نبض الإنسانية الخالد..

عودة إلى صفحة عاشوراء >>

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

 
 

مع الحسين، في كربلاء.. لماذا لاتشارك الطوائف الاخرى في مناسبة عاشوراء؟

اللواء الركن المتقاعد أ. د. ياسين سويد

لم يكن الخلاف القائم بين بني هاشم وبني امية (وهم ابناء عمومة ينتسبون الى جد واحد هو قصي بن كلاب، الجد الخامس للنبي (صلعم)، من بني كنانة) من قريش، بمكة، خلافا دينيا، واسلاميا خصوصا، فهو ناشئ قبل ظهور الاسلام ومستمر بعده، بل كان خلافا عائليا، كما هي الحال في جميع قبائل العرب، زد على ذلك ان قريشا، وتقطن مكة، كانت تتولى امر الكعبة (المشرّفة عند عرب الجاهلية والمشرفة في الاسلام) تتداوله بطونها، الى ان آل امرها الى "قصي"، الجد الاعلى للامويين والهاشميين، فقسم خدمة الكعبة (الحجابة او السدانة، والسقاية والرفادة والندوة واللواء والقيادة) بين اثنين من ابنائه، فأعطى ابنه البكر عبد الدار (الجد الادنى لبني امية) السدانة والندوة واللواء، واعطى ابنه الثاني عبد مناف (الجد الادنى لبني هاشم) السقاية والرفادة والقيادة.
واستمر التفرع، عميقا، بين "فخذي" البطن الواحد، حتى اضحى "امية بن عبد شمس بن عبد الدار" موسرا، واضحى "هاشم بن عبد مناف" زعيما في قومه، كما كان ذا هيبة وسلطة.
ومع تعمق هذا التفرع، بدا الخلاف بين البيتين: بني امية وبني هاشم. يتفاخر بنو امية على ابناء عمومتهم بالمال، ويتفاخر بنو هاشم على ابناء عمومتهم بالجاه والبأس، الى ان منّ الله عز وجل على بني هاشم برسالة الاسلام خص بها نبيه محمدا (ابن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي)، مما اثار حفيظة ابناء العمومة (من بني امية) وغيرتهم، وهذا امر طبيعي، وهو ما يفسر رفض ابي سفيان بن حرب (فرع امية) اشهار اسلامه، بل ما يفسر ما حمله، وزوجته هند بنت عتبة، من حقد على النبي وآله، وقد تبدى ذلك في تآمر هند على حمزة (عم النبي) في وقعة احد، وقتله، الى حد انها "لاكت كبده" مبالغة في حقدها.
ولكن النبي كان يسع، بحلمه وحكمته، الناس جميعا، فما ان دخل مكة فاتحا حتى اعلن ان "من دخل بيت ابي سفيان فهو آمن"، وهكذا استطاع ان يشد اليه ابا سفيان وآله، فيأتي اليه ابو سفيان وزوجته مستغفرين تائبين مسلمين. ويشتد اسلام ابي سفيان وزوجته الى درجة انهما ابليا في معركة "اليرموك" بالشام بلاء مجيدا.
نسوق هذه المقدمة التاريخية لكي ننطلق منها الى قاعدة ثابتة هي: ان صلة الدم، بالاضافة الى وحدة العقيدة، بين الامويين والهاشميين، اقوى من كل عوامل الكراهية والخصومة والعداء، حتى لو اتت على الشكل الذي جرى لشهيد الاسلام "الحسين بن علي" حفيد رسول الله.
تطالعني هذه الافكار في مطلع "المحرم" من كل عام، حين تستعيد الطائفة الشيعية الكريمة، في الايام العشر الاولى منه، ذكرى استشهاد حفيد رسول الله على يدي "عبيد الله بن زياد" قائد الجيش الاموي، فترتفع اللافتات، وتقام مجالس العزاء، طوال تلك الايام.
ويحز في النفس ان يقف سائر المسلمين موقف اللامبالي امام هذه المظاهر التي تستعيد ذكرى اكرم شهداء المسلمين، واحب الناس الى قلب نبيهم الكريم، بدلا من ان يشاركوا، في هذه الذكرى، مشاركة تدل على مدى تأثير هذه المأساة في قلوب المسلمين، جميعا، بلا تفرقة.
لم يكن الامام علي عليه السلام سنيا ولا شيعيا، بل كان اول المسلمين، واول السنة التابعين لرسول الله، والمقتدين به، والمؤتمنين على رسالته، وكذلك ابنه الحسين الذي لم يكن اقل من ابيه ايمانا برسالة الاسلام ورغبة في الجهاد الصادق لنشرها.
ولم تكن مأساة كربلاء التي استشهد الحسين فيها، مع كوكبة من صحبه المسلمين الابرار، مأساة "الشيعة" وحدهم، بل كانت مأساة المسلمين، جميعا، على اختلاف مذاهبهم. فلماذا لا يشارك المسلمون، جميعا، في استعادة هذه الذكرى، كحدث جليل يجتمعون، على اختلاف طوائفهم، حوله، فيأخذون منه الدروس والعبر، بحيث يشكل، عامل توحيد لا عامل تفرقة؟
ان اشد ما يؤلم النفس هو ان اجيالا اسلامية تنشأ وتتربى، منذ قرون، على الاعتقاد بأن حدث استشهاد الحسين شأن يخص الشيعة وحدهم، ولا يخص سائر المسلمين، ففي ذلك تشويه للحقائق، وتدمير لوحدة المسلمين.
انني اهيب برؤساء الطوائف الاسلامية، (واخص بالذكر سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الدكتور الشيخ محمد رشيد قباني) لأن يبادروا الى الاشتراك مع اخوانهم رؤساء الطائفة الشيعية لاستعادة ذكرى هذا الحدث الجلل، باعتباره من اهم الاحداث المؤثرة في حياة المسلمين، لعل الغاية النبيلة من وراء استعادة هذه الذكرى تتجسد في وحدة اسلامية نبتغيها جميعا.
وبهذا فقط، نستطيع اصلاح الخطأ الجسيم الذي يتكرر كل عام، والذي يحفر، عميقا، في نفوس اجيالنا المسلمة، جيلا بعد جيل.