q

يبدو أن زلزال الازمة المالية التي حدثت عام 2008، مازال هزاته تزعزع السوق المالية والمصرفية، اذ مازالت البنوك والمصارف العالمية تعاني من اثار ماحصل لهذا اليوم، وبما ان ماجرى في جزء كبير منه تتحمله هذه المصارف نتيجة التوسع المالي الذي احدثته كنتيجة للجشع في الحصول على ارباح مضاعفة من خلال بيع القروض وضمانتها، بادرت معظم الدول والسلطات النقدية فيها الى سن قوانين وفرض مراقبة مستمرة وغرامات على الاعمال غير القانونية او التي يشك بأنها كذلك على هذه المصارف، لعدم تكرار حصول كارثة جديدة، اذ اعلنت المفوضية الاوروبية فرض غرامة توازي حوالى نصف مليار يورو بالاجمال على مصارف "اتش اس بي سي" البريطاني و"جاي بي مورغان" الاميركي و"كريديه اغريكول" الفرنسي للمشاركة في عملية تلاعب بالفوائد.

وافاد بيان للجهاز التنفيذي الاوروبي ان المفوضية "فرضت غرامة اجمالية بقيمة 485 مليون يورو على مصارف "كريديه اغريكول" و"اتش اس بي سي" و"جاي بي مورغان تشيس" لقيامها بالاتفاق على تحديد نسب الفائدة باليورو (يوريبور)".

اضاف ان "المصارف اتفقت على عناصر تثبيت الفوائد باليورو وتبادلت معلومات حساسة في انتهاك لقواعد التنافس في الاتحاد الاوروبي، وقررت المصارف الثلاثة رفض قرار اصدرته المفوضية في كانون الاول/ديسمبر 2013 في القضية نفسها، على عكس المصارف المنافسة "باركليز" و"دويتشه بنك" و"ار بي اس" وسوسييتيه جنرال".

بالتالي بقيت هذه المصارف تحت مجهر تحقيق المفوضية على عكس الاربعة التي خضعت لحكمها. وفي كانون الاول/ديسمبر 2013 فرضت على الالماني "دويتشه بنك" والبريطاني "ار بي اس" والفرنسي "سوسييتيه جنرال" غرامات فيما استفاد "باركليز" من حصانة جنبته اي عقوبة بعد ان كشف وجود الاتفاق للمفوضية.

15 بنكا عرضة لمخاطر غسل الأموال

ذكر رئيس هيئة الإشراف على السوق المالية في سويسرا في مقابلة صحفية نشرت أن نحو 15 بنكا عرضة لمخاطر غسل الأموال، وصرح مكتب المدعي العام السويسري إنه فتح تحقيقا جنائيا مع بنك فالكون للخدمات المصرفية الخاصة الذي يتخذ من زوريخ مقرا له بشأن اتهامات بأن المصرف فشل في منع عملية بها شبهة غسل أموال تتعلق بصندوق وان.إم.دي.بي السيادي الماليزي.

وبنك فالكون ثاني بنك سويسري بعد بي.اس.آي يواجه تحقيقا جنائيا من جانب مكتب المدعي العام في سويسرا بسبب علاقته بصندوق وان.إم.دي.بي، وجاءت الخطوة استنادا لتحقيقات هيئة الإشراف على السوق المالية السويسرية التي اخذت إجراءات أيضا ضد عدد من البنوك الأخرى.

دويتشه بنك سبب الازمة المالية في المانيا

حمل وزير الاقتصاد الألماني مصرف "دويتشه بنك" مسؤولية الصعوبات المالية التي يمر بها والتي ستفرض عليه إلغاء آلاف الوظائف، مرجعا ذلك إلى "سياساته المالية غير المسؤولة".

اذ وجه وزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابريال انتقادات للسياسات "غير المسؤولة" للمشرفين على مصرف "دويتشه بنك"، الذي يعاني من صعوبات مالية خطيرة ستفرض عليه إلغاء آلاف الوظائف.

وبين غابريال الذي يترأس الحزب الاشتراكي الديموقراطي العضو في الائتلاف الحاكم "ما سيحصل هو أن آلاف الأشخاص سيخسرون وظائفهم وعليهم الآن دفع ثمن جنون أشخاص غير مسؤولين في مواقع قيادية".

وكان المصرف قرر إطلاق عملية اعادة هيكلة على نطاق واسع بعد خسارته سبعة مليارات يورو في العام 2015، مما يعني إغلاق نحو مئتي فرع في ألمانيا بحلول العام 2020 وإلغاء نحو تسعة آلاف وظيفة على المستوى العالمي.

وخسر سهم المصرف الألماني العملاق أكثر من 40% من قيمته منذ مطلع العام، وقد سلطت الأضواء على البنك بعد أن فرضت عليه السلطات الأمريكية غرامة بمقدار 14 مليار يورو (16,2 مليار دولار) بسبب بيعه لأوراق مالية مدعومة بالرهون العقارية قبل الأزمة المالية العالمية في 2008.

إلا أن أسهمه عادت وارتفعت بعد أن صرح مصدر أن البنك الذي يعد الأكبر في ألمانيا، يقترب من التوصل إلى اتفاق مع مسؤولين أمريكيين لخفض قيمة الغرامة المفروضة على البنك.

وانتشرت مخاوف من أن تؤدي الغرامة إلى تكرار ما حدث مع بنك "ليمان براذرز" عملاق وول ستريت، الذي أدى إفلاسه إلى تفاقم الأزمة المالية العالمية، من جهته نفت الحكومة الألمانية عملها على إنقاذ دويتشه بنك مع تعزيز أكبر بنوك البلاد لميزانيته عبر بيع أنشطة تأمين بريطانية.

ويواجه دويتشه بنك غرامة بقيمة 14 مليار دولار من قبل وزارة العدل الأمريكية ودفعت مخاوف بشأن تمويل هذه الغرامة أسهم البنك للانخفاض إلى مستوى قياسي وأثارت شكوكا بشأن مدى سلامة القطاع المالي في أكبر اقتصاديات أوروبا، ونفت وزارة المالية تقريرا صحفيا حول الإعداد لخطة إنقاذ في حالة ما لم يتمكن دويتشه بنك من جمع الأموال المطلوبة لسداد التكلفة الباهظة التي ستسفر عنها الدعوى القضائية.

وذكر مصدران مطلعان أن هيئة الرقابة المالية الاتحادية في ألمانيا (بافين) لا تعمل على خطة إنقاذ، وأشار متحدث باسم دويتشه بنك انه لم يطلب دعما من المستشارة ولم أقترح أي شيء من هذا القبيل" ردا على تقرير منفصل ذكر أنه طلب من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعما ماليا قيمته 14 مليار دولار لتسوية دعاوى قضائية تتهمه بممارسة التضليل في بيع أوراق مالية مدعومة برهون عقارية.

ضغوط على علاقات البنوك العربية والأجنبية

من جانب أخر أظهرت دراسة نشرت أن أكثر من ثلث البنوك العربية شهدت علاقات العمل التي تربطها بالبنوك الأجنبية تنكمش على مدى السنوات الأربع الأخيرة بسبب ضغوط مثل العقوبات الاقتصادية وبواعث القلق بشأن غسل الأموال.

وذكر صندوق النقد العربي في الدراسة "قد يكون لعدم قدرة البنوك في بعض الدول العربية على إقامة علاقات مراسلة مع البنوك الأجنبية أثر ضار على التجارة والتحويلات وفي نهاية المطاف على النشاط الاقتصادي الحقيقي.

وشكا مسؤولون كبار في الخليج من بينهم محافظو البنوك المركزية في الإمارات العربية المتحدة والبحرين علانية خلال العام المنصرم من إحجام البنوك الأجنبية وبصفة خاصة الأمريكية عن التعامل مع بعض البنوك العربية، وحاولت الدراسة التي أجراها صندوق النقد العربي بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين قياس حجم المشكلة من خلال مسح شمل 216 بنكا في 17 دولة عربية هذا العام.

وأفاد نحو 39 بالمئة من البنوك إن هناك انخفاضا ملحوظا في حجم علاقات المراسلة المصرفية بين عامي 2012 و2015 وقال 25 بالمئة إنه لم يحدث تغير في حين قال خمسة بالمئة إن هناك زيادة، كما أظهرت الدراسة أن عدد حسابات المراسلة المصرفية المغلقة في تزايد حيث قال 63 بالمئة من البنوك إن تلك الحسابات أغلقت في 2015 مقارنة مع 33 بالمئة في 2012.

يذكر ان 40 بالمئة من البنوك العربية إن البنوك الأمريكية كانت الأكثر ميلا للانسحاب من علاقات المراسلة المصرفية معها تليها البنوك البريطانية ثم الألمانية، أما الأسباب الأهم فكانت تقلص الشهية للمخاطرة لدى البنوك الأجنبية والعقوبات وتغير القواعد التنظيمية في الخارج وانخفاض الربحية ومخاطر القروض السيادية في الدول العربية.

وأظهرت الدراسة أن من بين البنوك العربية التي انقطعت علاقاتها استطاع 63 بالمئة إيجاد علاقات بديلة بينما تمكن 17 بالمئة من وضع ترتيبات بديلة لتلبية حاجاتها لكن 20 بالمئة منها لم تستطع فعل أي من ذلك، وفي حالة البنوك التي تمكنت من إيجاد علاقات بديلة فإنها واجهت غالبا أوضاعا أسوأ فيما يتعلق بنطاق الخدمات أو التكلفة مقارنة مع العلاقات الأصلية.

البنوك الأمريكية واستمرار تدفق العملاء

في المقابل وعلى الرغم من اتجاه البنوك الأمريكية إلى الأدوات الإلكترونية عبر الإنترنت ثمة الكثير من عملائها في الولايات المتحدة ليسوا على استعداد للتخلي عن زياراتهم المعتادة لأقرب فرع لهم وهو ما يعرقل مساعي البنوك الرامية لخفض عدد الفروع.

وتشير بيانات مؤسسة التأمين على الودائع الاتحادية إلى أن البنوك الأمريكية قلصت عدد فروعها بنسبة ستة بالمئة منذ أن بلغ ذروته في 2009. وبلغ عدد الفروع المفتوحة في نهاية العام الماضي 93 ألفا و283 فرعا وهو أدنى مستوى له في عشر سنوات.

غير أن بعض المحللين الذين فحصوا هذه البيانات يقولون إن على البنوك أن تبذل المزيد من الجهد لتخفيف الضغط على الإيرادات جراء تدني أسعار الفائدة والمطالب التنظيمية.

وتراجع عدد البنوك التي تغطيها مؤسسة التأمين على الودائع الاتحادية أكثر من 25 بالمئة خلال تلك الفترة رغم نمو أصول القطاع بما يشير إلى أن المجال مفتوح أمام دمج المزيد من الفروع، لكن مسؤولين تنفيذيين بالبنوك ذكروا إن الفروع ما زالت مهمة لاجتذاب عملاء جدد وزيادة أنشطة العملاء الحاليين وإن إغلاق بعض الفروع سيؤثر سلبا على الإيرادات أكثر من أن يساهم في خفض النفقات.

وأشار جوناثان فيلين رئيس وحدة ماكينات الصرف الآلي واستراتيجية المنافذ لدى ويلز فارجو انه لا يزال عملاؤنا يريدون زيارتنا، فما زالوا يأتون إلى منافذنا وماكينات الصرف الآلي التابعة لنا بمعدلات قوية جدا، وذكر ريتشارد براون كبير الخبراء الاقتصاديين لدى مؤسسة التأمين على الودائع الاتحادية أنه كثيرا ما يتلقى أسئلة عن سبب وجود عدد كبير من الفروع في القطاع حتى الآن.

وأضاف ان هذه النظرية (التي تستند إلى) أننا نقدم خدمات مصرفية عبر الهواتف المحمولة وأخرى عالية التكنولوجيا ومن ثم فإن المكاتب الفرعية قد عفا عليها الزمن تبدو مبالغا فيها كثيرا.

ويبدو أن البنوك مضطرة للسعي إلى كبح شبكات فروعها الآخذة في الاتساع باعتباره سبيلا لخفض النفقات.

فتأسيس الفرع التقليدي يتكلف ما بين مليونين وأربعة ملايين دولار تقريبا بينما تتراوح تكلفة تشغيله بين 200 ألف و400 ألف دولار سنويا وفقا لما قاله إد أوبراين المحلل لدى ميركاتور أدفايزوري جروب. وقد يأتي ذلك بتكلفة عالية على البنوك الكبرى التي تملك الآلاف من الفروع كثير منها في المناطق الحضرية العالية التكلفة، غير أن عددا من المسؤولين التنفيذيين بالبنوك يقولون إنه في ظل المنافسة بالسوق ينبغي أن تكون الفروع على مسافة خطوات من العملاء المميزين.

ويقول مسؤولون تنفيذيون في جيه.بي مورجان تشيس آند كو أكبر بنك في الولايات المتحدة إن كل فرع يجني أرباحا سنوية تقارب المليون دولار لكن تشغيله الكامل يستغرق عشر سنوات، ويفحص مصرفيو جيه.بي مورجان تشيس آند كو البيانات الخاصة بزيارات العملاء للفروع وما يجريه العملاء داخل الفرع لاتخاذ القرار بشأن الإبقاء على الموقع مفتوحا أو إغلاقه، وأغلق البنك 265 موقعا منذ 2013 بما يقارب خمسة بالمئة من شبكته لكن مسؤولين بالبنك يشددون على أن الفروع ما زالت ضرورية لعلاقات جيه.بي مورجان مع العملاء.

وصرح جوردون سميث رئيس الخدمات المصرفية للأفراد والشركات في البنك إن الفروع هي أفضل السبل لبيع الكثير من المنتجات والخدمات للعملاء من الرهون العقارية إلى الاستشارات الاستثمارية، وربما يكون من السابق لأوانه تحديد ما سيحدث في الأمد الطويل حين تغلق البنوك الكبرى الكثير من الفروع، وأغلق بنك أوف أمريكا 25 بالمئة من فروعه منذ 2009 وقد يكون بالونة اختبار في النهاية. ويقول البنك إنه اكتفى بهذا الخفض لكن فريد كانون المحلل لدى كيفي برويت آند وودز يدعو لمزيد من الخفض، وذكر جيمس أبوت رئيس علاقات المستثمرين لدى زيونز إن المجموعة أغلقت نحو 20 بالمئة من فروعها منذ 2009 وما زالت تدرس المزيد من الخفض لعدد الفروع.

كان في وقت سابق وعندما أطلق فريدمان ارآئه في النظرية النقودية، والتي تبنتها معظم الاقتصادات العالمية لاسيما الولايات المتحدة الاميركية، ذكر ان الأمر كله مناط بالتحكم في حجم عرض النقد اي الكتلة النقدية، والتي اذا ما حافظنا على معدل نمو متوزان لها يصل ال 5% سنوياً، فأنه يمكن تجنب العديد من المخاطر أهمها التضخم والركود، ومن تدخل حكومي مباشر او غير مباشر وهذا ماحصل فعلا، الا ان فريدمان لم يشر الى ضرورة ان يكون هناك حد أعلى للسوق المصرفية والسيطرة عليه لمنع الافراط النقدي عبر القروض الممنوحة بفوائد متدنية، وهذا ماحصل لاحقاً، ودعا الى ضرورة تدخل الدولة للسيطرة على الوضع، الأمر الذي دعا الى مراجعة نظرية فريدمان من جديد.

اضف تعليق