نبض الإنسانية الخالد..

عودة إلى صفحة عاشوراء >>

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

 
 

كربلاء.. عاصمة الثقافة الثورية

 

بقيت انتفاضة الحسين (ع) تنقل الأجيال تلو الأجيال أخبارها ورغم مرور زهاء ألف وأربعمائة سنة هجرية عليها لكن التعاطي مع ذكراها ما زال يتجدد كل سنة حيث تحتفي.. جمهرات المسلمين – المؤمنين بها وهي تستمد منها الدروس والعبر حتى غدت قضية الحسين قضية عالمية الطابع وإنسانية المدى وأمسى اسم كربلاء حيث كانت مكاناً لتلك الانتفاضة الاستثنائية في كل تفصيلاتها رمزاً للعدل الإسلامي وعاصمة للثقافة الثورية.

فعلى صعيد استقراء واقع حال القيام بالشعائر الدينية الذي يحيا من مجال نشاطاته الثقافية والتثقيفية عرفان الحقائق التاريخية كما حدثت آنذاك والخلفيات التي كانت تحركها أو تتحكم بها فقد كان النزال أكبر من أن يكون بين إسلامين إحدهما إسلام حقيقي مقابل إسلام مزّيف بين إسلام فعلي أراده الله ديناً للبشرية ومثّله الإمام الحسين (ع) ومعسكره وإسلام لفظي أراده الشيطان وقيعة لمعتنقيه وبين هذا وذاك كان الله عز وجل ينظر بعينه الساهرة دوماً على ما كان بين المعسكرين غير المتكافئين إذ بقدر ما سيطرت نعرة الجاهلية على قادة وجنود معسكر عمر بن سعد والتقدير أن النصر سيكون حليفهم كان ذلك يعمق التمني لأداء الاستشهاد في تلك المعركة عند صحابة وأصحاب النبي (ص) وآله في معسكر الحسين (ع) ولعل الصمود الاسطوري الذي تحدى فيه (70) شخصاً مسلماً معسكراً مدججاً بالسلاح قوامه أكثر من (30) ألف فارس كافر يدعون الإسلام زلفاً وبهتاناً قد فتح قرائح الشعراء قبل غيرهم في أكثر من عصر لدرجة أن التطرّق الشعري لثورة الحسين (ع) هو اليوم ظاهرة ثقافية عامة لم تنهيها لا الأزمنة ولا الأماكن فالشعر الحسيني قديمه وحديثه قد جاءت بها قريحة فحول الشعراء العرب والمسلمين وساهم النتاج الشعري – الحسيني في جعل مآساة كربلاء عاصمة للضمير الثقافي الثوري إذ دفع حتى بالنفوس اللادينية من أولئك الشعراء ليعودوا إلى فطرة الدين ويتبنوا قضية الإمام الحسين (ع) باعتبارها قضية اخلاقية تستوجب الإحياء والتأييد بنفس القدر الذي يستوجبه أداء الواجبات الدينية فمن شعراء العصر الأموي برز الشاعر الكميت بن زيد الاسدي، المتوفي سنة 126هـ) إذ غلب على شعره الولاء الخالص لأهل البيت (ع) وفضح أعدائهم المستبدين حتى وصفت قصائده بـ(الهاشميات) وقد كلفه موقفه هذا دفع ضريبة السجن والتعذيب والاضطهاد وبالذات في عهد الخليفة الأموي المستبد (هشام بن عبد الملك) ويروي أن (الكميت الأسدي) حين نظم قصيدته (الهاشميات) قد استفز بها الخليفة الأموي هشام الذي أمر بإهدار دمه لكن معجزة الله سبحانه وتعالى قد أنقذته من الموت باعجوبة. ولنقرأ شيئاً مما قاله الشاعر الكميت:

طربت وما شوقاً إلى البيض أطربُ      ولا لعباً مني وذو الشيب يلعبُ

ومن أكبر الأحداث كانت مصيبة    علينا قتيل الادعياء الملحّبُ

قتيل بجنب الطف من آل هاشم     فيا لك لحماً ليس عنه مذببُ

ومنعفر الخدين من آل هاشم     ألا حبذا ذاك الجبين المترب

ولا شك فأن ثورة الحسين (ع) زاخرة بقيم البطولة والعزة والتحدي والفداء إضافة لما يمكن استقراؤه اناة صبره وندرة شجاعته وقد فصلّت ذلك في كتب المقاتل والسير والمذكرات وكلها تبين أن النثر هو الآخر يشكل قيمة ثقافية للتعريف بوقفة البطولة التي وقفها الإمام الحسين وشهداء الطف (عليهم الصلاة والسلام) وطبيعي فأن قائمة الشعراء والناثرين تمتد حتى العصر الحديث.

أن لسان حال الشعراء والناثرين على مختلف العصور الذين كتبوا عن الحسين وثورته سواء كانت كـ(وقائع).. أو كـ(لسان حال) كما يلاحظ بالعديد من دواوين الشعر ومؤلفات الكتب وخطب المنابر الإسلامية فهي وسائل موضوعية تقرب فهم الأرث الروحي للإسلام الذي ينبغي أن يكون حيث الإيثار في كل شيء وليس الإسلام الذي يراد له أن لا يمثل سوى لا شيء منه.