q

مع التطور الذي شهده الوطن العربي في مجال التكنولجيا والإعلام، نلاحظ الدخول المفزع للإنترنت والمحطات الفضائية الى البيوت العراقية قد سبب تشتت كبير في التماسك الأسري وتشويه الأصول الأخلاقية للفرد، ومن المعلوم بأن الآلة الاعلامية تحولت الى سلاح ذو حدين، تبدأ بثها بشكل أساسي لغرض التنمية والترفيه، ثم تنتقل الى التضليل الذي آلت اليه بعض القنوات والمواقع الإلكترونية لإغراض إباحية وافكار شيطانية، ومع انتشار المحطات الفضائية المختلفة اصبح من الصعوبة التحكم في ما تعرضه هذه القنوات من برامج.

وبما ان الطفل يعتبر شريحة إستثنائية، غير قادر على الإختيار الصحيح للبرامج والقنوات، هنا تقع المسؤولية الكبرى على عاتق الأهل، لإختيار العروض المناسبة بحسب الفئة العمرية، ونوعية البرامج المعروضة.

وتعد السنوات الأولى من حياة الطفل، هي السنوات الحاسمة التي يحقق خلالها الطفل تعلماً جسدياً، ذهنياً وانفعالياً للحياة، وفي افضل الحالات يكون الأطفال فضوليين وإبداعيين ومتلهفين إلى التعلم، وفي اسوأها يكونون معاندين ومتشبثين بأهلهم بشكل مزعج. شخصيتهم المتقلبة من جهة، وجهلهم لمنطق الكبار من جهة اخرى، يجعلان منهم تلامذة يصعب التعامل معهم لمن يحاول تلقينهم مفاهيم حسن السلوك.

كما ان هناك برامج تلفزيونية ومواقع اجتماعية تلعب دوراً كبيراً في تثقيف الأطفال وترفيههم وتوعيتهم، ولكن في المقابل هناك برامج أخرى تلعب دوراً سلبياً على تكوين شخصية الطفل، أي هي عكس البرامج الأولى خاصةً تلك البرامج المدبلجة أو المستوردة من المجتمعات غير العربية والإسلامية.

وتشير الدراسات التي أعدتها "الدائرة الاتحادية الألمانية للوعي الصحي" إلى أن تأثير التلفزيون على الأطفال في سن6 سنوات إلى 9 سنوات، لا يكون زائدًا عن الحد، بشرط أن تكون الأوضاع الأسرية مستقرة، وأن تكون شخصية الطفل متوازنة. وعندما يبلغ عمر الطفل 10 أعوام إلى 13 عامًا، فإنه يتمكن من التفريق تمامًا بين ما هو واقعي وبين ما هو غير واقعي، ولكن ذلك لا يعني تعريضهم لرؤية مشاهد قتل وتعذيب في أفلام الرعب، وتوقع عدم تأثرهم بها لمعرفتهم أنها خيالية.

ويستغرق الأطفال وقتا طويلاً في مشاهدة برامج التلفزيون او الجلوس على الانترنت، دون اختيار أو انتقاء ما يناسبهم من قبل الأولياء، مما يجعلهم ينسون أنفسهم وأعمالهم المدرسية أو اللعب الذي يحرك جسدهم، وقد يؤدي هذا إلى مشكلات عديدة، كتقمص ثقافات خاطئة، وسلوكيات لا تناسب الأسرة ولا المجتمع، كما أن صحتهم قد تتأثر بالإضافة إلى العمل المدرسي بمختلف أشكاله.

ويعتبر التلفزيون والإنترنت المجتمع التثقيفي الذي يستمد منه الطفل التعليم والتربية، إضافة الى إثراء فكر الطفل وحسه ورصيده اللغوي، والمساعدة في مواجهة المشكلات اليومية، وتنمية القدرات الإبداعية، وتنمية المواهب والتشجيع على إظهار الميول والاتجاهات والنظرة الإيجابية للحياة.

ولكن هذا يحصل اذا تعرض الطفل الى توجيه اعلامي صحيح، اما اذا حصل العكس وشاهد الطفل برامج غير اخلاقية وغير هادفة من الممكن ان يتعرض الى تشويش فكري يترك بصمة غير ايجابية على تكوين شخصية ونضجه العقلي في المستقبل.

ولنظرة واقعية اكثر في ما يشاهده الأطفال من برامج ومواقع إجتماعية ومدى تأثير القنوات والبرامج المعروضة على شخصية الطفل، إستطلعت (شبكة النبأ المعلوماتية) من اولياء الأمور، فكان السؤال كالآتي:

كم هي المدة التي يقضيها الطفل في مشاهدة البرامج والقنوات التلفزيونية، وما هو التأثير الذي من الممكن ان تخلفه البرامج على شخصية الطفل؟

فكان جواب نور علي (أُم لطفل واحد): "يقضي طفلي معظم الوقت في مشاهدة الفيديوهات المعروضة على اليوتيوب من الأفلام الكارتونية، والبرامج الترفيهية، ولا يترك جهاز "الآيباد" من يديه، الاّ في حالة النوم، او في حال تناول الطعام، وفي الحقيقة انا لا اجد عنصراً آخر استطيع تعويضه اياه كي اتمكن من منعه في قضاء وقته بمشاهدة الكارتون، فهو الطفل الوحيد في البيت وانا غالباً ما اكون مشغولة في الأعمال المنزلية ولا املك متسعاً من الوقت كي العب معه".

اما ساهرة جساب (ام لأربعة اطفال) أجابت قائلة: "قبل خمس سنوات تقريباً كان شغف أطفالي في مشاهدة برامج التسلية، والكارتون، ولكن بعد الغزو الذي تعرضنا اليه من قبل الأفلام والمسلسلات الهندية وحتى التركية منها، توجهوا اطفالي اليها بصورة مخيفة، فباتت إبنتي البالغة من العمر 12 سنة، تجالس التلفاز ليلاً ونهاراً في مشاهدة الأفلام، وقد تراجع مستواها الدراسي على اثر ذلك، وحتى اخلاقياً قد تغيرت، وتركت هذه الأفلام إنطباعاً سلبياً لديها، فباتت تراددني بالكلام، وتسيء اللفظ مع من هم اكبر سناً منها، وقد لاحظت مؤخراً بأنها تقلد الشخصيات الموجودة في المسلسلات والأفلام الهندية والتركية، من ناحية الكلام وحتى الأزياء، فالأمر قد تجاوز الحب والشغف في مشاهدة الأفلام والمسلسلات ليصل الى مرحلة الإدمان".

وأجابت رسل صالح، (أُم لولدين): "ما يشاهده اطفالي يختصر على البرامج الترفيهية، وأفلام الكارتون، وخصصتُ لهم ساعتين في اليوم لمشاهدة التلفاز والجلوس على الإنترنت، وبين فينة وأخرى اتابع ما يشاهدونه من الأفلام الكارتونية، وقد لاحظت على أثر ذلك الكثير من مشاهد عنف ولقطات غير اخلاقية في حلقات الكارتون المعروضة، فعلى الرقابة التلفزيونية متابعة ما تعرضه القنوات من برامج وافلام مسيئة، تحمل بين طياتها رسائل خبيثة تحاول زرعها في اذهان اطفالنا، فيجب عليها اصدار الرقابة على البرامج المستوردة، اذ يمكن العناية بالفقرات الأجنبية واختيارها بدقة لأنها يمكن أن تعمل على تثبيت قيم ومفاهيم خاطئة تضر بصورة مجتمعنا حالياً أو في الغد القريب، إلا ما يمكن تعديله وتكييفه حسب الحاجات المتماشية مع قيم المجتمع. فالبرامج التلفزيونية ليست مسؤولة فقط عن تقديم المعلومات المفيدة للطفل، وإنما عليها مهمة توجيههم إلى أسس التفكير السليم وكيفية البحث عن المعلومات خاصة إذا قدمت بأساليب درامية متنوعة لتظل ماثلة في أذهانهم لفترة طويلة، وليستفيدوا منها في حياتهم".

إن معظم البرامج التلفزيونية والمواقع الإجتماعية على شبكة الإنترنت تثير رغبة ولهفة غير عادية للطفل وتجعله يستجيب لها ويتشابك معها بصورة عفوية، ولذلك إذا لم يكن الطفل مسلحاً عن طريق أبويه وبيئته بقيم ثابتة وراسخة يمكن أن يواجه ما يكرس الـتلـفزيون من برامج غير صالحة بقدر كبير، عند ذلك يصبح سهلاً أن نـفـهم كـيف يقع الطفل في مصيدة التلفزيون والإنترنت.

ويذكر (دكتور جيري وايكوف في كتابه التربية الذكية): " من المهم جداً ان تشاركوا الأطفال في مشاهدة التلفزيون، فقد أكدت الدراسات أن الأطفال يتذكرون ما يجري في الأفلام ويميلون أكثر إلى تقليد الشخصيات والمواقف عندما يشاهدونها معهم أشخاص ناضجون، فمشاهدة التلفزيون مع الكبار تزيد من التأثير الإيجابي أو السلبي لمحتوى الفلم. من الضروري إذاً أن تختاروا لطفلكم برامج غير عنيفة وان تناقشوا محتواها معه، ولا تدعوا أولادكم يشاهدون التلفزيون معكم اذا كانت الأفلام التي تشاهدونها عنيفة."

إن الخطورة التي يحملها التلفزيون والإنترنت على التطور المعرفي للأطفال هو أهم وأكبر وأوضح الآثار التي تخلفها هذه الوسيلة الإعلامية على عقولهم، فإن التلفزيون يحمل معه بعض الآثار الجيدة في هذا المجال، وذلك من خلال بعض البرامج التعليمية الهادفة، وتبقى العلاقة المباشرة بين درجة مشاهدة التلفزيون وتأثر النمو الأكاديمي والتفوق المدرسي بهذه الدرجة غير واضحة بشكل كلي بعد، بسبب قلة الدراسات وصعوبة حصر العوامل الثقافية والتعليمية والعمرية والبيئية على التحصيل العلمي والذكاء والأداء المدرسي عند الأطفال، إلا أن هناك بعض الآراء التي تعتقد أنه يمكن لفترة مشاهدة تمتد لأكثر من ساعتين في اليوم أن تؤثر على التفوق المدرسي، والأداء المدرسي عند المتفوقين دراسياً.

إضافة لذلك، هنالك بعض من النقاط السلبية للإنترنت والتلفاز والتي تلعب دوراً مهماً في نشأة الطفل كالإنشغال المفرط بالتلفاز والإنترنت، يضعف التواصل الإجتماعي بين الأسرة والأصدقاء، ومن الممكن ان يخلق روح العزلة والإنطواء في شخصية الطفل.

كما ان القراءة تلعب دوراً مهماً في تحسين الحصيلة اللغوية لدى الطفل، وقد يكون انخفاض درجات الطفل في القراءة بسبب الإكثار من مشاهدة التلفزيون والإنترنت.

ويعتبر التلفزيون والأجهزة الذكية من الأجهزة التي تجعل نظر الطفل محدوداً بمسافة بسيطة، ويوصي بها الخبراء بحيث تكون 6 أمتار على الأقل في التلفزيونات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ويجب تقليل الساعات التي يقضيها الطفل في مجالسة الاجهزة، لأنها تطلق اشعاعات ضارة بالصحة.

كما ان مشاهد العنف في التلفزيون تؤثر على سلوكيات الطفل، وقد يتسبب ذلك في خوف الطفل المفرط وعدم شعوره بالأمان الشخصي أو تجاه المستقبل، وقد تخدّر مشاهد العنف المتكررة إحساس الطفل وعاطفته الطبيعية تجاه ضحايا المعاناة البشرية، وقد يصبح الأطفال أكثر عنفاً في ممارسة اللعب بعد مشاهدة عروض التلفزيون العنيفة.

ومشاهدة البرامج التلفزيونية دون أية عملية اختيار وانتقاء من شأنها أن تضعف قدرة الطفل على التمييز وأن تضعف تذوقه الجمالي وبالتالي فإن التلفزيون والإنترنت يصبح في الواقع قاتلاً للوقت.

وقد تم الارتباط ما بين الوقت الذي يقضى أمام شاشة التلفزيون والأجهزة، وبين عدم التقدم بشكل جيد في المدرسة، وبات واضحاً أنه كلما زاد الوقت الذي يقضيه الطفل أمام شاشة التلفزيونوالأجهزة الألكترونية، كالموبايل والآيباد، كلما زاد خطر تراجعه في التحصيل الدراسي.

فالنقطة الأساسية التي يجب ان يتبعها الأهل، هو تحصين الطفل فكرياً وذهنياً من القنوات والبرامج التي تحاول بث الأفكار السلبية عن طريق الأفلام والمسلسلات التركية، الهندية، الأجنبية...وغيرها، والتي لا تمت بالإسلام أي صلة، واقتناء كل ما هو مفيد وقادر على رفع نسبة العلم والذكاء لدى الطفل، وإن هدف الأهل في ما يتعلق بإطفالهم هي الأهداف المباشرة التي يريدوها لأنفسهم، اي ضبط النفس، وخلق شخصية مميزة بين الأفراد، والحصول على مكانة إجتماعية مرموقة، وللحصول على جميع الصفات المذكورة، يجب ان يأخذ التوجيه حذواً مستقيماً وخالي من اي شوائب تترك على شخصية الطفل إنطباع سيء.

اضف تعليق