q

التفجيرات الأخيرة في بغداد، في منطقة الكرادة بالتحديد، والتي تسببت بمئات الضحايا، أثارت علامة استفهام كبيرة، واستنكارا شعبيا واسعا، بوجه الحكومة وخططها الأمنية البدائية، خطط لا تنتج إلا الفشل الدائم، والتي تسببت بمقتل المئات شهريا، فالتذمر والنقمة الشعبية على أشدها، وخير دليل ردة فعل الناس على زيارة السيد العبادي لموقع التفجير، حيث صب الجماهير عليه وابل من الأحذية والقاذورات والحجارة، مع عاصفة كبيرة من الشتائم، باعتباره هو المسئول عن ما يجري، لأنه القائد العام للقوات المسلحة، فالمسؤولية تقع عليه أولا.

ترى ما هي أسباب استمرار نزيف الدم العراقي؟ ومتى يمكن أن يتحقق الأمن للشعب العراقي؟

الخطط الأمنية الفاشلة

منذ عام 2004 والى الان كل الخطط الأمنية التي تضعها السلطة الحاكمة، كان مصيرها الفشل الذريع، والدليل على فشلها عدم توقف الانفجارات الإرهابية، في مناطق معينة من بغداد ( الكرادة، بغداد الجديدة، الشعلة، مدينة الصدر، شارع فلسطين)، مع انه يصرف مبالغ مهولة على الأمن، لكن لا شيء على ارض الواقع، شوارع معينة في بغداد تستهدف شهريا، مثل بغداد الجديدة وهو شارع ليس بالمسافة الطويلة، وليس أدغال وتلال كي يصعب السيطرة عليه، لكن كل الخطط التي توصل لها عقل السادة المسئولين، فشلت في تحقيق الأمان، مما يدلل على بلادة فاضحة في نوعية التفكير، مع عدم مبالاة لكبار مسئولين البلد بما يحدث من قتل يومي للأبرياء، هنا نشخص الخلل في العقول التي تضع الخطط، فهذه العقول فاشلة بامتياز، حيث شهريا معدل الضحايا لا يهبط، وكل فترة تحدث نكبة لبغداد، وفي نفس المناطق، انها عقول لا تنتج لنا ما يحمينا، بل كل همها أن يبقى الوضع على ما هو عليه، كي تحافظ على مراكزها ومنافعها، والمصيبة تقع علينا من جهتين، من جهة الإرهاب، ومن جهة الخطط الفاشلة.

لذا نحتاج التفكير بشكل مختلف، والتفكير المختلف يحتاج لعملية تغيير شاملة، لكل من كنا نعتمد على أفكارهم الأمنية، لننتقل إلى عقول محترفة تعطينا خطط لا تفشل، بدل عقول تعطينا الفشل يوميا، مع شرط عدم ارتباط القادة الأمنيين بأي جهة، لان من أسباب النكبة الحالية هو ارتباط بعض القيادات الأمنية بالأحزاب.

أعداد أمنية كبيرة بلا تدريب حقيقي

منذ عام 2003 تم تجنيد عشرات الآلاف في المنظومة الأمنية، بغية تحقيق الأمن والأمان، لكن كان هناك دوما اختراقات وحوادث مفجعة، كان الفشل ملازم للكثير من العمليات، نعم هنالك أبطال وغيارى في المنظومة الأمنية، لكن نسبة اقل، فأعداد كبيرة تجهل دورها، ولا تفهم كيف تتصرف كرجال امن، عبر محاصصات سياسية أتت بهم، هنا نشخص ضعف في الخبرات والتدريب، لفئة واسعة من رجال الأمن، والسبب يعود لرأس الهرم في المنظومة الأمنية، والى القيادات الكبيرة، التي لم تفهم إلى الان أهمية أن يرتقي برجال الأمن، ليكونوا بشكل مختلف.

وهنا يتطلب الأمر اصلاح مواقع المسؤولية في المنظومة الأمنية، والآتيان برجال يملكون واعي مختلف، ينهض بالمنظومة الأمنية، مع خطط حقيقية برفع مستوى رجال الأمن، من قبل التدريب والخبرات المكتسبة.

اختراق العدو للمنظومة الأمنية

الكثير من العمليات الإرهابية التي تحصل، عندما تدرسها جيدا تكتشف أن هنالك من يسهل المرور للجماعات إرهابية، من داخل المنظومة الأمنية، أي أن هنالك اختراق للمنظومة الأمنية، فالسيطرات لا تعمل كطبيعتها اليومية، مما يسهل مرور المركبات المشبوهة، والمعلومة الأمنية المكتسبة يتم تسريبها، مما يجعل الجماعات الإرهابية متسلحة بالدعم والمعلومات، لذا تفشل الإجراءات الأمنية، ويصل العدو إلى هدفه بحرية كبيرة، والدليل تفجير الكرادة الأخيرة، الذي يوضح مدى الاختراق الكبير للمنظومة الأمنية، فالشاحنة المفخخة التي انفجرت في الكرادة، كيف مرت، ومن سهل وصولها، ولماذا لم تفتش، أنها مصيبة حقيقية التي تعيشها المنظومة الأمنية في العراق.

نحتاج إلى منع توزيع المناصب الأمنية على أساس المحاصصة السياسية، لان هذا أحد أهم أسباب فشل المنظومة، بالإضافة لأهمية الإسراع بعملية إقصاء لكل البعثيين، وممن كان لهم ارتباط بحزب البعث أو رجال حزب البعث، والتركيز على تغيير القيادات المسئولة عن المعلومات وتوزيعها، مع التشديد على خلق نظام رقابي شديد الفعالية، كي يمكن تشخيص الإفراد المرتبطين بجهات إرهابية أو معادية للعراق.

ثلاث عوامل حددناها هنا، هي سبب الفشل الأمني، وقد تم تحديد طرق الإصلاح للنهوض بالواقع الأمني، ونطالب بدل التهريج الإعلامي لبعض السياسيين، الذي لا ينفع العليل، الشروع بالعمل ببعض ما تم تشخيصه، ففيه الإنقاذ التام.

(2)

مازال الشغل الشاغل للعراقيين هو فاجعة الكرادة، التي تسببت باستشهاد وجرح المئات، في ليلة رمضانية دامية، قد كشفت عورة الحكومة، حيث من المعيب بعد اليوم أن يتكلم أي سياسي عن الذكاء والفطنة والشجاعة، لأنها لا تتواجد فيهم والدليل مصيبة الكرادة، التي أزاحت أقنعة الخوارق ( سوبرمان السياسة العراقية)، التي يتبجحون بها على الشعب المسكين، ليفتضح فقرهم العلمي والأخلاقي، فتبين أنهم من العقل والتعقل اشد فقرا، والضحية فقط الأبرياء الذين تخطفهم نيران سفلة العصر، من قرود الدواعش وبهائم القاعدة وحمير الوهابية.

عندما نشاهد الحدث تتولد لدينا شكوك كثيرة، حول بعض المرتكزات الحالية للدولة، والتي نجدها هي سبب فوضى البلد، وهذه الشكوك تضخمت لتتحول لجبال يصعب أزالتها، لان البلد يحكمه نخبة ضعيفة، لا تفهم كيف تواجه الأزمات، ولا تعرف كيف تحل مشاكل البلد، مما جعل المشاكل تتراكم إلى أن وصلنا لحال مرعبة، كمريض ميؤس من شفائه، يصعب على أي جراح خبير انجاز العملية بنجاح.

وهنا نتحدث عن ثلاث شكوك كبيرة، وهي:

شكوك حول اللجان الأمنية المسئولة

التفجيرات الأخيرة في الكرادة، اثبت أن اللجان الأمنية المختلفة يقودها أناس ثبت فشلهم، ويجب وضعهم بين قوسين، فالفشل المستمر ومن دون أن يتحقق أي انجاز، والإحداث الغريبة التي لازمت التفجيرات الأخيرة، من تسهيل مرور المركبات المشبوهة، أو سهولة حركة الإرهابيين، ضمن مناطق باتت معروفة بأنها مستهدفة دوما، مثل الكرادة وبغداد الجديدة ومدينة الصدر، مع تسريب المعلومات الأمنية، تجعل الشك كبير جدا بهذه اللجان، أعتقد يجب أن يكون هناك نظام رقابي صارم على هذه اللجان، مع تقييم شهري للأداء، مع أهمية تغيير من يهبط تقييمه أو تظهر مؤشرات سلبية على أدائه، ويجب فهم طبيعة علاقاته، وأهمية كشف الذمم لهذه اللجان، كل هذا يغيب ألان عن السلطة الكسولة.

نعلم جيدا أن رئيس الوزراء السابق، جعل المناصب حسب مقبولية الأحزاب، مما ادخل علينا جيل غريب من القادة العسكريين والأمنيين، وهم بعيدون بأميال عن استحقاق المنصب، فلا كفاءة ولا الثقافة المناسبة، ولا الخبرات الواجب توفرها في المنصب، وهذه الخطيئة تقع على عاتق الحزب الحاكم منذ 12 عام، والذي لم ينتج ألا الفشل المستمر.

في دول العالم تكون القيم الأخلاقية هي الباعث على العمل، وعندما يفشل المسئول فانه يبادر فورا للاستقالة، لكن هذه القيم الأخلاقية لا نجدها في شخوص السلطة، بسبب افتقادهم للحياء وانعدام الإحساس.

اليوم، كان على العبادي وكل المسئولين من النخبة الحاكمة المبادرة للاستقالة، لأنهم خيبوا توقعات العراقيين، وأضاعوا أحلام الملايين، لكن عدم الحياء يجعلهم متسمرين في أماكنهم، مما يجعل المواطن أمام ضغط الإرهاب وحده، من دون مظلة تحميه.

شكوك حول السفارة الأمريكية

أي قرار امني اصلاحي من قبل النخبة الحاكمة لا يمكن أن يمر، إلا بعد مباركة جهة خارجية، هكذا تبدو الصورة، فالسعي للإصلاح يحتاج لموافقة جهة معينة، تعطي للحكام صك الرضا، أنها السفارة الأمريكية، ذات النفوذ الكبير على المشهد العراقي، بل أن هنالك ربط بين ما يحصل من أحداث سياسية، وبين السفارة الأمريكية، فيستشعر الناس أن للسفارة الأمريكية يد في الإحداث، فالإحداث الأخيرة ليست بعيدة عن السفارة، خصوصا أن الإحداث جاءت بعد غضب أمريكي من قضية الاستعراض في البصرة، والذي تم فيه المشي بالأحذية على علم أمريكا، وشارك في الاستعراض أفراد من الشرطة وبالملابس الرسمية، في خطا ساذج يدلل على خواء فكري فاضح، فكانت الأحداث التالية والمتزامنة هي اثنين، فتح ملف اخو وزير الداخلية، ثم الانفجار العجيب في الكرادة، الانفجار الذي لا يشبه الانفجارات السابقة التي تقوم بها العصابات الإرهابية، بل هو يشبه تأثير القنابل التي ضرب بها المطار في عام 2003، فالنار المستعرة والحرارة العالية والانفجار القطري الأفقي، مما يجعل دائرة الاتهام تتوسع.

أما عن مصالح أمريكا من الانفجار والفوضى والصراعات السياسية، فالحدث الأخير مهم لهم، حيث يكرس الخلافات، ويشعل الاحتقان الطائفي، أي أن الانفجار يدفع نحو تحقيق حلم أمريكا في العراق وهو التقسيم.

والأمر يكشف لنا هشاشة حكومة العبادي ويعريها من أقنعتها، فلو كانت حكومة العبادي قوية، لما تجرأ الغريب بان يتحكم بالمشهد، ويقوم بتسيير الأحداث حسب ما يرسم هو، ولا اعتقد أن الأحزاب الحالية يمكن أن تنتج قائد قوي، فما معروف من أسماء حالية، لا يمكن الوثوق بإمكانيتهم في تحقيق أحلام الناس.

شكوك حول سيادة حقيقية للسلطة العراقية

الأحداث التي تحصل، والقرارات الغريبة التي تنتج من النخبة الحاكمة، وكمية التفريط الكبيرة بحقوق العراقيين، والإذعان الرهيب للسيد الأمريكي، كلها تقودنا إلى نتيجة واحدة، ان السيادة وهم، فهنالك قوى هي من تتحكم بالقرارات المهمة للبلد، وهي من تضع شروط على الساسة، فما قضايا التسليح الفاشل والتفريط الغريب بمرتكزات البلد، والمساهمة في نشر الفساد، إلا بأمر من قيادة قوى عظمى، تنحني أمامها النخبة الحاكمة، ان قضية السيادة تم التفريط بها نتيجة تخبط الساسة وعدم وجود منهج صحيح، وعمالة الكثير منهم لأطراف خارجية.

فالسيادة وهم زرعه الحاكم السابق، لغرض الضحك على الناس، وكسب الشعبية على حساب الحقيقة، والتمهيد لولاية ثالثة، فالحقيقة انه إلى الان القرار بيد السفير الأمريكي، وما النخبة الحاكمة الا فزاعات من القش، فالخلل في قمة الهرم، والحكام ينتهجون أساليب الدعائية والأوهام، للسطوة على الكرسي أطول فترة ممكنة، وما الديمقراطية الا أكذوبة كبيرة نعيشها منذ سنوات.

علل ستقصم ظهر البعير (السلطة)، لان البعير تحمل كثيرا على ظهره، من دون أن يسعى ويفكر لحل مشاكله، أو إزالة الإثقال (الأزمات)، لأنه بعير لا يملك أمره، والقشة الصغيرة ستقصم ظهره حتما.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق