف ومشروعية هذا البكاء والتماس الأدلة على ذلك وما يترتّب من الأجر والثواب للباكي التقليدي أو الوفاء للباكي الواعي الذي يبكي لمجرد الإنفعال لمأساة عظيم كالحسين ظلمته أمّته ، يستعمل الخطيب عادة بعض مقاطع باللغتين الدارجة والعربية والمشحونة والمكهربة عاطفياً لاستدرار الدمع .

أمّا اليوم الثالث فغالباً ما يتناول خروج الحسين (عليه السلام) من المدينة المنوّرة وما أحاط به من أجزاء تصوّر المشهد من وداع لقبر جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبر أمّه (عليها السلام) ووداع أهله وكيفيّة موكبه وما رافق ذلك من مناظر مفجعة للوداع(29) .

 ويتناول في اليوم الرابع مسير الحسين (عليه السلام) ومروره بالمنازل والتقائه ببعض أهلها ولقاء الحرّ معه وما دار بينهما من مطارحات وما حدث من أعمال وينتهي غالباً إلى حدّ نزول الحسين (عليه السلام) بكربلاء .

 ويتخصّص اليوم الخامس لسيرة مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) ومكانته وسرّ اختيار الحسين له ليكون رسوله إلى الكوفة إلى مصرعه ومصرع ناصره هاني بن عروة والأحداث التي ارتبطت بذلك اليوم .

في اليوم السادس من محرم تتلى سير شهداء الطف من أنصار الحسين (عليه السلام) مثل حبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وزهير بن القين وغيرهم ، ودراسة أحوالهم ومكانتهم وما أعدّ الله تعالى لهم .

 واليوم السابع يخصّص للعباس بن علي وإخوته أبناء أمّ البنين وما له ولهم من صفات من حيث النسب والمكانة ومؤهّلاته البطولية والإيمانيّة الخ إلى مصارعهم .

 واليوم الثامن للقاسم بن الحسن الشهيد الصبي الذي تمتزج ذكراه بما رافقها من آفاق عاطفية زوّجته وصنعت له عرساً نثاره من النبل وخضابه من الدم وحلّته من نسيج امتزج فيه غبار المعركة بلون الدم ولهيب الجرح لينزف بعد ذلك محمولاً على صدر الحسين إلى خيمة جمعته مع لداته بين دموع الأهل وحسرات الأمهات .

أمّا ليلة التاسع فهي ويومها لعليّ الأكبر بن الحسين (عليه السلام) أولّ قتيل من الهاشميين وحالات الحسين عند مصرعه وما يرتبط بذلك من شؤون الآباء مع الأبناء وتشير إلى المشاهد التي تلهبها الأجواء العاطفية ويعمقها الخيال حتى الشهادة .

 أمّا ليلة العاشر فهي مخصصة للإعداد للمعركة وذكر ما جرى فيها من عبادة ووداع واستعداد للشهادة والحالة النفسية للعائلة وهي تتوقّع المجزرة صباحاً وفراق أهلها وأحبّتها . وختام ذلك كلّه أحداث صبيحة العاشر التي منها قراءة ما يسمّى بالمقتل حيث تستعرض كلّ ملابسات واقعة الطف والإعداد لها ابتداء من طلب البيعة من الحسين ليزيد والإمتناع والمسير إلى كربلاء مروراً بمكة المكرمة والمنازل ونزولاً بكربلاء واستعراضنا لكلّ الأحداث بما فيها القتال إلى أن ينتهي الأمر إلى مصرع الحسين (عليه السلام ).

وسواء كان هذا الترتيب تعيّنياً(30) وهو الأقرب أم تعيينياً ، فهو على الإجمال وصف للهيكل التقليدي للمجلس الحسيني عند الكثير) (31).

وهذا الهيكل يظهر أنه هو القائم في العراق ، ومحيطها الشيعي المتأثر بها مثل دول الخليج ، وليس معلوما أنه نفس الترتيب الموجود في إيران ، أو الهند وباكستان .

 

سؤال : ألا تعتقدون أن كثيرا من المواكب العزائية لا تنتج شيئا ، فما أن ينتهي موسم المحرم حتى يعود كل شيء  إلى مكانه وتنسى الشعارات التي رفعت أيام المحرم بل إن بعض من يعزون لا يطبقون أهداف الحسين ولا ينسجمون معها ؟

الجواب : مجرد أن الشعارات التي رفعت أيام محرم تنسى ، أو أن بعض المعزين لا يطبقون أهداف الحسين عليه السلام ، لا يضر بموقع المواكب العزائية ، ولا يدفع للاستغناء عنها ، فإننا نجد أن القرآن الكريم وهو كتاب الله المنزل الذي لو أنزل ( على جبل لرأيته خاشعا من خشية الله ) ومع ذلك فإنه لا يؤثر في حياة كل المسلمين بمعنى أنك تجد العديد من المسلمين وهم غير متأثرين بثقافة القرآن وأخلاقه وتعاليمه ، فهل يعني ذلك عدم فائدة القرآن ؟ أو الاستغناء عنه ؟

وأنت ترى أن الرسول الأعظم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وهو من هو في الفصاحة والبلاغة ، وقوة التأثير لكن بعض من عاصره واستمع إليه مباشرة لم يتأثر بأقواله !! فهل يعني ذلك عدم الفائدة من حديث النبي ؟

إن من المهم أن يكون لدى المجتمع مؤسسات دينية ، ومظاهر اسلامية ، وشعائرية حتى تحافظ على الصورة الاسلامية العامة ، وتكون مقصدا لمن يريد الاهتداء إلى التعاليم الالهية، هذا ما يحتاجه كل جيل .

كما أنه ليس من الصحيح أن نطلب من الموكب العزائي أكثر من طاقته ، فالموكب العزائي يقوم بدور الشحن العاطفي وتهيئة النفوس لتقبل التوجيه الفكري ، ويصنع انتماء على مستوى العاطفة بين المعزي والمعزى به ، أما أن نفترض أنه محلول كيماوي يدخله المعزي وهو مذنب أو غير واع ، فيخرج من الطرف الآخر بعد ساعة وقد تغير كليا !! هذا مما لا يتوقع أصلا ، والبحث عنه بحث عن السراب .

إن علينا أن نشجع المواكب العزائية بكافة أشكالها ، ونحاول أن نقوي فيها المضمون العاطفي والولائي لأهل البيت عليهم السلام ، وأيضا أن يتم توجيهها توجيها سليما من خلال إشراف الهادفين والواعين على تسييرها ، واختيار الكلمات المناسبة فيها .

لقد رأينا أن بعض ما يقال من قصائد ، و ( رداديات ) تصنع من الانتماء وتشجع الفرد على الالتزام بالقيم الدينية ، أكثر مما تصنعه محاضرات متعددة ، لا سيما في فئة الشباب .

وبناء عليه نحن نعتقد أن المواكب العزائية تصنع الكثير ، الكثير ، ووجود بعض المشاركين ممن لا يتأثرون بعد الموكب ، أو ممن لم يكونوا على خط الانسجام مع الهدف الحسيني قبل الموكب لا يمنع من حصول الفوائد الكثيرة للمجتمع ، ولا بد من تقوية هذه المواكب كماًّ ونوعاًّ .

 

سؤال : هل خرجت زينب عليها السلام بعد مصرع الحسين عليه السلام عصرا ، أو أنها خرجت في الليل فقط كما يرى ذلك بعض خطباء المنبر ؟ فإننا نجد من يقول بالأول ومنهم بالثاني ؟

الجواب : سوف ننقل ما ذكره المؤرخون من خروج زينب بشكل عام ، ومن خلاله سيتم الاجابة :

 فقد ذكر المؤرخون أن زينب عليها السلام خرجت في المواضع التالية خارج(32) المخيم :

 1/ خروج زينب عندما قتل علي الأكبر عليه السلام  ، فقد ذكرالطبري في تأريخه نقلا عن أبي مخنف ينهيه إلى حميد بن مسلم  قال سماع أذنى يومئذ من الحسين يقول قتل الله قوما قتلوك يا بنى ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفاء قال وكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادى يا أخياه ويا ابن أخاه قال فسألت عنها فقيل هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت حتى أكبت عليه فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط وأقبل الحسين إلى ابنه وأقبل فتيانه إليه فقال احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه (33).

2/ خروج زينب عندما أرادت أن ترجع الغلام عن عمه : وهذه الحادثة قد رويت في كلمات المؤرخين بأكثر من نحو ، فمن بعضها يستفاد أن الحسين عليه السلام كان يقاتل وخرج في هذه الاثناء عبد الله بن الحسن المجتبى عليه السلام ، بينما يستفاد من بعضها الآخر أن الحسين كان قد وقع صريعا على الأرض ولا يستطيع القتال ، وقد أحاط به القوم لكنهم كانوا يتهيبون قتله فانفلت في هذا الحال عبد الله ، منطلقا إلى عمه للدفاع عنه ، فنادى الحسين عليه السلام اخته زينب أن تمسكه وتحبسه ، فلم يقبل ، وتخلص منها وجاء إلى عمه ، فدفع عن عمه ضربة سيف قام بها بحر بن كعب ، واتقاها الغلام بيده فإذا يده معلقة بجلدة !! فضمه الحسين إلى صدره .

3/ خروجها عليه السلام ومخاطبتها لعمر بن سعد ، ولعل هذا الخروج هو نفس السابق ولكن في مشهدين ، نُقلا مقطعين .. فقد ذكر الطبري عمن حضر المعركة قوله : فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا منه ولا أجرأ مقدما والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله إن كانت الرجالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب قال فوالله إنه لكذلك إذ خرجت زينب ابنة فاطمة أخته ...وهي تقول ليت السماء تطابقت على الارض وقد دنا عمر بن سعد من حسين فقالت يا عمر بن سعد أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه قال فكأني أنظر إلى دموع عمر وهى تسيل على خديه ولحيته قال وصرف بوجهه عنها(34) !! . ثم نادى شمر ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل ..الخ .

وهذه الموارد الثلاثة يظهر منها أن خروج العقيلة زينب عليها السلام كان قبل مقتله سلام الله عليه .

4/ ما يستفاد من زيارة الناحية المقدسة ( ...حتى نكسوك عن جوادك ، فهويت الى الأرض جريحا ، تطؤوك الخيول بحوافرها ، وتعلوك الطغاة ببواترها ، قد رشح للموت جبينك ، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك ، تدير طرفا خفيا الى رحلك وبيتك ، وقد شغلت بنفسك عن ولدك واهلك ، واسرع فرسك شاردا ، والى خيامك قاصدا ، محمحما باكيا . فلما رأين النساء جوادك مخزيا ، ونظرن سرجك عليه ملويا، برزن من الخدور ، ناشرات الشعور على الخدود  لاطمات وبالعويل داعيات ، وبعد العز مذللات ، وإلى مصرعك مبادرات والشمر جالس على صدرك ، مولع سيفه على نحرك ، قابض على شيبتك بيده ، ذابح لك بمهنده ، قد سكنت حواسك ، وخفيت أنفاسك ، ورفع على القنا رأسك..)  فإن فيه تصريحا بخروج النساء ولا شك في كون زينب معهن ..

لكن لا صراحة في هذه الكلمات بأن الخروج كان بعد المصرع ، فقد يمكن فهم هذا النص(35) على أنهن خرجن حالة كون الشمر جالسا على صدر الحسين عليه السلام ، وذبحه له واستمر ذلك إلى ما بعد الذبح .. فيكون الخروج مترافقا مع الذبح ومستمرا إلى ما بعده .

وقد يفهم على أن النص ينقل صورا مختلفة من الواقعة فيكون ذبح الشمر للحسين ، وما ذكر في النص معطوفا على الصورة الأولى وهي صورة خروج النساء ، كما أن الخروج بتلك الصورة لم يكن حالة ذبح الحسين عليه السلام .. والشاهد عليه أنه بعد ذلك قال (..وسبي اهلك كالعبيد ، وصفدوا  في الحديد ، فوق أقتاب  المطيات ، تلفح وجوههم حر الهاجرات ، يساقون في البراري والفلوات ، أيديهم مغلولة الى الأعناق ، يطاف بهم في الأسواق ..) .

وعلى أي حال فإن فُهم من النص السابق أن خروج النساء كان في حالة ذبح الحسين واستمر لما بعده ، فإنه شاهد على خروجهن بعيد المصرع وعدم انتظارهن إلى الليل .

5/ ما ينقل عن كتاب الطراز المذهب ( و لا يوجد عندي ) ، من أن زينب عليها السلام خرجت إلى حيث صرع أخوها الحسين فقالت : اللهم تقبل هذا القليل من القربان . وقد نقل تلك العبارة عنه الحجة الشيخ فرج العمران رحمه الله في كتابه وفاة السيدة زينب ، قال : فمن عجيب صبرها وإخلاصها وثباتها ما نقله في الطراز المذهب أنها سلام الله عليها وعلى أبيها وأمها وأخويها لما وقفت على جسد أخيها الحسين ( ع ) قالت : اللهم تقبل منا هذا القليل من القربان قال : فقارنت أمها في الكرامات والصبر في النوائب بحيث حرقت العادات ولحقت بالمعجزات . قال المؤلف النقدي(36) أعلا الله مقامه : فهذه الكلمات من هذه الحرة الطاهرة ، في تلك الوقفة التي رأت بها أخاها العزيز بتلك الحالة المفجعة ، التي كانت فيها تكشف لنا قوة إيمانها ورسوخ عقيدتها وفنائها في جنب الله تعالى ، وغير ذلك مما لا يخفى على المتأمل .

ولا يُعلم بدقة هل كان هذا الوقوف عند الجسد بعد المقتل مباشرة أو أنه كان في الليل . بل  ذهب بعضهم إلى أن هذا الكلام إنما تم في اليوم الحادي عشر كما يرى الشيخ الحائري في كتابه شجرة طوبى وكما يظهر من صاحب كتاب قصة كربلاء(37).

فلم يظهر أن هناك دليلا وثيقا يعتمد عليه في تحديد وقت الخروج وأنه كان الليل أو النهار ، لكن لو أريد التقريب ببعض الاعتبارات  فإنه يستقرب أن الخروج كان ليلا . وذلك باعتبار أن الواقعة قد انتهت بحسب الأخبار في وقت العصر ، ولما ذبح الحسين عليه السلام ، غارت الخيل على مخيم الحسين وبدأ السلب والنهب ، ثم تم حرق المخيم ، وانتشرت النساء والأطفال في الصحراء خوفا من النار ، ومن هجمة الخيل ، وبدأت زينب تجمع النساء والأطفال ، وتدافع عنهن من السلب والتعدي ، ويفترض أن هذه الحالة قد امتدت إلى زمن ليس بالقصير ، فيبعد والحال هذه أن تترك زينب هذا الجمع من المذعورات والثكالى لكي تذهب إلى جسد الحسين مناجية له !!

وأكثر بعدا من ذلك أن تكون قد ذهبت بالنساء والأطفال إليه ، مع كثرة العدد وتفرقهم وحالة الرعب والخوف الحادثة على أثر الهجوم العسكري .

نعم يمكن ذلك بعد استقرار الأمور ، وإرخاء الليل سدوله الساترة ، أن تخرج زينب وربما معها غيرها ، إلى جسد الحسين عليه السلام . خصوصا مع ملاحظة انستارها في ذهابها ومجيئها ليلا دون النهار الفاضح والكاشف !

لكن يبقى كل هذا في مستوى الاستقراب ، ولا يرقى إلى كونه دليلا . خصوصا لو قرئ نص الزيارة بنحو يفهم منه أنهن خرجن في حال ذبح الحسين واستمرار ذلك إلى ما بعد المقتل . وأيضا مع فرض أن الزيارة نص صادر عن المعصوم .

 

سؤال : هل قتل الحسين بأمر يزيد أو أن ابن زياد تصرف من قبل نفسه ؟ فإننا قد نقرأ في بعض الكتب أن يزيد لم يكن راضيا بقتله ، وإنما كان ابن زياد هو الذي تعجل عليه !!

الجواب : في الواقع هو مأزق المؤرخ الرسمي الممالئ ، والذي لا يستطيع أن أن يواجه الواقع بصراحته فيظل يدور حول القضية من غير هدى ولا بصيرة ، ويتأول في غير مجال التأويل ، فهو تارة يقول أن يزيد مجتهد ولكنه مخطئ في اجتهاده ، وأخرى يحاول أن ينفي هذه المسألة ، ويلقي بمسؤولية ما حدث على أهل الكوفة ، وثالثة قد يكون أكثر ( صفاقة ووقاحة ) فيلقي بالمسؤولية على الحسين عليه السلام ، باعتبار أنه جاء ( وأمر الأمة جميع ) !! ففرقها ؟؟ بينما كان يزيد داعي الوحدة والصلاح !! وبالتالي فقد قتل الحسين عليه السلام بسيف سله جده الرسول !! بل الأظرف من ذلك أنهم في بعض الأحيان يلقون بمسؤولية قتل الحسين وأصحاب الحسين على الله سبحانه !! فالله هو الذي قتل علي بن الحسين كما قال بن زياد عندما دخلوا عليه وسأل عن اسم زين العابدين فقيل له : هذا علي بن الحسين . قال : أليس الله قد قتل عليا بن الحسين ؟ .. فالمسألة إذن أن الله هو القاتل ! وهو المسؤول عن تلك الجريمة !!

ولعل أوضح من يترجم لنا عن هذا المنطق المعوج ، كلمات ابن كثير الدمشقي في كتابه (البداية والنهاية ) فإنه في ترجمة من سماه ( أمير المؤمنين يزيد بن معاوية رضي الله عنه!!) قال في تحليل مقتل الحسين عليه السلام :

 وقد تأول عليه من قتله أنه جاء ليفرق كلمة المسلمين بعد اجتماعها وليخلع من بايعه من الناس واجتمعوا عليه ، وقد ورد في صحيح مسلم الحديث بالزجر عن ذلك ، والتحذير منه ، والتوعد عليه وبتقدير أن تكون طائفة من الجهلة قد تأولوا عليه وقتلوه ولم يكن لهم قتله ، بل كان يجب عليهم إجابته إلى ما سأل من تلك الخصال الثلاثة المتقدم ذكرها ، فإذا ذمت طائفة من الجبارين تذم الامة كلها بكمالها ونتهم على نبيها صلى الله عليه وسلم ، فليس الامر كما ذهبوا إليه ، ولا كما سلكوه ، بل أكثر الائمة قديما وحديثا كاره ما وقع من قتله وقتل أصحابه ، سوى شرذمة قليلة من أهل الكوفة قبحهم الله ، وأكثرهم كانوا قد كاتبوه ليتوصلوا به إلى أغراضهم ومقاصدهم الفاسدة . فلما علم ذلك ابن زياد منهم بلغهم ما يريدون في الدنيا وآخذهم على ذلك وحملهم عليه بالرغبة والرهبة ، فانكفوا عن الحسين وخذلوه ثم قتلوه . وليس كل ذلك الجيش كان راضيا بما وقع من قتله ، بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك والله أعلم ، ولا كرهه ، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه كما أوصاه بذلك أبوه ، وكما صرح هو به مخبرا عن نفسه بذلك . وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر و يبدو ، ولكن لم يعزله على ذلك ولا عاقبه ولا أرسل يعيب عليه ذلك والله أعلم (38).

فالقضية عند أن قوما تأولوا على الحسين ، واجتهدوا في أنه أراد أن يفرق كلمة الأمة ويخلع من بايعوه ، واجتمعوا عليه !! ثم إن الذين قتلوه هم شرذمة من أهل الكوفة ! فأما يزيد فلم يقتل ولم يكن راضيا أيضا !

والحقيقة أن يزيد ككثير من السياسيين لهم نوعان من الكلام :

ـ ما يعبر عن معتقداتهم الحقيقية ، وخططهم الواقعية ، وهذا قد يظهر أحيانا بشكل مختصر ـ إذا كان يخالف الرأي العام ـ ولكنه هو المعبر عن بواطن هؤلاء الأشخاص ويلاحظ أنه هو ينسجم تماما مع طريقة حياتهم ، وتوجهاتهم العملية .

ـ وهناك كلام للاستهلاك المحلي ، والتسويق بحسب الظروف المحيطة ، وهذا عادة ما يكون كثيرا وغير منسجم مع الأعمال الحقيقية التي يقومون بها .

والمؤرخون الرسميون يحاولون قدر الإمكان النظر إلى النوع الثاني ، ويجعلونه هو الواجهة ، وهو الكل في الكل ، لكنهم سرعان ما يرتطمون بالوقائع المخالفة لتلك الكلمات ، فيظلون يدورون ويلفون ، ولا يستطيعون حتى إقناع أنفسهم فضلا عن غيرهم .

ومن ذلك ما نقل عن يزيد أنه ما أمر بقتل الحسين عليه السلام  ، ولا رضي بذلك ، وأنه لو كان بين ابن زياد وبين الحسين الرحم الذي بين يزيد وبين الحسين لما فعل به ما فعل !! أو أنه سمح بإقامة العزاء على الحسين في الشام بعد وصول النساء والسبايا !

وهذا الكلام كله علف للاستهلاك اليومي يلقى لمن يأكل !! وحقيقة الأمر هو أن يزيد الذي عبر عنه الحسين عليه السلام بأنه ( وعلى الاسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد ) كان منذ اليوم الأول قد عقد العزم على إنهاء وجود الامام الحسين لو لم يبايع .

وعبيد الله بن زياد وإن كان شخصا فاتكا لا يعرف للدين وأهله إلاّ ولا ذمة ، ولذا اختاره يزيد لهذه المهمة وجمع له الكوفة إضافة إلى البصرة ، إلا أنه لم يكن سوى آلة ,وأداة تنفذ ما يطلب منها ، بل إنه لو تأخر عن تلك المهمة لما حصل إلا على العقوبة(39) وكان قد خُير من يزيد بن موته وموت الحسين عليه السلام . ولما أنجز تلك المهمة استحق التكريم والثناء والشكر(40). لا مجرد الرضا عما قام به .

وأما شذرات الكلام المتناثرة التي سجلها التاريخ من يزيد والتي كانت تنسجم تماما مع طريقة حياته وأعماله قوله وقد جلس على منظر مشرف من قصره ، فجاء في تلك الفترة ركب السبايا فقال :

لما بدت تلك الحمول وأشرقــت          تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح         فلقد قضيت من النبي ديــوني (41)

وتمثله بأبيات بن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا          جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فـرحـا          ثم قالوا يا يزيد لا تشــل

لعبت هاشم بالملك فـلا          خبر  جاء ولا وحي نزل(42)

لكنه لما تغير الرأي العام ، واستعظم جريمة الأمويين في حق الحسين عليه السلام وأهل بيته ، وبدأت بوادر النقمة تظهر للعلن ، آنئذ بدأ يتنصل يزيد من المسؤولية ويلقي بها على ابن زياد وإلا فإنه كما يقول الطبري ( لما قتل عبيد الله بن زياد الحسين وأصحابه وأرسل برؤوسهم إلى يزيد سر بقتلهم وحسنت منزلة ابن زياد عنده .. ثم لم يلبث إلا قليلا حتى أظهر الندم ..) . وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء ( فسر بقتلهم أولا ثم ندم لما مقته المسلمون على ذلك وأبغضه الناس وحق لهم أن يبغضوه ) .

 

سؤال : لماذا لم نجد عددا من الصحابة المخلصين مع الحسين مثل : جابر بن عبد الله و محمد بن الحنفية ، عبد الله ابن جعفر ، ابن عباس ، وغيرهم ؟

الجواب : إذا كان المقصود أن يستدل على عدم صوابية خروج الحسين عليه السلام وثورته بعدم خروج أولئك الصحابة معه ، فهذا يذكرنا بحوار أبان بن تغلب مع بعضهم ، فعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاء شاب فقال : يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله !  فقال له أبان : كأنك تريد أن تعرف فضل علي  عليه السلام  بمن تبعه من أصحاب رسول الله صلى عليه وآله !  فقال الرجل : هو ذاك ، فقال أبان : والله ما عرفنا فضلهم إلا باتباعهم إياه(43).

وأما بالنسبة إلى الحادثة التاريخية :

ـ فالذي يظهر أن الامام الحسين عليه السلام لم يدع إلى الخروج معه من أول الأمر في المدينة، وإنما دعى أهل بيته ، وبعض بني هاشم ، وكانوا خارجين في وجهة أمرهم تلك إلى المدينة، ولذا فإن عددا كبيرا من الناس لم يدعهم الحسين عليه السلام إلى نصرته ، مع إلتقائه بهم ورؤيتهم له خارجا من المدينة . خصوصا أن خروج الامام عليه السلام من المدينة كان أمرا سريعا ، فبعد أن حصلت المواجهة الكلامية ليلا في قصر الامارة عند الوليد بن عتبة بين الامام الحسين وبين مروان بن الحكم ، وأعلن الامام موقفه الصريح ، لم يلبث إلا إلى نهار اليوم التالي حتى كان في طريق الخروج من المدينة إلى مكة ، وهذا بلا شك لم يكن ليتيح له فرصة كافية للدعوة إلى النصرة  بنحو عام(44).

بل إننا نجد أنه حتى حين خروج الحسين عليه السلام من مكة وقد تلاحقت الأحداث بنحو أكثر مما كانت في المدينة ، لم يدع الامام كل من لقيه لنصرته ، وللالتحاق به .

وربما كان بعضهم لم يربطوا بين خروجه وبين ضرورة نصرتهم إياه ، فقد مر عليه الفرزدق في التنعيم وسأله عن الناس هناك ، وغادره الفرزدق ولا يظهر في الحوار بينهما أثر لدعوة الحسين إياه ولا في فهمه للزوم نصر الحسين . وهكذا بشر بن غالب الذي قيل إنه سأل الحسين عن قول الله ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم ) .. نعم في بعض الروايات نقل أنه دعا مثل عبد الله بن عمر فقال له في حواره إياه ( فاتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي.) . ومثل عبيد الله بن الحر الجعفي الذي قال له في جملة كلام (.. وأنت يا ابن الحر فاعلم أن الله عز وجل مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية ، وأنا أدعوك في وقتي هذا إلى توبة تغسل بها ما عليك من الذنوب ، وأدعوك إلى نصرتنا أهل البيت ، فإن أعطينا حقنا حمدنا الله على ذلك وقبلناه ، وإن منعنا حقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحق ) .

وهكذا يظهر أن دعوة الامام الحسين عليه السلام العامة مقرونة بتوضيح أنه ليس ذاهبا لأجل الغنائم ، وإنما للموت الذي ( خط على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ..) فمن كان يتوسم فيه ـ بحسب حكم الظاهر ـ حرصه على السعادة والشهادة كان يدعوه . تلك الدعوة إنما كانت بعد أن عزم على الخروج من مكة . وتواصلت عند توقفه في منازل الطريق .

وبلغت ذروتها بالوصول إلى كربلاء . فكان يدعو الآخرين إلى نصرته ، أو لا أقل الابتعاد عن الواقعة لو لم ينصروه ، فإنهم لو تركوا نصرته ، وهو يواجه القتل مع كونه الامام المفروض طاعته على الناس ، من يترك ذلك ( أكبه الله على منخريه في نار جهنم ) كما قال عليه السلام.

ثم إن بعض هؤلاء كانوا قد أبدوا صفحة عذرهم ، فقد اعتذر مثلا صوحان بن صعصعة بن صوحان العبدي بزمانة ( مرض مزمن مقعد ) رجليه ، وذلك عندما رجع الامام زين العابدين إلى المدينة مع عيال أبيه .

وقد قيل بالنسبة إلى محمد بن الحنفية أنه كان قد أبقاه الحسين عليه السلام ليكتب له ما يكون من أمر الحجاز ، كما أنه قيل أنه أيضا كان قد أصيب في بدنه بحيث لم يكن يستطيع القتال . وابن عباس كف بصره في أواخر عمره ولعله كان كذلك حين خرج الامام إلى العراق .

 

سؤال عن حميد بن مسلم ؟ من هو وما قيمة رواياته التاريخية فإننا نرى الكثير يعتمد عليه في سرد قضايا كربلاء . ألا يخل كونه في معسكر بني أمية بعدالته وبالتالي يفسد الاعتماد على رواياته ؟

الجواب : حميد بن مسلم الأزدي

شهد معركة كربلاء مع جيش عمر بن سعد . وكان يقوم فيها بما يشبه دور المؤرخ أو المراسل الصحفي ـ في هذه الأيام ـ .

بعد معركة كربلاء كان مع التوابين وخرج معهم ، ولم يؤثر عنه موقف قتالي مهم ، ثم عاد مع العائدين بعد أن حل الظلام ، واستشهد اكثر التوابين .

ظل مدة يتردد مع ابراهيم بن مالك الأشتر ـ القائد العسكري للمختار ـ على المختار ثم لم يلبث المختار أن أرسل إليه وإلى ثلاثة أشخاص آخرين لكي يؤتى بالأربعة ـ في ضمن حملته على قتلة الحسين وأصحابه ـ ، فأتي بالثلاثة الآخرين بينما استطاع حميد بن مسلم الفرار(45).

وبقي إلى أيام سيطرة عبد الملك بن مروان على الحكم بعدما قتل المختار على يد أتباع مصعب بن الزبير ، وهُزم آل الزبير بيد أتباع الأمويين . حيث نلاحظ له قصيدة رثاء في حق عبد الرحمن بن مخنف ( الأزدي ) الذي قتل ـ وهو من قادة الحجاج الثقفي ـ في معركة مع الخوارج في حوالي سنة 75 هـ . وبعد هذه الأحداث لم يعرف خبره .

تتبع رواياته بحسب تاريخ الطبري :

 قبل أن ننقل رواياته ،  نسجل بعض النقاط العامة :

الأولى:  يظهر من روايته خبر إرسال عبيد الله بن زياد شمر بن ذي الجوشن ومعه كتاب تصعيد الحصار على الحسين عليه السلام ، أن حميد بن مسلم لم يكن موجودا في كربلاء قبل يوم التاسع (46).

وبناء عليه فيكون ما يروى عنه قبل هذا اليوم من أحداث كربلاء ، سواء في مسير الحسين أو نزول كربلاء ، غير تام لو كان يسنده إلى مشاهدته . أو أن يكون روايته لما جرى بين ابن زياد وشمر ، مرسلا بينما ظاهره أنه يعلم به مباشرة .

ويظهر بعد ذلك روايته مفصلة لأحداث كربلاء ، مثل تحرك الجيش بعد وصول شمر بالرسالة، ويحتمل أن يكون حميد بن مسلم ممن ورد إلى كربلاء مع شمر بناء على هذا .

الثانية : إن عدد روايات حميد بن مسلم بالنسبة لمجموع روايات المقتل ، وما يرتبط به ، يعتبر قليلا نسبيا سواء من الناحية العددية أو الزمنية ، فمثلا ما ذكره الطبري من روايات المقتل وأطرافه عن أبي مخنف ، يقارب المائة رواية ، نصيب حميد بن مسلم فيها هو العُشر فقط .

وهذا يلقي بضوء على ما تصوره بعضهم من أن المقتل مروي في أكثره كما قالوا عن طريق حميد بن مسلم ، وقد كان في الطرف الآخر ، فكيف له بأن يعرف ما يجري فيه هذا إضافة إلى كونه معاديا ، ومحاربا لأهل البيت فكيف يعتمد عليه .

ونحن وإن أجبنا على سؤال بهذا المضمون في القسم الأول ، وقد تسلمنا هناك  فرضا أنه من الرواة الأساسيين في الواقعة ، إلا أننا هنا مع الملاحظة المذكورة نرى أن نصيبه من روايات المقتل هو بهذا المقدار المذكور أي عشرة في المائة فقط .

ومن الناحية الزمنية ، فقد سبق أن ذكرنا أنه من المفروض أن حميدا لم يكن قبل التاسع من المحرم موجودا في كربلاء فلا يستطيع أن يروي مباشرة ما الذي حدث قبل ذلك اليوم ، ودائرة ( تغطيته الإعلامية المباشرة ) تبدأ من اليوم التاسع وتمر بالعاشر إلى العصر ، ثم إلى الكوفة لتنتهي ربما في اليوم الثالث عشر أو الرابع عشر . ولا تشمل ما بعد الكوفة ، ولا الشام فضلا عن العودة منها إلى كربلاء والمدينة .

الثالثة : إن روايات كربلاء فيما يرتبط منها بالمخيم الحسيني ، وما كان يدور فيه  لا نجد فيها لحميد بن مسلم أثرا وهو واضح ، بل لو نقل أحد رواية بهذا المعنى فلا بد من النظر إليها بعين الشك ، إن كان ينقلها مباشرة ، وذلك لأنه كان في المعسكر الآخر ، وإنما كانت تلك الروايات كما يلحظ المتتبع لروايات أبي مخنف المنقولة في الطبري ، مروية عن الامام زين العابدين عليه السلام بواسطة ، أو عن الضحاك المشرقي ، أو عقبة بن سمعان أو عن من نجى من الواقعة حيا .

تتبع روايات حميد :

1/ ما سبق أن ذكر آنفا : روايته لخبر إرسال عبيد الله بن زياد رسالة بيد الشمر لعمر بن سعد ، ووصول هذا يوم التاسع .

2/ روايته خبر تحرك الجيش على أثر الرسالة المذكورة ، قال : وزحف عمر بن سعد نحوهم ثم نادى يا زويد أدن رايتك قال فأدناها ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى فقال اشهدوا أني أول من رمى(47).

3/ روايته لمصرع علي الأكبر عليه السلام قال ( أبو مخنف ) حدثنى سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم الازدي قال سماع أذني يومئذ من الحسين يقول قتل الله قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفاء قال وكأني أنظر إلىامرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي يا أخياه ويا ابن أخاه قال فسألت عليها فقيل هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت حتى أكبت عليه فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط وأقبل الحسين إلى ابنه وأقبل فتيانه إليه فقال احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه .

4/ روايته مقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل وعون عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب وجعفر ابن عقيل بن أبي طالب قتله .

5/ روايته مقتل القاسم بن الحسن قال خرج الينا غلام كأن وجهه شقة قمر في يده السيف عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنها اليسرى فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الازدي والله لاشدن عليه فقلت له سبحان الله وما تريد إلى ذلك يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه قال فقال والله لاشدن عليه فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه فقال يا عماه قال فجلى الحسين كما يجلي الصقر ثم شد شدة ليث أغضب فضرب عمرا بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنها من لدن المرفق فصاح ثم تنحى عنه وحملت خيل لأهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من حسين فاستقبلت عمرا بصدورها فحركت حوافرها وجالت الخيل بفرسانها عليه فتوطأته حتى مات وانجلت الغبرة فإذا أنا بالحسين قائم على رأس الغلام والغلام يفحص برجليه وحسين يقول بعد القوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك ثم قال عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوت والله كثر واتره وقل  ناصره ثم احتمله فكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطان في الارض وقد وضع حسين صدره على صدره قال فقلت في نفسي ما يصنع به فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي ابن الحسين وقتلى قد قتلت حوله من أهله بيته فسألت عن الغلام فقيل هو القاسم ابن الحسن بن علي بن أبي طالب .

6/ روايته مصرع الحسين وسقوطه من ظهر فرسه ، واللحظات الأخيرة من حياته :  ومكث الحسين طويلا من النهار كلما انتهى إليه رجل من الناس انصرف عنه وكره أن يتولى قتله وعظيم إثمه عليه قال وإن رجلا من كندة يقال له مالك بن النسير من بني بداء أتاه فضربه على رأسه بالسيف وعليه برنس له فقطع البرنس وأصاب السيف رأسه فأدمى رأسه فامتلا البرنس دما فقال له الحسين لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين. . انتهى

وبحسب قرب الرجل من المصرع ، فقد استطاع أن ينقل تفاصيل اكثر عن الحسين عليه السلام في تلك اللحظات (48).

7/ رواية المآثر والمواقف ( الجيدة ) لنفسه : روى حميد بعض الحوادث ، مما يحسب له كمآثر ، ولذا يمكن التأمل قبل قبولها ، فمن جهة يُقرّب احتمال قبولها باعتبار أن تلك المواقف تستدعي الحالة الانسانية بغض النظر عن موقفه السياسي والديني ، خصوصا مع ملاحظة أن بعض من جاء إلى المعركة في الطرف الأموي لم يكن مؤمنا بها . ولذا فإنه لو استطاع في بعض المواقف التي تملي عليه فطرته الانسانية موقفا صحيحا ، فليس ذلك بالغريب بل هو مقتضى الفطرة .

وقد يُوجَّه ردها بأن أحدا لم يرويها غيره ، وأن هذا من  باب أنه ( يجر النار إلى قرصه ) خصوصا بعد أن تكشفت المعركة عن الفجائع والمأساة ، وصار الجو العام معاديا للأمويين وللقتلة ، ولا سيما حين بدأ دور الاقتصاص منهم أيام المختار ، فكان من الطبيعي هنا أن ينكر البعض دوره السلبي ، ويصطنع له دورا إيجابيا ، دفاعا عن نفسه ، واكتسابا لحظوة ضمن الوضع الجديد .

* وعلي أي من التقديرين فقد نقل الطبري عنه ، أنه لما حاول شمر بن ذي الجوشن أن يقوض مخيم الحسين باشعال الحريق فيه ، قبل المصرع جاء إليه حميد بن مسلم وتكلم معه في ذلك :

قال أبو مخنف  حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال قلت لشمر ابن ذي الجوشن سبحان الله إن هذا لا يصلح لك أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين تعذب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء والله إن في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك !

فقال من أنت قال قلت لا أخبرك من أنا قال وخشيت والله أن لو عرفني أن يضرني عند السلطان قال فجاءه رجل كان أطوع له مني شبث بن ربعي فقال ما رأيت مقالا أسوأ من قولك ولا موقفا أقبح من موقفك أمرعبا للنساء صرت قال فأشهد أنه استحيا فذهب لينصرف.

ويروي هو بنفسه أيضا عن محاولته لثني عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي ( وحميد كان أزديا أيضا) عن الهجوم على القاسم بن الحسن وقتله فيقول خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر في يده السيف عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنها اليسرى فقال لى عمرو بن سعد بن نفيل الازدي والله لاشدن عليه فقلت له سبحان الله وما تريد إلى ذلك يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد احتولوهم(49) قال فقال والله لأشدن عليه فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه(50).. 

وهناك رواية أخرى يأتي بها في سياق مآثره ، وهي بالتالي خاضعة لما تقدم ذكره ، وهي دوره كما نقل في التأثير على شمر بن ذي الجوشن ، لإقناعه بترك قتل الامام السجاد بعد مصرع الحسين عليه السلام ، فعنه قال انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي الاصغر وهو منبسط على فراش له وهو مريض وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجالة معه يقولون ألا نقتل هذا قال فقلت سبحان الله أنقتل الصبيان إنما هذا صبي قال فما زال ذلك دأبي أدفع عنه كل من جاء حتى جاء عمر بن سعد فقال ألا لا يدخلن بيت هؤلاء النسوة أحد ولا يعرضن لهذا الغلام المريض ومن أخذ من متاعهم شيئا فليرده عليهم قال فوالله ما رد أحد شيئا قال فقال علي بن الحسين جزيت من رجل خيرا فوالله لقد دفع الله عني بمقالتك شرا (51).

8/ روايته للحدث في اليوم الحادي عشر من الكوفة ، حينما نقل ما جرى بين زيد بن أرقم وبين عبيد الله بن زياد ، ووضعه الرأس بين يديه .وذلك أن عمر بن سعد قد أرسل حميد بن مسلم لإخبار أهله بسلامة بن سعد ، قال : دعاني عمر بن سعد  فسرحني إلى أهله لأبشرهم(52) بفتح الله عليه وبعافيته فأقبلت حتى أتيت أهله فأعلمتهم ذلك ثم أقبلت حتى أدخل فأجد ابن زياد قد جلس للناس وأجد الوفد قد قدموا عليه فأدخلهم وأذن للناس فدخلت فيمن دخل فإذا رأس الحسين موضوع بين يديه وإذا هو ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب قال له اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين فو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما ثم انفضخ الشيخ يبكي فقال له ابن زياد أبكى الله عينيك فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك !

9/ ثم أخيرا روايته لخبر دخول السبايا على ابن زياد وحواره مع زين العابدين عليه السلام.  قال : إني لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي بن الحسين فقال له ما اسمك قال أنا علي بن الحسين قال أولم يقتل الله علي بن الحسين فسكت فقال له ابن زياد مالك لا تتكلم قال قد كان لي أخ يقال له أيضا على فقتله الناس قال إن الله قد قتله قال فسكت علي فقال له مالك لا تتكلم قال الله يتوفى الانفس حين موتها وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله .

محاولة ترسيم لشخصية حميد بن مسلم :

1/ يظهر من التتبع العام لشخصية حميد بن مسلم أنه ليس رجل موقف بحيث يلتزم به فيحامي عنه ، ويضحي من أجله ، فهو مثلا يشهد كربلاء ولا يقاتل في أي من الصفين ولا يؤثر عنه فعل ، لا في هذا الجانب ولا في ذاك ، ثم يكون مع التوابين الذين ثاروا ضد بني أمية وحاولوا التكفير عن خذلانهم .. مع أن هؤلاء لم تتح لهم فرصة القتال مع الحسين عليه السلام ، لكون عدد منهم مسجونين ، أو ممن لم يستطيعوا الخروج من الكوفة(53) بينما كان هذا الرجل موجودا في المعركة ، وشهد  تحول عدد من أنصار بني أمية إلى المعسكر الحسيني فلم يكن هناك شيء ليمنعه لو كان صاحب موقف .

ثم إنه حتى وهو يعد نفسه من الشيعة ، الذين خرجوا مع التوابين ، لم يعرف عنه أي موقف  حتى برواية نفسه فضلا عن غيره . فهاهو يتحدث عن تحرك التوابين في أيامه الأولى(54):

قال والله إنى لشاهد بهذا اليوم يوم ولوا سليمان بن صرد وإنا يومئذ لاكثر من مائة رجل من فرسان الشيعة ووجوههم في داره ، فتكلم سليمان بن صرد فشدد وما زال يردد ذلك القول في كل جمعة حتى حفظته بدأ فقال أثني على الله خيرا وأحمد آلاءه وبلاءه وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله أما بعد فإنى والله لخائف ألا يكون آخرنا إلى هذا الدهر الذى نكدت فيه المعيشة وعظمت قيه الرزية وشمل فيه الجور أولى الفضل من هذه الشيعة لما هو خير إنا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل نبينا ونمنيهم النصر ونحثهم على القدوم فلما قدموا ونينا وعجزنا وادهنا وتربصنا وانتظرنا ما يكون حتى قتل فينا ولدينا ولد نبينا وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه إذ جعل يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطاه اتخذه الفاسقون غرضا لنبل ودرية للرماح حتى أقصدوه وعدوا عليه فسلبوه ألا انهضوا فقد سخط ربكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والابناء حتى يرضى الله والله ما أظنه رضيا دون أن تناجزوا من قتله أو تبيروا ألا لا تهابوا الموت ...

ولم يكن له في تلك الموقعة أثر أو ذكر غير أنه كان يسعى بين المختار الثقفي وجماعة التوابين بالشحناء والفساد ، وهذا أمر كان في ذلك الوقت له نتائج مدمرة سواء كان يشعر به فاعله أو لم يكن .

فها هو يقول(55): قلت لسليمان بن صرد إن المختار والله يثبط الناس عنك إنى كنت عنده أول ثلاث فسمعت نفرا من أصحابه يقولون قد كملنا ألفى رجل فقال وهب أن ذلك كان فأقام عنا عشرة آلاف !! أما هؤلاء بمؤمنين أما يخافون الله أما يذكرون الله وما أعطونا من أنفسهم من العهود والمواثيق ليجاهدن ولينصرن !!

2/ وبناء على ما سبق فصداقاته لو صح ما نقل ونُقل عنه غير خاضعة لموقف ، إذ أنه تارة يتصور بصورة الشخص غير المعروف ، بل المجهول حتى اسما ، كما في حواره المذكور مع شمر بن ذي الجوشن الذي سأله عن اسمه فقال له : لا أخبرك . وبين كونه صديقا شخصيا لعمر بن سعد ، فقد روي عنه أنه قال : كان عمر بن سعد لي صديقا ، فأتيته عند منصرفه من قتال الحسين ، فسألته عن حاله ، فقال : لا تسأل عن حالي ، فإنه ما رجع غائب إلى منزله بشر مما رجعت به ، قطعت القرابة القريبة ، وارتكبت الأمر العظيم(56).

وفي نفس الوقت هو يحشر نفسه مع التوابين ، ويعد نفسه ( من فرسان الشيعة ) ويصادق ابراهيم بن مالك الأشتر القائد العسكري للمختار ، والذي كان يكثر من الدخول به ( بحميد على المختار ) وإن كان ذلك لم ينفع في تبرئته من إثم المشاركة في كربلاء ، ولذا طلبه المختار فيمن طلب .

3/ عاش حياته بطريقة الصحفي أو الاعلامي الذي يبحث عن الحوادث المتميزة ، ويرويها لغيره ، لم يكن صانع خبر ، وإنما  متتبعا للأخبار ، وبالذات الأخبار شديدة الاثارة ، فهو في المقتل يفصل ما استطاع اللحظات الأخيرة ، بما فيها من إثارة للمستمع ، و( يستعرض ) (سماع أذني من الحسين يوم قتل علي الأكبر ..) ، وهو يأتي ببعض الكرامات الحسينية سواء في المعركة أو بعدها ، لكن هل تؤثر فيه هذه لتعديل موقفه ؟ كلا إنما يكتفي منها بجانب الاثارة والنقل ، ففي الطبري ينقل عنه : .. ونازله عبد الله ابن أبى حصين الازدي وعداده في بجيلة فقال يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا فقال حسين اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا قال حميد بن مسلم والله لعدته بعد ذلك في مرضه فوالله الذى لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى بغر ثم يقئ ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته يعنى نفسه(57).

هذا ما تيسر لي البحث عنه حول شخصية الراوي المذكور وحياته العامة ، وأما هل أن ذلك يؤثر على رواياته التاريخية حول المقتل وما يرتبط به ، فقد تمت الاجابة عليه في القسم الأول من هذا الكتاب .

 


(1) (حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ( رحمه الله ) ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد الهمداني ، عن علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه عن الرضا عليه السلام ..) والرواية يمكن أن تكون معتبرة ، فإن محمد بن ابراهيم هو الطالقاني وقد روى عنه الصدوق مترضيا عليه ، بناء على أن ترضي مثل الصدوق كاشف عن حسن حال المترضى عنه ـ وإن ناقش في ذلك بعض العلماء ـ ، وأحمد بن محمد بن سعيد الهمداني هو أبو العباس بن عقدة ، قالوا عنه أنه جليل القدر عظيم المنزلة وأمره في الحفظ والجلالة أشهر من أن يذكر توفي سنة 333 هـ . وعلي بن الحسن بن فضال فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم كما ذكر النجاشي ، وأبوه الحسن بن علي ثقة عظيم القدر ، قيل إنه كان فطحيا وعاد عن ذلك ..

ولا نحتاج إلى هذا بعدما كانت الرواية من الروايات الواعدة بالثواب ، وهي مشمولة لقاعدة التسامح في أدلة السنن .

(2) نقله في وسائل الشيعة الحر العاملي ج 14   ص 509 :  محمد بن الحسن ، في (المصباح ) عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة عن أبيه ، عن علقمة  . والرواية من حيث السند غير تامة ، فإن صالح بن عقبة ( بن قيس بن سمعان ) وإن كان من رجال تفسير علي ابن ابراهيم ـ القسم الأول ـ ويكون ثقة على المبنى ، إلا أنه قد ضعف واتهم بالكذب ، كما عن الخلاصة ، إلا أن يقال أن يونس بن عبد الرحمن والذي هو من أصحاب الاجماع قد روى عنه ، ويكون على المبنى المعروف مقبول الرواية ، وقد يناقش ما ذكر في الخلاصة بأنه معتمد في جرحه ذاك على كتاب ابن الغضائري ، والمعروف عندهم التشكيك في كون كل ما في الكتاب الموجود صحيح النسبة إلى الشيخ ابن الغضائري  ( والمسألة بحاجة إلى بحث أكثر ، وللتفصيل مقام لا يتسع له هذا المختصر ) . وابوه عقبة بن قيس أيضا لم يوثق لا بتوثيق عام ولا خاص ، ومثله علقمة ( بن محمد الحضرمي ) .

(3) أمضى بعض المراجع المعاصرين العقود القائمة بين الموظفين وبين الحكومات ، وبناء عليه ترجع المسألة إلى القسم السابق .

(4) حقيقة النهضة الحسينية : الشهيد مرتضى مطهري ، تعريب صادق البقال .

(5) جاء في ترجمة الشهيد عمر بن ضبيعة التميمي ، أنه كان شجاعا وكان ممن خرج مع عمر بن سعد فلما رأى رد الشروط على الحسين وعدم تمكينهم إياه من الرجوع من حيث أتى انتقل إلى الحسين ، وهكذا حال يزيد بن زياد ( أبو الشعثاء الكندي ) وغيره ..

(6) الطبري ج 4   ص 326

(7) أسد الغابة / 2

(8) منها قوله صلى الله عليه وآله ( إن الله زوجني في الجنة مريم ابنة عمران ، وامرأة فرعون ، واخت موسى ..) وفي حديث آخر يخاطب فيه خديجة ، زوجني معك ...

(9) منها قوله عليه السلام : أمرت بقتال القاسطين والناكثين والمارقين .. ) كما في تاريخ دمشق ج 42

(10) ففي مسند أحمد ج 3 : حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الملك يعني ابن سليمان عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله أني قد تركت فيكم الثقلين احدهما اكبر من الآخر كتاب الله عزوجل حبل ممدود من السماء إلى الارض وعترتي أهل بيتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .

(11) في كفاية الأثر للخزاز  القمي : أخبرنا أبو المفضل رضي الله عنه ، قال حدثنا الحسين ( 1 ) ابن زكريا العدوي ، عن سلمة بن قيس ، عن علي بن عباس ، عن ابن الحجاف ، عن عطية العوفي ، عن ابي سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : الائمة بعدي  تسعة  من صلب الحسين عليهم السلام والتاسع قائمهم ، فطوبى لمن أحبهم والويل لمن أبغضهم .

(12) أخرجه  الطبراني في المعجم الصغير ج 2   ص 22 :

حدثنا محمد بن عبد العزيز بن ربيعة الكلابي أبو مليل الكوفي حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد المقري عن أبي سلمة الصائغ عن عطية عن أبي سعيد الخدرى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم يقول إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له .

(13) المعجم الأوسط - الطبراني ج 2   ص 229 :

حدثنا أحمد قال حدثنا محمد بن عباد بن موسى قال حدثنا أبو الجواب الاحوص بن جواب عن سليمان بن قرم عن هارون بن سعد عن عطية العوفي قال سألت أبا سعيد الخدري من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فعدهم في يده خمسة رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين قال أبو سعيد في بيت أم سلمة أنزلت هذه الآية

(14) بلاغات النساء لابن طيفور

(15) كتاب الفتن للمروزي

(16) البداية والنهاية لابن كثير /  10

(17) الطبقات الكبرى 5

(18) البداية والنهاية - ابن كثير ج 8   ص 244 :

الدارقطني : ثنا علي بن أحمد بن القاسم ، ثنا أبي ، ثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر ، ثنا أبو زكريا ، يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس الانصاري ، عن محمد وعبد الرحمن ابني جابر بن عبد الله قالا : خرجنا مع أبينا يوم الحرة وقد كف بصره فقال : تعس من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا أبة وهل أحد يخيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : / رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أخاف أهل هذا الحي من الانصار فقد أخاف ما بين هذين - ووضع يده على جبينه - "

(19) الطبقات الكبرى - محمد بن سعد ج 5   ص 231 :

أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني بن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عوف بن الحارث قال رأيت جابر بن عبد الله دخل على عبد الملك فرحب به عبد الملك وقربه فقال جابر يا أمير المؤمنين إن المدينة حيث ترى وهي طيبة سماها النبي عليه السلام وأهلها محصورون فإن رأى أمير المؤمنين أن يصل أرحامهم ويعرف حقهم فعل قال فكره ذلك عبد الملك وأعرض عنه وجعل جابر يلح عليه حتى أومأ قبيصة إلى ابنه وهو قائده وكان جابر قد ذهب بصره أن أسكته قال فجعل ابنه يسكته قال جابر ويحك ما تصنع بي قال اسكت فسكت جابر فلما خرج أخذ قبيصة بيده فقال يا أبا عبد الله إن هؤلاء القوم صاروا ملوكا فقال له جابر أبلى الله بلاء حسنا فإنه لا عذر لك وصاحبك يسمع منك قال يسمع ولا يسمع ما وافقه سمع وقد أمر لك أمير المؤمنين بخمسة آلاف درهم فاستعن بها على زمانك فقبضها جابر قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال أقام الحج سنة خمس وسبعين عبد الملك بن مروان ثم صدر فمر على المدينة فخطب الناس على المنبر ثم أقام خطيبا له آخر وهو جالس على المنبر فتكلم الخطيب فكان مما تكلم به يومئذ أن وقع بأهل المدينة وذكر من خلافهم الطاعة وسوء رأيهم في عبد الملك وأهل بيته وما فعل أهل الحرة ثم قال ما وجدت لكم يا أهل المدينة مثلا إلا القرية التي ذكر الله في القرآن فإن الله قال وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون فبرك بن عبد فقال للخطيب كذبت كذبت لسنا كذلك اقرأ الآية التي بعدها ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون وإنا آمنا بالله ورسله

(20) الكافي - الشيخ الكليني ج 1   ص 469 :

- عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن جابر بن عبد الله الانصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله ( 1 ) وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت وكان يقعد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو معتـجر  بعمامة سوداء وكان ينادي يا باقر العلم ، يا باقر العلم ، فكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر ، فكان يقول : لا والله ما أهجر ولكني سمعت رسول الله صلى اله عليه وآله يقول : إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي وشمائله شمائلي ، يبقر العلم بقرا، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول ، قال : فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق في ذاك الطريق كتاب فيه محمد بن علي فلما نظر إليه قال : يا غلام أقبل فأقبل ثم قال له : أدبر فأدبر ثم قال : شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله والذي نفسي بيده ، يا غلام ما اسمك ؟ قال : اسمي محمد بن علي بن الحسين ، فأقبل عليه يقبل رأسه ويقول : بأبي أنت وامي أبوك رسول الله صلى الله عليه وآله يقرئك السلام ويقول ذلك ، قال : فرجع محمد بن علي بن الحسين إلى أبيه وهو ذعر فأخبره الخبر ، فقال له : يا بني وقد فعلها جابر ، قال نعم قال : الزم بيتك يا بني فكان جابر يأتيه طرفي النهار و كان أهل المدينة يقولون : واعجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار وهو آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يلبث أن مضى علي بن الحسين عليهما السلام فكان محمد بن علي يأتيه على وجه الكرامة لصحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله قال : فجلس عليه السلام يحدثهم عن الله تبارك وتعالى ، فقال أهل المدينة : ما رأينا أحدا أجرأ من هذا ، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أهل المدينة : ما رأينا أحدا قط أكذب من هذا يحدثنا عمن لم يره ، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله ، قال فصدقوه وكان جابر بن عبد الله يأتيه فيتعلم منه .

وسند الرواية وإن كان فيه محمد بن سنان وقد ضعف على المشهور ، إلا أن المضمون لا ينحصر بهذه الرواية ، ولا بسندها كما ذكر المولى المازندراني .

(21) هناك رواية نقلها العلامة المجلسي في البحار 46 ، تفيد أنه كف بصره ، ولكنه رد إليه كما أخبره النبي صلى الله عليه وآله ، فرأى الامام الباقر عليه السلام  ، لكن هذه الرواية التي نقلها عن أمالي الشيخ الطوسي ، غير معتبرة من ناحية السند .

(22) لجهة أبي محمد الأنصاري فإنه لم يوثق بتوثيق خاص لكن مدحه محمد بن عبد الجبار في رواية في الكافي .

(23)  قال العلامة المجلسي في بحار الأنوار ج 54   ص 114 :

 رأيت في بعض الكتب المعتبرة روى مرسلا عن مسلم الجصاص قال : دعاني ابن زياد لاصلاح دار الامارة بالكوفة ، فبينما أنا أجصص الابواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة ، فأقبلت على خادم كان معنا فقلت : مالي أرى الكوفة تضج ؟ قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد ، فقلت : من هذا الخارجي ؟ فقال : الحسين بن علي عليهما السلام قال : فتركت الخادم حتى خرج ولطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن يذهب ، وغسلت يدي من الجص وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الكناس فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شقة تحمل على أربعين جملا فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة عليها السلام وإذا بعلي بن الحسين عليهما السلام على بعير بغير وطاء ، وأوداجه تشخب دما ، وهومع ذلك يبكي ويقول : يا امة السوء لا سقيا لربعكم * يا امة لم تراع جدنا فينا لو أننا ورسول الله يجمعنا * يوم القيامة ما كنتم تقولونا تسيرونا على الاقتاب عارية * كأننا لم نشيد فيكم دينا بني امية ماهذا الوقوف على * تلك المصائب لاتلبون داعينا تصفقون علينا كفكم فرحا * وأنتم في فجاج الارض تسبونا أليس جدي رسول الله ويلكم * أهدى البرية من سبل المضلينا يا وقعة الطف قد أورثتني حزنا * والله يهتك أستار المسيئينا قال : وصار أهل الكوفة يناولون الاطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم ام كلثوم وقالت : يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام وصارت تأخذ ذلك من أيدي الاطفال وأفواههم وترمي به إلى الارض ، قال كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم  ثم إن ام كلثوم أطلعت رأسها من المحمل ، وقالت لهم : صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم ، وتبكينا نساؤكم ؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت ، فاذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام وهو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله صلى الله عليه وآله ولحيته كسواد السبج قدانتصل منها  الخضاب ، ووجهه دارة قمر طالع والرمح تلعب بها يمينا وشمالا فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل ، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول : ياهلالا لما استتم كمالا * غاله خسفه فأبدا غروبا ما توهمت يا شقيق فؤادي * كان هذا مقدرا مكتوبا يا أخي فاطم الصغيرة كلمها * فقد كاد قلبها أن يذوبا ..

أقول : أول ما في هذا الخبر أنه من بعض الكتب ( المعتبرة ) عند العلامة المجلسي ، ولم يعلم أي كتاب هو ولا مؤلفه ، وثاني ما فيه إرساله ، وثالث ما فيه مجهولية  مسلم الجصاص فليس له ذكر في كتب الرجال ، ورابع ما فيه وجود الخلل في المتن فقد ذكر  فيه أن زين العابدين كانت أوداجه تشخب دما !! ولا يخفى ما فيه إلا أن يكون تعبيرا كنائيا ، وكذلك لم يعلم أن النساء سيرن إلى الكوفة على محامل  وإنما كن على جمال بغير غطاء ولا وطاء  كما هو المعروف ، وإن كانت هذه بدورها تحتاج إلى تحقيق . وأيضا هل كان على النساء أقنعة حتى يخرج الدم من تحت القناع !! إلا أن يقال أنهن في بداية دخولهن لم يكن عليهن أقنعة ثم ناولتهن بعض الكوفيات أزرا ومقانع كما ورد في بعض المرويات التاريخية . . ثم أين كانت عن زينب عليها السلام وصية الحسين : إني أقسمت عليك فأبري قسمي ، لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها .. كما نقلها في الارشاد ؟ .

هذا مع ملاحظة أنهم يذكرون بأن رأس الحسين عليه السلام قد سير في نفس يوم العاشر مع خولى بن يزيد الأصبحي ( ليبشر ) بن زياد بالنصر !! ويفترض أنه في اليوم الحادي عشر او الثاني عشر موجود في قصر الامارة عند ابن زياد .. فكيف يقال فإذا هم بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين ؟؟ 

(24) ما وجدت في ما لدي من المصادر هذا النص ، نعم في الوسائل وغيره ( فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام ) . وفي دعاء الندبه ( فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون وإياهم فليندب النادبون ويضج الضاجون ويعج العاجون أين الحسن أين الحسين ...) . وفي التهذيب توجد رواية ( وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب ..) من دون جملة تخمش الوجوه .

(25)  ذكرنا في القسم الأول من هذا الكتاب وجود  رأيين حول الزيارة المذكورة ، فليراجع .

(26) الأحاديث من تحف العقول

(27)  للتفصيل يراجع كتاب التشكيك .. كيف واجهه أهل البيت .. للمؤلف

(28) في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام ( من أتى الصلاة عارفا بحقها غفر  له ) . وفي الحديث عن الامام الكاظم عليه السلام ( ما أتى  الحسين آت عارفا بحقه إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) يراجع ميزان الحكمة .

(29) هناك شيء من الاختلاف في الأيام الأولى ، وحيث أن الترتيب هذا لم يكن من خلال نص شرعي ، أو سيرة مثلا ، وإنما جرى الاعتياد عليه في العصور المتأخرة ، لذلك يحصل الاختلاف بعض الشيء ، ففي بعض دول الخليج يتم في الليلة الثانية الحديث ـ في جهة المصيبة ـ عن الخروج من المدينة ، وفي الثالثة عن الخروج من مكة ، وفي الرابعة عن مسلم بن عقيل وفي الخامسة عن نزول كربلاء . وفي ليلة العاشر يقرأ البعض  المصرع ـ إن لم يكن مجلس صباحي ـ . ولا يخفى أن هذا الالتزام قائم بالنسبة للمصيبة والرثاء ، دون المواضيع والمضمون فقد تتعدد المواضيع ولا ترتبط من البداية بالمصيبة التي ستقرأ في الأخير ، والكلام في المتن إنما هو حكاية ما هو سائد غالبا في المنابر التقليدية . .

(30) التعيني والتعييني مصطلحان أصوليان ، يبحث عنهما في العلاقة و الارتباط الحاصل بين اللفظ والمعنى ، فمثلا كلمة كتاب تحمل معنى هذه الأوراق المجموعة على نحو خاص .. ويتبادر إلى الذهن عندما تطلق الكلمة ذلك المعنى ، فمن أين حصل هذا الارتباط بين المعنى الذي سبق إلى الذهن وبين ذلك اللفظ ؟ قال بعض بالوضع التعييني أي أن واضع اللغة ـ علىاختلاف المسالك في هوية الواضع ـ قد عيّن ووضع هذا اللفظ بإزاء ذلك المعنى بأن يقول وضعت لفظ ( كتاب ) في هذا المعنى المعين . والثاني وهو الوضع التعيّني بأن يكثر استعمال اللفظ في معنى بحيث لا يحتاج إلى تعيين الواضع ، ولا يحتاج انسباق المعنى إلى قرينة . وقد استفاد المؤلف من هذين الاصطلاحين في هذا المورد ..

(31) تجاربي مع المنبر للوائلي ص 57

(32) من خلال هذا أيضا سوف يتأيد ما سبق أن ذكر في القسم الأول من هذا الكتاب في إجابة على سؤال ( ناشرات الشعور ) ، وأن أحد الاحتمالات فيه هو أنهن لم يخرجن خارج المخيم ، وإنما خرجن من خدورهن في داخل حدود المخيم .

(33) الطبري 4 / 340

(34) الطبري  4 /  345

(35) قد سبق الحديث عن القيمة التاريخية لزيارة الناحية من حيث كونها كلام المعصوم أو لا .

(36) ذكر المرحوم الشيخ فرج بأنه انتخب ( وفاة ) العقيلة زينب من كتاب زينب الكبرى للمحقق الشيخ جعفر النقدي رحمه الله .

(37) ذكر ه ناقلا إياه عن كتاب المناقب لابن شهرآشوب ، والكتاب المطبوع ليس عندي ، ولكن الكتاب الموجود في شريط ( المعجم الفقهي ) لا يحتوي  على تلك الجملة كما ان صياغة النص في قصة كربلاء ( ثم وقفت على جسده الشريف بخشوع وتأمل وبسطت يديها تحت الجثمان المقدس ..) لا ينسجم مع طريقة التعبير السائدة في زمان ابن شهرآشوب ويظهر أن هناك اشتباها في الارجاع كما هو متعدد في الكتاب لمن يلاحظ .

(38) البداية والنهاية  8  / 220

(39) لما اضطربت الأمور على عبيد الله بن زياد بعد هلاك يزيد ، وأبى أهل البصرة طاعته ، هرب منها متجها إلى الشام ، يقول مسافر بن شريح اليشكري الذي رافقه في المسير بعد أن سكت ابن زياد في الطريق طويلا ، قلت في نفسي لئن كان نائما لأنغصن عليه نومه ، فدنوت وقلت له : أنائم أنت ؟ قال : لا إنما كنت أحدث نفسي . قلت : أفلا أحدثك بما كنت تحدث به نفسك ؟ قال : هات . قلت : كنت تقول ليتني لم أقتل حسينا ! قال : وماذا ؟ قلت : تقول : ليتني لم أكن قتلت من قتلت .. فأجابه ابن زياد : أما قتلي الحسين فإنه أشار إلي يزيد بقتله أو قتلي ، فاخترت قتله .. الى آخر حديثه الذي نقله ابن الأثير في الكامل   4 / 140 .

(40) استدعى يزيد واليه ابن زياد ، بعد مقتل الحسين عليه السلام كاتبا إليه : ( أما بعد فإنك قد ارتفعت إلى غاية  أنت فيها كما قال الأول :

رفعت فجاوزت السماء وفوقه            فما لك إلا مرتقى الشمس  مقعد

فإذا وقفت على كتابي فاقدم علي لأجازيك على ما فعلت ..)  فلما جاء  عنده أجلسه إلى جانبه ، وشربا وهو يقول للساقي :

اسقني شربة تروي مشاشــي          ثم مل فاسق مثلها ابن زيــاد

صاحب السر والأمانة عنـدي          ولتسديد مغنمي وجهــادي

نقل ذلك صاحب كتاب قصة كربلاء عن مرآة الزمان في تواريخ الأعيان ، كما ذكر بعضه المسعودي في مروج الذهب .

(41) جواهر المطالب لابن الدمشقي الشافعي ج 2 .

(42) الطبري 8

(43) رجال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب .

(44) ذكر المحقق المقرم رحمه الله في كتابه مقتل الحسين أن الحسين دعا عبد الله بن عمر لما جاءه مودعا حين خروجه من المدينة  ، وقال له : اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي ! ولكن الصحيح أن هذا الحوار لم يجر في المدينة وإنما حين عزم الحسين على الخروج من مكة إلى العراق .

(45) قال جاءنا السائب بن مالك الاشعري في خيل المختار فخرجت نحو عبد  القيس وخرج عبد الله وعبد الرحمن ابنا صلخب في اثرى وشغلوا بالاحتباس عليهما عنى فنجوت واخذوهما ثم مضوا بهما حتى مروا على منزل رجل يقال له عبد الله بن وهب ابن عمرو ابن عم أعشى همدان من بني عبد فاخذوه فانتهوا بهم إلى المختار فأمر بهم فقتلوا في السوق فهؤلاء ثلاثة فقال حميد بن مسلم في ذلك حيث نجا منهم:    

ألم ترنى على دهش         نجوت ولم أكد أنجو     

رجاء الله أنقذني           ولم أك غيره أرجو

عن الطبري 4/ 530

 (46) ( قال أبو مخنف ) فحدثني سليمان بن أبى راشد عن حميد بن مسلم قال ثم إن عبيدالله بن زياد دعا شمر بن ذى الجوشن فقال له اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إلى سلما وإن هم أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له وأطع وإن هو أبى فقاتلهم فأنت أمير الناس وثب عليه فاضرب عنقه وابعث إلى برأسه .. الطبري 4

هذا ولكن يظهر من رواية أخرى نقلها الطبري أيضا ، أن مجيء الكتاب المذكور لعمر كان يوم السابع فهو ينقل عن أبي مخنف قال حدثنى سليمان بن أبى راشد عن حميد بن مسلم الازدي قال جاء من عبيد الله بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد أما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقى الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان ؟ ؟ عفان قال فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرة وذلك قبل قتل الحسين بثلاث / 312 . ويحتمل أن يكون ذيل هذه الرواية غير تام ، فإنه من المعروف بين المؤرخين أن الرسالة وصلت يوم التاسع بعد الظهر .

(47) وما بعدها من الروايات عن الطبري 4/326  ـ 350

(48) عن حميد بن مسلم قال كانت عليه جبة من خز وكان معتما وكان مخضوبا بالوسمة قال وسمعته يقول قبل أن يقتل وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع يتقى الرمية ويفترص العورة ويشد على الخيل وهو يقول أعلى قتلى تحاثون أما والله لا تقتلون بعدى عبدا من عباد الله الله أسخط عليكم لقتله منى وايم الله إنى لارجو أن يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لى منكم من حيث لا تشعرون أما والله ان لو قد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ثم لا يرضى لكم حتى يضاعف لكم العذاب الاليم قال ولقد مكث طويلا من النهار ولو شاء الناس ان يقتلوه لفعلوا ولكنهم كان يتقى بعضهم ببعض ويحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء قال فنادى شمر في الناس ويحكم ماذا تنظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم امهاتكم قال فحمل عليه من كل جانب فضربت كفه اليسرى ضربة ضربها زرعة بن شريك التميمي وضرب على عاتقه ثم انصرفوا وهو ينوء ويكبو قال وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع ثم قال لخولي بن يزيد الاصبحي احتز رأسه فأراد أن يفعل فضعف فأرعد فقال له سنان بن أنس فت الله عضديك وأبان يديك فنزل إليه فذبحه واحتز رأسه ثم دفع إلى خولى بن يزيد وقد ضرب قبل ذلك بالسيوف . الطبري 4 /346

(49) حال الرجل في متن فرسه ، أي وثب عليه ،  عن معجم مقاييس اللغة .

(50) الطبري 4 / 341

(51) الطبري 4/347 وقد احتمل بعض المؤرخين أن يكون المختار قد عفا عن حميد بن مسلم بينما انتقم من قتلة الحسين فيما بعد في الكوفة ، واحتملوا أنه لأجل  كونه قد دفع القتل عن السجاد !! ولكن هذا غير تام ، فإن المختار كما سيأتي قد طلب حميد بن مسلم ، ولكنه فر .. على أن هذا النص الذي يذكره فيه نقاش  بأنه كيف يكون الامام السجاد عليه السلام في ذلك الوقت وعمره  22 سنة ( ولد سنة 38 هـ )، وكان له حينذاك ولد هو الباقر وعمره قرابة ثلاث سنين ، فكيف يكون والحال هذه صبيا ؟

(52) بعض الروايات التاريخية فيها أن عمر بن سعد قد أرسل خولى بن يزيد الاصبحي وحميد بن مسلم ، ومعهما رأس الحسين عليه السلام ليخبرا ابن زياد بالنصر والفتح ، ولا نعلم هل كانت المهمة مشتركة أو أن خولى ذهب بالرأس ، بينما ذهب حميد إلى أهل عمر بن سعد .

(53) لما سيطر عبيد الله بن زياد على الكوفة ، اتخذ مجموعة اجراءات وفرض نظاما أشبه بالأحكام العسكرية وحالة الطوارئ ، فسجن عددا من زعماء الكوفة ، وطلب عددا آخر مما دعاهم إلى الاختفاء ، وفرض المسالح ( الدوريات العسكرية ) على بوابات الكوفة ، حتى أن، عامر بن أبي سلامة الدلاني ، لم يستطع الخروج من الكوفة إلا بعد قتال زجر بن قيس الذي كان موكلا بإحدى بوابات الكوفة لمنع خروج الخارج ودخول الداخل . فقاتله إلى أن استطاع التخلص منه ووصل إلى كربلاء ( ورد اسمه في الشهداء في الزيارة باسم عمار بن أبي سلامة الهمداني ) .

(54) الطبري ج 4   ص 428

(55) الطبري ج 4   ص 452 .. مع أن تحفظ المختار على طريقة التوابين واسلوبهم في العمل الثوري ، كان واضحا ، فأولئك كانوا يعملون بمنطق المؤمنين الاستشهاديين الذين يعتبرون الشهادة غايتهم الكبرى ، بينما المختار كان يعمل بمنطق السياسي الواقعي الذي يخطط للانتصار ومن الطبيعي أن تختلف رؤى الطرفين بناء على ذلك . إلا أن المتاجرة بهذا الاختلاف وتحويله إلى حالة فرز اجتماعي ، ومواجهة سياسية أمر خطير ، لا سيما إذا كان من شخص كان للسنة الماضية ( مبعوث عمر بن سعد لتبشير أهله بسلامته ) !

(56) الأخبار الطوال للدينوري / 260

(57) الطبري ج 4   ص 312