q

شهدت الأيام الأخيرة، لاسيما بعد فوز ترامب المثير للجدل بكرسي الرئاسة الاميركية، جدلاً واسعاً، أسفر عن مخاوق وقلق عالميين، وتتمثل هذه المخاوف، في طبيعة ماستكون عليه العلاقات التجارية الدولية من بعد التصريحات الخطرة التي أطلقها ترامب أثناء ترشحه للرئاسة، والتي بين فيها عزمه على الغاء العديد من الاتفاقيات مع دول العالم، واطلاق سياسات حمائية لدعم المنتجات المحلية، وهذا ماجعل من تربطهم شراكات اقتصادية وتجارية مع الولايات المتحدة ان يصيبهم القلق من تصريحات ترامب، اذ بين مؤيديون للاتفاق التجاري بين آسيا والمحيط الهادي إن الاتفاق ليس أمامه فرصة للصمود تقريبا بعد أن أجهز عليه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مفسحا الطريق أمام الصين لتولي زمام القيادة في التجارة، وعبرت كل من اليابان وأستراليا عن التزامها بالاتفاق بعد ساعات من تعهد ترامب بالانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي التي تضم 12 دولة في أول يوم من توليه مقاليد منصبه واصفا الاتفاقية بأنها "كارثة محتملة على بلدنا."

ويبدو أن إعلان ترامب أجهز على أي آمال بشأن الاتفاقية وهي مبادرة تجارية أطلقها الرئيس باراك أوباما واستغرقت خمس سنوات لإعدادها وتهدف لتغطية 40 في المئة من الاقتصاد العالمي، وتستهدف اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي التجارية القضاء على الحواجز التجارية في بعض اقتصادات آسيا سريعة النمو وتمتد من كندا إلى فيتنام ولا يمكن أن تصبح نافذة المفعول بدون الولايات المتحدة، وتتطلب الاتفاقية تصديق ست دول على الأقل تمثل 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المشترك للدول الأعضاء.

وصرح رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إن "اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي ستكون بلا معني بدون الولايات المتحدة" حتى في ظل استمرار البرلمان في مناقشة التصديق عليها وتعهد حكومته بالضغط على أعضاء آخرين للموافقة عليها.

ويرى شينبي ساساكي رئيس الإدارة المعنية باتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي في مكتب رئاسة الوزراء "ستستمر فقط في حالة غير سارية المفعول... في المستقبل إذا اتخذت الولايات المتحدة الإجراءات وتم تمريرها عبر الكونجرس فإن هذا سيلبي الشروط وتصبح اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي سارية المفعول."

بينما ذكر ستيفن سيوبو وزير التجارة الاسترالي إن بإمكان الدول الأعضاء المضي قدما باتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي بدون الولايات المتحدة من خلال تعديل الاتفاقية وربما ضم أعضاء آخرين، الا ان رئيس وزراء سنغافورة لي هسيين لونج بين إن إعادة فتح باب المفاوضات لن يكون سهلا، وأضاف" إذا وقعت اتفاقية جديدة سيكون عليك أن تراجعها مجددا، لم نعبر ذلك الجسر بعد، سنجتازه إذا وعندما نصل إلى ذلك."

اما الصين فأنها تدفع بنسختها الخاصة من اتفاقية للتجارة بين آسيا والمحيط الهادي تطلق عليها الشراكة الاقتصادية الاقليمية الشاملة والتي تستثني على الأخص الولايات المتحدة، وهي اتفاقية أكثر تقليدية للتجارة تتضمن خفض الرسوم الجمركية بدلا من انفتاح الاقتصادات ووضع معايير عمالية وبيئية مثلما تريد اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي.

واتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة كانت محط اهتمام في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي في بيرو.

اذ أكد تان جيان وهو عضو كبير في الوفد الصيني لدي القمة إن المزيد من الدول تسعى حاليا للانضمام إلى الاتفاق الذي يضم 16 دولة بما في ذلك بيرو وتشيلي وإن الأعضاء الحاليين يرغبون في التوصل إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن لمواجهة نزعة الحماية التجارية المتزايدة.

وأجلت فيتنام تصديقها على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي بعد أن تخلي أوباما عن جهود لدفع الاتفاق عبر الكونجرس بينما حولت ماليزيا تركيزها إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.

مكافحة الحمائية رغم حملة ترامب

ومن أجل وضع حد لحملة ترامب الحمائية، اجتمعت دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ في ليما حيث ينتظر ان تؤكد مجددا معارضتها "لأي شكل من الحمائية"، معاكسة بذلك الحملة المعادية للعولمة التي أعلنها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.

وبدأ قادة البلدان الـ21 في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) اجتماعهم مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد لبحث تحديات الاقتصاد العالمي، وينتهي اجتماعهم السنوي الذي في عاصمة البيرو باصدار اعلان ختامي يؤكد مرة جديدة تمسك دول ضفتي المحيط الهادئ بمواصلة اندماجها الاقتصادي من خلال رفع الحواجز التجارية بينها.

ويتعهد قادة ابيك في مسودة الاعلان بـابقاء اسواقنا مفتوحة ومكافحة اي شكل من اشكال الحمائية" التي لن تؤدي برأيهم سوى الى اضعاف المبادلات التجارية وابطاء التقدم على طريق تعافي الاقتصاد الدولي.

ودول أبيك الـ21 هي أكثر من استفاد من العولمة، وتمثل 60% من التجارة العالمية و40% من سكان العالم، ومن المتوقع أن يتعهد القادة أيضا عدم تخفيض قيمة عملاتهم "لغايات تنافسية" والعمل على اقامة منطقة تبادل حر متكاملة على الامد الطويل.

توقف مسيرة العولمة

اما بخصوص النمو الاقتصادي العالمي ومدى تأثره بذلك فقد حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن النمو الاقتصادي العالمي سيتعثر في العام الحالي والمقبل بمعدلات لم يشهدها العالم منذ الأزمة العالمية مع توقف مسيرة العولمة.

وأفادت المنظمة في تحديث لتوقعاتها الاقتصادية إن نمو التجارة العالمية الذي كان لفترة طويلة محرك الاقتصاد العالمي سيتباطأ عن نمو الاقتصاد العالمي عموما في العام الحالي.

وأضافت المنظمة "يقل هذا عن المعدلات السابقة ويوحي بأن العولمة ربما تكون قد توقفت عند قياسها بكثافة التجارة."

ونتيجة لذلك تقدر المنظمة أن يحقق الاقتصاد العالمي نموا بنسبة 2.9 بالمئة فقط العام الحالي انخفاضا من ثلاثة بالمئة وفقا للتقديرات السابقة الصادرة في يونيو حزيران وهو ما سيكون أقل معدل نمو منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 و2009، وبينت المنظمة إن النمو في الولايات المتحدة على وجه التحديد يبدو أقل مما كان عليه قبل شهور قليلة وتوقعت أن يحقق أكبر اقتصاد في العالم نموا بنسبة 1.4 بالمئة فقط في العام الحالي مقابل 1.8 بالمئة في توقعات يونيو حزيران.

وعلى الرغم من أن هذا سيكون أقل معدل نمو منذ الأزمة المالية في عام 2009 وأقل من معدل النمو المتوقع لمنطقة اليورو البالغ 1.5 بالمئة فإن المنظمة قالت إن على مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) أن يمضي قدما في رفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، وبالنسبة للعام المقبل تتوقع المنظمة ارتفاع معدل النمو في الولايات المتحدة إلى 2.1 بالمئة بدلا من 2.2 بالمئة في توقعات يونيو حزيران.

وتتوقع المنظمة أن تكون معاناة الاقتصاد البريطاني دون المخاوف الأولية عقب إعلان نتيجة استفتاء يونيو حزيران لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتوقعت أن يحقق الاقتصاد البريطاني نموا بنسبة 1.8 بالمئة مقابل 1.7 بالمئة في تقديرات يونيو حزيران. لكنها خفضت توقعاتها لعام 2017 بمقدار النصف إلى واحد بالمئة فقط بسبب استمرار ضبابية مستقبل العلاقات التجارية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

صندوق النقد يرفع توقعاته للنمو الاقتصادي في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا

من جهة أخرى رفع صندوق النقد الدولي من توقعاته للنمو الاقتصادي في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا خلال 2016، بفعل تحسن طفيف في اسعار النفط، مع ابقاء حذره بشأن نمو الاقتصاد السعودي، ورأى الصندوق في تقرير اصدره ان المنطقة، اضافة الى افغانستان وباكستان، ستسجل نموا اقتصاديا يبلغ 3,4 بالمئة هذه السنة، بزيادة طفيفة عن توقع سابق بلغ 3,1 بالمئة.

في المقابل، خفض الصندوق توقعاته التي اصدرها في نيسان/ابريل للنمو الاقتصادي في 2017، ليصبح 3,3 بالمئة بدلا من 3,5 بالمئة، وعزت المؤسسة المالية الدولية هذا الخفض الى عوامل عدة ابرزها "الارهاب" والتأثيرات الجيوسياسية على المنطقة.

وتشكل اسعار النفط عاملا مؤثرا في النمو الاقتصادي لدول المنطقة، والتي تشمل مستوردين اساسيين كمصر والمغرب، ومنتجين بارزين كدول الخليج والعراق وايران التي بلغ مستوى انتاجها اليومي اكثر من مليوني برميل بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها.

وانخفضت اسعار النفط بشكل حاد عالميا منذ منتصف العام 2014، ووصلت الى مستويات ما دون الثلاثين دولارا للبرميل في وقت سابق من هذه السنة. الا ان الاسعار شهدت بعض التحسن في الاسابيع الماضية، وتتداول حاليا عند مستويات تقارب 45 دولارا للبرميل.

ورأى صندوق النقد انه "في الشرق الاوسط، يستفيد مصدّرو النفط من التعافي المتواضع راهنا في اسعار النفط، مع الاستمرار في اجراءات التعزيز المالي تجاوبا مع عائدات نفطية منخفضة، واعتبر ان "التوترات الجيوسياسية، النزاعات المحلية المسلحة، والارهاب، تحظى ايضا بأثر كبير على التوقع في اقتصادات عدة، لاسيما في الشرق الاوسط" حيث تؤدي هذه العوامل الى "تأثيرات عبر الحدود".

وأبقى الصندوق توقعاته بنمو اقتصاد السعودية، اكبر مصدر للنفط في العالم، عند 1,2 بالمئة هذه السنة، و2,0 بالمئة في 2017، وادى تراجع اسعار النفط عالميا الى خسارة الدول الخليجية ايرادات تقدر بمئات المليارات من الدولارات، في ظل اعتماد ايراداتها بشكل كبير على العائدات النفطية، واتخذت هذه الدول سلسلة خطوات تقشف واقتراض للحد من عجز الموازنة الذي تسبب به انخفاض الايرادات.

وفي حين نوه صندوق النقد بهذه الاجراءات، شدد على ضرورة القيام بالمزيد، وفي تقرير اصدره، توقع الصندوق تراجع ايرادات النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي والجزائر بزهاء 450 مليار دولار هذه السنة مقارنة بالعام 2014، كما توقع ان تسجل هذه الدول عجزا متراكما في ميزانياتها سيصل الى زهاء 900 مليار دولار في سنة 2021.

استمرار نزوح الأموال عن الأسواق الناشئة في 2017

ذكر معهد التمويل الدولي إن الأسواق الناشئة ستشهد نزوح رؤوس الأموال في 2017 للعام الرابع على التوالي لكن التدفقات الخارجة المتوقعة عند 206 مليارات دولار ستقل عن التقديرات التي تصل إلى 373 مليار دولار المتوقعة للعام الحالي.

وتوقع المعهد - وهو أحد الجهات الأكثر موثوقية التي ترصد تدفقات رؤوس الأموال من الدول النامية وإليها - أن ترتفع التدفقات الخاصة لغير المقيمين إلى الأسواق الناشئة في 2017 لتصل إلى 769 مليار دولار وذلك من 640 مليار دولار هذا العام مع تحسن التدفقات إلى البنوك والأسهم والسندات، الا انه بين ان هذه التدفقات سيقلل من تأثيرها الأموال المحولة خارجا من قبل المقيمين في الدول النامية وبخاصة الصين التي تسهم بمعظم صافي التدفقات الرأسمالية الخارجة البالغ قيمته 206 مليارات دولار.

وأضاف معهد التمويل الدولي إن الأسواق الناشئة تفوقت بوجه عام على نظيرتها المتقدمة هذا العام مشيرا إلى أن انتعاش التدفقات الرأسمالية تلقى دعما من السياسات النقدية الميسرة التي تتبعها البنوك المركزية في الاقتصاديات المتقدمة وانخفاض عوائد السندات العالمية لأدني مستوياتها، ومن المتوقع أن تقفز تدفقات المحافظ الاستثمارية إلى أسواق الأسهم والسندات إلى 208 مليارات دولار العام المقبل من 157 مليار دولار هذا العام و100 مليار دولار في 2015.

وكل هذه المؤشرات تدل على ان الاقتصاد العالمي قد يدخل مرحلة جديدة، مرحلة من الصدام ومن التحالفات والشراكات الجديدة، التي قد تغير مجرى كثير من الأمور، من أهمها مسار الاحداث الاقتصادية وطرق معالجة الأزمات والاختلالات الاقتصادية، وحتى السيطرة والاستحواذ على الموارد، وقد تنذر الايام القادمة بعواصف أقتصادية جديدة على مستوى الشراكة التجارية والاتفاقيات الدولية وهذا من شأنه ان يشعل حرب اقتصادية بين الولايات المتحدة ودول عظمى أخرى كدول الاتحاد الاوروبي ودول آسيا وغيرها، وهذا ماسينعكس على معدلات التبادل الدولي وعلى قيم الصادرات والاستيرادات وأسعارها عالمياً، وايضاً على معدلات النمو الاقتصادي وموازين المدفوعات، وبالتالي تأثر كل الاقتصادات العالمية بهذه الموجة المستمرة من التقلبات الاقتصادية.

اضف تعليق