q

ناقش ملتقى النبأ للحوار موضوعا بعنوان (العشائر والدولة في العراق) من 7 الى 10 كانون الأول عام 2016، شارك في الحوار مجموعة من الناشطين والسياسيين من بينهم (عضو مجلس النواب العراقي عمار الشبلي, عضو مجلس النواب عواطف نعمة, الدكتور ميري الخيكاني عميد كلية القانون جامعة القادسية ورئيس لجنة عمداء كليات القانون في العراق,الدكتورة منال فنجان, القاضي رحيم العكيلي, الدكتور نديم الجابري, الدكتور احمد الميالي, الدكتور حيدر حسين الكريطي, الدكتور محمد القريشي, الدكتور خالد العرداوي, الخبير الأمني عبد الخالق الشاهر, الخبير القانوني امير الدعمي, الاستاذ جواد العطار, الناشط عباس العطار)

أجرى الحوار مدير الملتقى الكاتب الصحفي علي الطالقاني، وملتقى النبأ للحوار هو مجتمع يسعى إلى تحفيز المناقشات بهدف توليد الأفكار من أجل دعم المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وإسداء النصح لها من خلال عدة فعاليات يقوم بها الملتقى.

لمشاهدة تقارير ملتقى النبأ للحوار http://annabaa.org/arabic/tags/5030

(محاور البحث)

يعد المجتمع العراقي بمختلف طوائفه وأعراقه عشائري الطابع والعادات والتقاليد، واليوم تمثل العشائر العراقية تحديا صعبا في قوانينها وما يخص نفوذها وتواجدها، كما إنها لعبت ادورا مختلفة في الوضع الأمني والسياسي للبلد.

فان الدور البارز الذي لعبته العشائر العراقية في ظل وجود النظام البعثي القمعي وما بعده بوجود الاحتلال الأمريكي والصراعات الطائفية بين أبناء البلد وصولا إلى دورها في الوقوف بوجه داعش الإرهابي.

فان زج اسم العشائر العراقية في معركة لا دخل لها بها وتضخيم أخبارها أو محاولة استدراجها امر استنكر من قبل مختلف طبقات المجتمع.

وفي إطار اهتمام ملتقى النبأ للحوار بقضية قانون العشائر العراقية في مجلس النواب العراقي يعقد الملتقى حواره الاسبوعي تحت عنوان النقاشية الشهرية تحت عنوان (العشائر والدولة في العراق).

المشاركات

عضو مجلس النواب عمار الشبلي:

ان هناك علة في تأييد بعض السياسيين للقانون وهي ذات العلة التي على اساسها نجد لكل رئيس كتلة او حزب او جهة عشرات المنظمات وبمسميات وانشطة اعني منظمات مجتمع مدني لذلك فتشريع قانون العشائر يمثل رغبة لبعض الساسة في التأثير في الوسط العشائري حيث ان اغلب الرافضين للقانون من زعامات ووسط عشائري لكنهم استشعروا انه يمثل تهديدا صارخا لأسس البناء الديمقراطي ودولة المؤسسات والحكم الرشيد.

عضو مجلس النواب عواطف نعمة:

دولة قويه ذات سيادة وطنيه وحكم مركزي ليس بحاجه الى قانون العشائر لكن ضعف الدولة قد يقوي شوكة العشيرة فمن الملاحظ كلما ضعفت الدولة وقلت هيبتها كلما قويت الاطراف والعشائر نحن بحاجه الى تقويه القانون وبناء مؤسسات الدولة.

الدكتورة منال فنجان:

نؤيد مناقشة هذا الموضوع لأهميته لطبيعة العلاقة العكسية بين الدولة كمؤسسات والعشيرة كفئة اجتماعية فكلما قوت الدولة انتظمت عناصر العشيرة بنظام الدولة والوطن وكلما ضعفت الدولة التصق الفرد بالعشيرة كضامن لحمايته وعند ذاك يضمحل دور الدولة وهو مقدمة لنهايتها.

من الغريب ان نستمع من المتحمسين لمشروع قانون العشائر بان الاسباب الموجبة له هو الحد من النزاعات العشائرية مع بعضهم البعض او مع اي جهة اخرى واستخدام الأسلحة بشتى صنوفها دون الاكتراث لأجهزة الدولة وكان الاولى بهم ان يفكروا بتقوية شوكة الدولة من خلال القانون وصرامته وقوته لا من خلال تشريع يخول العشيرة على حساب المجتمع بقوة القانون ينصاع الجميع وذكريات النظام السابق ما زالت حاضرة.

تجربة داعش ما زالت بيننا لم نسمع للعشيرة بكنف الحكمين اي قوة تذكر المشكلة هي ضعف الدولة وليس قوة العشيرة فمن غير المنطقي ان تضعفوا الدولة اكثر. من يهتم ببناء الدولة يعمل على تقوية شوكتها وإنفاذ قوانينها ومعاقبة المقصر بذلك اما المهتم بالسلطة يكون اكثر اهتمامهم بالمصلحة والتي تكون بالأعم الأغلب على حساب الدولة وان وصلت الى الانهيار والاستعاضة عنها بالعصابات او المليشيات او اي قوة.

القاضي رحيم العكيلي:

لعل المستقر هو ان السلطة الغاشمة او الفاشلة تضع مصالحها في قوالب قد تكون قوانين او انظمة تسعى بها الى تحقيق اغراض معينة اكثرها اهمية هو ترسيخ سلطاتها او تقوية نفوذها او اخضاع القوى الفاعلة في المجتمع لارادتها او رقابتها.

ولا اظن بان قانون العشائر يخرج عن هذه الاغراض فانه سعي انتخابي لتتقاسم الاحزاب والكتل ما تسيطر عليه القبائل ومن لازال تابعا للعشائر والشيوخ ولا يخرج عن رغبة السلطة في اخضاع المجتمع من خلال اخضاع واجهاته للسيطرة المركزية وتكسير اخر رماح المجتمع التي قد يستعملها ضد السلطة او الاحزاب المتغانمة لها.

اما صياغة القانون فانه مهزلة مثل غيره من الصياغات التي مرت كقانون العفو الاخير وقانون الادعاء العام وغيرها التي ستظل شاهد على تهافت النظام السياسي وتراجع الكفاءة القانونية والمهنية في ظله وطغيان الارادة السياسية على المسارات المهنية.

اما الظن بوجود تشابه او علاقة بين نظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية لسنة ١٩١٨ بهذا القانون فانه واهم اذ لا صلة بينهما لا في الاحكام ولا في الغايات ولا في القواعد والاسس لان نظام العشائر كان يقصد ايجاد الية للفصل في المنازعات المدنية والجزائية بواسطة لجان اشبه بلجان التحكيم وتخضع قراراتها للمراجعة من جهات رسمية كالمحافظ والقائمقام.

اما استناد مشروع القانون للدستور فانه انحراف واضح في تفسير الدستور وتطبيقه لان الدستور دعا الى النهوض بالعشائر والاهتمام بها بما ينسجم مع الدين والقانون وتعزيز القيم الانسانية النبيلة ومنع الاعراف التي تتنافى مع حقوق الانسان فلا يتضمن الدستور الدعوة الى ترسيخ وتقوية العشائر ولا الى تأكيد دورها لكنه دعا للنهوض باهلها وتعزيز قيمها الانسانية النبيلة فقط ولم يتحدث فيها هي كتجمع تقليدي بديل عن الدولة والقانون والقضاء كما يريد مشروع العشائر ان يفعل.

لا افهم كيف يمكن ان تكون دولة تتبنى الديمقراطية ان تقبل بطبيعة العلاقات العشائرية القائمة على التبعية والتحكم والخضوع للشيوخ والمبنية على مشايخ دكتاتورية متوارثة تصادر حرية الرأي والتصرف والتقاضي لأفرادها وتمتهن نسائها.

والقول بان القانون يحاول اعادة العشائر لحكم القانون فانه بلا شك نكتة لان المعروف بان انتهاك الاحزاب والكتل السياسية لسيادة القانون وتزعزع ثقة الناس بالقضاء من خلال تطويعه لأرادتها جعل الناس مضطرة للبحث عن طرق بديلة لتسوية منازعاتها فأعادت اللجوء للعشائر اي ان سلوك هذا النظام السياسي هو السبب الرئيس في اضعف سيادة القانون وعودة الروح لأحلال السبل العشائرية في حل منازعات الافراد بدل القانون والقضاء المستقل ولا سبيل لعودة آليات الدولة والقانون في حل منازعات الافراد الا من خلال فرض سيادة القانون وليس تقوية وترسيخ الاليات العشائرية البديلة لان ذلك كمن يداوي مسموم بانه يعطيه سم اخر.

سلطاتنا التشريعية وصناع القرار لدينا غير مكترثين بمشاكل المجتمع والدولة لكنهم مشغولين كما كانوا منذ ٢٠٠٣ في بناء سلطة غاشمة تحكم بالحديد والنار باسم الطائفة والدين والعشيرة مؤخرا. الدستور لم يتحدث عن العشائر بل تحدث عن قيمها ودعا الى ترسيخ ( القيم الانسانية النبيلة ) ومنع( التي تنتهك حقوق الانسان) كما دعا الى النهوض بالعشائر ومعناه النهوض بأهلها وليس اصدار القوانين لشرعنتها وترسيخ سلطاتها.

تحدث جنابكم عن ان قانونا للعشائر مسالة دستورية لا تقبل اللبس فكيف يكون رايي متأخر؟؟ واذا كان هناك من بحث وانتهى الى دستورية جعل العشائر منظمة بقانون فلا اشك انها غيبوبة قانونية ولا عجب فان مستوى القوانين التي صدرت تدل على غياب كامل للكفاءة والمهنية لان بلد القوانين يتخذ فيه انصاف المتعلمين القرارات ويسنون القوانين.

الدكتور نديم الجابري:

لا شك أن قانون العشائر يعد نكوصا في بناء الدولة المدنية المنشودة و لعله أحد نتاجات الديمقراطية البدائية المطبقة في العراق. والتساؤل لماذا تمت العودة لهذا التشريع الذي قضى نحبه عام 1958. يبدو أن هناك جملة من الأسباب التي افضت الى هذه العودة الارتدادية منها:

1- أوشكت اللعبة الطائفية على الانتهاء و لذلك لابد من لعبة جديدة تحل محلها لتكون أداة بيد القوى السياسية القابضة على السلطة مثلما كانت اللعبة الطائفية.

2 - أن العودة إلى قانون العشائر نتاج الديمقراطية البدائية في البلاد التي تقاد من الشارع وليس من النخبة الراشدة.

3 - ان العودة إلى قانون العشائر نتاج عدم أهلية الطبقة السياسية الحاكمة أو المؤثرة وعدم امتلاكها لأدوات عصرية لإدارة الدولة.

4 - ان العودة إلى قانون العشائر لا يبتعد عن مخططات تفتيت الدولة العراقية ولكن هذه المرة الضرب على المرجعية الاجتماعية للمواطن بعد أن اخفقت عملية العودة إلى المرجعية المذهبية. 5 - ان هذه العودة تتسق مع الرؤية البريطانية في إعادة تركيب الدولة العراقية على أسس عشائرية.

عموما أن قانون العشائر يمثل مساسا بثلاثة أسس هي:

أ - يمثل مسا بالعشائر ذاتها لأنها نتاج تطور اجتماعي طبيعي و تحت سقف الدولة بينما هذا القانون يضعها تحت هيمنة القوى السياسية.

ب - يمثل مسا بأحد أسس الدولة المدنية.

ج - يمثل تراجعا عن الخيار الديمقراطي بشكل نهائي.

د - انه يمثل مدخلا لصراعات عشائرية أكثر ضراوة من الصراعات المذهبية.

ه - انه يمثل تهديدا لوحدة الدولة العراقية.

و - انه سيخل بأمن المنطقة لأن العشائر منتشرة في كافة البلدان.

الدكتور ميري كاظم الخيكاني:

ان التفكير بتشريع قانون للعشائر محل نظر للأسباب الآتية:

اولا. انه لايتفق مع مفهوم الدولة المدنية الحديثة المبنية على القوانين وسلطة الدولة.

ثانيا. ان البعد العشائري للمجتمع العراقي محل تقدير واحترام كبير فلايحتاج شيخ العشيرة قانون ينظم عمله لان سلطته العشائرية مستمدة من بعد مجتمعي اخلاقي لأمن بعد قانوني فهو ليس موظف في الدولة فهذا تقليل من اثر شيخ العشيرة على أفراد عشيرته.

ثالثا. ان مشروع القانون ضعيف الصياغة ولكل تشريع هدف وهذا غير متحقق في المشروع لأنهم من قدموا المشروع رؤيتهم عن الهدف غير واضحة.

رابعا. ان المشروع يزيد من حدة التناحر بين العشائر نفسها من هو احق بمن يكون رئيس عشيرة او فخذ ثم ماالمقصود بالوثائق التاريخية وهل ان الهيئة في رئاسة الجمهورية لها الاطلاع والخبرة في هكذا أمور حساسة لطلبة المجتمع.

خامسا. ان هذا المشروع لاعلاقة له جذريا بنظام دعاوى العشائر.

سادسا. ان القيمة الاعتبارية للعشائر موجودة في بنية المجتمع العراقي وعندما تتحول الى مؤسسة قانونية. أخشي عليها من فقدان تلك القيمة مثلما انجرف البعض مع نظام صدام في استلام الهبات والهدايا.

ان العشائر جزء أساسي من المنظومة الاجتماعية في العراق ولايمكن للدستور او غيره ينص على عدم وجودها فهذا امر لانقاش فيه إطلاقا. لكن موضوع البحث هو هل هناك ضرورة في فلسفة تشريع القوانين الفعالة والناجحة.

الدستور ينص على الاهتمام بالعشائر ولكن ضمن سقف الدستور والقانون ولاضرورة لوجود قانون لينظم ذلك هذا هو الرأي المنطقي. كما اجد انه لاضرورة لذلك كاتجاه الدستور لضمان الشعائر بما فيها الشعائر الحسينية التي ساقها كمثال فلا حاجة لتشريع قانون لايمكن ان يحدد او يوسع من الشعائر لأنها ضمن المعتقدات الشعبية المقدسة للمواطنين وهذا ينسحب على العشائر.

نحن نريد ان نحفظ للعشائر دورها الإيجابي في المجتمع ولاتكن جزء من منظومة تابعة للمؤسسات وتتهم باتهامات كثيرة. مثال بسيط مع اختلاف المقامات هل ان المرجعية تحتاج لقانون طبعا الجواب لا.

الدكتور احمد الميالي:

الدستور العراقي اشار الى مسألتين متضادتين الاولى ركز على تفعيل المجتمع المدني والمسالة الاخرى تنمية العشائر والاهتمام بها ولهذا فان تشريع قانون ينظم حضور العشائر مسالة دستورية لاتقبل اللبس اما دوافع هذا القانون فليس هنالك اي قوى سياسية دفعت بهذا الاتجاه وارى ان المحرك الرئيس لدفع القانون للتشريع تمثل بالسيد رئيس الجمهورية الذي يبحث عن بصمات وانجازات تحسب له في عهده الرئاسي.

وتلاقى هذا الدفع مع رغبة بعض الشخصيات السياسية والبرلمانية مثل عبد السلام المالكي وشيروان الوائلي ومحمد الصيهود وغيرهم وفق حسابات خاصة لاعلاقة لها باي توجهات حزبية ممنهجة بهذا الاتجاه.

ان وجود العشائر وتقاليدها محط اعتراف وقبول دستوريا واقر ذلك بانتقاد طبعا من قبل اساتذة مختصين بالشأن القانوني والسياسي منذ عشرة سنوات. فلا نستغرب تشريع قانون ينظم اطار هذا الاعتراف وهل عدم شرعنة وجودها سيمحي الاثر الذي تقوم به العشائر وهل الدولة قادرة على ضرب العشائر وتقاليدها؟ حيث ان دفع القانون كان باجتهاد فخامة الرئيس معصوم للحصول على مكتسبات ومنجزات تحسب له.

الدكتور حيدر حسين الكريطي:

من جملة الوسائل التي يتم في ضوئها تفسير نصوص الدستور: (السياق العام للنص)، وبصدد النقاش حول مدى دستورية مشروع قانون العشائر والقبائل نجد أن المشرع الدستوري لم يقرر تشريع قانون يكفل تنظيم شؤون العشائر وتعزيز أدوارها المتنوعة لأن المشرع الدستوري حين يرى ضرورة سن تشريع ينظم موضوعا معينا فإنه ينص على ذلك صراحة ولذا أورد الدستور في مواطن عدة عبارة: (..... وينظم ذلك بقانون).

بينما لم ترد هذه العبارة في نص الفقرة ( ثانيا) من المادة 45 من الدستور والخاص بالعشائر في حين أورد العبارة المذكورة في الفقرة( أولا) من المادة ذاتها والمتعلقة بمنظمات المجتمع المدني, إذ تنص المادة (45) من الدستور على ما يأتي:

اولاً- تحرص الدولة على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، ودعمها وتطويرها واستقلاليتها، بما ينسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق الأهداف المشروعة لها، وينظم ذلك بقانون.

ثانياً- تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون، وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة، بما يساهم في تطوير المجتمع، وتمنع الاعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الانسان.

الدكتور محمد القريشي:

عند تناول موضوع العشائر من وجهة النظر الإدارية للدولة لا بد من تعريفها بشكل يتماهى مع ادبيات "ادارة الدولة" وأهمها (التنمية) التي تعد مؤشرا حاسما وثابتا في نجاح الادارة من خلال مراكمة المنجزات وصولا الى مستوى اخراج العراق من كبوته الحالية ووضعه على سكة الحداثة والمضي معه بعيدا في هذا النهج.

"التنمية" التي توضع من أجلها الخطط والسياسات والقوانين وتندرج في سياقاتها مفردات الخطاب للفاعلين السياسيين ( نؤشر هنا غياب هذه المفردة من أكثر الخطابات ). التعريف المبسط للعشائر هنا لا يخرج عن كونها "تجمعات" بشرية مستقرة حول المصادر الطبيعية (ماء/ ارض) بهدف الاستغلال المناسب للأرض والبيئة وهي بحجمها السكاني الواسع واهمية المناطق التي تنتشر عليها تشكل موردا أساسيا من موارد التنمية من جانب وهدفا هاما لها من جانب اخر.

وهي تجمعات بشرية استقرت خلال فترات متباينة بعد مسيرة من الحركة، الامر الذي أدى الى ملاقحة القيم البدوية السابقة مع قيم لاحقة اقتضتها ظروف الاستقرار والزراعة والنشاطات الملحقة وقد مارست هذه التجمعات أعرافا خاصة بها دارت حول محاور عدة منها: ( القضاء, حيازة واستخدام السلاح, موقع المرأة وغيرها), واظهرت تباينا صارخا مع القيم والاعراف الحضرية التي أفرزها التشكيل التدريجي للدولة العراقية في مراحل ما بعد التأسيس.

اول من دق جرس إنذار التباين بين أعراف العشيرة ومسيرة بناء الدولة الملك فيصل الاول عندما عبر عن خيبته فيما يتعلق بحيازة العشائر العراقية للسلاح بكميات تفوق بكثير الكميات المتوفرة لدى الدولة الناشئة حينها. واحسب ان الملك في ذلك الوقت كان مهموما في بناء دولة قوية تحتكر لوحدها العنف في تجسيد مباشر لنظرية ماكس فيبر حول احتكار الدولة للعنف.

وهنا بالذات تظهر سمة الملك فيصل كرجل دولة ومؤسس على خلاف قيادات كثيرة حكمت العراق في مراحل لاحقة حولت "الدولة" الى فضاء تنافس القبائل والمذاهب والأحزاب وفرطت في احتكار الدولة للعنف وثلمت "مدنية الدولة " لصالح العشيرة ( نشير هنا على سبيل المثال محاولة استمالة العشائر لأسباب سياسية من خلال تقديم ميزات "رواتب " وهدايا بهيئة أموال وأسلحة بدلا من انشاء مدارس حديثة وخدمات).

ثلاثة عشر عاما مضت تحت خيمة (بناء دولة مدنية ) ولكنها أنتجت مجتمعا ودولة تتقاسمها المذاهب والعشائر لدرجة لجوء بعض أعضاء مجلس النواب العراقي (صانعو الدولة المدنية) الى عشائرهم في حسم صراعاتهم السياسية وهو مؤشر فشل جلي للسياسة العراقية في غرس مفاهيم الدستور وآلياته داخل المجتمع والدولة.

نشرت منظمة "لأجل العراق" الحقوقية، في الآونة الاخيرة تقريرا جاء فيه أن "بغداد شهدت 800 محكمة عشائرية خلال الشهر الماضي، بمعدل 27 محكمة يومياً، بينما شهدت النجف 1200 محكمة عشائرية، بنسبة 40 محكمة يومياً، وفي البصرة بلغ عدد المحاكم 2450 محكمة عشائرية، بمعدل 82 محكمة يومياً". وأفادت المنظمة بأن "المحاكم الدستورية أو الرسمية العراقية، تنظر في الأحكام العشائرية للبتّ في شأنها".

قانون العشائر العراقية بصيغته الحالية لا يتعلق ابدا برؤية تنموية واضحة بقدر ما يتعلق بحسابات سياسية تضمن مواصلة استخدام العشيرة لتأكيد استمرار الخارطة السياسية الحالية وحرف الدولة بعيدا عن مَسيرتها المدنية.

الدولة العراقية التي أنهكتها الحروب والفساد وسوء الادارة لا تحتاج ابدا الى مؤسسات جديدة تندرج في قافلة الفساد وتشطر المجتمع العشائري زيادة على انشطاراته الحالية بسبب الصراعات حول (الوجاهة والسلطة والثروة) بقدر ما تحتاج الى خطط تنموية نوعية ترفع من مستويات سكان القرى والارياف ثقافيا واقتصاديا وتفكك المنظومة القيمية التقليدية لتحل محلها قيم المواطنة.

المجتمعات العشائرية بحاجة الى تعليم جيد ونظام صحة كفوء ومسارح جوالة وشبكة مواصلات حديثة تربط المدن مع الأرياف لكسر عزلة المناطق الريفية واتاحة الفرص لحركة المجاميع البشرية لخلق مستوى تجانس اعلى وجعل مؤسسات الدولة المتباعدة في متناول يد المواطنين بهدف تعزير عملية التنمية.

(على سبيل المثال استنادا الى دراسة فرنسية حديثة حول المناطق المهمشة البعيدة عن مراكز المدن ظهر ارتفاع مستويات التشدد الديني والعنف لدى شباب هذه المناطق يعود جزء من اسبابه الى رداءة المجمعات السكنية وبعدها عن المدن الكبيرة مما دفع السلطات الى تحسين الدور والخدمات وربط المجمعات السكنية بوسائل نقل سريعة " مترو).

مساواة المواطنين امام القانون التي أقرها الدستور لا بد ان تترجمها الدولة ميدانيا من خلال ردم الهوة بين المدن والارياف في إطار سياسة كفؤة لإدارة التنوعات البشرية. المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والصحية والثقافية التي يعاني منها الريف تجعل حياة المواطن رخيصة بشكل يستطيع ان يضحي بها بسهولة وتساوم بها العشيرة بمزاجية بعيدة عن المدنية التي تنعم بها المجتمعات الحديثة!

لا تخرج اغلب مواد "قانون العشائر" عن مجالات اختصاص أعضاء مجالس النواب ومجالس المحافظات التي تسكنها التجمعات العشائرية المستهدفة بهذا القانون كالمادة الرابعة على سبيل المثال التي تنص على ( النهوض بالواقع العشائري بِمَا يساهم في تطوير المجتمع وذلك من خلال تنظيمه مدنيا.. الخ ).

وهنا نطرح السؤال التالي: كيف ستسهم المجالس العشائرية التي دعا اليها هذا القانون اذا كان قسم لا باس به من أعضاء مجلس النواب مستندا على القضاء العشائري في تسوية نزاعاته السياسية بدلا من استناده على قضاء الدولة؟

وليس غريبا اذن ان يأتي هذا القانون في سياق سلوك الحكومات العراقية المتعاقبة في اعتبار المناطق الريفية مستودعات بشرية هائلة ومفيدة لها في تنفيذ سياساتها البعيدة عن التنمية وتمكينها من المسك بمقاليد الحكم لفترة أطول!

ومن هنا فان قانون العشائر بصيغته الحالية سيودي الى:

- أضعاف القضاء العراقي من خلال تعزيز القضاء القبلي.

- تسريع عملية تريف المدن.

- إضافة مؤسسات جديدة تثقل كاهل الدولة العراقية المثقلة أصلا بسبب اخطاء الماضي.

- تعزيز مسيرة الفساد السياسي بسبب تغليب الهياكل القانونية الفارغة التي تديم حالة الهيمنة على أصوات الناخبين في المناطق الريفية لإيصال ممثلين الى مواقع القرار غير منتجين للقيم المُضافة ومنسجمين مع توجهات القوى السياسية التقليدية.

الدكتور خالد العرداوي:

في اعتقادي أن من قدم مشروع قانون مجلس القبائل والعشائر لا يفقه شيء بالقانون والدستور وقواعد الاجتماع السليم، أن هذا المشروع يمثل الجهل بعينه جهل يتنكر لتطلعات العراقيين بالبحث عن غد أفضل في ظل دولة مدنية تضمن العدل والرفاة والمساواة، كما يتنكر لتضحيات العراقيين في الماضي والحاضر، فيذهب طارحوه إلى حد الباس بنية اجتماعي أهلية ثوب دستوري مدني غير مناسب جدا ويحمل الدولة أعباء مالية في غنى عنها، كما يفتح عليها أبواب صراعات ونزاعات لا تنتهي.

يحتاج الاخوة في مجلس النواب التنبه إلى هذه الحقيقية وان يقفوا وقفة جادة ومشرفة نحو إصدار هكذا تشريع مخجل، وفي اعتقادي أن الكثير منهم لن يسمحوا بتمرير هكذا مشروع يفتقر إلى الحكمة والنظر البعيد.

الخبير الأمني عبد الخالق الشاهر:

جذب انتباهي منشور المنتدى حول قيام الصين بأنتاج سفينة نموذج لتيتانيك وأرى ان العراق هو النموذج لا سمح الله وأذكر انه عندما كانت السفينة تغرق كان المايسترو يقود عزف فرقته لموسيقية ولعل هذا ينطبق تماما على واقع حال شيعة السلطة وسنتها عدا فرق واحد وهو ان لديهم اكثر من مايسترو فأيران مايسترو والسعودية وقطر وتركيا والامارات وقبلهم امريكا. الحل يكمن في اغتيال الطائفية انها الأم الشرعية للتبعية والفساد.

الانتماء للوطن هو اعلى الانتماءات وعند تعزيز اي انتماء من الانتماءات الثانوية كالقومية والدين والمذهب والعشيرة فأن ذلك يعني اضعاف للمواطنة والوطن هل تعلمون ان جيوش الدولتان الاموية والعباسية كانت جيوش عشائر وليس دولة وهل تعلمون ان ابي جعفر المنصور بنى بغداد على جانبين ليسكن عشائر مختلفة وقال حتى اذا ثار علي عسكر الكرخ ضربتهم بعسكر الرصافة وأذا ثار علي عسكر الرصافة ضربتهم بعسكر الكرخ.

متى بدأ الرئيس صدام حملته الايمانية ومتى ركز على العشائر؟ عندما شعر بالضعف ويحق لدولتنا ان تشعر بالضعف لأنها سلطة مكونات واحزاب اسلامية شيعية وسنية لم تبق على السلم المجتمعي. قال لي السيد طارق الهاشمي في ولايته الاولى كنائب لرئيس الوزراء لماذا تكتب عن الحزب الاسلامي بسوء؟ اجبته انا فقط اقول ان انكم حزب طائفي. اجابني ان مشروعنا وطني اجبته تركيبة حزبكم سنية لذلك هي تنتج مشروعا سنيا والمشروع السني لن يكون وطنيا وهذا ينسحب على الاحزاب الدينية الاخرى.

عليه تعددت جيوشنا وتعددت انتماءاتنا وتمزقنا واليوم ولضعف الدولة وعدم تمكنها من صياغة مشروع وطني جامع التجأت الى العشائرية المقننة وسيكون ذلك المسمار الاخير فلنسعى جميعا لافشاله وانتاج مشروع وطني يوصلنا الى الدولة المدنية.

ولدي مداخلات ان سمحتم لي:

أولها تكمن في ان شيعة وسنة العراق براء من الطائفية ويفضل استخدام تعبير شيعة السلطة وسنتها وليس شيعة العراق وسنته وأن كانت هناك طائفية فهم الذين زرعوها.

الثانية هو اننا لا يمكننا احالة الطائفيين الى التحقيق بسبب ان الدستور في مادته السابعة حضر الكثير الا الطائفية أبقاها في الحفظ والصون وأشار فقط الى التطهير الطائفي ولذلك نجد انفسنا اليوم بلا قانون يحرم الطائفية كونها هي التي جاءت بشيعة السلطة وسنتها الى مواقعهم وحمت فسادهم وبزوالها هم زائلون.

الخبير القانوني امير الدعمي:

اعتقد ان الكارثة ستحل على المجتمع اذا ما اقر قانون مايسمى مجلس العشائر وسيكون القشة التي ستقصم ظهر المدنية والقانون. لو كان قانون مجلس العشائر العراقية قانون متمدن يدعم الدولة كما يدعى لكانت اليوم أوربا وامريكا ارسلت مبعوثيها ليستفيدوا من تجربتنا نحن اليوم بدون هذا القانون والعشائر تنتهك القانون بفطرتها القبلية وضعف القانون والدولة امامها.

ثم ان الدستور لم ينص صراحة بوجوب تشريع مثل هكذا قانون ولا يعني مجرد سكوته اباحة لتشريعه اذا ما شرع هذا القانون فلنقرأ الفاتحة على ما يسمى بدولة ولنعلن الحداد على القانون يضاف الى ما تقدم فأن التناحر والصراع على زعامة المجلس بين القبائل سيضيف هماً الى هموم الدولة.

المحلل السياسي علاء النشوع:

الولاء للوطن هو اسمى الولاءات التي يؤمن ويعتقد بها المواطن الذي فقد المواطنة بفعل الاحتلال الامريكي والتدخل الدولي والاقليمي في العراق الذي اذكى الطائفية المقيتة التي دمرت كل مفردات وخصاىص الانتماء الى الوطن وهذا هو الهدف الرئيسي لكل الدول الاقليميه لفرض همينتها على العراق وتحقيق مصالحها وتأمين مقدرات أمنها القومي.

فايران والسعوديه وتركيا وكل الدول الداعمة لاجندتها نقلت كل افكارها المشبوهة على الساحة العراقية فكان الميول للعشائرية الحل الامثل للمجتمع في الدفاع عن محيطه وترك الوطن والمواطنة فريسة للأجنبي المحتل الذي يدعم هذه العشيرة اوتلك وحسب الميول الطائفي والفئوي الذي يمزق الوحدة الوطني ويدمر مقدرات المواطنة الحقيقية في مواجهة الاخطار والتهديدات مع خلق مرجعيات دينية تقوض من وحدة الصف بفتاوى مختلفة ومتعددة للشيعة والسنة وادخالها في القرار السياسي الذي يتبناه رجال السياسة اليوم ليغطوا على ضعفهم وفشلهم في الحفاظ على اللحمة الوطنية التي مزقها الخطاب الطائفي والسياسي المقيت.

الاستاذ جواد العطار:

قانون القبائل والعشائر العراقية اقرار من المتصدين والمستمكنين من السلطة بفشل مشروع الدولة وانهم غير قادرين على بناء دولة فاللجوء الى العشائر والقبائل عودة الى ما قبل الدولة والبحث عن آليات متهرئة لبناء السلطة بديلاً عن الدولة كلنا يتذكر النظام السابق في اوج قوته في السبعينيات قام بإلغاء الالقاب والعشائر.

وعندما ضعف النظام في التسعينيات عاد الى النفخ في العشائر واعاد مايعرف بشيوخ التسعين اليوم العشائر منتفخة وحاكمة ومتجاوزة في بعض تعاطيها القانون والشرع من غير قانون ينظمها فما بالك اذا اصبح لها قانون وتشريع !

ثم ان العشيرة الواحدة في تنازع داخلي على المشيخ ودخول الدولة على الخط يعني مزيداً من الانقسام والاختلاف خاصة اذا كانت هناك اجندات حزبية وسياسية وانتخابية حاكمة. ادعوا الى وقفة كبيرة لرفض القانون جملة وتفصيلا.

الناشط المدني عباس العطار:

حين يصدر تشريع او يتصدر المشهد العام قضية ما تبدأ جدلية الصراع وينقسم العراقيين إلى فرق مؤيدة ورافضة ومحايدة ومستمعة وخجولة والاغلب الأعم من لا شأن له في دخول حلبة ليس له فيها مغنم او خبزة كما يقال في الأمثال الشعبية.

وموضوع العشائر شأنه شأن الموضوعات الأخرى فكل طرف يتناوله من زاويته الفكرية والانتمائية والثقافية والاجتماعية، وهذا أمر طبيعي جدا حيث لا يجتمع الناس كلهم على أمر واحد ولا يرفضونه كلهم وهذه طبيعة المجتمعات في السنن التاريخية.

وللحديث عن العشائرية وربطها بمنظمومة الدولة هو اللغز الذي نبحث عن حل له في ظل إهمال الكثير من الملفات التي تخدم بناء الدولة والمجتمع سوية وهنا يبرز السؤال الأهم عن إهتمام هذه الأحزاب بتنظيم العشائر بقانون؟ ولماذا تعتزم تأطير هذه التركيبة قانونيا وتسعى لتمكينها اكثر مما هي عليه الآن من نفوذ في الميدان أكثر من الدولة؟

ان ابسط الإجابات على السؤالين هو ضعف الدولة من زاوية وكونهم ادوات انتخابية منتشرة في مساحات واسعة من العراق ولو نظرنا لزاوية أخرى ذات صلة وثيقة باهتمام الدولة بالعشائر فمرجعه هشاشة الأمن العام وعجز الجهاز الأمني من حل اغلب المشكلات التي تعددت وتنوعت واختلفت وتشابكت وتعقدت وكان للعشائر دور كبير في اخمادها.

لكنها في الوقت ذاته هي مدعاة لتجذير العنف ورسوخه في القيم والممارسات وهو نشر وتعزيز لسلوك الغابة في ظل غياب فرض القانون وسيادة الدولة المدنية الجواب عن هذا الموضوع يجرنا إلى السياسة وعالمها الإنتخابي ومطامع الأحزاب بجذب المكونات العشائرية الى ساحة التصويت بمغريات شتى .

ولو تتبعنا العقدين الماضيين ودخولنا العقد الثالث نجد ان جذور الميل الى العشيرة أكبر من الانتماء إلى الوطن تعود اسبابه الى طبيعة الأنظمة السياسية التي تسيدت الساحة السياسية العراقية سواء قبل 2003 وما بعدها. ومنشأ هذا الإهتمام ليس بالضرورة يعود لما ذكرناه من إنها (العشائر) تمثل أرقام إنتخابية كبيرة وسهلة الانقياد وراء الزعيم والحاكم في حال اعتقادها بأحقية مشروعه او تطابق المصالح او الاتجاه لكسب المنافع.

لكن هناك مسألة مهمة جدا تعود للجذر الثقافي للمتصدين والانحدار البيئي لهم حيث اغلبهم انحدر من واقع عشائري لذا نجد اغلب المرشحين ليس لديه جمهور وطني بل يعتمد على رابطة الدم والانتماء العشائري في مساحته الانتخابية.

اضف تعليق