q

يمر الاقتصاد المصري بفترة عاصفة من التقلبات الخطيرة على المستوى الاقتصادي، حيث هناك موجة من التراجع يشهدها الاقتصاد المصري ولأول مرة وعلى كافة الاصعدة، من تدني في معدلات النمو وتراجع لعائدات اهم القطاعات كالسياحة والزراعة، وتدني في اسعار صرف الجنيه المصري الى مستويات خطيرة، وتزايد في حجم الدين العام الذي وصل الى اكثر من 331 مليار دولار .

فقد هوى الجنيه المصري أكثر من عشرة بالمئة إلى مستويات منخفضة غير مسبوق بعد التعليق المفاجئ للمساعدات النفطية التي تقدمها السعودية بما أثار المخاوف من خلاف سياسي عميق قد يقطع حبل إنقاذ مالي تشتد حاجة الحكومة إليه، وقال متعاملون في السوق السوداء إنهم باعوا الدولار بسعر 15 جنيها مقارنة مع 14.20-14.25 جنيه. لكن عددا من المستوردين أبلغوا أنهم دفعوا ما بين 15.20 و15.68 جنيه لتدبير الدولارات وسط نقص حاد وتهاو في الثقة، ويعني التراجع الحاد اتساع الفجوة مع السعر الرسمي البالغ 8.78جنيه للدولار وتنامي الضغوط على مصر لخفض قيمة عملتها ووضع حد لحالة عدم التيقن التي تثني الاستثمار الأجنبي، وبذلك سوف تجد مصر صعوبة في تدبير الدولارات منذ انتفاضة 2011 التي أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين الأجانب، واستنزفت جهودها للدفاع عن الجنيه احتياطيات كانت تبلغ 36 مليار دولار قبل الانتفاضة لتصل إلى 19.6 مليار دولار في نهاية سبتمبر أيلول، وقد استطاعت مصر الخروج من الأزمة بفضل مساعدات بمليارات الدولارات من حلفاء خليجيين مثل السعودية منذ منتصف 2013 عندما أطاح الجيش بخصم مشترك هو جماعة الإخوان المسلمين، الا ان قرار السعودية وقف إمدادات المنتجات النفطية المكررة في مطلع أكتوبر تشرين الأول أثار مخاوف السوق من شقاق سياسي قد يؤثر بشدة على الاقتصاد المصري .

ويعطي البنك المركزي الأولوية في توفير العملة الصعبة للسلع الضرورية مثل الأغذية الأساسية والدواء منذ أكثر من عام، وتضطر شركات القطاع الخاص ولاسيما تلك المستوردة لسلع كمالية إلى اللجوء للسوق السوداء لتدبير الدولارات بما أدى إلى هوة واسعة مع السعر الرسمي، حيث يرى رجال الاعمال بأن السلع الأساسية ستشترى لكن الكماليات والمنتجات الفاخرة سيكون من الصعب توريدها وستصل إلى مرحلة تصبح فيها الأسعار باهظة بشكل يعوق الشراء وسيتوقف التجار... عن الشراء لعجزهم عن تصريف مخزونهم الأصلي، ما لم يضخ البنك المركزي دولارات كافية في النظام بعد خفض قيمة العملة... فما سيحدث بالفعل أن الدولار سيقفز، وثمة تكهنات واسعة النطاق بأن مصر قد تخفض قيمة الجنيه في أي وقت لسد الفجوة مع السوق السوداء.

اذ اشار محافظ البنك المركزي الى امكانية النظر في تعويم الجنيه إذا زادت الاحتياطيات على 25 مليار دولار. وتزايدت الاحتياطيات على نحو مطرد في الأشهر الأخيرة مع سعي مصر لتكوين سيولة كافية كطبقة حماية قبيل أي تغيير في قيمة العملة، وتمكنت مصر من الحصول على دفعة قيمتها مليار دولار من قرض للبنك الدولي بثلاثة مليارات دولار، واتفقت الإمارات العربية المتحدة في أغسطس آب على إيداع مليار دولار في حين كانت الحكومة تجري محادثات مع الرياض للحصول على ما بين مليارين وثلاثة مليارات دولار.

الا ان مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، ذكرت بإن مصر مطالبة باتخاذ المزيد من الاجراءات المتعلقة بسعر الصرف والدعم الحكومي لضمان حصولها على قرض بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، وتسعى مصر للحصول على هذا القرض لاستعادة ثقة المستثمرين والتخفيف من ندرة الدولار في البلاد، التي تضر بالاقتصاد وتوسع نشاط السوق الموازية، حيث أوضحت بأن هناك العديد من إجراءات ينبغي اتخاذها، قبل أن يجتمع مجلس إدارة الصندوق، كما ترى إن الإجراءات سيتم تنفيذها جميعا، وتتعلق هذه الإجراءات بسعر الصرف والدعم، وهي التي يمبغي استكمالها، قبل أن يجتمع مجلس الإدارة.

ومن جانبه ذكر مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، إن برنامج القرض سيتضمن شروطا من بينها تقليص عجز الموازنة في مصر والتحول بسعر الصرف إلى نظام تحدده السوق بشكل أوسع، وأضاف أحمد أن الدفعة الأولى من قرض الصندوق لمصر قيمتها نحو 2.5 مليار دولار وأن مجلس الصندوق قد يوافق على برنامج القرض خلال الشهر القادم، أو أوائل ديسبمر/ كانون الأول المقبل، وتأتي هذه التصريحات فيما توقع اقتصاديون ومصرفيون مصريون وأجانب أن تقوم الحكومة المصرية بتحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، وتجري مصر والصندوق محادثات مع الصين والمملكة العربية السعودية وبعض دول مجموعة السبع لتقديم تمويل ثنائي إضافي تتراوح قيمته بين خمسة وستة مليارات دولار للسنة الأولى من برنامج القرض، واستطاع مسؤولون مصريون التوصل لاتفاق مبدئي مع الصندوق في أغسطس/ آب الماضي للحصول على حزمة المساعدات لكن وفقا لشروط تشمل سلسلة من الإصلاحات، الا ان الهيئة التنفيدية للصندوق لم تقر حزمة المساعدات حتى الآن.

ومن أجل تلبية شروط الصندوق، تبنت مصر بشكل خاص ضريبة القيمة المضافة على أمل جمع إيرادات جديدة لمواجهة آثار انهيار السياحة وتراجع الاستثمار الأجنبي.

وعلى صعيد أخر فأن ذلك قد يدفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى ان يلجأ وبشكل متزايد الى الجيش للمساعدة في حل ازمات البلاد الاقتصادية، وهذا ماقد يؤدي الى اتساع نشاط القوات المسلحة الاقتصادي مع تنامي دورها السياسي منذ اسقاط حسني مبارك عام 2011، ويصعب تقدير حجم النشاط الاقتصادي للجيش في القطاعات المدنية، اذ ان القانون يحظر نشر اي ارقام تتعلق بتفاصيل موازنته، ويذكر الخبراء ان الجيش ليس مهيمنا على الاقتصاد المصري، الا ان حصته فيه ارتفعت منذ تولي السيسي الرئاسة بعد قرابة عام من اطاحة الرئيس الاسلامي محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، مع دخول القوات المسلحة مجالات اقتصادية جديدة مثل استيراد البان الاطفال وانتاج الادوية، وعقب أزمة في حليب الاطفال ادت الى ارتفاع كبير في سعره في نهاية اب/اغسطس الماضي، قام الجيش باستيراده بالتنسيق مع وزارة الصحة وطرحه الشهر الماضي في الاسواق بسعر ارخص بكثير، بعد ان قررت القوات المسلحة استيراد حليب الاطفال بعد ان لاحظت قيام الشركات المختصة باستيراده باحتكاره لرفع سعره، ما تسبب فى زيادة معاناة المواطن البسيط، عقب ذلك توقيع اتفاق بين وزارتي الصحة والانتاج الحربي لانشاء اول مصنع لانتاج ادوية السرطان في مصر، ويرى البعض من المتابعين للشأن المصري بأن الدور الاقتصادي للقوات المسلحة المصرية اتسع بالتأكيد من حيث الحجم كما تحول تحولا كيفيا منذ اطاحة مرسي، ويعزون سبب ذلك لعاملين اساسيين، الاول هو ان مجموعات مصالح متعددة داخل الجيش وجدت فرصة للقيام بانشطة ربحية بسبب الدور المحوري للتحالف الذي يضم مؤسسات الدولة الرئيسية الذي يحكم مصر منذ ذلك التاريخ، اما السبب الثاني، فهو قيام الرئيس السيسي بتكليف الجيش بدور رئيسي في مشروعات عامة كبرى نتيجة تدهور مؤسسات الدولة المدنية التي اصبحت عاجزة عن القيام بمهامها فبات الجيش يملأ الفراغ.

واعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مقابلة نشرتها الصحف الحكومية المحلية ان اجراءات الاصلاح الاقتصادي التي تتخذها حكومته وتتضمن الاقتراض من جهات اجنبية، "لا تقبل التأجيل".

واعلنت مصر وصندوق النقد الدولي انهما توصلا لاتفاق مبدئي حول هذا القرض قيمته 12 مليار دولار لاعطاء جرعة اوكسجين لاقتصادها المتردي وتعزيز قدرتها على سداد التزاماتها الداخلية والخارجية، الا ان محللين توقعوا انه سيتعين على الحكومة المصرية اتخاذ اجراءات اقتصادية سيكون تأثيرها قاسيا على السكان.

وبدورها بينت مؤسسة كابيتال ايكونوميكس للأبحاث في لندن إن من المستبعد أن تشهد مصر نموا كبيرا في الاستثمارات الأجنبية قبل أن تخفض عملتها، وأضافت أنها ترى أن خفض قيمة الجنيه قد لا يعدو كونه مسألة شهور ومن المرجح أن تنخفض العملة في النهاية نحو 25 بالمئة أمام الدولار إلى 12 جنيها للدولار بنهاية العام المقبل مقارنة مع 8.78 جنيه حاليا، حيث ان البعض يقول إن السلطات ستؤجل خفض قيمة العملة لحين ارتفاع التدفقات الرأسمالية والوصول بميزان المدفوعات المصري إلى وضع أكثر استدامة... لكننا نرى أن مصر لن تستطيع استقطاب تدفقات رأسمالية قوية إلا بعد خفض الجنيه.

وتتصاعد الضغوط بقوة على البنك المركزي المصري من أجل تخفيض قيمة العملة في الوقت الذي تسعى فيه مصر لإنعاش الاقتصاد الذي تضرر من اضطرابات سياسية وأمنية عقب انتفاضة 2011 أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين الأجانب وهما مصدران مهمان للعملة الصعبة، في وقت كانت مصر تمتلك نحو 36 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي قبل انتفاضة 2011 التي أطاحت بحسني مبارك من سدة الرئاسة. وبلغت الاحتياطيات الأجنبية 19.582 مليار دولار في سبتمبر أيلول بزيادة 3.028 مليار عن أغسطس آب.

وذكرت المؤسسة البحثية إن اتفاق صندوق النقد الدولي مع مصر لإقراضها 12 مليار دولار سيساهم وحده من دون خفض العملة في تعزيز الثقة في الاقتصاد المصري وقد يجذب مع الإصلاحات الخاصة بمناخ الأعمال وخصخصة الشركات الحكومية بعض رؤوس الأموال الأجنبية مجددا إلى البلاد، وأشارت إلى أن الإصلاحات التي اتخذها مبارك في 2005 و2006 أدت إلى ارتفاع قوي في الاستثمارات الأجنبية وهناك مؤشرات على أن الإصلاحات التي أجراها الرئيس عبد الفتاح السيسي في منتصف 2014 أغرت بعض المستثمرين للعودة إلى البلاد.

غير أن كابيتال ايكونوميكس ترى أن مصر لن تستطيع اجتذاب تدفقات قوية إلا بعد خفض الجنيه لأسباب منها أنه ما بقي احتمال خفض الجنيه قائما فسيظل المستثمرون عازفين عن ضخ أموال في البلاد لأنهم قد يتكبدوا خسائر مرتبطة بسعر الصرف تؤثر سلبا على قيمة استثماراتهم.

ومن الأسباب أيضا أن خفض الجنيه سيقلل من تكلفة الأصول المصرية ومن ثم سيزيد من جاذبيتها كما أن تخفيف قبضة صناع السياسات على الجنيه سيجعلهم قادرين على فك قيود العملة بما قد يؤدي لنمو الاستثمار الأجنبي المباشر فضلا عن أن إحراز تقدم في سياسة سعر الصرف سيكون اختبارا حاسما لمدى التزام الحكومة بالإصلاحات، وفي الاخير أضافت انه فور توقيع اتفاق صندوق النقد الدولي من المرجح أن يتحرك البنك المركزي سريعا ونرى أن الجنيه قد ينخفض 25 بالمئة أمام الدولار الأمريكي بنهاية العام المقبل، وسيشهد الجنيه هبوطا مطردا في السوق السوداء وتجاوز 14 جنيها للدولار في الآونة الأخيرة. ويقوم البنك المركزي بترشيد استهلاك احتياطياته الدولارية من خلال مبيعات أسبوعية منتظمة ليحافظ على الجنيه قويا بشكل مصطنع عند 8.78 جنيه للدولار.

كمايرى مجموعة من الخبراء والباحثين ان لجوء مصر الى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار لاعطاء جرعة اوكسجين لاقتصادها المتردي وتعزيز قدرتها على سداد التزاماتها الداخلية والخارجية، اذ وفي بلد يعتمد على الاستيراد لتلبية نسبة كبيرة من حاجاته الاساسية بدءا بالقمح مرورا بمستلزمات الانتاج وانتهاء بعلف الدواجن، ادى نقص الموارد من العملات الاجنبية الى تداعيات متتالية اذ تباطأ استيراد المواد الخام ومستلزمات الانتاج وهو ما انعكس سلبا على قطاعات الصناعة والتجارة والتصدير وارتفع معدل التصخم السنوي في حزيران/يونيو الماضي الى 12،37%، وفق البيانات الرسمية.

وقد عرضت الحكومة المصرية على الصندوق برنامجا للاصلاح الاقتصادي يستهدف خفض عجز الموازنة العامة للدولة الذي يقترب من 13% من اجمالي الناتج الداخلي ويشمل اصلاح منظومة دعم الطاقة وزيادة ايرادات الدولة من خلال فرض ضريبة للقيمة المضافة وطرح شركات مملوكة للدولة للبيع في البورصة.

بدوره اعلن محافظ البنك المركزي طارق عامر ان البرنامج الذي عرض على الصندوق يتضمن "اتباع سياسة مرنة" بالنسبة لسعر صرف الجنيه المصري، في اشارة الى خفض محتمل جديد لقيمته بعد ان تم خفض سعره مقارنة بالدولار بنسبة 14،5% في منتصف اذار/مارس الماضي.

وذكرت الحكومة ان الفجوة التمويلية خلال السنوات الثلاث المقبلة تبلغ 21 مليار دولار. واوضح وزير المالية انه اضافة الى قرض صندوق النقد الدولي سيتم تمويل هذه الفجوة من خلال طرح سندات دولار دولية والحصول على قروض من مؤسسات تمويل اقليمية.

الا ان الخبراء يؤكدون ان هذا القرض لا بد منه لدعم احتياطي مصر من العملات الاجنبية وتمويل جزء من عجز الموازنة العامة ولكنه ليس حلا حقيقيا لمشكلات الاقتصاد الرئيسية فضلا عن انه قد يضيف اعباء كبيرة على الفقراء وبعض شرائح الطبقة المتوسطة الذين يمثلون قرابة 70% من المصريين، ان قرض الصندوق حل على المدى القريب ولكنه ليس حلا في الامد الطويل فالوضع الاقتصادي سيء وعجز الموازنة العامة في منتهى الخطورة فنحن لدينا اكبر عجز حكومي في الاسواق الناشئة والقرض سيكون بمثابة جرعة اوكسجين او قرص اسبرين مسكن، فليس هناك خطة اصلاح بالمعنى الحقيقي تتضمن اهدافا وادوات محددة موضوعة من قبل الحكومة وانما مجرد مجموعة اجراءات لثبيت الاقتصاد واستبدال ديون بديون اخرى.

وقد اعلن البنك المركزي المصري، الذي فرض منذ اشهر عدة قيودا شديدة على تحويلات العملات الاجنبية داخل الجهاز المصرفي، ان احتياطي النقد الاجنبي لديه انخفض ب "نحو 2 مليار دولار" في نهاية تموز/يوليو ليهبط الى 15،54 مليار دولار مقابل 17،55 في نهاية حزيران/يونيو 2016، وهو مبلغ يغطي واردات البلد العربي الاكبر من حيث عدد السكان (90 مليونا) لمدة ثلاثة اشهر ولكنه لا يكفي لسداد خدمات الدين الخارجي للبلاد خلال العام المالي المقبل.

من جهة اخرى اكدت دراسة لبنك برايم للاستثمار، احد اهم بنوك الاستثمار في مصر، ان التراجع في احتياطي النقد الاجنبي سيدفع الحكومة نحو الاسراع في انهاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على القرض خصوصا ان خدمة الدين الخارجي المطلوب سدادها حتى تموز/يوليو 2017 تبلغ 4،4 مليارات دولار.

واوضح البنك المركزي في بيان ان هذا الانخفاض "متوقع ومعتاد في ضوء ما يشهده شهرا كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو سنويا من سداد التزامات المديونية الخارجية لمصر"، مؤكدا انه "تم سداد 1,02 مليار دولار هي اخر المبالغ المستحقة لدولة قطر وسداد الشريحة الاولى من وديعة ليبيا وقيمتها نحو 250 مليون دولار" اضافة الى "715 مليون دولار لسداد قسط مديونية مصر لدى نادي باريس".

كما ويحذر الخبراء والمختصين في هذا الجانب من ان ضريبة القيمة المضافة والاجراءات الاخرى المصاحبة لقرض الصندوق ستؤدي الى مزيد من ارتفاع الاسعار ومن الاعباء على الفقراء، اذ يرون انه لا بد من اجراءات تحمل الاغنياء اكثر لان لدينا في مصر وفقا للبيانات الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء اكثر من 27% من السكان فقراء، اضافة الى 20% معرضين للسقوط في الفقر ونحو 20 % اخرين من الطبقة المتوسطة الدنيا التي تعيش في ظروف صعبة، اي ان نحو 70% سيعانون من زيادة التضخم المتوقعة ولكي يتحملوا لا بد من اقناعهم بان الاغنياء يدفعون اكثر.

وفي الشأن الداخلي تتوقع المصادر المطلعة أن رفع الحكومة سعر لتر السولار (زيت الغاز) بنسبة 25 بالمئة على الأقل خلال الأسابيع المقبلة أو قبل نهاية العام بحد أقصى ليصل إلى 2.25 جنيه (0.253 دولار) من 1.80 جنيه للتر ضمن خطة البلاد لرفع أسعار الوقود.

وقد بدأت في الأونة الأخيرة عملية تهيئة الرأي العام في مصر لموجة ارتفاع في الأسعار وخفض الدعم في اطار خطة الدولة للاصلاح الاقتصادي وهو ما ظهر جليا في الأحاديث الأخيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبلغت تكلفة دعم المواد البترولية في مصر نحو 55 مليار جنيه (6.193 مليار دولار) في 2015-2016 بانخفاض 23 بالمئة عن السنة المالية السابقة. وتستهدف مصر دعما للمواد البترولية يبلغ 35.04 مليار جنيه خلال السنة المالية الحالية 2016-2017، وذكرت مصادر اخرى ان سعر طن السولار يبلغ الآن في السوق العالمي 380 دولارا وبعد إضافة مصاريف الشحن والتفريغ يصل إلى العملاء بسعر 450 دولارا وإذا ضربنا هذا السعر في 13 جنيها وهو السعر الحالي للدولار في السوق السوداء فإنه يساوي 4850 جنيها، وبما أن الطن يساوي 1200 لتر فإن سعر اللتر في هذه الحالة يكلف الحكومة المصرية أقل قليلا من خمسة جنيهات وبالتالي فهي تدعمه عمليا بنحو ثلاثة جنيهات لكل لتر.

وكانت الحكومة المصرية أعلنت في يوليو تموز عن حاجتها لتمويل برنامجها الاقتصادي بنحو 21 مليار دولار على ثلاث سنوات بما في ذلك 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي اتفقت عليه بالفعل، وتحاول مصر منذ عدة سنوات إجراء إصلاحات مثل تدشين نظام للبطاقات الذكية لمراقبة الاستهلاك في محطات الوقود ولكنها لم تبدأ تفعيله حتى الآن.

خاصة في ظل تراجع عائدات السياحة، اذ تراجعت الى ما "بين 4 و4،5 مليارات دولار خلال العام المالي 2015/2016 في حين كانت تبلغ في سنوات سابقة اكثر من 12 مليار دولار".

وتراجعت عائدات السياحة منذ ثورة 2011 التي اسقطت حسني مبارك بسبب الاضطرابات الامنية والسياسية في البلاد، الا انها تلقت ضربة قاصمة بعد تحطم طائرة روسية في تشرين الاول/اكتوبر 2015 اثر اقلاعها من منتجع شرم الشيخ واعلان تنظيم الدولة الاسلامية مسؤوليته عن اسقاطها.

بناءاً على ماتقدم فأن المتتبع للشأن الأقتصادي سيشعر بأن واقع الاقتصاد يتجه نحو منعرج خطير قد لاتستطيع الحكومة الحالية في ظل عدم وجود رؤيا واضحة لادارة ملفات الدولة بضمنها الاقتصاد، ان تفتك من هذا المنعرج او الخروج من مأزقها الحالي خاصة وأن وضعها الاقتصادي بات مرتبط بجهات خارجية كصندوق النقد ورعاية دول الخليج وتمويلها لمصر الذي يتسم بفترات من التقطع واخرى بالاستمرار اعتماداً على موقف مصر من العديد من القضايا السياسية الخارجية وهذا بدوره سيجعل من سياسة مصر سياسة تتصف بالتبعية للخارج، الأمر الذي يفقدها هويتها واستقلالها، وقد ينعكس ذلك بأثار سلبية على واقع مصر الاقتصادي والتي سيتحملها ضررها الاول والاخير المواطن المصري، الذي كان يأمل ان حاله بعد الربيع العربي المزعوم سيكون أفضل؟!.

اضف تعليق