نبض الإنسانية الخالد..

عودة إلى صفحة عاشوراء >>

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

 
 

ذكرى عاشوراء تتجدد

عبد الله الضمين 

 مئات السنين مرت على الفاجعة الأليمة والرزية الكبرى..

ومئات الثورات الغابرة حتى المعاصرة منها في العالم لم تكن ذكراها تتجدد كما كان ويكون لثورة الإمام الحسين (ع) الشهيد..

وإذا وقفنا نستنطق التأريخ عن سر هذا التجدد لأخبرتنا أوراقه قائلة إنها أهداف السماء التي من أجلها ضحت  هذه النهضة الحسينية المباركة.

    والسؤال هنا:

    متى بدأت الاحتفالات بهذه الذكرى المتجددة والفريدة ؟ 

قد يستغرب بعضهم أن أول من قرأ هذه المصيبة وذكرها قبل حدوثها هو الرسول الأعظم (ص)، عندما ولد الحسين (ع) فقد بكاه جده الرسول (ص) فكان قدوم الحسين إلى الدنيا قد تزامن مع انبعاث واستذكار حادث مفجع مؤلم سوف يقع في المستقبل.

  وإذا ما رجعنا إلى سيرة الرسول (ص) وقرأناها نجد أنه حينما كان يخطب في المدينة المنورة جاء الحسين (ع) وهو طفل صغير قد تعثر في مشيته فنزل الرسول الأعظم (ص) من على منبره مسرعاً نحو الحسين (ع) وحمله على صدره وهو يقول ((حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً)).

  وتارة أخرى يدخل الرسول (ص)  بيت فاطمة الزهراء (ع)  فيسمع بكاء الحسين (ع) فيقول للزهراء (ع) ((إن بكاء الحسين يؤذيني)).

فكان الرسول الأعظم (ص) شديد التعلق بهذا السبط حيث كان يقول فيه وفي أخيه الحسن(ع) ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)).

وإذا ما تصفحنا تأريخ الرسول (ص) مع الحسين (ع) نرى أن الرسول (ص) يقص على مسامع الحاضرين مقتل الحسين (ع) قبل وقوعه وكيف أوحى الله تعالى له بأن ولده الحسين (ع) سوف يقتل في أرض كر بلاء.

ألا يدل ذلك أن أول من بدأ في الإسلام الاحتفال بذكرى عاشوراء هو الرسول الأعظم (ص)؟

فبعد الرسول (ص) جاء دور الأئمة الأطهار (ع) يقومون بالدور نفسه الذي قام به الرسول (ص)، وذلك بعد استشهاد الحسين (ع)، فالإمام زين العابدين (ع) الذي كلما جاءوا له بشربة ماء ذكر عطش أبيه الحسين (ع)  فبكى عليه وأبكى الآخرين فيقول كيف أشرب وابن بنت رسول الله (ص) مات عطشاناً.

  وكذا عند رجوعه بعد قتل أبيه والسبي إلى المدينة المنورة استقبله أهلها بالحداد والأسى والنوح والبكاء حتى ضجت المدينة وصارت كيوم مات فيه رسول الله (ص)، ثم أقيمت مجالس العزاء في أنحاء المدينة وخاصة حي بني هاشم فكان مجلس الإمام زين العابدين (ع) ومجلس العقيلة زينب (ع) ومجلس الرباب زوج الحسين (ع) ومجلس أم البنين (ع) وغيرها تملأ أجواء المدينة بالكآبة والحداد.

  وإذا ما جئنا لعهد الإمام الصادق (ع) نسمعه يقول: ((احيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا))  وكذا يقول: ((إن في قتل الحسين حرارة لا تنطفئ أبدا)).

فشاعر أهل البيت الكميت بن زيد الأسدي صاحب ديوان الهاشميات يقول ((دخلت على أبي عبد الله الصادق (ع) يوم عاشوراء فأنشد ته قصيدةً في جده الحسين (ع) فبكى وبكى الحاضرون وكان قد ضرب ستراً في المجلس وأجلس خلفه الفاطميات فبينما أنا انشد والإمام يبكي إذ خرجت جارية من وراء الستار وعلى يدها طفل رضيع مقمط حتى وضعته في حجر الإمام الصادق (ع) فلما نظر الإمام إلى ذلك الطفل اشتد بكاؤه وعلا نحيبه، وما يقصد من ذلك العمل إلا تمثيل طفل الحسين (ع) الذي ذبح على صدر أبيه بسهم من حرملة بن كاهل الأسدي في يوم العاشر من المحرم وهو عبد الله الرضيع)).

  وهذا الإمام علي الرضا (ع) كانت داره أيام عاشوراء تزدحم بالناس ليستمعوا فيها إلى رثاء الحسين (ع) فيأتيه دعبل بن علي الخز اعي الشاعر الثائر فيطلب منه الإمام الرضا (ع) أن ينشده قصيدته التائية الخالدة:

أأسبلت دمع العين في بالعبرات          وبت تقاسي شدة الزفرات

ولا تنس في يوم الطفوف مصابهم        بداهية من أعظم النكبات

وصل على روح الحسين وجسمه         لدى النهرين بالفلوات

إلى أن يقول :

أفاطم لوخلت الحسين مجدلاً            وقد مات عطشاناً بشط فرات

فهنا بكى الإمام والحاضرون معه على مصاب الحسين (ع).

  هذه ومضات مضيئة من التاريخ تكشف لنا بعد المأساة الحسينية وما ارتكب في حق الحسين من جريمة نكراء ضحى بنفسه من أجل الدين والقيم والمثل فذكرى هذه الثورة الأجدر بنا أن نستذكر عبرها ولكي لا تتكرر المأساة مرة أخرى يجب الدفاع عنها بكل ما أوتينا من قوة حتى لا يتشدق بعضهم ويقول إن استذكار قضية كر بلاء تبعث الطائفية و الفتن وما أشبه فتلك مقولات الحزب الأموي البائد ومن لطف الله علينا أن جذوة هذه النهضة باقية إلى عصرنا والعصور التالية لتكشف عن معادلة الحق بوجه الظلم والطغيان وانحراف المسير عن جادة الصواب.

  وكلمة السيدة زينب (ع) في مجلس يزيد الطاغية أدل دليل على خلود هذه الذكرى واستمراريتها رغم كل الإرهاب الذي مورس ضد هذه النهضة المباركة والانبعاثة الميمونة من قبل ومن بعد فتقول له عليها السلام ((يا يزيد فكد كيدك واسع سعيك ناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا...))