ودع العالم قبل ايام أسطورة الملاكمة المسلم محمد علي كلاي بعد صراع طويل مع مرض باركنسون الذي استمر معه لأكثر من ثلاثة عقود، حيث لفظ بطل العالم في الوزن الثقيل ثلاث مرات أنفاسه الأخيرة وكما تنقل بعض المصادر، في مستشفى في فينيكس بولاية آريزونا أدخل إليه في وقت سابق لمعالجته من مشاكل نفسية بسبب المرض الذي كان آخر خصم يهزم أسطورة الرياضة العالمية والشخصية المميزة في تاريخ القرن الـ 20. وشبّ كلاي في مدينة منع على السود ارتياد أماكنها العامة في خضم فترة التفرقة العنصرية، وعاد الى لويفيل امبراطوراً وجال في شوارع اطلقت عليها اسماء مرتبطة بالهوية التي اختارها لنفسه بعد اعتناق الإسلام. وانطلق موكب التشييع في مسيرة من 30 كيلومتراً وسط حضور الآلاف على جانبي الطريق، الذين توافد بعضهم من افريقيا او آسيا، وقال المسلمون المشاركون في حفل التأبين إن هذا التشييع أثبت أن الإسلام جزء من أميركا.
وانضم قادة دينيون وسياسيون من مختلف الاتجاهات إلى الرياضيين وآلاف المواطنين للمشاركة في الوداع الأخير لبطل الملاكمة العالمي، وهتف محبوه "علي" وألقوا الزهور وهم يصطفون في الشوارع لدى مرور الموكب الذي يحمل جثمانه. وقال مسؤولو المدينة إن مئة ألف شخص شاركوا في تأبين البطل الراحل، مسلمون ومسيحيون أغنياء وفقراء بيض وسود، حيث قدم الكثير منهم من أنحاء البلاد ومن أنحاء العالم.
وتبدأ قصة الرياضي الذي ألهم العالم مع الملاكمة بحسب بعض المصادر الاعلامية، حين يسرق صبي دراجته الهوائية، فيقرر الطفل حينها أن يتعلم الملاكمة لينتقم من سارق دراجته الهوائية، لكن قرار تعلم هذه الرياضة سيأخذ الفتى إلى عالم من الأمجاد الرياضية لا تكون فيه للدراجة الهوائية أي قيمة. وبعد أن أظهر سرعة فائقة في التعلم، توج من كان يسمى كاسيوس كلاي سنة 1960 بطلا لدورة الألعاب الأولمبية في روما. ولم تمض سوى أربع سنوات حتى كان الشاب الطموح يتوج بطلا للعالم حسب تصنيف الجمعية العالمية للملاكمة بعد فوزه بالضربة القاضية على خصمه سوني لينستون بالضربة القاضية.
ويرى بعض الخبراء ان شهرة كلاي ذلك الشاب الأسود اكتملت عندما تحدى الجميع وأعلن إسلامه، ورفض المشاركة في حرب فيتنام، التي اعتبرها حرب غير قانونية ومذبحة للأبرياء، متحدياً بذلك سلطة القوة، ليثبت بذلك خلق واخلاق المسلم المتسامح مع الآخرين.
بطل لن يموت
وفي هذا الشأن فمن البيت الابيض الى كينشاسا واوزبكستان، تذكر العالم رمزا رياضيا وثقافيا، معتبرا بانه يكون هناك اي شخص مثل محمد علي، الرجل "الاعظم" الذي فارق الحياة عن 74 عاما بعدما خسر معركته الطويلة والاخيرة ضد داء باركينسون. واستذكر العالم محمد علي ليس فقط كملك الملاكمة للوزن الثقيل بل ايضا كمناضل من اجل العدالة الاجتماعية، في حين روى اخرون بعض القصص الشخصية المؤثرة عن دفئه وكرمه، وتعاطيه مع الناس على قدم المساواة اذا كانوا رؤساء او اشخاصا في الشوارع.
وتصدر الرئيس الاميركي باراك اوباما الاشخاص الذين رثوا اسطورة الملاكم الذي "قاتل من اجلنا"، مضيفا: "معركته خارج الحلبة كلفته لقبه ومكانته. خلقت له الاعداء يسارا ويمينا، وجعلته منبوذا، وكادت ترسله الى السجن. لكن علي تمسك بموقفه ونصره ساعد في اعتيادنا على اميركا التي نعرفها اليوم". وكان محمد علي الذي عانى منذ ثمانينات القرن الماضي من داء باركينسون، بطلا بالنسبة لرئيس جنوب افريقيا الراحل نيلسون مانديلا بحسب ما اكدت مؤسسة مانديلا، مشيرة الى ان الكتاب المفضل في مكتب المناضل السابق ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا كان نسخة موقعة من السيرة الذاتية لمحمد علي كما هناك صورة للرجلين معا.
وقال المدير التنفيذي للمؤسسة سيلو هاتانغ: "نيلسون مانديلا الذي كان من عشاق الملاكمة معظم حياته، اعترف بعلي كبطله في الملاكمة. كان ماديبا (لقب مانديلا) يحترم كثيرا الارث الذي خلفه، وتحدث بإعجاب عن انجازات علي".
وفي تناوله لأهمية محمد علي ليس في الرياضة وحسب، قال الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون انه يشعر بـ"الفخر" لمنحه الملاكم الاسطورة الوسام الرئاسي للمواطنة في البيت الابيض في كانون الاول/يناير 2001، قبيل تركه منصبه. واضاف: "بالانتصار والمحاكمات، اصبح اكبر من اسطورته".
وعلى بعد الاف الكيلومترات في كينشاسا، ما زال الحديث جاريا عن تلك الليلة التاريخية من عام 1974 حين فاز بالضربة القاضية في الجولة الثامنة على جورج فورمان في ما اطلق عليه تسمية "معركة في الادغال" في كينشاسا بزائير التي اصبحت اليوم جمهورية الكونغو الديموقراطية. "علي كان جزءا من شبابنا"، هذا ما قاله مارتينو كافوالا، الملاكم الهاوي السابق الذي اصبح الان في الثالث والستين من عمره، مضيفا: "في تلك الايام، اذا كنت شابا ولا تلاكم فلا مكان لك في المجتمع".
ومن عالم الرياضة، كان اسطورة كرة القدم البرازيلية بيليه ابرز من رثى محمد علي، قائلا في حسابه على موقع تويتر: "العالم الرياضي تلقى خسارة كبيرة. محمد علي كان صديقي، مثالي الاعلى، بطلي". وواصل: "امضينا لحظات كثيرة معا وبقينا على اتصال جيد على مر الاعوام. الحزن يغمرنا". وتميز محمد علي بنضاله الذي اوصله في 1967 الى رفض اداء الخدمة العسكرية والتوجه للقتال في حرب فيتنام. وقد صرح في 17 شباط/فبراير 1966 "ليست لدي مشكلة مع الفيتكونغ" الذين كانوا يقاتلون الاميركيين.
سجن محمد علي وجرد من الالقاب التي حصل عليها ومنع من ممارسة الملاكمة لثلاث سنوات ونصف السنة بعدما اغضب غالبية الرأي العام الاميركي. لكن آخرين رأوا فيه احد اعمدة الثقافة المضادة وبطل قضية السود الذين كانوا يناضلون من اجل المساواة في الحقوق. واشاد اسطورة كرة السلة وافضل مسجل في تاريخ دوري كرة السلة الاميركي للمحترفين كريم عبد الجبار بشجاعة محمد علي في كفاحه ضد التمييز العنصري، قائلا: "في الوقت الذي اعتقل فيه السود الذين تحدثوا عن الظلم ووصفوا بالمتمردين على مكانتهم الطبقية، ضحى محمد بافضل سنوات مسيرته لكي يقف شامخا ويكافح من اجل ما يعتقد انه حق". وواصل: "ما قام به، جعل الاميركيين، البيض والسود منهم، يقفون شامخين. قد اكون 7 اقدام و2 انش لكني لم اشعر يوما بالطول الذي شعرت به عندما كنت اقف في ظله".
وتوج محمد علي بالذهيبة الاولمبية عام 1960 و"حارب" الباركينسون من اجل ايقاد الشعلة في حفل افتتاح اولمبياد 1996 في واحدة من اكثر اللحظات المؤثرة في تاريخ الالعاب. وقد اشاد رئيس اللجنة الاولمبية الدولية الالماني توماس باخ بقيمة محمد علي، قائلا: "كان ناشطا خارج الرياضة. كان الرياضي الذي تمتع بالشجاعة من اجل منح الامل للكثير من الذين يتعذبون بسبب المرض وذلك من خلال ايقاد المرجل الاولمبي دون ان يخفي معاناته الخاصة".
اما بالنسبة لابناء اللعبة، فاستذكر الاسطورة جورج فورمان الخصومة الثلاثية بينه وبين علي وجو فرايزر. وقال بطل العالم السابق في الوزن الثقيل والذي هزمه محمد علي في اشهر نزال في التاريخ، في حسابه على تويتر: "علي، فريزر وفورمان، كنا نحن الثلاثة واحدا. جزء مني رحل، والواقع انه الجزء الاكبر". اما مايك تايسون، بطل العالم السابق في الوزن الثقيل، فقال بدوره: "الله وجد بطله، وداعا الى الملاكم الاعظم، ايها العظيم ارقد بسلام". وبدوره قال فلويد مايويذر، بطل العالم السابق لوزن الوسط الذي لم يخسر في 49 مباراة واعتزل شابا: "لقد خسرنا اسطورة، بطلا كبيرا وشخصا رائعا. انه احد الذين فتحوا لي الطريق لاكون كما انا الان.
الكلامات لا تكفي ولا تعطي علي حقه لما قدمه لرياضتنا. بالنسبة لي شخصيا، علمني الا اشعر بالخوف ابدا"، فيما قال ايفاندر هوليفيلد، بطل العالم السابق للوزن الثقيل: "انها خسارة ثقيلة. كنت اريد ان اكون مثله، لقد الهمني". وواصل: "لقد سألني في احد الايام اذا كنت اريد تحطيم رقمه القياسي (توج علي بلقب بطل العالم للوزن الثقيل 3 مرات) واجبت كلا، لان ذلك يعني انه يتعين علي ان اخسر احد نزالاتي. لكن العودة بعد الخسارة تظهر مدى القوة وهذا ما برهنه علي طوال مسيرته". بحسب فرانس برس.
وتحدث دون كينغ، اشهر منظم لمباريات الملاكمة، عن محمد علي قائلا: "كان شخصا رائعا ليس فقط كملاكم لكن كأيقونة ايضا. لن يموت محمد علي اطلاقا. لن يموت محمد علي، فهو مثل مارتن لوثر كينغ. روحه ستبقى الى الابد". وفي العاصمة الاوزبكستانية طشقند التي تحتضن بطولة العالم للهواة في الملاكمة، وقف الجمهور وملاكمون من كوبا وبريطانيا دقيقة صمت احتراما لمحمد علي كما دق الجرس المخصص لبدء ونهاية الجولات اجلالا لهذا الرجل العظيم.
صلاة الجنازة
الى جانب ذلك توافد الآلاف من محبي الملاكم الراحل "محمد علي" على بلدته لويفيل حيث أقيمت صلاة الجنازة على جثمان الرجل الذي صارع منافسيه داخل الحلبة وسعى إلى السلام خارجها. وأقيمت الصلاة في قاعة فريدوم هول التي شهدت هزيمة بطل الوزن الثقيل السابق أمام ويلي بسمانوف في عام 1961 وكانت آخر مبارياته في لويفيل. وحضر الجنازة ما يقدر بنحو 14 ألف شخص يمثلون العديد من الأعراق والعقائد وفيها أشار العديد من الحضور إلى محمد علي باسم "بطل الشعب."
وقال رجل الدين شرمان جاكسون من جامعة جنوب كاليفورنيا "رحيل محمد علي جعلنا نشعر بوحدتنا أكثر في العالم." وأثنى الرجل على البطل الراحل لدفاعه عن قضية الأمريكيين السود خلال حركة الحقوق المدنية في الستينات وبعدها. وأضاف "لقد رحل عن العالم إنسان صلب ورائع ومحب للحياة" في وصفه محمد علي الذي رفض الخدمة في الجيش الأمريكي خلال حرب فيتنام.
وقاد الإمام زيد شاكر المؤسس المشارك لكلية الزيتونة في بيركلي بولاية كاليفورنيا صلاة الجنازة. وكان علي وأفراد أسرته يخططون لجنازته منذ عشرة أعوام مؤكدين بذلك أن الجنازة ستكون علامة على اعتزاز على بالدين الإسلامي الذي يدين به. وكان بين الحضور رجل من بنجلادش اسمه محمد علي قال إنه جاء من بلده لتشييع جنازته رغم مرضه وعرض صورا لمحمد علي خلال زيارته لبنجلادش قبل نحو 40 عاما. وصعد محمد علي إلى قمة عالم الملاكمة في وقت لم يكن يتوقع من اللاعبين السود هذا الأداء وأدهش تفاخره أمريكا البيضاء حتى عندما كان يلعب تحت الاسم الذي ولد به كاسيوس كلاي. وأصاب المجتمع الأمريكي بصدمة أخرى بانضمامه إلى حركة (أمة الإسلام) وتغيير اسمه في 1964. واعتنق محمد علي الإسلام في السبعينات.
ودعي سكان لويفيل والمعجبون بمحمد علي أيا كانت ديانتهم، إلى المشاركة في شعائر جنازة إسلامية. وقف مئات من سكان مدينة لويفيل الأمريكية مسقط رأس الملاكم الراحل محمد علي كلاي في طابور طويل، محاولين الحصول على تذاكر لحضور جنازة البطل الأسطوري. وكان الطابور لافتا فقد لف المبنى المهيب حيث تقام مراسم الجنازة أمام انظار العالم بأسره. وينطلق الوداع الأخير للملاكم "الأعظم" بمراسم توافق الشعائر الإسلامية وستكون مفتوحة للجميع. بحسب رويترز.
وقالت أنديا تايلر وهي نادلة تبلغ الثالثة والعشرين "سيترك محمد علي إرثا كبيرا لنا، وأريد أن أكون حاضرة في جنازته". وقد فتحت مكاتب تذاكر لتوزيع أربع بطاقات مجانية لكل شخص. وتعد جنازة كلاي حدثا استثنائيا في لويفيل للنجم الأمريكي، ويلقى محمد علي تقديرا كبيرا في العالم الإسلامي منذ اعتناقه الإسلام في 1964 ولدفاعه عن القيم السلمية والعالمية للإسلام طوال حياته. وقالت جيسيكا مور المدعية العامة المساعدة في المدينة "كان محمد علي رجلا استثنائيا، ليس على الصعيد الرياضي فقط بل الإنساني. هو بطل الشعب، وكونه من لويفيل، نعتبر أنفسنا من عائلته".
سفير النوايا الحسنة
من جانب اخر وبوفاة الملاكم الأسطوري محمد علي ربما يكون مسلمو الولايات المتحدة فقدوا بطلهم الأعظم وسفير النوايا الحسنة للإسلام في دولة تعاني فيها الأقلية المسلمة من سوء الفهم وعدم الثقة. وقال طالب شريف وهو إمام مسجد محمد في واشنطن "نحمد الله عليه." وأضاف أمام حشد من قيادات دينية إسلامية حضروا لتأبين علي في واشنطن "أمريكا يجب أن تحمد الله عليه. كان بطلا أمريكيا." وأشاد المسلمون بالملاكم الراحل كبطل للعدالة الاجتماعية ونصير دائم للأعمال الخيرية ومناهض للحرب الأمريكية على فيتنام.
وعلاوة على ذلك يقولون إنه كان مسلما أثار إعجاب مجتمع غالبيته من المسيحيين رغم أنه صدم كثيرين منهم بانضمامه إلى جماعة أمة الإسلام وتغيير اسمه من كاسيوس كلاي إلى محمد علي في عام 1964. وقال وارث دين محمد الثاني نجل الزعيم السابق للجماعة في بيان "عندما ننظر في تاريخ مجتمع الأمريكيين الأفارقة يبرز محمد علي كأحد العناصر المهمة في نشر الإسلام في أمريكا."
ومع وجود نحو 3.3 مليون مسلم في الولايات المتحدة يشكل المسلمون نحو واحد في المئة من عدد السكان معظمهم مهاجرون وأمريكيون أفارقة اعتنقوا الإسلام. ورغم اندماجهم في المجتمع الأمريكي بصورة أفضل من أقرانهم في أوروبا يواجه المسلمون الأمريكيون صعوبات كبيرة حتى في الوقت الذي تشهد فيه التركيبة السكانية تراجعا في عدد البيض والمسيحيين.
ومنذ عام 2011 يعاني المسلمون الأمريكيون من رد فعل عنيف من الأمريكيين الذين يضعون كل المسلمين في نفس فئة من يهاجمون المدنيين بدوافع جهادية. وقبل عقود أثارت قيادات من المسلمين السود مثل إليجاه محمد ومالكولم إكس مؤسسة البيض بمطالباتهم كأقليات دينية وعرقية بمساواة المسلمين مع غير المسلمين. وانتهج محمد خطابا منددا بظلم البيض وعارض دمج الأعراق.
لكن محمد علي حظي بالتبجيل على نطاق واسع. ومع ذلك فإن تصريحاته الجريئة المناوئة لتفوق البيض ورفضه لتبني نموذج جسده المسيحي مارتن لوثر كينج جعلته عرضة لانتقادات جاءت معظمها من البيض وأيضا من بعض السود. وقال فرانك جوريدي أستاذ التاريخ المساعد الزائر بجامعة كولومبيا "إن طهارة صورة علي في الأعوام الأخيرة جعلت كثيرين ينسون تعرضه للسباب خلال ستينات القرن الماضي بسبب اعتناقه الإسلام ورفضه التجنيد في صفوف القوات المسلحة الأمريكية." وأضاف "كان يُنظر إليه على أنه خائن للولايات المتحدة الأمريكية."
وفي السبعينات من القرن الماضي اعتنق علي المذهب السني في الإسلام الذي يعتنقه معظم المسلمين في أنحاء العالم ثم صار صوفيا. وخلال تجمع لقيادات المسلمين الأمريكيين في واشنطن تناوب المتحدثون على ذكر محاسنه. وفي ديسمبر كانون الأول الماضي دافع علي عن المسلمين بعد أن اقترح المرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب منع المسلمين مؤقتا من دخول الولايات المتحدة بعد هجمات المتشددين في باريس وسان برناردينو في كاليفونيا. بحسب رويترز.
وقال علي في بيان "ينبغي على قادتنا السياسيين استغلال مواقعهم في تحقيق فهم صحيح للإسلام وتوضيح أن القتلة المغرر بهم كانوا سببا في عدم فهم الناس لحقيقة الإسلام." كما استغل علي تأثيره للدعوة لإطلاق سراح جيسون رضائيان مراسل صحيفة واشنطن بوست الذي قضى 18 شهرا في أحد سجون إيران وكذلك دانيال بيرل مراسل وول ستريت جورنال الذي أسره إسلاميون متشددون في باكستان وأعدموه لاحقا في عام 2002. وقالت نهاد عوض المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "محمد علي كان هدية من الله ..ليس فقط للمسلمين بل للعالم كله."
على صعيد متصل أعلن بيل دي بلازيو رئيس بلدية نيويورك عن تسمية جزء من الشارع رقم 33 في مانهاتن المحاذي لقاعة "ماديسون سكوير غاردن" الشهيرة "مسلك محمد علي"، تكريما للملاكم الشهير. وبرر رئيس البلدية قراره المؤقت هذا بالتذكير بالمباريات الثماني التي شارك فيها محمد علي في "ماديسون سكوير غاردن" وبالإشادة بذكرى هذا "الناشط". وقد استضافت "أشهر قاعة في العالم"، كما يلقبها أصحابها، ما عرف بـ "مباراة القرن" في 8 آذار/مارس 1971 بين جو فريزير ومحمد علي الذي تكبد إثرها أول خسارة في مسيرته المهنية بعد 31 فوزا متتاليا. وبعد ثلاث سنوات، أخذ الملاكم الذي كان يصف نفسه بـ "الأعظم" ثأره في 28 كانون الثاني/يناير 1974، متغلبا على فريزيز في القاعة عينها. وتغيير الاسم هو تدبير مؤقت وكي يعتمد القرار نهائيا، لا بد من أن يصوت عليه المجلس البلدي ويصادق عليه رئيس البلدية. ولم يتخذ أي إجراء في هذا الخصوص حاليا، بحسب ما قالت ناطقة باسم البلدية. وصرح ريتشارد غوتفرايد المسؤول في ولاية نيويورك أن "محمد علي ... كان محط إعجاب من العالم أجمع باحترامه لمبادئه وإيمانه والتزامه بالسلم والتسامح". وأضاف قائلا "من الطبيعي أن تشيد نيويورك، عاصمة العالم، بذكرى محمد علي، بطل من أبطال العالم، بكل ما للكلمة من معنى".
المصور وبائع الاحذية
في السياق ذاته وقبل حوالي نصف قرن دخل رجل اسود عملاق (1,91 م) الى محل احذية في مدينة زيوريخ السويسرية وسأل عن حذاء بمقاس 47. بدا صاحب محل شويباخلر مرتبكا، في وقت كان المارة يتهافتون في الخارج من اجل رؤية هذا الزبون الاستثنائي الذي لم يكن سوى اسطورة الملاكمة محمد علي كلاي الذي كان بحاجة الى زوج حذاء جديد بعدما "انهك" الزوج القديم في التدريبات التي اجراها على ثلوج جبل اويتليبرغ في زيوريخ.
والرجل الذي اوصل محمد علي الى محل الاحذية كان المصور السويسري ايريك باخمان الذي رافقه طيلة الوقت خلال استعداداته للمباراة التي فاز بها على الالماني يورغن بلين في 26 كانون الاول/ديسمبر 1971. وفي مقابلة هاتفية مع باخمان من منزله في زيوريخ، تحدث عن سلسلة من الاحداث العفوية التي اوصلت محمد علي الى محل الاحذية.
عرف عن الملاكم الاميركي الاسطورة انفتاحه الملفت حيال رجال الاعلام طيلة مسيرته الرائعة، وهو الامر الذي يميزه عن نجوم الحاضر الذين "يحاصرون" انفسهم برجال الامن. وكانت زيوريخ منبهرة بمحمد علي، والعرق لعب دورا في هذه المسألة بحسب ما يتذكر باخمان الذي كان يعمل حينها لمجلة "رينغيير". في تلك اللحظة، اضطر الترام الى التوقف بسبب تهافت الجمهور الذي حاول الحصول على توقيع محمد علي لدى دخوله المحل.
لم يتكبد باخمان عناء الذهاب الى المطار لاستقبال محمد علي ادراكا منه بانه سيكون من الصعب عليه التقاط صور حصرية للملاكم الاسطورة بسبب وجود وكالات الانباء السويسرية. وفي اليوم التالي الواقع في 17 كانون الاول/ديسمبر، ذهب باخمان الى فندق اتلانتيس على امل ان يتمكن من التقاط صور لمحمد علي وهو يتناول الفطور.
دخل محمد علي الى الردهة وهو يرتدي ثياب التمارين، فلمح باخمان يلتقط الصور فتقدم منه وسأله اذا كان بامكانه ارشاده الى مكان يجري فيه تمارين الركض، فقلت له: "ليس هناك اي مشكلة. اتبعني. سأريك مكانا جميلا بامكانك الركض هناك". وتوجه الرجلان الى جبل اويتليبرغ المطل على زيوريخ. والصور التي التقطها باخمان لمحمد علي على ذلك الجبل موجودة في كتابه "محمد علي، زيوريخ" وهي تظهر الملاكم الشاب حينها وعلى محياه ابتسامة عريضة في طريقه نزولا من الجبل ومحاطا بالاشجار العارية مع ثلج خفيف على المنحدرات.
وفي احدى الصور التي التقطها باخمان، كان محمد علي يمر بجانب رجلين مسنين من البشرة البيضاء يركضان صعودا. واشار باخمان الى انه، ورغم انه لم يشهد اي حادثة عنصرية خلال زيارة محمد علي، فان رؤية رجل من جذور افريقية بوزن 100 كلم وطول 91ر1 م يركض في جبال اويتليبرغ كان لافتا للانظار خلال تلك الحقبة. وكانت هناك "صدمة عند الناس الذين تساءلوا... (من هو) هذا الرجل الاسود"، بحسب ما قال باخمان، مضيفا: "لقد نظروا اليه ثم قالوا عجبا، انه محمد علي".
وخلال تمارين الركض سأل محمد علي مرافقه المصور: "هل هذا هو اعلى جبل في سويسرا؟" فاجأبه باخمان بان مون بلان في الجنوب هو في الواقع اعلى قمة في جبال الالب السويسرية. ثم قال الملاكم الاميركي: "انا الاعظم وارغب بتسلق اعلى جبل في العالم". ولم يكن باخمان متأكدا اذا كان محمد علي يمزح او جديا بخصوص هذه المسألة، فاقترح على الاسطورة بان يحضر له من اجل تسلق قمة ايفرست.
ثقب في حذاء محمد علي بالترافق مع المسار المبتل لجبل اويتليبرغ، وجد الملاكم الاسطورة نفسه بحاجة ماسة الى زوج جديد من الاحذية واراد معرفة اين بامكانه ايجاد نفس النوعية التي يرتديها المقيمون في اويتليبرغ. وتحدث باخمان عن هذا الموضوع، قائلا: "قلت للبطل: حسنا، اذا اردت بامكاني ان اريك لاحقا اين يمكنك شراؤها". عاد الرجلان الى الفندق ووجدا بان سائق محمد علي غير موجود هناك، ثم ركب الملاكم الاميركي ومدربه الشهير انجيلو داندي مع باخمان في سيارته الصغيرة وتوجهوا الى محل شويباخلر في شارع لانغشتراس. "كان متجرا عائليا قديما ولم يعرفوا في بادىء الامر من هو" محمد علي بحسب باخمان الذي اضاف: "كان محظوظا لانه كان يوجد هناك زوج واحد بمقاس 47". بحسب فرانس برس.
وبعدها بتسعة ايام، نجح محمد علي في اسقاط بلين في الجولة التاسعة من مواجهتهما في "هالينشتاديون" في زيوريخ، محققا انتصاره الثالث على التوالي منذ عودته الى الحلبة بعد انتهاء ايقافه بسبب رفضه الخدمة العسكرية والمشاركة في حرب فيتنام، وذلك في طريقه الى استعادة لقبه العالمي للوزن الثقيل.
اضف تعليق