q

إن اجتماع التحالف الوطني في 25 أيلول 2016 الذي حضره رئيس الوزراء حيدر العبادي وعقد برئاسة رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، كان وفق درجة عالية من التنسيق والتفاهم لقيادة المشروع السياسي العراقي في المرحلة القادمة. وأنهى التيار الصدري الجمعة مقاطعته لاجتماعات التحالف الوطني، التي استمرت نحو 7 أشهر، بعد أن وصفه زعيمه السيد مقتدى الصدر بـ"التخالف"، واتهمه بحماية الفساد، ومعارضة الإصلاحات.

وقد حضر الاجتماع 20 ممثلاً عن أطراف التحالف الوطني. وعلى الرغم من الاجواء الإيجابية والانعكاسات السياسية لهذا الاجتماع، إلا أن هناك ثلاث بنود خلافية تضمنتها ورقة التيار الصدري، والتي تهدد بتعكير اجواء التفاؤل التي سادت اوساط التحالف الوطني. وبحسب نسخة من محضر اجتماع التحالف، (نشرته المدى)، فإن الخلاف دار حول الفقرات (1 و8 و12) من ورقة الصدر، فضلاً عن الموقف من الاستجوابات البرلمانية، لاسيما استجواب وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، ووجوب التفكيك بين رئاسة التحالف الوطني ورئاسة الوزراء.

وتنص ورقة شروط الصدر في المادة (أولا) على أن "يكون هناك غطاء مرجعي عام داخل العراق مقبول من جميع الاطراف". كما تنص المادة (ثامنا) على "اعتبار دول الاحتلال دولا معادية لايمكن التحاور معها إلا بعد مراجعة المراجع أعلاه". بينما تشير المادة (الثانية عشرة) من الورقة إلى أن "الامور الحساسة والمهمة جدا يكون الرجوع بها الى المرجعية المتفق عليها".

وعلى الرغم من أن بعض الحضور أبدى ترحيبه بورقة الصدر، إلا انهم أكدوا الحاجة الى مناقشة بعض التفاصيل، مشددين على ضرورة الاتفاق على ما وصفوها بـ"القضايا الاستراتيجية"، وألا يؤدي الخلاف حول القضايا الثانوية الى الإضرار بوحدة التحالف الوطني.

ان ما يثير عدم التفاؤل باجتماع التحالف هو تأكيد السيد الحكيم بأن الاجتماع تم تخصيصه للاطلاع على مجمل الوثيقة، وأن مناقشة التفاصيل بحاجة إلى اجتماع مطول. فضلاً عن غياب رئيس الوزراء الأسبق السيد المالكي في الاجتماع الأول. وهذا مؤشر على مدى الخلاف بين أطراف التحالف الوطني على الصيغ التوافقية، وحول بعض فقرات الورقة الصدرية، لاسيما في ما يتعلق بالوزراء التكنوقراط، ودول الاحتلال، ومرجعية التحالف الوطني. وهذا ما اكده رئيس الوفد المفاوض للتيار الصدري "جعفر الموسوي".

وقد ابدت بعض أطراف التحالف تحفظها على بعض الفقرات، لاسيما من قبل دولة القانون التي طالبت بإبعاد المرجعية الدينية -إشارة منها إلى مرجعية السيد السيستاني-؛ وذلك لعدم زج المرجعية بأمور لا ترغب فيها. على الرغم من أن بعض التسريبات الإعلامية تؤكد بعدم مطالبة التيار الصدري باعتماد مرجعية النجف كمرجعية واحدة للعودة اليها في القضايا الاستراتيجية، وذلك لكون أن "التيار الصدري" يريد فتح باب التدخل لجهات دينية قد لا تؤمن أساسا بالعمل السياسي. وهذا الأمر ما أكده صلاح العرباوي، مستشار رئيس المجلس الإسلامي الاعلى "عمار الحكيم"، بان "هذا الطلب من التيار الصدري وليس من المرجعية، والامر متروك لقرار الاخيرة".

ويريد التيار الصدري من خلال هذه النقطة جعل مرجعية النجف هي الاساس والمرجع لكل الخلافات السياسية وذلك تحسباً للتحديات السياسية لما بعد "داعش" وما بعد تحرير الموصل، ووضع حد للتدخلات الإقليمية حتى وان كانت بإطار معين أو تحت عناوين معينة، والحفاظ على صبغة الحشد الشعبي وإدراجها كمؤسسة عسكرية رسمية ترتبط بالمؤسسة العسكرية العراقية وليس بأطراف وقوى سياسية أو دينية معينة؛ لكيلا تستغل سياسياَ.

وبذات الموضوع ابدى عمار طعمة رئيس كتلة الفضيلة على دور المرجعية وتحكيمها في القضايا الحساسة، إلا أنه أكد على تمسك حزبه بمرجعيته المتمثلة بالشيخ اليعقوبي. وهذه النقطة بالتحديد ستكون نقطة الاختلاف بين مكونات التحالف؛ لأن هناك أكثر من مرجعية، لاسيما بين مرجعية النجف ومرجعية قم، فضلاً عن دور المرجعيات العراقية الأخرى. على الرغم من أن الاتفاق جرى على اعتماد مرجعية السيد السيستاني، مع إعطاء الحق للمرجعيات الاخرى بإبداء الرأي. وكذلك ابدى حزب الدعوة والفضيلة تحفظهما على دور التحالف الوطني الذي يوازي دور المرجعية، وطالبوا بتعديله وإعادة صياغته.

فضلاً عن الاختلاف حول التفكيك بين رئاسة التحالف ورئاسة الوزراء – وهي الفقرة التي اعترض عليها حزب الدعوة، والذي طالب بدوره أيضاً بمراجعة المادة الثامنة التي تتعلق بدول الاحتلال وضرورة تجمع الرؤى حول هذه النقطة بالتحديد. وخلال محضر الاجتماع دعا عضو الوفد الصدري الشيخ "صباح الساعدي" في مداخلته، إلى أن يبادر التحالف الوطني للالتزام بتوجيهات المرجعية، وأن يسعى الى حاكمية مرجعية تستطيع أن تفكك الخلافات". وحذر من تفكك التحالف الوطني اذا لم يلتزم بوجود مرجعية حاكمة.

أما رئيس الوزراء "حيدر العبادي" فقد ركزت مداخلاته على تحضيرات معركة الموصل، داعيا قيادة التحالف الوطني الى ضرورة الابتعاد عن "القضايا الخلافية؛ لان التحالف الوطني هو تحالف إرادي". وإلى جانب تلك النقاط الخلافية، كذلك هناك ما يهدد مستقبل هذا الاتفاق، وذلك بسبب قائمة الاسماء التي يطالب الصدر باستبعادها ومحاكمتها لتورطها بقضايا فساد، وقد يكون السيد المالكي على رأس هذه القائمة. وأن التيار لديه قائمة بأسماء بعض الشخصيات التي يطالب بابعادها من العملية السياسية باعتبارهم اشخاص فاسدين". وقد تكون قضية الاستجوابات تحدي جديد أمام الاتفاق، لاسيما وأن بعض أطراف التحالف الوطني يسعون بقوة إلى ايقاف استجواب وزير الخارجية ابراهيم الجعفري.

وقد تكون بعض هذه النقاط الخلافية مررت بصيغ معينة؛ للالتفاف على ورقة التيار الصدري. فعلى سبيل المثال يشير البعض الى أن الاتفاق تم حول دور المرجعية الدينية، وأن يختصر دورها في القضايا المهمة فقط، كاختيار رئيسي الوزراء والتحالف الوطني. وفيما يتعلق في الفقرة (سادسا)، المتعلقة بتشكيل التحالف الوطني لحكومة تكنوقراط مستقلة وبإشرافه، يقول "صلاح العرباوي" تم تعديل الفقرة "ليكون المعيار في اعتماد الوزراء هو الكفاءة والتخصص". وهذا يعني بأن التحالف لم يغادر المحاصصة الحزبية. وكذلك تم الاتفاق أيضاً بالقول "على عدم السماح لأي تجاوز على سيادة البلاد، بدلا عن (دول الاحتلال) لعدم وجود احتلال في العراق باستثناء القوات التركية التي لا يوجد توصيف لها حتى الآن". وعن الفقرة المتعلقة بإبعاد رئاسة التحالف الوطني عن الحزب الذي يعين رئيس الوزراء، باستبدال كلمة الحزب بالجهة. هذه التفسيرات لبعض النقاط قد تكون بوادر لانقسام سياسي مستقبلي بين مكونات التحالف الوطني.

أما الاجتماع الثاني الذي عقده التحالف الوطني ليلة الأثنين 3/10 وحضره المالكي والعامري ورئيس الوفد الصدري جعفر الموسوي، فقد تطرق إلى (وثيقة السلم الأهلي، الانتخابات القادمة، موضوع الاستجوابات في مجلس النواب وكيفية التعامل معها وآلية تطوير النظام الداخلي للتحالف). وعليه ربما تكون جهود احياء التحالف الوطني، هي جهود سياسية انتخابية من أجل المشروع الانتخابي وليس المشروع السياسي الجامع، وأن جهود السيد عمار الحكيم قد تكون جهود من أجل تنشيط دور التحالف الوطني لخوض الانتخابات القادمة وتلميع صورته بعد الانتكاسات التي مر بها وفقدانه لثقة الجمهور. وهذا بالفعل ما اتهمت به جبهة الإصلاح التحالف الوطني من خلال تحركاته الأخيرة.

كذلك فإن لملمة شتات التحالف الوطني وجمع اطرافه تتناقض مع طروحات السيد المالكي وائتلافه السياسي الذي يطالب بحكومة أغلبية سياسية؛ لأن احياء التحالف الوطني يعني ابقاء العراق تحت رحمة الشراكة والمحاصصة بصيغتها الحالية بالرغم من أن بنود التيار الصدري تضمنت الانفتاح على القوى السياسية الأخرى من خارج التحالف ومغادرة الصبغة الطائفية له. وهذا الاصطفاف قد تستقبله الكتل الأخرى (الكردية والسنية بارتياح كبير)؛ لارتباط مشروعها السياسي ومصالحها الحزبية بسياسة المحاصصة والتكتل الطائفي، وأن لملمة التحالف قد يكون له قبول إقليمي دولي (إيراني – أمريكي) لكن برؤى مختلفة، كذلك الامر بالنسبة للمرجعية الدينية التي تريد لملمة التحالف لكن بفكر مرجعي موحد، ورؤى سياسية واضحة بعيدة عن التوجهات الحزبية.

ولهذا فان احياء التحالف الوطني بشكل جدي يتطلب الانفتاح على الكتل الأخرى بتوجهات وطنية، ومغادرة حكومة المحاصصة واعتبار معيار الكفاءة والتخصص (التكنوقراط) كمعيار اساس في تشكيل الحكومات، وكذلك اعتبار التحالف جهة تنظيمية ورقابية على عملية تشكيل الحكومة ورصد سلبياتها وتقويمها بفكر مؤسساتي بعيد عن التحزب والمصالح الضيقة، والتعامل مع الدول الأخرى على اساس الشراكة والمصالح المتبادلة، لاسيما مع إيران والولايات المتحدة الأمريكية، إذ يرتبط العراق مع الاخيرة باتفاقية إطار استراتيجي بعيد المدى، ولا يمكن التعامل معها على اساس أنها دولة احتلال.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق