q

مشكلة الحكم في الأردن أنه يريد ديموقراطية بدون ديموقراطية، وحرية بدون حرية، وإصلاح بدون إصلاح ودستور بدون حقوق وضمانات دستورية. الحكم في الأردن يريد ولا يريد في الوقت نفسه. يريد إنتخابات ولا يريد للشعب أن يختار.

الجُهْدْ الذي صرفته الحكومات الأردنية على صياغة قانون إنتخابات يعطي ولا يعطي في نفس الوقت هو ما جعل هذا القانون معجزة في الفـَهْم والإستيعاب يتمتع بغموض يبعث على الشك بنوايا القائمين عليه كونه يأخذ باليسار ما يعطيه باليمين ويتجنب البساطة والوضوح المطلوبين في صياغة قانون إنتخاب ديموقراطي ومباشر.

واقع الأمور يشير إلى أن الأردني يحق له التصويت ولكن لا يمكنه الإنتخاب بمعنى ممارسة الخيار الحر. فقانون الإنتخاب الأردني والذي بذلت الحكومات الأردنية جهوداً جَبـﱠارة لجعله قانوناً يحتمل التأويل ولا يعطي أجوبة دقيقة حاسمه، يسمح للمواطن بالتصويت ولكن لا يعطيه حرية الإختيار بين المرشحين في دائرته الإنتخابية كما يريد وضمن السقف المحدد لعدد النواب. وهكذا فإن الأردني يُصَوﱢتْ ولكنه في الواقع لا يَنـْتـَخِبْ. وهذا هو ملخص قانون الإنتخاب الأردني الذي ستجري الإنتخابات القادمة بموجبه.

وعـِوَضاً عن قيام المـُشـَرِّع الأردني بإستثمار الوقت والجهد في صياغة قانون إنتخاب ديموقراطي بسيط ومباشر، فإنه بذل كل الجهد في محاولة الإلتفاف على ذلك الإستحقاق.

تستند الديموقراطية في قاعدتها العريضة إلى المواطنة المتكافئة التي تعكس نفسها من خلال قوة تصويت متساوية لكل صوت إنتخابي على مستوى الوطن، والأردن ليس كذلك.

من المفترض أن يكون القانون الإنتخابي بسيطاً في صياغته ومُحْكـَماً ودقيقاً في تفاصيله ويهدف إلى إعطاء الناخب الحق المطلق في إنتخاب مـَنْ يريد مـِنْ مرشحي منطقته. قانون الإنتخاب الحالي يـَغـِلّْ يد الناخب من خلال إرغامه على التصويت بطريقة معينة ومعقدة يعجز المواطن البسيط عن فهمها وإستيعابها. فقانون الإنتخاب فشل بذلك في طرح طريقة يتم من خلالها تمثيل الكثافة السكانية لكل دائرة بشكل متساوي على مستوى الوطن وذلك من خلال تلاعب الحكومة بالكثافة السكانية وحجم ومساحة كل دائرة وعدد النواب الممثلين لها. هذا في حين أن القانون يجب أن يسعى إلى أن يكون وزن الصوت الإنتخابي متقارباً على مستوى الوطن.

دعونا ننظر إلى هذا الموضوع بشمولية ودقة أكثر من مجرد إعطاء أمثلة.

عدد الناخبين في الأردن حسب القيود الرسمية 4,218,547 ناخب. وإذا ما تمت قسمة هذا العدد على عدد النواب والبالغ 130 نائب، يكون المعدل الوطني لثقل صوت الناخب على مستوى الوطن هو 32450. ولغاية المرونة في التعامل مع هذا الرقم فإننا سوف نفترض أن الرقم 35000- 25000 ناخب هو المعدل العام.

الدوائر التي تقع دون متوسط المعدل الوطني العام للقوة التمثيلية للصوت الواحد وهذا يعني نواب أكثر لناخبين أقل.

الرقم المحافظة الدائرة الإنتخابية القوة التمثيلية للصوت الواحد

1 الكرك ــــــــ 17412 ناخب

2 معان ــــــــ 13947 ناخب

3 المفرق ــــــــ 24780 ناخب

4 الطفيلة ــــــــ 14114 ناخب

5 العقبة ــــــــ 18712 ناخب

6 بدو الوسط ــــــــ 19412 ناخب

7 بدو الجنوب ــــــــ 22285 ناخب

الدوائر التي تقع فوق متوسط المعدل الوطني العام للقوة التمثيلية للصوت الواحد وهذا يعني نواب أقل لناخبين أكثر.

الرقم المحافظة الدائرة الانتخابية القوة التمثيلية للصوت الواحد

1 العاصمة الدائرة الثانية 67360 ناخب

2 العاصمة الدائرة الرابعة 63312 ناخب

3 العاصمة الدائرة الأولى 58800 ناخب

4 الزرقاء الدائرة الأولى 57069 ناخب

5 اربد الدائرة الأولى 55400 ناخب

6 العاصمة الدائرة الخامسة 54520 ناخب

7 العاصمة الدائرة الثالثة 40450 ناخب

8 اربد الدائرة الثانية 37037 ناخب

- أما باقي الدوائر وهي ثمانية فتقع ضمن متوسط المعدل الوطني العام للقوة التمثيلية للصوت الواحد وهو يتراوح بين 35000-25000 ناخب لكل صوت.

إن تحليل الأرقام الواردة في الجداول أعلاه يؤكد ما يلي:

أولاً: لا يوجد مساواة في القوة التصويتية لكل ناخب على نطاق المملكة.

ثانياً: القوة التصويتية لناخب في محافظة الكرك أو معان أو الطفيلة تعادل ضعفي القوة التصويتية للناخب في اربد (الدائرة الرابعة) أو الزرقاء (الدائرة الثانية) وفي محافظة الكرك أربعة أضعاف القوة التصويتية للناخب في محافظة العاصمة (الدائرة الثانية والرابعة) أما محافظة معان والطفيلة فهي أربعة أضعاف ونصف تقريباً لمحافظة العاصمة (الدائرة الأولى) ومحافظة الزرقاء (الدائرة الأولى) ومحافظة اربد (الدائرة الأولى) وهكذا تفيدنا الجداول في تأكيد غياب العدالة في توزيع القوة التصويتية للناخب بين محافظات المملكة المختلفة. أما الحديث عن ثلاثي الجغرافيا والتنمية والسكان في تحديد الدوائر الإنتخابية وعدد النواب فهو إختراع أردني يُخـْفي في ثناياه الكثير من الخطايا. فالنائب يمثل البشر ولا يمثل الأرض أو الجغرافيا أو التنمية فتلك مسؤولية السلطة التنفيذية وليس التشريعية.

الأداة التي يستعملها القانون لتمرير التمييز هو النص الذي يعطي الحكومة الحق بتحديد الدوائر الإنتخابية بنظام وليس بقانون مما يطلق يد الحكومة لفعل ما تريد وبما يناسب مخططاتها.

إن مساهمة العديدين بما في ذلك الأحزاب التقليدية والإسلامية وبعض الشخصيات الوطنية المعارضة في هذه الإنتخابات قد لا يعكس رغبة في ممارسة هذا الحق الدستوري بهذه الطريقة بقدر ما يعكس إنصياعاً لتصميم الحكومة على فرض قانون إنتخاب مقيت جرى إخراجه بعملية قيصرية. ما هو مطروح على الشعب إما ممارسة هذا الإستحقاق على طريقة الحكومة ومن خلال قانون الإنتخاب الحالي أو لا شئ.

إن هذا الإنصياع يشكل مدخلاً خطيراً لإضفاء شرعية الممارسة والقبول الشعبي على هذا القانون والذي إذا ما بقي سيكون سيفاً مسلطاً على رقاب الجميع ومدخلاً للسلطات الحكومية والأمنية للتلاعب بمخرجات العملية الإنتخابية جزئياً أو كلياً في أي وقت تريد. ففعالية عملية التصويت وتحويلها إلى عملية إنتخاب تكمن في قدرة المواطن الناخب على ممارسة حقه في الإختيار بحرية كاملة وبشكل سري ومباشر ودون أي محددات ظاهرة أو مخفية تهدف إلى الحد من قدرته تلك، قانون الإنتخاب الأردني الحالي مُشـَوﱠه كونه يفتقد إلى التكامل بين حق التصويت وحرية الإنتخاب.

إن الإفلاس السياسي وشخصنة الأحزاب حتى العقائدية منها بشكل جعلت من الحزب مُمَـثـِلاَ للأمين العام وليس العكس هي من الظواهر الملحوظة في عملية الترشيح للإنتخابات النيابية والتي تجعل من محاولات خلق قوائم إنتخابية إئتلافية على أسس حزبية تلبية لمتطلبات قانون الإنتخاب أمراً لا يمكن تحقيقه. الأحزاب التاريخية في الأردن منغلقة وتعاني من سطوة الأمين العام على أمور الحزب بشكل يجعل منه نسخة ممسوخة عن الحاكم المستبد. وفي معالجتها لموضوع الإنتخابات تتمحور حسابات كل حزب حول شخص الأمين العام وطموحاته الإنتخابية والمنصبية وربما بإستثناءات قليلة تشمل بعض الأحزاب مثل حزب جبهة العمل الإسلامي وحزب الوحدة الشعبية والحزب الشيوعي الأردني.

لن يؤدي هذا القانون إلى فوز أي قائمة بأغلبية الأصوات على مستوى الدائرة الإنتخابية كما أنه لن يؤدي بالتالي إلى فوز أي حزب بالأغلبية على مستوى الوطن. وهذا الوضع لن يساهم في أي تنمية سياسية حقيقية كما أنه لن يؤدي إلى تعزيز الحياة الحزبية في الأردن. فعدم فوز أي قائمة بالأغلبية في دائرتها الإنتخابية سيؤدي إلى بعثرة الأصوات وكذلك بعثرة النواب المنتخبين مما قد يعيدنا واقعياً إلى قصة الصوت الواحد. فعدم وجود رابط حقيقي بين أعضاء الكتلة الواحدة سوف يدفع الكثيرين إلى الطلب من مؤيديهم أن يعطوا صوتهم لشخص واحد بعينه في تلك الكتلة وهكذا. ومن هنا قام أحد السياسيين الأردنيين المخضرمين بتسمية هذا القانون "بقانون البوق" أي أن يبوق الأخ بأخيه من أعضاء الكتلة. هذا القانون هو في واقعه رديفاً لقانون الصوت الواحد في نتائجه وإن كان بتسمية مختلفة.

الإعتماد بشكل أساسي على أفراد بعينهم في كل قائمة أعاد الوضع عملياً لما كان عليه الحال في القانون السابق. ومعظم القوائم لن تسفر عن فوز أكثر من مرشح واحد وفي بعض الحالات القليلة جداً مُرَشـَحَيـْن إثنين.

لقد فتح نظام القوائم المفتوحة طبقاً لقانون الإنتخاب الباب أمام فرد واحد متنفذ أو غني في أي كتلة للركوب على أكتاف باقي المرشحين في الكتلة نفسها حيث يقوم ذلك الفرد بتغطية نفقات كتلتهم ويقوم باقي أعضاء الكتلة بتوفير الغطاء الرقمي المطلوب توفره للترشيح ضمن كتلة كما ينص عليه القانون. وهذا يعني فعلاً أن القائمة أصبحت حصان طروادة لهذا الفرد الغني مما يكرس عمليا ً "المال السياسي" وواقعياً الصوت الواحد.

إن كيفية إحتساب نسب الأصوات للقوائم والأفراد غامضة ومتطلب يومين أو ثلاثة بين إغلاق باب التصويت وإعلان النتائج يشكل مدخلاً للتلاعب بالإنتخابات ونتائجها. والقرار يبقى في كل الأحوال بيد الدولة العميقة.

ونتيجة لهذا الوضع وتفاقم شكوك الأردنيين بنوايا الحكم ونزاهة الإنتخابات، فقد نشهد عزوفاً واضحاً بين أوساط الأردنيين على ممارسة حقهم الإنتخابي مما قد يضفي ظلالاً سوداء على شرعية المجلس فيما لو تـَدَنـَّتْ نسبة المشاركة بشكل واضح وفاضح.

* مفكر ومحلل سياسي
[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق