q

اندلعت احداث نيجيريا في الـ 12 كانون الأول/ ديسمبر 2015، بمواجهات بين الجيش وأنصار "الحركة الإسلامية النيجيرية" الشيعية، انتهت بمقتل ما يقرب من 600 شخص من مدينة زاريا في ولاية كادونا، واعتقل زعيم الطائفة الشيخ، (إبراهيم الزكزاكي) الذي أصيب بالحادثة، فيما قتل نائبه (محمد محمود توري)، حسب تقارير إعلامية، اذ اشارت اصابع الاتهام الى ان الحكومة هي التي استهدفت مواكب الشيعة، اذ تقدر المصادر عدد الشيعة في نيجيريا ب(5) مليون شخص.

وذكرت العديد من التقارير ان للتنافس الايراني السعودي في نيجيريا دورا بأحداث مدينة زاريا، ويرجع الحضور الإيراني في القارة الإفريقية عامة إلى بداية الستينات من القرن العشرين، وذلك مع ظهور كيانات الدول الإفريقية المستقلة حديثًا، من خلال العلاقات الدبلوماسية بينها وبين إيران الملكية، في تلك الفترة لم تكن لدى إيران طموحات بعيدة، تتجاوز الحدود الجغرافية لمنطقتها، بل كانت إيران إبَّان الحرب الباردة محسوبة على المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ولكن هذا النفوذ تغير مع قيام الثورة الإسلامية في إيران (1979)، اذ توجهت أنظار الإيرانيين إلى إفريقيا، وقد استطاعت إيران طيلة ثلاثين سنة من العمل الدؤوب والمنظَّم، من خلال المنظمات والهيئات الأهلية، والمراكز الثقافية، والمشاريع الاقتصادية، والعمل الدبلوماسي، والإعلامي، من زيادة الحضور في منطقة غرب إفريقيا عامة وفي نيجيريا خاصة، تتفاوت في قوتها من دولة إلى أخرى.

السعودية هي الاخرى بدأت نفوذها الديني في افريقيا بوقت مبكر جدا، سبقت ايران بعدة سنوات، وقد كان النفوذ السعودي يتركز على المد الديني بشكل اساس، بينما كان اهتمام ايران بأفريقيا في عهد الملكية يعتمد بشكل اساس على المصالح التجارية، لهذا استطاعت السعودية ان تبني لها قاعدة دينية كبيرة في افريقيا، وذلك لأسباب عديدة منها: ان اغلب مسلمي افريقيا هم من اهل السنة، على الطرق الصوفية او المذاهب الاربعة الاخرى، كما ان الامكانيات المادية للسعودية استطاعت ان تكسب العديد من قادة هذه الدول الى جانبها، كذلك قيامها بناء المساجد والمدارس الدينية حسب المذهب الوهابي، ومد شعوب هذه الدول بالوعاظ السعوديين، اضافة الى قيامها بالعديد من المشاريع الخدمية في هذه الدول وخاصة نيجيريا، التي تعد قاعة اسلامية كبيرة في افريقيا، فهي تضم اكبر جالية اسلامية في افريقيا جنوب الصحراء، لهذا نرى ان التطرف بدا اولا في هذه الدول، اذ تعد جماعة بوكو حرام في شمال نيجيريا من نتائج التدخل السعودي ومن ضمن افكار الوهابية المتطرفة المنتشرة الان في العالم، هذه الافكار التي اصبحت اكبر عائق الان امام السعودية في نشر افكارها وتدخلها في غرب افريقيا، وفي دول العالم كافة، بل اصبح الفكر الوهابي منبوذا حتى من قبل المذاهب السنية الاخرى، وما مؤتمر الشيشان الذي عد الوهابية خارج اهل السنة والجماعة الا دليل على ما نقول.

مع بداية التدخل الايراني في نيجيريا، بعد نجاح الثورة الاسلامية فيها، بدا التنافس مع السعودية على النفوذ هناك، ثم بدأت الدولتان بالتسابق لكسب الانصار، وزيادة الدعم المادي والمعنوي لهم، حتى وصل الامر بهم الى استخدام وسائل القوة والحرب بالوكالة لتحقيق اهدافهم هناك، فقامت المجموعات التكفيرية بعدة عمليات ضد اتباع اهل البيت في نيجيريا وركز الارهاب اعماله في الولايات الشمالية والشرقية التي تعد مركز انتشار الشيعة، وقد زادت السعودية من دعمها المادي للمجموعات السلفية التابعة لها ولقاءات المسؤولين السعوديين مع زعماءها ومنهم جماعة (ازالة البدعة واقامة السنة) في نيجيريا، وتأييد السعودية لأعمال هذه المجموعات واعمال الحكومة ضد الشيعة، وتقول مراكز الأبحاث الغربية إنه خلال ربع القرن التي سبقت أحداث 11 من سبتمبر/أيلول 2001 قامت السعودية بإنفاق 112 مليار دولار أميركي كهِبات ومساعدات للدول الفقيرة في آسيا وإفريقيا، في العالمين الإسلامي والعربي خُصِّص منها قرابة 84 مليار دولار أميركي لأنشطة ذات توجه ديني ودعوي للطريقة الوهابية السنِّية، ومع هذا، تقول بيوتات الخبرة والمراكز البحثية العالمية ان نفوذ السعودية في غرب افريقيا عامة ونيجيريا خاصة بدا يتراجع لصالح ايران ولأسباب عديدة منها:

1- ركزت السعودية على البعد الديني في نشر فكر ( محمد بن عبد الوهاب)، وهذا يخالف ما هو سائد بين مسلمي غرب إفريقيا ومنطقة الساحل التي تتبع الطرق الصوفية المنتشرة عندهم هناك والتي تقدر بـ( 78%) والقادمة في معظمها من الدول العربية في شمال إفريقيا (المغرب وموريتانيا والجزائر)، الحواضن الطبيعة للموروث الإسلامي للأفارقة، وغدت الطرق الصوفية مع الوقت مرجعية دينية ودنيوية إلى حدِّ أن بعض الطرق الصوفية في بعض دول غرب ووسط القارة أصبح مؤسسات اجتماعية ودينية ذات حضور وسطوة في الشأن السياسي، وهذا أحد أهم أسباب انحسار المدِّ الوهابي في إفريقيا حيث الصدام المبكر بين الطرق الصوفية والمذهب الوهابي الذي حارب التصوف بضراوة وأغلظ فيه القول، حيث الإفريقي المسلم يرى في المقامات وأضرحة الأولياء جزءًا أصيلًا من موروثه الديني وهو ما يجعل في طرف النقيض مع الرؤية السلفية، ويتذكر الكثيرون أنه في مطلع ثمانينات القرن المنصرم قامت احتجاجات في العديد من دول غرب إفريقيا حول مناهج المعاهد الإسلامية التي أقامتها المملكة العربية السعودية في تلك الدول والتابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود نظرًا لاحتواء تلك المناهج على كلام يمس بالحركات والطرق الصوفية التي هي عماد الإسلام في إفريقيا.

2- ان إيران قد تفوقت على المذهب الوهابي السعودي من خلال تحويل العديد من مسلمي افريقيا من مذاهب اهل السنة الى المذهب الشيعي الاثني عشري، والتي يقدر عددهم بـ( 7 ملايين) مسلم في منطقة الساحل وغرب القارة، وبنجاحها هذا كسبت العديد من اتباع المذهب الصوفي، فإيران اتبعت سياسة مهادنة وعدم معادِات التصوف في القارة، وتعاونت مع الطرق الصوفية ورموزها في تحقيق مراميها والتغلغل بين شرائح المسلمين في غرب القارة، هذا التعاون هو ما جعل الصوفية تغضُّ الطرف عن مساعي إيران للانتشار.

3- اعتماد ايران على خبراء وعلماء دين لهم باع وخبرة طويلة في الشؤون الافريقية، فقد استخدمت إيران ترسانة دعائية ضخمة وصرفت عشرات المليارات من الدولارات ووظَّفت عددا كبيرا من الدعاة والخبراء والمستشارين والتجار زاد على ثلاثين ألف شخص إيراني ومن جنسيات أخرى أغلبهم لبنانيون، لوجود جالية لبنانية كبيرة بدول غرب القارة تتحكم بمفاصل اقتصاديات دول إفريقية كثيرة، واعتمدت الحكومة الإيرانية كذلك على الشيخ محمود عبد الله إبراهيم، زعيم الطائفة الشيعية في دولة جزر القمر، حول آليات نشر المذهب الشيعي الاثني عشري في القارة الإفريقية، في حين كانت السعودية تعتمد على نشر المذهب الوهابي من خلال وعاظ سعوديون بعيدين عن عادات وتقاليد افريقيا، او على علماء دين افارقة متشددين مما ادى الى نفور اهالي افريقيا المسلمين من طريقة المذهب الوهابي المتشددة.

4- خلال ربع قرن والتي سبقت أحداث 11 من سبتمبر/أيلول 2001 قامت السعودية بإنفاق 112 مليار دولار أميركي كهِبات ومساعدات للدول الفقيرة في آسيا وإفريقيا وفي العالمين الإسلامي والعربي خُصِّص منها قرابة 84 مليار دولار أميركي لأنشطة ذات توجه ديني ودعوي للطريقة الوهابية السنِّية. ومع هذا، تقول بيوتات الخبرة والمراكز البحثية العالمية ان هذه الاموال لم تستطيع ان تساعد السعودية على نشر مذهبها الوهابي بطريقة سلمية بل يتم في اغلب الاحيان عن طريق المجموعات الجهادية وتنامي ظاهرة الغلو والتطرف الديني لدى الجماعات الجهادية السنِّية.

5- مع تصاعد وتيرة القتال في أفغانستان بين المجاهدين الذين تدعمهم السعودية والولايات المتحدة الأميركية ضد النفوذ والتواجد السوفيتي سابقا، تزايَدَ وتنامى العداء بين دعاة السلفية من السعوديين وغيرهم مع الطرق الصوفية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا؛ الشيء الذي جعل المملكة تتجه أكثر شرقًا ويتقلص نفوذها غربًا شيئًا فشيئًا حتى كاد يختفي في المنطقة. بالمقابل، كان النفوذ الإيراني والليبي يتعززان بالتوازي دون تصادم بينهما.

6- ان إيران على نقيض السعودية، فقد ركزت إيران على الدور الاقتصادي في تغلغلها في غرب افريقيا التي يمتلك دولها مخزونات ضخمة من الثروات التعدينية، مثل: الغاز والنفط والذهب والكوبالت والحديد والنحاس والماس والبلاتين واليورانيوم والفوسفات والمنجنيز، فضلًا عن وجود أكبر نطاق صحراوي بالعالم يؤهِّل المنطقة لأن تكون مصدرا هائلًا للطاقة المستقبلية النظيفة، هذا بالإضافة إلى الأنهار جنوبا والغابات. إلا أن عجز دول المنطقة عن استغلال خاماتها وارتفاع معدلات الفقر بها كان البوابة التي ولجت من خلالها إيران إلى المنطقة. فقد استغلت إيران ببراعة حاجة دول المنطقة للاستثمارات الأجنبية نظرا لعجز معظم تلك الدول عن استغلال خاماتها فأقامت إيران مئات المشاريع الاقتصادية الكبرى بدول غرب افريقيا، وآلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة في ذات الدول بالإضافة إلى دول وسط افريقيا، اضافة الى انشاء مئات المستشفيات والمدارس والحسينيات والجوامع، في حين ان السعودية ركزت على الجانب الديني المتشدد فقط، والذي طرح العديد من المجموعات المسلحة السلفية التي عاثت دمارا في افريقيا كما في حركة (بوكو حرام) في نيجيريا، والشباب المجاهد في الصومال، وتنظيم القاعدة (انصار الشريعة) جنوب الصحراء، وان معظم المساعدات السعودية كانت على شكل مساعدات مادية مباشرة لا يتم الإفصاح عنها بشكل علني ويستفيد منها أساسًا رجالات النظام الحاكم في دول يعُمُّ معظمها الفساد.

7- ان ما قام به الشيعة في جنوب لبنان من دور في هزيمة اسرائيل في جنوب لبنان، وخروجها من هناك، كذلك حرب تموز 2006، هذه صنعت كاريزما خاصة بزعيم حزب الله اللبنـاني (حسن نصر الله) كشخصية أسطورية ثورية تجسِّد التمرد الشيعي مقابل الخنوع السلفي -في نظر الشيعة-في الدول الافريقية.

خلاصة القول، نلاحظ إن تدخل دول العالم الكبرى في العالم يأتي عبر وسائل عديدة منها سلمية ومنها عسكري، وبطرق اغلبها تحركها المصلحة وتحقيق أهداف مرسومة، إلا إن ما نلاحظه على تدخل إيران والسعودية في إفريقيا على الرغم من بحثهم عن مصالح قليلة ومحددة، اقتصادية وسياسية، إلا إن اغلبها يتم في الأغلب بطرق القوة ومن خلال إثارة النعرات الطائفية، كما هو حاصل في تدخل الدولتين في إفريقيا ونيجيريا بالتحديد، لهذا فان الحل الأمثل لتعزيز نفوذ الدولتين في إفريقيا هو التوافق بينهما وعدم إثارة العداء بين إتباع الدولتين، لان الهدف الأساس هو واحد نشر الإسلام أولا، وتقديم مساعدات ثانيا ثم تعزيز النفوذ لهما وفق مصالح محددة، كما هو حاصل بين أمريكا ودول أوربا، إذ على الرغم من تعدد نفوذها في إفريقيا إلا أنها متفقة مسبقا على سلمية التنافس وحفظ مصالح الكل، ولكن في ظل ظروف المنطقة الاعتقاد السائد هو استمرار المنافسة بين السعودية وإيران بأخذها إبعاد طائفية تعتمد منطق القوة، والسبب هو عقلية صناع القرار في الدولتين تطغي عليها الطائفية السياسية المرتبطة بالدين، إذ تقوم كل دولة بدعم إتباعها الدينيين في غرب إفريقيا بغض النظر عن النتائج الكارثية التي تنتج عنها من قتل وتشريد وغيرها.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق