q

يرى الاقتصادي الكبير ملتون فريدمان انه اذا مااريد للاقتصاد ان يستقر وينمو فأن الحل يكمن في ادارة السياسة النقدية بشكل كفوء والتركيز عليها لتجنب المشاكل المختلفة كالتضخم وغيرها، وان اي خلل في الاقتصاد يرجع الى ضعف السياسة النقدية وفشلها في البلد، وللاقتصاد الاسلامي وجهة نظر مغايرة في ادارة السياسة النقدية، اذ يعرف النظام النقدي الاسلامي بأنه النظام الخالي من الفائدة المصرفية، وتسانده في ذلك مبادئ الشريعة الاسلامية كتقاسم المخاطرة، وحقوق الأفراد وواجباتهم، حقوق الملكية وحرمة العقود، ويغطي تكوين رأس المال وأسواق رأس المال، وكل أنواع الوساطة المالية.

وبالتالي فالنظام النقدي الاسلامي يعبر عن مجموعة القوانين والإجراءات المنظمة والمنضبطة بالقواعد الاسلامية أو المستمدة من النصوص الشرعية التي تصدر عن المؤسسات الحكومية الاسلامية والأسواق المالية الاسلامية لتتحكم بإصدار وضبط النقود المتداولة.

يخضع نظام إصدار النقود في النظام الاسلامي لنظام الاصدار الحر الذي يتبع تغير حجم الطلب على النقود ويتناسب وحجم نمو الانتاج الحقيقي، مع مراعاة تثبيت القيمة الفعلية للنقود لتحقيق سلامة الاقتصاد الاسلامي ونمو الثابت والمستديم وتأمين العدالة الاقتصادية والاجتماعية.

ويتمتع المصرف المركزي الاسلامي باستقلالية في اتخاذ القرارات المناسبة التي تحقق أهداف السياسة النقدية، وبالأخص المحافظة على استقرار الأسعار، ولذلك يكون له مصدر دخل مستقل لتمويل نفقاته العادية، حيث يمكنه ضمان ذلك من خلال:

- رسوم الخدمة التي يفرضها على الحكومة والمصارف التجارية مقابل الخدمات التي يؤديها؛

- استثمار جزء من الاحتياطات القانونية التي تحتفظ بها المصارف التجارية لديه بالإضافة إلى تحقيق الأرباح التي يحققها من المشاركات والمضاربات التي يكون طرفا فيها، سواء بمبادرة منه أو بطلب من المصارف التجارية التي تحتاج إلى السيولة.

السياسة النقدية من منظور اسلامي

تشير كتابات العلماء المسلمين المتقدمين منهم والمتأخرين، بأن مفهوم السياسة النقدية وأهدافها وفق أحكام الشريعة الاسلامية لا تختلف كثيرا عن المفهوم التقليدي، حيث تقر تلك الكتابات أهمية النقود مع التركيز على دورها الأساسي في النشاط الاقتصادي الحقيقي وحياة المجتمعات.

وبالتالي لم يختلف الكُتاب في تعريف السياسة النقدية في الإسلام، حيث يعرفها: "بأنها مجموعة من الاجراءات أو القرارات التي يتخذها البنك المركزي الاسلامي لتنظيم وضبط الاصدار النقدي بما يتناسب مع الهيكل الاستثماري والانتاجي والاستهلاكي للاقتصاد الوطني".

كما تعرف السياسة النقدية في الاسلام بأنها مجموعة القواعد والقرارات والإجراءات والتدابير التي تتخذها السلطات الاقتصادية والنقدية بغرض التأثير والتحكم في حجم الكتلة النقدية، وبهدف تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع بما يتفق مع الأحكام والمبادئ الواردة في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإجماع علماء المسلمين، والملاحظ من التعريف الثاني إن صياغة السياسة النقدية في النظام الاقتصادي الإسلامي تقوم على مرتكزات أساسية يمكن إجمالها في الآتي:

- ان الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للسياسة النقدية في الإسلام تصاغ وتحدد وفقًا للقيم الروحية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية القائمة على أساس التعاليم والأحكام الواردة في الشريعة الإسلامية.

- إن عملية صياغة السياسة النقدية في الإسلام قائمة على تبني هيكل مالي ونقدي ومصرفي خال من أسعار الفائدة، بمعنى أنها قائمة على تحريم الربا الذي يقتضي حظر دفع وقبض سعر فائدة ثابت ومحدد سلفًا.

- إن السياسة النقدية في الإسلام تسعى إلى ضمان تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنقدي عن طريق التأثير، والتحكم في حجم الكتلة النقدية، وليس عن طريق التأثير على مستوى معدلات الفائدة المحرمة وفقًا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.

وعليه فإن عملية صياغة وإدارة السياسة النقدية في الإسلام تحكمها الخصائص والسمات الأساسية والأسس التي يقوم عليها النظام المالي والنقدي والمصرفي في الإسلام.

كما أن أهداف السياسة النقدية في الإسلام لا تختلف كثيرًا عن الأهداف المنشودة في أي سياسات اقتصادية أو نقدية في أي نظام آخر والمتمثلة في:

- ضمان استقرار الاقتصاد الكلي المتمثل في استقرار المستوى العام للأسعار مع ميزان مدفوعات خال من الاختلال المزمن.

- ضمان الاستقرار المالي والنقدي والحفاظ على استقرار قيمة النقود الوطنية وحماية قيمتها.

- تحقيق النمو والرفاهية الاقتصادية والتوظيف الكامل لضمان الإنتاج.

- ضمان تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية والتوزيع العادل للدخل والثروة.

- ضمان توفير الأموال والموارد الاقتصادية اللازمة لعملية النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع .

تقييم فاعلية السياسة النقدية في النظام الاسلامي

يرى الاقتصاديون الاسلاميون أن السياسة النقدية الاسلامية وفي حال تطبيقها بشكل سليم فأنها قادرة على تحقيق أهدافها وذلك من خلال:

- سلطات ولي الأمر الكفيلة بتحقيق مصالح البلد، وفي مجال السياسة النقدية فأن اعتبار الاصدار النقدي حقاً سيادياً للدولة ومنع اي جهة اخرى من هذا الحق، يعطي القدرة الكاملة للسلطة للسلطة بالتحكم في المعرض النقدي.

- الاثار الاقتصادية والاجتماعية للزكاة، من خلال تدخلها لاعادة توزيع الدخول والثروات لصالح الطبقات الفقيرة، كشرط ضروري غير موجود في باقي الاقتصادات الوضعية، مما يزيد حجم الاستهلاك والاستثمار .

- تحريم الربا الذي يعد من اهم اسباب التقلبات الاقتصادية، وحتى لاتتم المضاربة بالاموال وتتحول الى تجارة وهو مايحصل اليوم في ظل الراسمالية المالية، حتى ان البعض ارجع سبب الأزمة المالية العالمية في عام 2008 كثرة المضاربة بالاموال مما اشعل ازمة الرهن العقاري حينذاك.

- اعتماد نظام المشاركة في الارباح، بدل الفائدة كونه اكثر عدالة في توزيع الارباح والمخاطر والخسائر بين اصحاب العلاقة المقرضين والمقترضين، وبالتالي ضمان تحقيق الاستقرار المالي في الاقتصاد.

اضف تعليق