نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

من قضايا النهضة الحسينية /أسئلة وحوارات / القسم الثاني

الالتزام بالاعداد المناسب للحديث

 

من المهم جدا أن يشعر الخطيب أن الناس قد ائتمنوه على أفضل ما عندهم ، وأعطوه عقولهم لينقش فيها على مدى ساعة من الزمان أو نصفها ، ما يريد .. فليتق الله في هذه الأمانة ، ولا يصب في تلك العقول إلا ما ينفعها في دنياها وأخراها .

ولو أردنا أن نحسب الأمر من الناحية الكمية ، فإن معنى أن يجتمع لخطيب ألف شخص تحت منبره ، هو أن ألف ساعة من وقت المجتمع قد وضعت تحت تصرف هذا الخطيب ، فكيف سيتصرف فيها ؟ منها ساعة الطبيب ، وساعة المهندس وساعة المدرس .. الخ ، وكل واحدة من هذه لها قيمة مالية خاصة .

إن ارتقاء المنبر ، والتشريق حينا والتغريب حينا آخر على غير هدى ولا هدف .. يعد جريمة بحق هذه الساعات التي يحتاجها المجتمع . ويعد كارثة بالنسبة لتلك العقول التي سلمت لهذا الشخص.

ونحن نتحدث هنا مع القادر من المنبريين على العطاء من خلال الاعداد الجيد ، والتهيؤ المناسب للمناسبة ، وإلا فلو كان الخطيب في مستوى معين لا يستطيع تجاوزه ، فـ ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ، ويكون الحاضر إليه قد ( أقدم ) على إنفاق هذا المقدار من الوقت ، قاصدا بذلك الثواب.

وبهذه المناسبة نشير إلى طريقتين يعتمد الكثير من الخطباء المعاصرين إحداهما أو كليهما في تهيئة الموضوع :

الأولى : تعتمد على أن يختار الخطيب نصا من النصوص ( سواء كان آية قرآنية أو رواية ) ثم يبدأ في التأمل في كلماتها ويشرحها ، ويبين ما يتصل بها من أحكام فقهية ، أو قضايا تأريخية ، أو مسائل عقائدية ، وأحيانا لفتات أدبية ولغوية ،  بمقدار ما يشير إليه النص الذي اختاره في البداية .

الثانية : أن يشخص الخطيب حالة أو مشكلة ، أو موضوعا على أنه يهم المجتمع الذي سيلقي فيه وبعد تشخيصه لذلك الموضوع يبدأ بالبحث عن كيفية طرحه ، وتهيئة المواد اللازمة للحديث فيه ، فقد  يرى مشكلة اجتماعية ( كالطلاق ) مثلا ، فيقوم باختيار النص القرآني أو الروائي المناسب للحديث ، ثم يفكر في أسبابه متخذا من الحالات القائمة ، أو الدراسات الاجتماعية مصدرا ، ويتأمل في طرق الاسلام التي تتحدث عنها الروايات ويستفيدها من الأحكام الشرعية ، والتي تقلل من الطلاق وأسبابه .

أو أنه يتناول جانبا تأريخيا ويستفيد منه مواقع العبرة والدروس .. وهكذا .

وقد تكون هناك طرق أخرى تختلف أو تتفق مع الطريقتين السابقتين ، لكن المهم في الأمر هو أن يقوم الخطيب بتقدير المهمة العظيمة التي تحملها ، ويراعي في ذلك أوقات الناس بالكمية والكيفية التي تقدمت ، فيهيء أحاديثه بمقدار ما وسعه التهيئة والاعداد .

أختم هذا العنوان بكلمات جميلة لديل كارنيجي في كتابه ( فن الخطابة )(1) والذي ينصح بقراءته لفائدته ، قال ( حدد موضوعك مسبقاً حتى يتسنى لك الوقت للتفكير به مراراً. فكر به طيلة سبعة أيام ، واحلم به طيلة سبعة ليال ، فكر به أثناء خلودك إلى الراحة ، وفي الصباح وأنت تستحم ، وفي طريقك إلى المدينة ، أو ...وناقشه مع أصدقائك واجعله موضوع حديثك ، واسأل نفسك جميع الأسئلة الممكنة التي تتعلق به  .

لقد ذكر تجربة أحدهم ممن كان خطيبا مشهورا : عندما سئل عن كيفية تحضيره لخطاباته فقال : ليس لدي أي سر . حين أختار موضوعا أكتب اسمه على مغلف كبير ، ولدي الكثير من هذه المغلفات ، فإذا وجدت أثناء القراءة شيئا جيدا حول الموضوع الذي سأتحدث عنه أنقله إلى المغلف الصحيح ، وأضعه جانبا ، ودائما أحمل معي دفتر ملاحظات ، فإذا استمعت إلى عبارات أثناء أي احتفال تلقي ضوءا على الموضوع الذي يهمني أسجلها ثم أنقلها إلى المغلف وربما تركته جانبا لمدة سنة !! أو أكثر ، وحين أريد أن ألقي خطبة أتناول ما أكون قد جمعته فأجد مادة كافية مما جمعته هناك إضافة إلى اجتهادي الخاص ) . وفي موضع آخر يقول : حين تنهمك في جمع مادة خطبة لاحتفال معين ، اكتب جميع الأفكار المتعلقة بالمادة التي تخطر ببالك ، دون جميع أفكارك ببضع عبارات كافية لتثبيت الفكرة ودع عقلك يبحث عن المزيد منها ، تلك هي الطريقة التي من خلالها يتدرب العقل على الانتاج وبها تبقى عملياتك الذهنية نشيطة وبناءة ..(2).

 


(1) بالطبع هناك شيء من الاختلاف بين ظروف من يتحدث عنهم وظروف خطبائنا ولو لجهة االعدد الكبير من المواضيع التي يراد منهم التحدث عنها ، ولكن استشهادنا هو في أصل الطريقة .

(2) فن الخطابة / دايل كارنيجي .