q

تمر جميع دول الخليج بوعكة إقتصادية اثر انخفاض اسعار النفط وهو ماانعكس على ايراداتها وموازناتها وكذلك على نموها الاقتصادي، ورغم التحسن الذي شهدته اسعار النفط بعد قرار أوبك الخاص بتخفيض الانتاج، الا ان القلق مازال يساور جميع دول الخليج فالتقشف الواضح على موازناتها الحالية قد يستمر لفترة طويلة.

من أجل ضمان استمرار السيولة لتمويل نفقاتها لاسيما وان اكثرها في الوقت الحالي منخرط في حروب داخلية وخارجية، كما ان صعود النفط والاقتراض الخارجي يكبحان زيادة الفائدة في الخليج بعد رفعها في أمريكا، حيث ارتفعت أسعار الفائدة في أسواق المال في منطقة الخليج بشكل طفيف بعدما رفع الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة وهو ما يشير إلى أن مخاوف المنطقة من شح التمويل المصرفي انحسرت جزئيا بفضل ارتفاع أسعار النفط والاقتراض من الأسواق الدولية.

وهرعت البنوك المركزية الخليجية لرفع أسعار الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية في الساعات التي أعقبت قيام المركزي الأمريكي برفع سعر فائدة الأموال الاتحادية القياسي 25 نقطة أساس إلى نطاق بين 0.50 و0.75 بالمئة ملمحا إلى ثلاث زيادات أخرى في الفائدة في 2017 وهو أكثر مما كان متوقعا.

ونظرا لربط عملاتها بالدولار فإن دول الخليج يجب أن تظل متماشية مع السياسة النقدية الامريكية وإلا ستواجه مخاطر هروب رؤوس الأموال، لكن أسعار الفائدة بين بنوك المنطقة لآجال تصل إلى عام ارتفعت بين نقطتين وأربع نقاط أساس فقط مع صعود سعر الفائدة المعروض لثلاثة أشهر بين البنوك السعودية إلى 2.049 في المئة من 2.025 في المئة.

وشهدت قطر زيادة مماثلة، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة هبط سعر الفائدة لثلاثة أشهر إلى 1.334 في المئة من 1.403 في المئة وهو ما يشير إلى أن بعض البنوك ضخت أموالا حيث كان هناك طلب في السوق بأعلى مما توقعوا.

وأرجع مصرفيون الهدوء في أسواق المال الخليجية لأسباب من بينها علامات على أن المنطقة ربما تجاوزت الأسوأ فيما يتعلق بشح التمويل الناجم عن هبوط أسعار النفط، وفي أواخر 2015 ومعظم 2016 ارتفعت أسعار الفائدة في أسواق المال بشكل كبير مسجلة أعلى مستوياتها في سنوات وهو ما أثار انزعاج البنوك وهدد بزيادة تكلفة اقتراض الشركات مع تقلص الإيرادات الحكومية من النفط وتضاؤل حجم الإيداعات في البنوك من إيرادات النفط.

تفاؤل حذر لدول الخليج

لا تزال البنوك تعاني من ضغوط لكن الموقف تحسن في اخر شهرين في عدة مسارات، فخام القياس العالمي مزيج برنت يبلغ نحو 55 دولارا للبرميل مقارنة مع متوسطه هذا العام عند حوالي 45 دولارا، كما فتحت الحكومة السعودية قناة جديدة لتمويل عجز ميزانيتها من خلال إصدار ضخم لسندات دولية بقيمة 17.5 مليار دولار في أكتوبر تشرين الأول، ويتوقع كثير من المصرفيين إصدارا جديدا لسندات دولية في الربع الأول من 2017 وهو ما يقلص الحاجة إلى مساهمة البنوك السعودية في تمويل العجز.

وتقبل بنوك في أنحاء أخرى من منطقة الخليج على تحويل أموال إلى السعودية نظرا لارتفاع الفائدة هناك ولذا فإن تحسن السيولة في الرياض ربما يخفف الضغوط في مراكز إقليمية أخرى.

وذكرت مونيكا مالك كبيرة الخبراء الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري إن أسعار الفائدة في سوق المال الخليجية ربما تواصل الصعود في 2017 نظرا للزيادات في الفائدة الأمريكية وارتفاع محتمل في الطلب على القروض لتمويل مشروعات بنية تحتية كبيرة في دبي وقطر، لكنها أضافت "ربما تنحسر الضغوط الصعودية على أسعار الفائدة في السوق إلى حد ما في منطقة الخليج العام القادم. ومن المؤكد أن تحسن السيولة في السعودية يؤثر على المنطقة بأكملها.

عجز موازنات دول الخليج سيبلغ ذروته في 2016

توقع تقرير اقتصادي ان يبلغ عجز الموازنة لدول مجلس التعاون الخليجي ذروته في سنة 2016، نظرا لانخفاض الايرادات العامة بفعل تراجع اسعار النفط والطاقة عالميا، ورجحت "كامكو" للاستثمار في تقريرها ان يتجاوز عجز "موازنات دول مجلس التعاون الخليجي اكثر من 153 مليار دولار اميركي في العام 2016، مرتفعا من مستويات العام 2015 البالغة 119 مليار دولار".

وتوقعت الشركة ان تستحوذ السعودية على ما نسبته 55 بالمئة (84 مليار دولار) من العجز في دول مجلس التعاون، الذي يضم اضافة اليها، الامارات والكويت وسلطنة عمان والبحرين والكويت، وسجلت المملكة، اكبر مصدر للنفط في العالم، عجزا قياسيا في ميزانيتها العام الماضي بلغ 98 مليار دولار.

واعتبرت "كامكو" ان عجز موازنات دول الخليج "سيصل الى ذروته في العام 2016، ثم سيتناقص تدريجيا، مع استمرار فجوات الموازنات على المدى المتوسط"، ليسجل اكثر من 100 مليار دولار حتى 2021، وعزت الشركة هذه النتائج "بصفة أساسية إلى تراجع العائدات النفطية" التي تشكل المدخول الاساسي لمعظم الدول الخليجية، ويبلغ انتاج دول مجلس التعاون من النفط الخام 18 مليون برميل يوميا.

واوضحت "كامكو" ان ايرادات دول مجلس التعاون، ومعظمها من النفط، تراجعت من 735 مليار دولار في 2013، الى 443 مليارا فقط في 2015، وهو ادنى مستوى لها خلال خمسة اعوام، وتوقع التقرير تراجعا اضافيا في الايرادات هذه السنة الى 365 مليارا.

وسجلت اسعار النفط عالميا تراجعا حادا منذ منتصف العام 2014، حينما كان سعر البرميل يتجاوز المئة دولار. وفي مطلع هذه السنة، تدنى سعر البرميل الى ما دون 30 دولارا، الا انه استعاد مؤخرا بعضا من عافيته، وبات يتداول عند مستويات ما بين 40 و50 دولارا، ويعزو الخبراء هذا الانخفاض بشكل اساسي الى فائص في كميات النفط المعروضة في الاسواق، وتباطؤ نمو الطلب عالميا في ظل الاوضاع الاقتصادية الراهنة.

ودفع انخفاض العائدات النفطية دول الخليج الى اتخاذ اجراءات للحد من تأثير تراجع الايرادات، شملت خفض كلفة الدعم على مواد اساسية كالمحروقات والمياه والكهرباء. كما قلصت هذه الدول الانفاق الحكومي من 615 مليار دولار في 2014 الى 563 مليارا العام الماضي، مع توقع خفض اضافي الى 519 مليارا هذه السنة، بحسب "كامكو"، من جهته رحب صندوق النقد الدولي باجراءات التقشف الخليجية، وحض على المزيد منها، لاسيما فرض ضرائب، لمواجهة عجز المالية العامة.

انخفاض النمو غير النفطي لدول الخليج إلى 1.75% في 2016

توقع صندوق النقد الدولي انخفاض متوسط النمو غير النفطي لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي إلى 1.75 في المئة في 2016 مع تشديد السياسة المالية العامة وتناقص السيولة في القطاع المالي وذلك مقارنة مع نمو بنسبة 3.75 في المئة العام الماضي.

وصرح الصندوق في تقرير صادر حول آفاق النمو في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا إنه من المتوقع أن يتحسن النمو غير النفطي في مجلس التعاون الخليجي إلى ثلاثة بالمئة في العام القادم مع انخفاض وتيرة التقشف المالي، وتعتمد دول التعاون الخليجي بشكل رئيسي على إيرادات النفط لتمويل برامج ضخمة للإنفاق الحكومي والحفاظ على عدد ضخم من الموظفين الحكوميين وكذلك في دعم أسعار الطاقة والمياه وغيرها من الخدمات لمواطنيها.

لكن انخفاض أسعار النفط منذ منتصف 2014 بواقع النصف تقريبا ضغط على موازنات الدول الخليجية ليجبرها على تبني إجراءات تقشفية لم يسبق لها مثيل من بينها خفض المزايا والمكافآت لموظفي الحكومة وتقليص دعم الطاقة وفرض ضرائب جديدة للتأقلم مع أسعار النفط المتراجعة.

وأضاف الصندوق في التقرير "على المدى المتوسط يتوقع أن يؤدى تراجع العبء الضريبي والتحسن الجزئي في أسعار النفط إلى ارتفاع النمو غير النفطي في مجلس التعاون إلى 5.3 في المئة وهو أقل بكثير من متوسط الفترة ما بين عام 2000 و2014 والذي بلغ سبعة بالمئة."

ويضم مجلس التعاون الخليجي السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان وقطر والكويت. وتسعي دول الخليج منذ فترة طويلة لتنويع اقتصاداتها بعيدا عن إيرادات النفط والغاز التي اعتمدت عليها لسنوات.

ولا يصدر الصندوق عادة توقعات خاصة بدول مجلس التعاون الخليجي منفردة بل يصنفها ضمن الدول المصدرة للبترول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ووسط آسيا، وأضاف الصندوق أن هبوط أسعار النفط والصراعات المستمرة يشكلان عبئا على آفاق الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان مشيرا إلى أن أجواء عدم اليقين الناجمة عن الصراعات في العراق وليبيا وسوريا واليمن تتسبب في ضعف الثقة بينما يؤثر انخفاض أسعار النفط على الصادرات والنشاط الاقتصادي في البلدان المصدرة للنفط.

وتوقع الصندوق أن تحقق المنطقة إجمالا نموا متواضعا بمعدل 3.5 في المئة في 2016 مع تحسن طفيف متوقع في 2017، وذكر الصندوق أن هذه التوقعات تتسم بقدر كبير من عدم اليقين بسبب تقلب أسعار النفط وخطر الصراعات الإقليمية.

واتفقت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) على خفض إنتاج النفط في اجتماع عقد في الجزائر الشهر الماضي لكن الشكوك تساور المراقبين بشأن مدى إمكانية تنفيذ الاتفاق بسبب خلافات متوقعة بين منتجي النفط في المنظمة بشأن حصص خفض الإنتاج وإمكانية مشاركة منتجين مستقلين مثل روسيا في الخفض.

هبوط احتياطيات البحرين للنصف منذ 2014 مع تراجع النفط

أظهرت نشرة إصدار سندات سيادية بحرينية هذا الأسبوع أن الاحتياطيات الأجنبية للبحرين انخفضت بما يزيد على النصف منذ نهاية 2014 مع تراجع قيمة صادرات البلاد بفعل هبوط أسعار النفط.

ولم يصدر مصرف البحرين المركزي نشرته الشهرية للإحصاءات النقدية منذ يونيو حزيران 2015. والبحرين من دول الخليج الأشد تضررا من انخفاض أسعار الخام. ولم يستجب البنك المركزي لطلبات للتعليق على سبب توقف النشرات.

وبهذا أصبحت نشرات إصدارات السندات مصدرا أساسيا للبيانات في البحرين. وزادت الحكومة من إصدارات السندات لتمويل عجز الميزانية الناجم عن تراجع أسعار النفط وباعت يوم الثلاثاء سندات إسلامية لأجل سبع سنوات بقيمة مليار دولار وسندات أخرى تقليدية لأجل 12 عاما بمليار دولار أيضا.

وأظهرت نشرة السندات الإسلامية أن إجمالي الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي بما فيها الذهب هبطت إلى 2.78 مليار دولار في 30 يونيو حزيران من 3.39 مليار دولار في نهاية العام الماضي و6.06 مليار دولار في 2014.

وفي نهاية 2014 كانت الاحتياطيات تغطي واردات البحرين لنحو 3.7 شهر بحسب النشرة. يعني هذا أن الاحتياطيات الآن تغطي واردات أقل من 90 يوما وهو مستوى يراه كثير من الخبراء الاقتصاديين عند الحد الأدنى لنطاق الأمان.

وتظهر النشرة أن ميزان المعاملات الجارية الذي يتضمن تجارة السلع والخدمات سجل عجزا بلغ 79 مليون دولار العام الماضي مقارنة مع فائض قدره 1.52 مليار دولار في 2014، ورغم هبوط الاحتياطيات اجتذب إصدار السندات هذا الأسبوع أوامر اكتتاب قوية تجاوزت السبعة مليارات دولار بينما واجه الدينار البحريني المربوط بالدولار ضغوطا ضعيفة في سوق العقود الآجلة خلال الأشهر القليلة الماضية.

وتتلقى البحرين دعما ماليا من حليفتها السعودية وتتوقع الأسواق أن تقدم الرياض مزيدا من الدعم إذا اقتضت الضرورة لتفادي أي أزمة، هذا ويشكل حقل أبو سعفة المصدر الرئيسي لنفط البحرين التي تتقاسمه مع السعودية. وبموجب اتفاق بينهما تحوذ البحرين 50 بالمئة من إنتاج الحقل لكن النشرة أشارت إلى أنها تلقت كميات أكبر من ذلك بكثير.

وتستفيد البحرين أيضا من صندوق إقليمي للتنمية أطلقته السعودية وجارتان أخريان غنيتان هما الكويت والإمارات العربية المتحدة. ويهدف الصندوق الذي تأسس في 2011 إلى تقديم منح للبحرين بنحو 7.5 مليار دولار على مدى عشر سنوات، وتقرر تخصيص 6.2 مليار دولار من هذا المبلغ لمشروعات التنمية في البحرين لكن البلاد لم تتسلم بالفعل سوى 500 مليون دولار فقط.

حلم العملة الخليجية الموحدة هل يتحقق؟

صرح الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العماني حمود بن سنجور الزدجالي إن طرح عملة موحدة في دول الخليج العربية بات مسألة وقت لا أكثر، اذ بات إنشاء اتحاد نقدي هدفا رئيسيا للدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي في أوائل الثمانينات، وشكلت أربع دول من أعضاء المجلس وهم قطر والسعودية والكويت والبحرين مجلسا نقديا مشتركا وكذلك كانت سباقة في تكوين بنك مركزي خليجي في مارس آذار 2010.

لكن أزمة اليورو وغياب الإرادة السياسية تسببا في تباطؤ المشروع، وانسحبت عمان من خطة العملة الموحدة في 2009 ولحقت بها الإمارات في 2008، اذ يرى العديد من المصرفيين في المنطقة بشكل غير معلن إن الإعلان عن عملة موحدة يظل أمرا غير مرجح في المستقبل المنظور نظرا للصعوبات الفنية وحقيقة أن دول مجلس التعاون الخليجي تعاني من انخفاض أسعار النفط والذي يتسم بتأثيرات متفاوتة على اقتصاداتهم، وتباطأ اقتصاد السعودية بشدة واضطرت المملكة لاتخاذ إصلاحات مالية صعبة بينما تعاني قطر والكويت واللتان تتمتعان بظروف بمالية افضل نسبيا من ضغوط أقل.

خارطة المستقبل

ان المشاكل التي تمر بها دول الخليج في الوقت الراهن ومارافق ذلك من تباطؤ في النمو وانكماش اقتصادي زامنه عجز حقيقي قد يستمر لسنوات حتى في ظل تحسن اسعار النفط بسبب الاوضاع الراهنة السياسية والأمنية، يجعل هذه الدول امام طريق واحد لابديل له وهو ضرورة تحقيق مزيد من الاستقرار السياسي في المنطقة وزيادة أواصر العلاقات الاقتصادية وتفادي الطرق التي تؤدي الى تعميق الهوة بين هذه الدول والدول الاخرى المجاورة لها.

وهذا يقتضي اعادة التفكير في كل ماسبق من علاقات وخطط كانت ترمي في وقتها لأهداف قد يكون غالبها غير معلن بسبب التنافر ما بين اغلب هذه الدول، وهذا يعني ضرورة ان يكون هناك حكم رشيد ياخذ على عاتقة اهمية الخروج من هذه الأزمة بشكل تعاوني جماعي لافردي وحسب، والا فبدون حصول تقارب وتعاضد ليس فقط لوجهات النظر وانما على مستوى الميدان العملي ايضاً، وذلك عبر مد جسور جديدة من التعاون السياسي والاقتصادي فيما بينها، تهدف الى نبذ العنف والكراهية وتعمل على تقوية الشراكة السياسية والاقتصادية وتنمية مجتمعات هذه الدول وفق آلية المصالح المشتركة.

اضف تعليق