تشهد العاصمة الإندونيسية الكثير من النزاعات والتوترات في امورها الداخلية بسبب القضية التي اثارها مؤخرا حاكم جاكرتا باسوكي تجاهاجا بورناما الذي تعمد إهانة القرآن وهي قضية ينظر لها على أنها اختبار للحرية الدينية في البلد ذي الأغلبية المسلمة. حيث ان إندونيسيا أكبر بلد مسلم من حيث عدد السكان، حيث ان 90% من السكان البالغ عددهم 250 مليون نسمة يعتنق الدين الاسلامي 90 %.

ويخوض بورناما وهو مسيحي من عرق صيني الانتخابات لفترة جديدة في المنصب في فبرايبر/شباط والذي تراجعت شعبيته بسبب اتهامه لخصومه المسلمين في الانتخابات باستخدامهم القرآن في الدعاية السياسية. وطالبت جماعات إسلامية باستقالة بورناما بسبب ذلك.

هذا وقد خرج أكثر من مئة ألف مسلم من بينهم زعماء دينيين وأعضاء في جماعات لحقوق الإنسان وفي البرلمان في وسط جاكرتا للمطالبة بمحاكمة الحاكم بتهمة الكفر وقد انتهت المظاهرة بأعمال عنف بالرغم من دعوة بعض الإسلاميين المعتدلين لضبط النفس حيث أعلنت الشرطة اعتقال 10 أشخاص لمزاعم الخيانة. وقتل شخص وأصيب أكثر من مئة عندما اتخذ الاحتجاج وهو الأكبر في المدينة خلال عدة سنوات شكلا عنيفا واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه.

ويقول محللون سياسيون استغل منافسون للرئيس الاندنوسي الاوضاع المربكة التي يمر بها بورناما حاكم جاكرتا وخاصة انه حليف قديم للرئيس الاندونسي ليثيروا حالة من الفوضى وزعزعة استقرار الحكم لتضعيف شعبية الرئيس وخاصة ان ويدودو يعتبر اول رئيس لإندونيسيا من خارج النخبة السياسية أو الجيش.

وقد فتحت الشرطة تحقيقا مع بورناما بتهمة ازدراء الأديان واستجوبته. ويتوقع أن يحيل الادعاء القضية إلى المحكمة في الأسابيع القادمة. وإذا أدين فقد يواجه السجن لما يصل إلى خمسة أعوام. وقد رفضت هيئة محكمة دعوة محامين يدافعون عن بورناما لرفض القضية بدعوى أنها تنتهك حقوق الإنسان الخاصة بموكلهم وتخالف الإجراءات القانونية السليمة.

الفهم الخاطئ للقرآن

وفي الشأن ذاته, وجهت الشرطة الإندونيسية لحاكم جاكرتا تهمة التجديف، وفق ما أعلن مدير الشرطة آري دونو للصحافيين مضيفا أنه تم التوصل إلى اتفاق يفيد أن "القضية يجب أن تخضع لمحاكمة علنية". ويأتي ذلك على خلفية تصريحات للحاكم المرشح لإعادة انتخابه انتقد فيها "الفهم الخاطئ للقرآن".

وبعد تحقيق استمر أكثر من شهر والاستماع لعدد كبير من الشهود والخبراء، أعلن مدير الشرطة آري دونو للصحافيين توجيه الاتهام إلى الحاكم باسوكي تجاهاجا بورناما الملقب ب"أهوك". وتابع دونو "توصلنا إلى اتفاق وإن لم يكن بالإجماع، يفيد أن القضية يجب أن تخضع لمحاكمة علنية"، موضحا أن الشرطة أمرت "أهوك" بعدم مغادرة البلاد. بحسب فرانس 24.

والحاكم المسيحي الذي يتحدر من أصول صينية معروف بصراحته. وقد صرح في أيلول/سبتمبر أن تفسير علماء الدين لآية في القرآن تفرض على المسلم انتخاب مسؤول مسلم خاطئ. وفي مواجهة الجدل الحاد الذي أججه مسلمون أصوليون، اعتذر أهوك علنا.

لكن هذا لم يهدئ من غضب بعض المجموعات المتشددة على الحاكم المرشح لإعادة انتخابه في شباط/فبراير المقبل. ويتمتع أهوك الذي تولى منصبه في نهاية 2014 خلفا لويدودو بشعبية كبيرة. وهو يلقى تقديرا بسبب فاعليته في إدارة العاصمة التي تضم عشرة ملايين نسمة وتشهد ازدحاما شديدا. وقد تأخرت فيها الإصلاحات بسبب البيروقراطية والفساد.

تهمة ازدراء الأديان

في السياق ذاته تواصل المحكمة الإندونيسية النظر في قضية حاكم جاكرتا المثيرة للجدل يتهم فيها الحاكم المسيحي باسوكي تجاهاجا بورناما بتعمد إهانة القرآن وهي قضية ينظر لها على أنها اختبار للحرية الدينية في البلد ذي الأغلبية المسلمة. ورفضت هيئة محكمة دعوة محامين يدافعون عن بورناما لرفض القضية بدعوى أنها تنتهك حقوق الإنسان الخاصة بموكلهم وتخالف الإجراءات القانونية السليمة.

وقال قاض "ستنظر المحكمة في الاستثناء الذي قدمه المتهم وتتخذ قرارا بشأنه بعد فحص كل الأدلة. واستثناء المتهم غير مقبول." وبعينين دامعتين نفى بورناما في أولى جلسات القضية يوم 13 ديسمبر كانون الأول الإساءة للقرآن أثناء حملة الدعاية قبيل انتخابات أجريت في فبراير شباط لمنصب حاكم جاكرتا. بحسب (رويترز).

وقال كيساب توكاكرويو الذي كان موجودا ضمن مجموعة أصغر تضم مؤيدي الحاكم "بوصفي مسلما اعتقد أننا ينبغي أن نسامحه إذا اعتذر." وقال رئيس هيئة المحكمة دويراسو بودي سانتيارتو إن الدفاع يمكنه إحالة القضية إلى محكمة أعلى إذا كان يرفض قرار المضي في الدعوى. وقال بورناما للمحكمة بعد التشاور مع المحامين إنه سيفكر في ذلك.

وقالت السلطات إن من المقرر عقد جلسة نظر القضية المقبلة يوم الثالث من يناير كانون الثاني لكنها ستُنقل إلى قاعة في وزارة الزراعة جنوب المدينة لدواع أمنية. وتهمة ازدراء الأديان في إندونيسيا عقوبتها الحبس لمدة تصل إلى خمسة أعوام وعادة تسفر مثل هذه الاتهامات عن إدانة. وانتقدت منظمة العفو الدولية القانون لإضراره بحرية التعبير واستهداف الأقليات الدينية.

المسلمين أمة واحدة

ومن جهة اخرى تدفق عشرات آلاف من المسلمين على وسط جاكرتا للاحتجاج على حاكم المدينة المسيحي المتهم بالإساءة للقرآن مما يؤجج توترا أثار قلق الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو. واتهم ويدودو "لاعبين سياسيين" باستغلال الغضب الشعبي من الحاكم باسوكي تجاهاجا بورناما لزعزعة استقرار الحكومة.

وفي ظل هذه المخاوف أعلنت الشرطة اعتقال 10 أشخاص لمزاعم الخيانة. وتجمع محتجون كثيرون يرتدون اللون الأبيض حول النصب التذكاري القومي حتى أن الشوارع المحيطة به امتلأت بمحتجين يرددون الهتافات ويصلون ويرفعون لافتات تطالب بسجن بورناما.

وقدر مسؤولون في الشرطة أن 150 ألف شخص على الأقل بينهم كثيرون جاءوا إلى جاكرتا من بلدات ومدن بجزيرة جاوة احتشدوا رغم الأمطار الغزيرة. وقالت بعض التقارير إن عدد المحتجين فاق 200 ألف شخص. وردا على سؤال عن الرسالة التي يحب أن يوجهها للجيش والشرطة قال ويدودو للصحفيين خلال مناسبة على مقربة من مكان الاحتجاج "تولوا الحراسة حتى يسير كل شيء بسلام."

وقالت وكالة الأنباء الوطنية أنتارا إنه سيتم نشر 22 ألفا من أفراد الشرطة للحيلولة دون تكرار أعمال العنف التي اندلعت خلال احتجاج قاده إسلاميون متشددون الشهر الماضي وأصيب فيه أكثر من 100 شخص في اشتباكات مع الشرطة. بحسب (رويترز).

وقال متحدث باسم الشرطة يدعى ريكوانتو خلال مؤتمر صحفي إن عشرة أشخاص لم يذكر سوى الحروف الأولى من أسمائهم اعتقلوا قبل الفجر وأشار إلى مواد في القانون الجنائي عن التآمر وأعمال الخيانة. وبموجب قانون تكنولوجيا المعلومات اتهم اثنان من بينهم بنشر خطاب الكراهية. وأضاف "اعتقلوا الآن ويخضعون للتحقيق".

ويخضع حاكم جاكرتا للتحقيق بسبب تصريحات أدلى بها عن استخدام معارضيه للقرآن في الحملات السياسية. وينفي بورناما ارتكاب أي أخطاء لكنه اعتذر عن التصريحات. وقال محتج يدعى ساليست نور زليخة (49 عاما) وجاء إلى جاكرتا من مدينة يوجاكرتا للمشاركة في المظاهرة "هذا الحشد تعبير عن وحدة المسلمين كأمة واحدة وجسد واحد. "ليس ضد شخص معين بسبب عرقه. نحن فقط ضد أفعاله."

وسلمت الشرطة ملف تحقيقاتها لممثلي الادعاء الذين من المتوقع أن يحيلوا قضية اتهامه بالتجديف إلى المحكمة في الأسابيع القادمة. ودفع التوتر الديني والعرقي المتأجج ويدودو الشهر الماضي إلى عقد اجتماع ضم شخصيات عسكرية وسياسية ودينية في دلالة على الوحدة وسط مخاوف من محاولات لتقويض استقرار حكومته.

التفاؤل

دعا الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو إلى الهدوء وسط توترات دينية تعتمل في البلاد في حين أسقطت طائرات هليكوبتر منشورات من الشرطة على العاصمة تحذر السكان من عقوبات مشددة إذا ما تحولت تجمعات يقودها إسلاميون إلى العنف. وقال ويدودو في مؤتمر للمستثمرين "أريد فقط أن أوجه كلمة واحدة وهي التفاؤل. دعونا لا ننسى هذه الكلمة رغم أن الوضع السياسي محتدم بعض الشيء."

يقطن إندونيسيا أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم إلى جانب أقليات مسيحية وهندوسية. والتقى ويدودو مع كبار الشخصيات السياسية والأمنية والدينية منذ احتشاد الرابع من نوفمبر تشرين الثاني بعد اتهام "نشطاء سياسيين" غير معروفين بإثارة التوترات. بحسب رويترز.

وتعتزم الشرطة نشر 18 ألف ضابط واستخدمت طائرات هليكوبتر لإسقاط 50 ألف منشور في أجزاء من العاصمة التي يقطنها عشرة ملايين نسمة حيث ترتفع المباني الشاهقة بجوار مناطق السكن العشوائية. وتحذر المنشورات السكان وتدعوهم لعدم الإخلال بالنظام العام أو القيام بأعمال تخريب تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن مدى الحياة.

اضف تعليق