q

ان الفكرة الرئيسية في الخصخصة هي تخلي الدولة عن نشاطها لصالح القطاع الخاص (محلي، اقليمي، دولي)، الامر الذي يخلق قوة اقتصادية وشبكة علاقات محلية واقليمية ودولية، تختلط بها المصالح، ما يؤدي الى ان تشكل هذه المصالح الحدود لسياسة الدولة اكثر منها القيم الاخلاقية والاجتماعية، واذا كانت عسكرة المجتمعات وإحداث انقلابات عسكرية فيها سمة رئيسية للقرن الماضي، فأن السمة لهذا القرن الجديد ستكون تشكيل المجتمع، وخلق قوة ونخب تتخذ القرار السياسي بشكل مباشر او غير مباشر.

وقد تأثرت بيئة العلاقات الاقتصادية الدولية خلال العقود الأخيرة بالتطورات الرئيسية (تكنولوجيا المعلومات، انتهاء الحرب الباردة، إزالة الحواجز الجغرافية والايدولوجية الى حد ما)، وبرزت هذه التطورات في ما سُمي (إجماع واشنطن) الذي وضع برنامج اصلاح شامل للدول النامية باقتصادات محكومة بالليبرالية الجديدة، حيث يطالب هذا البرنامج بـ تحرير التجارة، الخصخصة ، تقليص دور الدولة، اضافة الى اصلاحات مالية ومؤسساتية، وجرى ايضاً تطوير في هيكلية المؤسسات الدولية من خلال منظمة التجارة العالمية، حيث عملت هذه المنظمة على ادماج الاقتصادات الاقليمية بعضها ببعض، وإنشأت لجنة متخصصة لدراسة اتفاقيات الاندماج، وسيطرت الاندماجيات الاقتصادية على نمو 60% من التجارة الدولية.

تُعتبر الخصخصة النتيجة العملية لتفكير الليبرالية الجديدة سواء كانت على الصعيد المحلي او الاقليمي او الدولي، ولاشك في أن لها تاثيرات اجتماعية وسياسية مهمة، حتى انها تؤدي دوراً مباشراً في تكوين النخب الاقتصادية والثقافية والسياسية، الأمر الذي يؤدي بالنتيجة الى التحكم بالبنى السياسية لأي دولة، لذلك يؤدي الفعل ورد الفعل على الفكر الليبرالي الجديد الى تغيرات بنيوية سياسية بالدرجة الأولى، وأبرزها مثال على ذلك ما حدث في أميركا اللاتينية (البرازيل وبوليفيا وغيرهما)، حيث تشكلت قوى اجتماعية وحركات مناهضة بعيدة من الشكل الحزبي التقليدي، مع بروز حركات اجتماعية تدافع عن قضايا اقتصادية او اجتماعية (الفقر، العدالة)، لا عن قضايا ايدولوجية.

وعلى الرغم من المعوقات القانونية والسياسية والاجتماعية الفساد مثلا وغيرها، الا ان نمو القطاع الخاص ودخول الاستثمارات الاجنبية في دول العالم الثالث في تزايد مستمر، ويبين الجدول الأتي حجم نمو تحويلات القطاع الخاص في بعض مناطق العالم الثالث :

حجم التحويلات للقطاع الخاص (مليون دولار)

المنطقة

1998

2001

2003

شرق آسيا

091,1

298,1

699,7

اميركا اللاتينية

-

091,3

410

الشرق الاوسط وشمال افريقيا

123,1

698,3

484,6

المصدر : قاعدة معلومات البنك الدولي

ويشير تقرير البنك الدولي، الى ان دول العالم الثالث قامت بأكثر من تسعة الاف تحويل بشكل مدخرات الى القطاع الخاص لتصل الى 410 مليارات دولار، وكان الحظ الأوفر في ذلك التمويل لقطاع البنية التحتية.

وأشار التقرير الى ان معظم دول اميركا اللاتينية أنهت عملية التحول الى القطاع الخاص مثل الارجنتين والمكسيك على وجه الخصوص، وكان التحول الى القطاع الخاص الابرز في مجال المياه والكهرباء، وكان هناك تحول في العالم الثالث بمبلغ يقدر بحوالي 2,4 مليار دولار في عام 1998، ليصل الى 876,11 مليار دولار عام 2003، وهذا يبين ان عملية الخصخصة أتت تقريباً على نشاطات البنية التحتية كافة، التي يمكن خصخصتها.

اما في العالم العربي فاحتل الاردن والمغرب ومصر المرتبة الأولى في حجم التحول الى القطاع الخاص، اذ ارتفعت المبالغ في الاردن من 5 مليون دولار في عام 1998 الى 173 مليون دولار في عام 2003، وفي المغرب للفترة نفسها من 92 مليون دولار الى 55,1 مليار دولار، وفي مصر من 539 مليون في عام 1998 الى 3 مليارات في عام 2003، وان استكمال الاجراءات والاصلاح في المجال القانوني يعطي دفعة كبيرة لخصخصة القطاع العام في هذه الدول في محاولة للاستفادة من المناخ العالمي، واستجابة لشروط الدول والمؤسسات التمويلية.

الا ان الدول العربية لايزال القطاع الخاص غير فاعل بشكل كبير، اذ يحتاج الى تفعيل دوره وخلق آلية المراقبة الشعبية لدور القطاع الخاص، فمثلاً في اميركا اللاتينية هناك منظمات لمراقبة نشاط الشركات متعددة الجنسيات وعملية الخصخصة، وحماية البيئة من نشاط الشركات الدولية وغيرها، فضلا عن تحديث البنية الاجتماعية والارتقاء بنظام التعليم وتطوير قواعد المعرفة لمواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية.

اضف تعليق